الضحايا بنيالا مجرد أرقام واسمها لم يرد في خطاب البرهان
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
الضحايا بنيالا مجرد أرقام واسمها لم يرد في خطاب البرهان
الصادق علي حسن/ المحامي
(جغم جغم) – (بل بل)
حياة الإنسان بالسودان وفي دارفور خاصة صارت بلا قيمة معتبرة، من أرخص الأشياء روح الإنسان ومن السهل قتل الإنسان دون الإحساس بالذنب أو الاكتراث للعواقب حتى صار القتل الجزافي ظاهرة ممارسة بصورة اعتيادية، القناصة بأحياء نيالا يصطادون المشاة في الشوارع بلا أي أسباب كما الدانات والقذائف تتساقط بل وتنهمر على المنازل والمرافق كالأمطار وتقتل النساء والأطفال والرجال بلا تمييز، امرأة تحتضن طفليها بحي السكة حديد خشية عليهما من مقذوفات الحرب العشوائية وهي لا تعرف لماذا هذه الحرب ومن هم أطرافها، وماذا يريد البرهان أم ماذا يريد حميدتي أم ماذا تريد قوى الحرية والتغيير، امراة بسيطة في حالها شغلها الشاغل أن تكسب من عرق جبينها لتربية أطفالها، فتسقط دانة على منزلها تقضي على طفليها الصغيرين في الحال أمام عينيها الجاحظتين وتقطع ساقيها، ليتعاظم حزنها وقد صارت مفجوعة بفقد طفليها وتحتاج لمن يعينها على علاجها وقضاء حوائجها وهي تئن من الأوجاع الشديدة والمتاعب وعدم القدرة حتى على تحريك جسدها الدامي من أطرافها على السرير.
أسرة الشهيد بشير فقدت عائلها الشهيد بشير الذي قتل بمنزله الشهر الماضي وأمس الأول تسقط دانة على أرملته وبنتيه وابنه وتستشهد إحدى بنتيه في الحال لتلحق بها أمها وشقيقها. وأسرة أخرى فقدت الأم والابن وفي سرداق العزاء تسقط دانة على المعزين ويسقط أكثر من قتيل وعدد من الجرحى.
مشاهد القتل المروعة صارت مألوفة في الأحياء بمدينة نيالا من جراء سقوط الدانات على المنازل والشوارع والأسوق ومداخل المدينة ومخارجها محاطة بالعناصر المسلحة تم اختطاف المدافع الحقوقي أحمد محمد عبد الله اللورد وجاره المدافع الحقوقي آدم عمر وعثر على جثتيهما في مدخل المدينة وكان الخاطفون قد طالبوا بفدية مالية قدرها (ثلاثون مليون جنيه) ولم ينتظروا حتى ليوم واحد وقتلوهما وقذفوا بجثتيهما في العراء.
لا توجد بوارق أمل سوى رحمة الله العلي العظيم التي تسع كل شئ. رجال الدين لم تعد كلمتهم مسموعة فالقتل الجزافي يتم تحت هتافات التكبير والتهليل، وقيادات الإدارات الأهلية انقسمت على نفسها، منها من انزوت وأغلقت الأبواب، ومنها من أعلنت انحيازها لأحد طرفي الحرب وقد فقدت حكمة وبصيرة قيادات الإدارات الأهلية، ومنها من سعت وحاولت بقدر سعة قدرتها ولكن ضاعت أصواتها مع هدير البنادق والقذائف والدانات.
العديد من الضحايا ممن قضوا نحبهم منذ نشوب المعارك منذ منتصف ابريل الماضي بمدينة نيالا وغيرها صاروا عبارة عن أرقام في الوسائط، وآلاف الجرحى والمفقودين، غالبية أحياء نيالا وسط تم إخلاؤها وهجرها سكانها جنوباً ولا تزال المعارك تدور في بعضها.
ليست بنيالا سلطة متنازع عليها أو قصر جمهوري أو ثروة يتم تقسيمها كما ولو سقطت نيالا ستكون مثلما سقطت الجنينة، ولو سقطت دارفور كلها فإن ذلك لا يعني أن الخرطوم ستسقط بل مزيداً من الانقسامات المجتمعية التي تعطل دارفور ولا تفيد في شئ إلا لأصحاب المصلحة في الفوضى.
(جغم جغم)- (بل بل)
* نيالا تحولت من مدينة جميلة تذخر بكافة أنواع الفنون والثقافة والإبداع والتعايش السلمي بين مكوناتها إلى مدينة الموت وقد تطبع سكانها مع ظاهرة التقتيل والترويع والدمار اليومي، ضحاياها يومياً في الوسائط مجرد أرقام لطرفي الحرب العبثية وأنصارهما في انشغال (جغم جغم)- (بل بل).
حتى في خطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان في ذكرى الاحتفال بعيد الجيش لم يرد ذكر اسم مدينة نيالا ومآسي نيالا ضمن المناطق المنكوبة بالحرب، وفي خلال الخمسة أيام السابقة لخطابه تجاوز عدد الشهداء المدنيين بمدينة نيالا من جراء سقوط الدانات والقذائف على المنازل ورصاصات القناصة والطائشة (50 قتيلاً مدنياً) وهي المدينة الثانية بعد الخرطوم التي تشهد يومياً القتل الجزافي والخراب والدمار وقد حلت مدينة نيالا في الترتيب محل مدينة الجنينة التي تم تهجير غالبية سكانها بفعل القتل الجزافي والخراب والدمار.
اللهم هذا قدرك، نسألك السلامة واللطف بأهالي نيالا وكل مناطق البلاد الأخرى المنكوبة بالعمليات الحربية.
الوسومالجنينة الجيش الدعم السريع الصادق علي حسن المحامي القتل الجزافي دارفور عبد الفتاح البرهان نيالاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجنينة الجيش الدعم السريع دارفور عبد الفتاح البرهان نيالا مدینة نیالا
إقرأ أيضاً:
هذا منهجي
عائض الأحمد
في صغرنا، كان الأكبر سنًا هو القائد، وعلينا أن نضع أقدامنا بعد أن يرفع قدميه، ولو كان أعمى بصر وبصيرة، وكل مؤهلاته عددا في أيام السنة، حتى لو أصابه الخرف، أو استعار خرقة بالية ليمسح بها الصدأ المتراكم على "عقله"، فما لنا غير السمع والطاعة تحت بند "أكبر منك بيوم "أغبى" عنك بسنوات"!
حينما أستحضر، تلك السذاجة المبطنة بالاحترام والموغلة في قلته أندب الوقت وأستحلفه بالله أن يبرء من تلك الصفحة إما بالمحو أو التجاهل وإن لم تكن هذه أو تلك، فخذ العبرة دون مساس بشخوص تلك المرحلة الراحلة إلى غير رجعة، وإن كان هناك من يستلهم بعضا من تصرفاته دون وعي معتقدا أنه المرجع والفهرس والحاشية، وكل أنماط الفروع تترابط بين يديه وتحت سمعه وبصره، فما لنا غير نهج العقلاء بحديث يشبه الصمت، فقمة الإزعاج لحظات تغافل العقلاء.
"السطوة" لم تكن تعني الأفعال فقط؛ فهناك من يسطو على دواخلنا ويسرق أعمارنا ويحيلنا إلى مجرد "عفش" زائد لا نفع منه ولا حاجة لأحد به، وإن تمنيت أن تكون مجرد ضوء في عتمة لمن مد يديه وأشعلك كفتيل زيت محترق يومض في يوم عصف نفعه، وتجاوزك وانحاز لمدبري الإنفاق وترشيد الطاقة وإخفاء الجهد، وعَصَر آخر حبه "زيتون" لأمةٍ أوشكت أنت تُفلس قبل أن تتذوق معنى من عاش حرًا مات بكرامة.
لماذا تظن أن هذه القواعد البشرية ملزمة ويجب العمل بها دون مشقة البحث أو السؤال؟ كفاهم يقينًا بأنك من سنها أو لم يعد كافيًا؟!
كان لي جار يرى أن أهل الحي مخطئون ويتعمدون مخالفته لدرجه العداء، فكان يذهب للبحث عن مسجد للصلاة فيه لأن "أبو صالح" وضع حذاء ابنه في موضع اعتاده، وذاك طفل؛ مما يعني "تعرُّضه لما قد يُبطل فرضه"! وهو يرتدي جواربه ويخاف أن يؤدي فريضته دون طهارة، فأرهقه خلع الحذاء والجوارب في كل مرة، فعزم ألا يأتي لمسجدنا وقاطع مجالسنا، خوفا على نفسه ودينه.
لم أكن أعتقد بأن هذا سببًا مقنعًا، ولقيته بعد سنوات فتجرأت على سؤاله فصعقني رده: "ومن قال لك يا أخي أنني أعني ذلك، والدي استحلفني بالله أن أقاطع أهل الحي اعتراضا على التقليل من قدره بتجاهل زيارته في مرضه أو أعد وليمة تليق بمقامه، هكذا كان".
واجتهادًا منى أقول: لو لم يكن لديه قناعة بكل هذا لما فعل، وكأن حاله يُرثى له بموافقته وحمق قبوله، والأكثر سوءًا هو رسالته بأنه يتعرض لمؤامرة في دينه.
ختامًا: الاختلاف لا يعني العداء، فأنت تستطيع الانصراف دون "مشقة" الاعتذار.
شيء من ذاته: الخبرة تنمو بالممارسة، والحكمة بالمُعَايَشَة، وكلهما سلوك إنساني.
لها: لم يتخطانا موعد قط، ساعتي البيولوجية تحاكي نبضات قلبك بالثواني.
نقد: البقاء لم يعد للأصلح والأفضل، الأشهر سَحَب بساط الأدنى موهبة وفكر.
رابط مختصر