صدى البلد:
2024-12-17@11:38:03 GMT

كريمة أبو العينين تكتب: كن قنقدا تعيش انسانا

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

فى محاولة لايجاد تفسيرات للمشاكل الاجتماعية التى نعيشها ونلتقط بعض تفاصيلها من الاعلام ووسائل التواصل ؛ بل ومن تجاربنا وتجارب اصدقاءنا وجيراننا ، وفى خضم هذه الحياة المرهقة نفسيا وجدت تفسيرا وربما حلا ساقه الينا الفيلسوف الالماني شوبنهاور  فى نظريته الفلسفية والتى تندرج تحت مسمى "مُعضلة القنفذ " في تحليل العلاقات الإنسانية.

 

فى هذه النظرية الفارقة فى نتائجها يقول لنا الفيلسوف العالمى  ان القنفذ عندما يشعر بالبرد في فصل الشتاء يقترب من أبناء جنسه بحثا عن الدفء فتؤلمه أشواكهم ، وتؤلمهم أشواكه في نفس الوقت ، لان الشوك الذي على جسم القنفذ يجعل عملية  اقترابه  من أبناء جنسه صعبه ومؤلمة ،  لأنهم كلّما اقتربوا من بعضهم البعض  فإن الشوك الذي على أجسامهم يؤذيهم ، فيقرّرون الإبتعاد عن بعضهم البعض ، ثم يشعرون بالبرد فيقتربون مرة أخرى وهكذا .

يقول شوبنهاور انه من الناحية النظرية  القنفذ وجد حلاً لهذه القضية ، واستحدث طريقة بسيطة ناجحة ، وهي عملية سماها شوبنهار ( المسافة الآمنة ) وفيها يختار القنفذ مسافة معينة من السلامة ، مجرد  مسافة تضمن له الدفء الكافي ، وفي نفس الوقت  تحمل معها أقل درجة ممكنة من الألم او من احتكاك الاجساد ببعضها البعض وبشوكها بالطبع وماينتح عنه من ألم وانزعاج .تتبع الاديب العالمى القنفذ وخروجه بهذه النظرية لم تكن وليدة موقف ولكن لها تاريخ بدأ فى  سنة 1851  حينما تأمّل الفيلسوف الألماني شوبنهاور في موقف حيوان القنفذ واعتبره واحدة من معضلات الإنسان الإجتماعية النفسية ،وسماها : ( مُعضلة القنفذ )  Hedgehog's dilemma 

شوبنهاور طبق هذه النظرية على العلاقات الانسانية،  وأكد أن الإنسان الذى يشعر بالوحدة او الوحيد يحركه الاحساس  باحتياج شديد لأن يقترب من الناس ويتفاعل معهم ، وأنّ الوحدة تبقى قاسية جداً ومؤلمة بالنسبة للإنسان الطبيعي ( مثل البرد بالنسبة للقنفذ ) ، فيقرّر أن يفعل مثل القنفذ ويبحث عن أبناء جنسه ويلتصق بهم من أجل الدفء النفسي. 

ويستطرد شوبنهاور بالقول ان المشكلة تكمن فى ان التصاق هذا الانسان الوحيد وقربه  فى محاولة منه للبحث عن الامن ودفء المشاعر لن يكون مصدر سعادة وراحة على الدوام ، وإنما العكس ، قد يصبح  مصدر ألم وتعب ( لنفسه ولأقرانه ) ، وهنا تتولّد مشاعر سلبية كثيرة مثل الضغط النفسي والإحراج والفراق وغيرها. ويعمم الفيلسوف الالمانى نظريته  ويؤكد اوينصح ويقول حاول دائماً أن تُبقي بينك وبين الناس مسافة محددة للأمان ؛ للحفاظ على العلاقة في احسن أحوالها ، فلا هي بعيدة حد العزلة ، ولا هي قريبة حد الاندماج والتدخل في الشؤون الخاصة.

 والتجارب تؤكد أن أفضل العلاقات وأنفعها وانجحها  وأكثرها استمرارا وبقاء  هي المبنية على الاحترام المتبادل ضمن حدود لا يتجاوزها كلا الطرفان.المساحة او المسافة الآمنة تجعل منك كائن حر الحركة قليل الضرر ، عزيزا على من تعرفه لأنك وضعت نفسك فى مرحلة لاضرر ولاضرار . 

أن تكون قنفذا فذلك يعنى لك العيش فى امان وبعيدا عن الاذى المجتمعى والارهاق العاطفى . ان تعيش قنفدا فهذا يعنى انك لاتحتاج كل الاحتياج لكل من حولك ولكنك تستطيع ان تتأقلم وتؤقلم من تربطك بهم مشاعر وتجمعك معهم مطالب . ان تكون قنفذا يعنى ان ينبت لك شوكا تحمى به نفسك بالدرجة الاولى وتستخدمه لايذاء من يسعون للنيل منك والايقاع بك فى بقعة الوحدة والعزلة والحزن والتخبط الشعوري . 

ان تكون قنفذا فهذا يعنى انك اخترت مكانا تعيش فيه وتختار فى نفس المكان من يشاركونك بلا اذى فقط يكون معك من يجعلك دافئا عاطفيا ، هادئا نفسيا قادرا على مواجهة برد الشتاء وبرودة الحياة . ان تكون قنفذا فذلك يعنى ان المسافة الإمنة تضمن لك استقرارا عاطفيا وقدرة على مواصلة فصول العمر بطريقة دعنى اعيش مبتسما بقدر ماأمنحك من سعادة واستقرار . ان تعيش قنفذا فذلك يضمن لك ان تبقى انسانا !!

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: كريمة أبو العينين شوبنهاور المسافة الآمنة المزيد المزيد

إقرأ أيضاً:

ابنة المختطف قسريًا هاشم الهمداني تكتب: سنة في ظلام الزنزانة

أبي المختطف هاشم عبدالله صالح الهمداني: سنة في ظلام الزنزانة الانفرادية

لا أستطيع أن أصدق أن عامًا وأكثر قد مر على اختطاف أبي، هاشم عبد الله الهمداني، دون أن أتمكن من رؤيته أو زيارته ولو لمرة واحدة.

في الثامن من نوفمبر 2023، كنا نعتقد أن سفر أبي من مطار صنعاء سيكون بداية أمل جديد لعلاجه من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. لكن للأسف، انتهى الأمر إلى مأساة لم تكن تخطر على بال أحد. أبي، الذي أفنى عمره في كفاح الحياة وتحمل مشاقها، اختُطف ظلمًا وعدوانًا دون أن يرتكب أي ذنب. بينما كان يستعد للسفر لتلقي العلاج الذي لم يتوفر في وطنٍ أنهكته الأزمات، اقتادته مجموعة مسلحة من المطار أمام أعين المسافرين، دون أي مبرر قانوني.

ولم تكتفِ تلك الأيادي الغاشمة بهذا الفعل الشنيع، بل اقتحموا بيتنا في الصباح الباكر دون أي تصريح، وسط صرخات الأطفال وبكاء النساء. كسروا الأبواب، عبثوا بأثاث المنزل، وأخذوا أخي الكبير عمرو دون رحمة. كان المشهد قاسيًا لا يحتمل، حيث لم يحترموا حرمة بيتنا، ولم يراعوا وجود الأطفال والنساء.

مرّت سنة كاملة، وما زال أبي وأخي وأعمامي وأبناء خالاتي وباقي أفراد أسرتي خلف جدران الزنازين الانفرادية، ممنوعين من التواصل معنا أو حتى الاطمئنان على أحوالهم. سنة من الألم والقلق المستمر ونحن نعيش في انتظار لا ينتهي. الطرقات إلى أبواب القضاء أغلقت في وجوهنا، ولم نحصل على أي إجابة تُطمئننا.

لماذا كل هذا؟ إن كان لديهم أي دليل يدين أبي أو أخي عمرو أو باقي أفراد أسرتي، فلماذا لا يقدمونهما لمحاكمة عادلة؟ إن كان ما يدّعونه من اتهامات صحيحًا، فلماذا يخفونهما عن العالم ويمنعوننا من زيارتهما؟ الحقيقة واضحة؛ لا دليل لديهم سوى ظلمهم وجبروتهم.

أبي، الذي سافر لعلاج مرضه، يُترك اليوم في زنزانة انفرادية، محرومًا من أبسط حقوقه، في ظروف لا نعلم مدى قسوتها.

عام كامل وأبي بعيد عني، ليس لأنه اختار الغياب، بل لأنهم سلبوه حريته ووضعوه في زنزانة ضيقة مظلمة، لا ترى الشمس ولا تسمع فيها سوى صوت الوحدة. وهو يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري. عام كامل ونحن نعيش في ألم لا يوصف، عاجزين عن رؤيته أو سماع صوته، حيث مُنعنا حتى من زيارته.

أتخيل أبي الآن في مكانه، ينظر إلى جدران صامتة كأنها تُشارك في تعذيبه، يحاول أن يحتفظ بعقله وقلبه وسط قسوة العزلة. هل يفتقدنا كما نفتقده؟ هل يتخيلنا حوله ونحن نضحك ونتحدث؟ أم أن الألم قد طغى حتى على الذكريات الجميلة؟

الآن، لا نسمع صوته ولا نرى ابتسامته. فقط نعيش على أطياف الذكريات التي صارت أقسى ما يمكن أن نملكه.

أتساءل كيف يمكن لإنسان أن يتحمل هذا الكم من الظلم؟ أي ذنب ارتكبه أبي ليُعاقب بهذه الطريقة؟ هل لأنه كان شجاعًا، حرًا، رفض أن يخضع؟ أم أن الظلم يقتات على أرواح الشرفاء فقط لأنه قادر؟

وما يكسر قلبي أكثر، أنه لم يعرف حتى الآن أنه أصبح جدًّا لأول حفيد له يحمل اسمه. حفيدته الأولى لابنه البكر عمرو هاشم الهمداني. فرحة عمره التي كان ينتظرها، جاءت إلى الدنيا ولم تستطع رؤيته. لم يتمكن من احتضانها أو حتى سماع صوتها. لا يعرف عن ملامحها شيئًا، لا يعلم كيف تنام وكيف تضحك. تلك الصغيرة، التي كانت ستعيد الحياة إلى قلبه المُتعب، حُرمت منه كما حُرم من كل شيء آخر.

أتساءل: كيف يمضي عليه الوقت وهو محروم من هذه الفرحة؟ كم ليلة مرّت وهو يفكر بنا، ونحن نفكر فيه؟ كم مرة تخيل حفيدته بين ذراعيه، يضمها بحب كما كان يضمنا؟ لكنهم قطعوا هذا الحلم، وحرمونا حتى من إهدائه فرحة بسيطة تخفف عنه ألم الزنزانة.

أصعب ما في الأمر أنهم حرمونا من زيارته، من رؤيته، من الاطمئنان عليه ولو للحظة. كم كنت أحتاج إلى نظرة من عينيه تحمل صبره المعتاد. لكنهم أغلقوا كل السُبل وطرق الوصول إليه.

ومع ذلك، مهما حاولوا كسر روحه، أنا متأكدة أن أبي أقوى من هذا السجن، أقوى من الزنزانة، أقوى من الظلم. سيعود يومًا، وسنمسك أيدينا من جديد. وسيروي لي قصصه عن الصمود كما كان دائمًا يفعل، وسأخبره أنني لم أفقد الأمل أبدًا، أنني كنت أؤمن أنه سيعود مهما طال الانتظار.

نطالب بإطلاق سراح أبي وأخي عمرو وباقي أفراد أسرتي فورًا، لقد ذقنا مرارة الظلم بما فيه الكفاية.

 

 

مقالات مشابهة

  • المسافة بين انقرة و أرض البطانة
  • ابنة المختطف قسريًا هاشم الهمداني تكتب: سنة في ظلام الزنزانة
  • الثور: تعيش أجواء خيالية مع الحبيب.. توقعات الأبراج وحظك اليوم الاثنين 16 ديسمبر 2024
  • أبو العينين يشهد افتتاح معرض نيبو للذهب والمجوهرات 2024.. صور
  • ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية: سوريا الآن تعيش في أكثر درجات الهشاشة
  • أسباب إلغاء الانتساب الموجه في الكليات النظرية
  • لعدم ترك المسافة الآمنة بالطريق .. 300 ريال غرامة
  • افتتاح المؤتمر الدولي الرابع والثلاثون "الحاسب الآلي بين النظرية والتطبيق" بالأكاديمية العربية
  • نابولي يحتفظ بـ «المسافة القصيرة»!
  • تفاصيل ظاهرة اقتران القمر بالمشتري في مشهد سماوي مميز