خبراء إيرانيون للجزيرة نت: هذه أسباب انفتاح ظريف على التفاوض مع واشنطن
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
طهران- لطالما أكدت الحكومة الإيرانية الحالية استعدادها للجلوس على طاولة المفاوضات -مع جميع الدول التي تعترف بها- لحلحلة القضايا الشائكة بينهما، كما جدد مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف استعداد طهران "للانخراط في الحوار مع واشنطن".
وفي مقال نشره بصحيفة "فورين أفيرز" الأميركية تحت عنوان "كيف ترى إيران الطريق إلى السلام؟"، أوضح المسؤول الإيراني أن حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تتبني سياسة خارجية مرنة في الملفات الإقليمية والدولية، وأنها تعطي الأولوية للمشاركة الدبلوماسية والحوار البناء.
ولدى إشارته إلى استعداد حكومة بزشكيان للعمل مع القوى الغربية والولايات المتحدة لإدارة التوترات ومنها الملف النووي، يستدرك ظريف أن بلاده "لن تستسلم للضغوط"، وأنها "لن تتراجع عن حماية مصالحها الوطنية".
ورغم أن مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية يشترط في مقاله اتخاذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب "خطوات عملية تخدم مصالح الطرفين"، فإن مواقفه اصطدمت بمعارضة شرسة من صقور التيار المحافظ، وفُسّرت على أنها ترسل رسالة ضعف للعدو.
وينشر ظريف مقاله في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية بينما يتعرض لهجوم شرس من قبل معارضيه المطالبين بإقالته من منصبه مساعدا للرئاسة الإيرانية للشؤون الإستراتيجية، بسبب الجنسية الأميركية التي يحملها أولاده منذ ولادتهم في الولايات المتحدة قبل عقود، وبذلك قد يكون الدبلوماسي المخضرم أراد تذكير خصومه بمكانته في الدولة العميقة.
إعلان معارضة شرسةفي غضون ذلك، نشرت وكالة أنباء "رجا نيوز" المقربة من "جبهة ثبات الثورة الإسلامية" المحافظة، مقالا اعتبرت فيه مواقف ظريف أنها "ترسل إشارات خطيرة للرئيس الأميركي المنتخب" مفادها "مستعدون لنزع السلاح"، واتهمته باتخاذ مواقف تعارض المصالح الوطنية، ومنها إعلان استعداد طهران للتفاوض على ملفات أبعد من النووي الإيراني.
وبينما أبدت الصحافة الإصلاحية تأييدا كبيرا لإستراتيجية ظريف الرامية إلى خفض التوتر بين طهران والعواصم الغربية، استغربت وكالة رجا نيوز المحافظة نشر هذه المقالة في توقيت دقيق "تعاني المنطقة من السياسات الاستعمارية الأميركية والكيان المسعور" علی حد تعبيرها، وطالبت بدراسة أسباب الحديث عن وضع السلاح جانبا بينما ينتظر العالم رد إيران على "الهجوم الصهيوني المباشر على أراضيها".
وردا على هذه الانتقادات، كتب ظريف على منصة "إكس" أنه "بعد مضي أكثر من 200 عام من التحقير والخسائر أمام هجمات الأجانب، أثبتت إيران في الوقت الراهن أنها قادرة على الدفاع عن نفسها أمام أي هجوم خارجي".
وأضاف أنه "ينبغي أن تكون الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي قد تعلمت حتى الآن بأن إيران لن تستسلم للضغوط ولا تستجيب للمطالب غير المعقولة، وأنها ستدافع دائما عن مصالحها الوطنية".
يلمس أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة طهران، كيومرث يزدان بناه ما اعتبره تناقضا في السياسة الخارجية التي يسعى ظريف لتدعيم ركائزها، موضحا أنه لا يمكن الحديث عن السلام على المستوى العالمي مع القوى التي تهاجم باستمرار توجهات طهران الإقليمية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الأكاديمي الإيراني إلى تغريدة ظريف ردا على منتقديه وتأكيده أن بلاده لن تستسلم للضغوط، متسائلا عن جدوى مثل هذه المواقف "في حين يعرف الجميع الضريبة الباهظة التي تدفعها البلاد جراء هذه الضغوط الخارجية".
إعلانواعتبر أن رؤية ظريف للسياسة الخارجية تتطلب تغييرا في خطاب الجمهورية الإسلامية بما يميز الحقبة الجديدة عن سابقاتها، في حين أن الحكومة ليست سوى حلقة واحدة من بين المؤسسات التي تشارك في رسم سياسة البلاد الخارجية.
وأوضح يزدان بناه أن مواقف ظريف قد لا تتناسب والخطوط العريضة التي تسير عليها طهران وفقا لخطابها الثوري منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وتوقع ألا تجدي نفعا في حلحلة القضايا الشائكة مع القوى الغربية وعلى رأسها الإدارة الأميركية المقبلة التي دأبت على إرسال إشارات تتناقض مع التوجهات الإيرانية وتشديد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
إرادة شعبيةفي المقابل، يبدى السفير الإيراني الأسبق في بريطانيا جلال ساداتیان، تأييده لدبلوماسية بلاده بقيادة ظريف وعزمه خفض التوتر في سياسة إيران الخارجية وحديثه عن استعداد طهران للتفاوض مع واشنطن، مؤكدا أن هذه السياسة تتناسب وإرادة الإيرانيين الذين صوتوا لصالح الخطاب الذي أطلقه الرئيس مسعود بزشكيان خلال حملته الانتخابية.
وأشاد ساداتيان إلى استهداف ظريف حلحلة القضايا الشائكة بين طهران وواشنطن، ذلك بأن علاقات إيران مع العديد من الدول الأخرى تتأثر بشكل مباشر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، مضيفا -في حديثه للجزيرة نت- أن شريحة كبيرة جدا من الإيرانيين تثق بقدرات ظريف التفاوضية وحرصه على ضمان المصالح الوطنية.
وبرأي ساداتيان، فإن ما حققه ظريف في المفاوضات المؤدية إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015، أدی إلى "شرخ بين التيارات السياسية الأميركية من جهة وبين الإدارة الجمهورية السابقة والقوى الأوروبية من جهة أخرى"، مؤكدا أن التيار السياسي المعارض لدعوة ظريف التفاوض مع واشنطن قد اتخذ خطوة مشابهة في الحكومة السابقة، وتفاوض بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة، لكنه عجز عن تحقيق أي إنجاز".
وبين هذا وذاك، يعتقد السفير الإيراني الأسبق في فرنسا أبو القاسم دلفي، أنه رغم تركيز الأوساط الداخلية على تصور ظريف للتفاوض مع الولايات المتحدة خلال المرحلة المقبلة، فإن مقاله يقدم خارطة طريق لسياسة حكومة بزشكيان للتعامل مع الدول الخليجية ومكانة القضية الفلسطينية لدى الجمهورية الإسلامية، علاوة على رؤيتها حيال القوى الشرقية والغربية.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، يقرأ دلفي رؤية ظريف التي طرحها في مجلة "فورين أفيرز" في سياق سياسات طهران حيال تطورات الشرق الأوسط، وتأكيده لأول مرة بصوت عال أن بلاده ستقبل بما يقرره الفلسطينيون ويقبلون به لأنفسهم.
وتابع الدبلوماسي الإيراني السابق، أن موضوع التفاوض مع أميركا جاء ردا على مواقف ترامب خلال حملته الانتخابية حيال إيران، مضيفا أن بلاده أخذت عبرة من مفاوضاتها السابقة حول ملفها النووي، وترى في حل الخلافات مع الولايات المتحدة محطة أساسية ومفصلية لإضفاء الشرعية عليه.
ورأى أن ظريف تعمد "غض البصر عن الجانب الأوروبي" في مقاله بسبب سلوك الترويكا الأوروبية الأخير حيال ملف طهران النووي في مجلس المحافظين، واتهاماتها المتواصلة بشأن الدعم الإيراني العسكري لروسيا، وغض العواصم الأوروبية بصرها عن إيران في علاقاتها الاقتصادية، وتركيزها على الدول العربية المطلة على الضفة الجنوبية للمياه الخليجية، فضلا عن أن الأوروبيين لم يلتزموا بتعهداتهم بالاتفاق النووي عقب انسحاب ترامب منه.
وختم دلفي بالقول إن تجاهل الأوروبيين في مقال ظريف قد يكون مرتبطا بعدم ترحيبهم بمبادرة بزشكيان، حيث سعى لفتح قناة تواصل بينهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأم المتحدة، وقد يكون نابعا عن نتائج المباحثات الإيرانية الأوروبية الأسبوع الماضي في جنيف، وتقدير الجانب الإيراني بأن الترويكا الأوروبية غير مستعدة للتعاون والعمل المشترك مع طهران، لا سيما بشأن ملفها النووي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مع الولایات المتحدة للجزیرة نت التفاوض مع مع واشنطن أن بلاده
إقرأ أيضاً:
الملف النووي الإيراني والعودة إلى سلطنة عُمان
أتت استضافة سلطنة عُمان، بعد ظهر يوم السبت ١٢ أبريل الحالي، للقاء التاريخي غير المباشر، بين كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بوفد ترأسه الدكتور عباس عراقجي وزير الخارجية، والولايات المتحدة الأمريكية بوفد ترأسه المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف وبرعاية ومشاركة مباشرة لسلطنة عُمان، ممثلة بمعالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية، والجهات المختصة في سلطنة عُمان، لخفض التوتر الخطير بشأن الملف النووي الإيراني، والذي بلغ أقصى مداه في الأسابيع الأخيرة بتهديد الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ إجراءات عسكرية صارمة ضد إيران لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. ليلتقط العالم أنفاسه، خاصة بعد التصريحات الإيجابية التي صدرت عن كل الأطراف بعد هذا اللقاء، والتي أكدت على استمرار وتكملة المفاوضات بين البلدين في الأيام القليلة القادمة، ليؤكد النجاح المستمر والثقة العالية التي تحظى بها سلطنة عُمان في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. والتي أرسى قواعدها المغفور له السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -، ويقودها بكل اقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه. وأصبحت سلطنة عُمان عبر عقود من الزمن موضع احترام المجتمع الدولي؛ نتيجة لثوابت السياسة الخارجية العمانية التي تؤمن بعدة مبادئ، من أهمها عدم الدخول في سياسة المحاور، والصدق في التعامل مع الآخرين، وتغليب سياسة الحوار في كل الأزمات الإقليمية والدولية، والحرص على استقرار المنطقة والعالم بالتعامل بحكمة قلّ أن تجد لها نظيرا في هذا العالم المتوتر.
وبالعودة إلى المسار التاريخي لبداية ملف البرنامج النووي الإيراني، يتضح أن قصة هذا البرنامج قد بدأت في أواسط سبعينيات القرن الماضي، عندما دشن شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي مشروع الطاقة النووية، ليكون دعامة لما كان يصفه بـ«الحضارة الإيرانية الكبرى»، والتي تعتبر التكنولوجيا النووية أحد أركانها الأساسية. واللافت في هذا الأمر، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي شجعت الشاه للمضي قدما في موضوع الطاقة الكهرونووية، حيث منحت إيران مفاعلا للأبحاث، تم الانتهاء من تشييده وتشغيله في جامعة طهران في عام ١٩٦٧م. كذلك عرضت واشنطن على طهران بناء ما بين ٥ و٧ مفاعلات كهرونووية، لكن الكلفة المالية العالية لهذه المفاعلات الأمريكية جعلت الشاه يفضل عرض الشركة الألمانية «كرافتورك يونيون سيمنس»، حيث كلفها بالبدء في بناء مفاعلين كهرونووين في مدينة بوشهر جنوبي إيران، وبدأ العمل فيهما في عام ١٩٧٤م. ولما اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية في عام ١٩٧٩م، كان المفاعل الأول قد أُنجز بنسبة ٨٥٪ من بنائه، وكان من المخطط له، أن يبدأ إنتاج القدرة الكهرونووية عام ١٩٨١م، لكن الشركة الألمانية توقفت عن إكمال بناء المفاعلين بسبب الثورة الإيرانية. وقام العراق أثناء تصاعد حدة القتال في الحرب العراقية الإيرانية بقصف المفاعلين عام ١٩٨٧م. وفي منتصف التسعينيات وتحديدا في عام ١٩٩٥م، تعاقدت طهران مع موسكو لتحوير المفاعلين الألمانيين المدمرين إلى النوع المعتمد في الاتحاد السوفييتي السابق، ليعيد الحياة لبرنامجها النووي السلمي. وبدأت إثارة المخاوف الدولية من البرنامج النووي الإيراني بشكل رسمي، بإصدار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتاريخ ١٢ سبتمبر ٢٠٠٣م قرار يلزم طهران «بالوقف الفوري والكامل» لكافة نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، وبتوقيع البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية «دون قيد أو شرط». وقد سبق هذا القرار محاولات عدة قامت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية -بعد أن حصلت على معلومات من الولايات المتحدة الأمريكية- تفيد بأن إيران تمتلك علاوة على منشأة بوشهر النووية التقليدية منشأتين أخريين في مدينتي «آراك» و«نطنز» -وسط إيران- وأنها تخصب اليورانيوم في المنشأة الأخيرة. ومنذ ذلك الحين أصبح الملف النووي الإيراني هو الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية وللدول الغربية، وبالطبع للكيان الصهيوني. بالرغم من تأكيد إيران الدائم وفي أكثر من محفل وموقع وعلى أعلى مستوى، على سلمية هذا النشاط. وبعد سنوات من الشد والجذب على المستوى الدولي، وقعت إيران ومجموعة «٥+١» (التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) -بعد جولات تفاوضية عدة- اتفاقاً مؤقتاً في جنيف، تضمن خطة عمل مشتركة، التزمت خلالها طهران بعدم تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من نسبة ٥٪. كما قضت هذه الخطة بأن تخفض إيران وتيرة تطوير برنامجها النووي، وأن تسمح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقعها النووية المحورية. وفي المقابل، يتم تخفيف العقوبات الاقتصادية جزئياً، والإفراج عمّا يقارب ٧٠٠ مليون دولار شهريا من ودائع إيران بالبنوك الغربية. ووصف الاتفاق بأنه خطوة أولى يجب التوصل بعدها لاتفاقية شاملة، ونص الاتفاق على أن يبدأ تطبيقه في يناير من عام ٢٠١٤م للتوصل إلى اتفاق شامل خلال ٦ أشهر من نفس العام، وهو ما لم يحدث. وفي ٢ أبريل من عام ٢٠١٥م توصلت طهران ومجموعة «٥+١» في مدينة لوزان السويسرية إلى «اتفاق إطار»، تأمل من خلاله حلاً نهائياً لملف البرنامج النووي الإيراني. وهذا ما حدث بالفعل. عندما وقع الطرفان بتاريخ ١٤ يوليو ٢٠١٥م «اتفاقا» ينظم رفع العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية. وقامت سلطنة عُمان -طوال هذه السنوات، إلى أن تم هذا الاتفاق- بأدوار محورية مهمة، في تقريب وجهات النظر، أشاد بها القاصي والداني. وأصبحت بعدها سلطنة عُمان رقما مهما على ساحة السياسة الدولية، يشار إليه بالبنان في الاتزان والحكمة والدعوة إلى الحوار والتأني وعدم التصعيد في الأزمات. واستمر العمل بهذا الاتفاق، إلى أن أعلنت الولايات المتحدة في ٨ مايو من عام ٢٠١٨م -في إدارة ترامب الأولى- الانسحاب من هذا الاتفاق لأسباب كثيرة يأتي على رأسها، ضغط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة على الإدارة الأمريكية للانسحاب من هذا الاتفاق، والدخول في مواجهة مع إيران إرضاء للكيان الصهيوني المحتل. وبهذا عاد الملف الإيراني إلى المربع الأول وعاد عدم الاستقرار في هذه المنطقة إلى الواجهة، إلى أن عادت الأطراف مرة أخرى إلى مسقط للتفاوض من جديد. والتي نأمل أن تكلل مساعي سلطنة عُمان وقدرتها -بحكمتها المعهودة- على تقريب وجهات النظر، بنجاحٍ يحقق الأمن والاستقرار لهذه المنطقة الملتهبة.
خالد بن عمر المرهون، متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.