بطل برداء أبيض يصمد رغم جراحه ويرفض التهجير (بورتريه)
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
مشهدان تعلقا به سيبقيان عالقين في الذاكرة لسنوات طويلة، وهو يقف بردائه الأبيض وسماعته الطبية ويداه مرفوعتان إلى الأعلى داخل المستشفى الذي يديره، على مقربة من بوابة الدخول الرئيسية أمام جنود مدججين بالسلاح، وبجواره اثنان من مساعديه بالهيئة ذاتها، وأيضا مشهده وهو يؤم صلاة الجنازة على روح ابنه الشهيد بقلب جريح ومكسور وعيون باكية بحرقة لا توصف، وبردائه الطبي أيضا وهو يؤدي صلاة الوداع الأخير على ابنه.
حسام أبو صفية المولود في عام 1973 في مخيم جباليا بمدينة غزة لعائلة هجرت من بلدة حمامة قضاء عسقلان، إثر النكبة عام 1948، حاصل على شهادة البورد الفلسطيني في طب الأطفال وحديثي الولادة، واستشاري طب أطفال، عمل في القطاع الصحي بقطاع غزة حتى تقلد منصب مدير مستشفى الشهيد كمال عدوان في قطاع غزة، ذلك المستشفى الذي اقتحمه الاحتلال أكثر من 15 مرة، وقصفه بعدد ضخم من الصورايخ والرصاص ويحاصره دون توقف بأرتال من الدبابات وعربات الجند.
أحد الشخصيات البارزة في القطاع الصحي والطبي ليس في غزة فقط وإنما في فلسطين، يعمل على قيادة الفرق الطبية لتقديم الخدمات الطبية لسكان غزة رغم القصف والحصار والاعتقال واستهداف حياته وحياة أسرته شخصيا.
رفض مغادرة مكانه والتخلي عن مهمته الوطنية والإنسانية رغم تهديد سلطات الاحتلال له، وعقابا له على موقفه الصلب والمبدئي قام الاحتلال باعتقاله في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي خلال اقتحام القوات الإسرائيلية لمستشفى كمال عدوان وإجبار الكادر الطبي على المغادرة.
ولم يلبث الاحتلال أن أطلق سراحه بعد أن قرر الانتقام من الدكتور أبو صفية بطريقة مؤلمة جدا، فما هي إلا ساعات حتى تلقى نبأ استشهاد طفله إبراهيم نتيجة قصف القوات الإسرائيلية لمكان تواجده.
كانت صدمة وجدانية لا توصف فقد ظهر بمقطع فيديو حاملا نعش ابنه الشهيد على كتفيه ودموعه تملأ وجهه.
كما أنه أطل يبحث لفلذة كبده عن قبر بين الشوارع التي غطاها الركام، ودفن ابنه بجوار جدار المستشفى، مستقبلا التعازي ممن حوله.
وقال أبو صفية إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل ابنه لأنه يقدم رسالة إنسانية، وسط الأحداث المؤلمة التي يشهدها شمال قطاع غزة.
وأردف قائلا: "كل شيء فقدناه في هذا المستشفى حتى أبناءنا، حرقوا قلوبنا على المستشفى وقتلوا أطفالنا أمام أعيننا لأننا نحمل رسالة إنسانية، ونقوم بدفنهم بأيدينا".
وبعد نحو شهر، أصيب أبو صفية جراء إلقاء قنبلة عليه من طائرة كوادكابتر إسرائيلية أثناء عمله داخل المستشفى، ما أدى إلى إصابته بستة شظايا اخترقت منطقة الفخذ وتسببت في تمزق الأوردة والشرايين.
هذه الإصابة اعتبرها أبو صفية "شرفا له"، مشيرا إلى أن إصابته لن تثنيه عن تقديم الخدمات، قائلا: "سنظل نقدم ما في وسعنا للفلسطينيين المتضررين من قصف الاحتلال". وتأتي هذه الحادثة في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المستشفيات في شمال قطاع غزة، وخاصة مستشفى كمال عدوان، الذي تعرض للاستهداف عدة مرات بالطائرات المسيرة، بالإضافة إلى قصف المناطق المحيطة به، ما فاقم الأوضاع الإنسانية والطبية بشكل كبير.
المستشفى يعاني من وضع كارثي خطير من حيث تراجع الخدمات المقدمة للمرضى، نتيجة تشديد الاحتلال حصاره على المستشفى ومنع وصول إمدادات الوقود والمستلزمات والكوادر الطبية إليه منذ بدء حصار مخيم جباليا، حيث تتكدس أقسام المستشفى الوحيد الذي يعمل من ضمن ثلاثة مستشفيات أغلقت في شمال غزة، بأعداد كبيرة من الشهداء، الذين قضوا نتيجة صعوبة التعامل مع إصاباتهم في حين أن هناك المئات من المصابين ما زالوا ينزفون، مع منع الاحتلال نقل المصابين إلى مستشفى الشفاء المعمداني في مدينة غزة.
الاحتلال الإسرائيلي يمارس حرب إبادة وتطهيرا عرقيا ضمن خطة الجنرالات التي صادق عليها المستوى السياسي في شمال قطاع غزة وبالتحديد في مخيم جباليا، حيث تقضي الخطة بحصار المخيم وتجويع السكان ودفعهم للنزوح إلى جنوب القطاع، لكن إصرار السكان على الثبات وعدم الرضوخ لمحاولات التهجير، دفع بالجيش إلى ارتكاب مجازر دامية بحق النازحين داخل مراكز الإيواء والسكان المتواجدين في منازلهم، حيث إنه يعمل على تدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، إلى جانب قصف مراكز الإيواء بالقذائف المدفعية، وتنفيذ عمليات إعدام بحق عدد من الشباب الذين تم اعتقالهم من داخل مراكز الإيواء، إلى جانب انتشار جثث الشهداء في شوارع مخيم جباليا والمناطق المحيطة.
وبدعم أمريكي، يشن الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حربا على غزة خلفت أكثر من 150 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وما يزيد على الـ10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وفي حين تجاوز عدد قتلى القطاع الصحي الـ1050 فردا، منذ بدء الحرب لإسرائيلية على غزة، فإن القطاع يشهد استهدافا ممنهجا تسبب في خروج 34 مستشفى و80 مركزا صحيا عن الخدمة، كما أنه تم تدمير 134 سيارة إسعاف وحرمان عشرات الآلاف من المرضى من العلاج.
وضع كارثي، يحاصر الكوادر الطبية والصحية في دائرة من اليأس، ورغم ذلك فهم يحاولون قدر استطاعتهم أمام وضع بائس تماما، لا يسمح إلا بتقديم الخدمة العلاجية ضمن حدها الأدنى.
لكنهم رغم مكابدة التعب والجوع والحصار وقلة الإمكانيات يحاولون ويفعلون المستحيل لإنقاذ أبناء شعبهم الذين يتعرضون للإبادة.
ويمضي حسام أبو صفية، مع رفاقه، بثبات وبقناعة لا تتزحزح على درب من سبقوه من الأطباء الشهداء إياد الرنتيسي، وعدنان البرش، وآلاف من موظفي الصحة في قطاع غزة، يتكئ على عصاه بعد إصابته يتفقد المرضى ويداوي الجرحى رافضا أخذ قسط من الراحة، فكل دقيقة هناك جرحى وشهداء ودماء ودموع.
وأبو صفية لن يغادر أبدا حزنه على ولده، ورغم مظاهر القوة التي تبدو عليه أثناء القيام بواجبه، فأنت تسمع قلبه يئن من الوجع وألم الفقد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه غزة الفلسطيني الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال حسام ابو صفية بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه عالم الفن سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مخیم جبالیا أبو صفیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
محافظ الإسماعيلية يتفقد مستشفى القنطرة غرب المركزي للاطمئنان على جودة الخدمات الطبية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تفقد اللواء طيار أ.ح أكرم محمد جلال، محافظ الإسماعيلية، اليوم الأربعاء، مستشفى القنطرة غرب المركزي، للوقوف على مستوى الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، ومتابعة سير العمل داخل الأقسام المختلفة، ضمن جهود المحافظة لتحسين المنظومة الصحية وتطوير المنشآت الطبية.
رافق المحافظ خلال الجولة اللواء طارق اليمني، السكرتير العام المساعد للمحافظة، والنائب محمد طلبة، عضو مجلس النواب، والدكتورة ريم مصطفى، وكيل وزارة الصحة، والدكتور علي رفعت، مدير فرع الهيئة العامة للرعاية الصحية بالإسماعيلية، والمهندس محمد عيد، رئيس مركز ومدينة القنطرة غرب، إلى جانب عدد من القيادات التنفيذية وقيادات القطاع الطبي بالمحافظة.
شملت الجولة تفقد أقسام العيادات الخارجية، الاستقبال والطوارئ، العناية المركزة، الحضَّانات، القسم الداخلي، والأشعة، حيث حرص المحافظ على الاستماع إلى آراء المرضى والمترددين على المستشفى، للتأكد من مدى رضاهم عن الخدمات الطبية المقدمة. ذ
وأكد أن توفير رعاية صحية متكاملة بجودة عالية يعد من أولويات العمل بالمحافظة، مشيرًا إلى أن مستشفى القنطرة غرب المركزي يمثل إضافة قوية لمنظومة الرعاية الصحية بالإسماعيلية، مما يسهم في توسيع شبكة الخدمات الطبية تحت مظلة التأمين الصحي الشامل، والإسراع في تحقيق التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين بالمحافظة.ذ
من جانبه، أوضح الدكتور علي رفعت، مدير فرع الهيئة العامة للرعاية الصحية، أن المستشفى تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات الطبية المتكاملة، ما يعكس التزام الهيئة بتوفير رعاية صحية متميزة للمواطنين.
وأضاف أن المستشفى تضم عددًا من الأقسام المتخصصة، منها جراحة العظام، النساء والتوليد، الطوارئ، العناية المركزة، الحضَّانات، الغسيل الكلوي، خدمات المعمل، بنك الدم، التخدير، والأشعة بأنواعها المختلفة، مثل الأشعة العادية، الأشعة المقطعية، أشعة الدوبلر، وأشعة الموجات الصوتية. كما تضم العيادات الخارجية تخصصات متعددة، منها الجلدية، التخدير، الباطنة، الكلى، الأطفال، العظام، النساء والتوليد، والجراحة العامة.
وتبلغ السعة السريرية للمستشفى 68 سريرًا، منها 6 أسرَّة للعناية المركزة، 7 للحضَّانات، و16 سريرًا بقسم الاستقبال والطوارئ، بالإضافة إلى 16 وحدة للغسيل الكلوي، وغرفتين للعمليات الكبرى، وغرفتين مخصصتين لعمليات النساء والتوليد.
وتتكون المستشفى من ثلاثة أدوار، وتمتد على مساحة 21,881 مترًا مربعًا، بصافي مبانٍ تبلغ 15,900 متر مربع، وانضمت إلى منظومة التأمين الصحي الشامل في أغسطس 2024، حيث قدمت منذ ذلك الحين نحو 80 ألف خدمة طبية متكاملة للمواطنين تحت مظلة التأمين الصحي.