ليس من الحَصافة استعجالُ الحكم على الأحداثِ الكبرى في سوريا، وبعيداً عن الاصطفافِ في ظرفٍ غامضٍ متغير جغرافياً وسياسياً إقليمياً ودولياً، ليس لنا إلا أن نتابعَها وفق تبدلاتِها. حتى أكثر المطلعين معرفةً دُهشوا من سرعة الانهيارات في شمالِ غربي سوريا، والبارحة في شرقها في دير الزور، وربما قريباً في الجنوب حيث درعا.
هناك العديد من الأسئلة ليست لها إجابات محسومة بعد.
أولها عن "هيئة تحرير الشام" (هتش) وشخص زعيمها أحمد الشرع، الجولاني سابقاً، المتهمين بالقاعدية؟
بالفعل، جذورها "جبهة النصرة". إنَّما خلال السنوات الماضية طرأت تغيراتٌ على سلوك هذه الجماعة وعلى خطاب قائدها الشرع نفسه، وهذا التغير ليس وليدَ الحرب الحالية، بل منذ نحو 5 سنوات.
هل يمكن أن تكون تقية سياسية؟
ربما، وليس أمامنا سوى التعامل مع ما يفعله، وكما قال لـ"سي إن إن": "انظروا إلى أفعالي، لا إلى كلامي". ولو افترضنا أنه قاعدي مستتر، كما يرميه خصومه، فإنَّ مستقبل مشروعه السياسي لن يبحر بعيداً. حتى تركيا، الداعم الرئيسي له، ستخشى تسليمَ الحكم لجماعة متطرفة قد تؤثر على أوضاعها الداخلية. لهذا بعيداً عن التفتيش على النوايا، فإن العالم مضطر للتعامل معه وفق أفعاله، وليس بالإصرار على محاكمة تاريخه. وهذا ما جرى مع الإمام الخميني عندما وصل للحكم في إيران، وطالبان أفغانستان في عام 1996، و"الإخوان" بعد ترؤسهم مصر، حيث تعاملت معهم حكومات العالم وفق قاعدة القبول بالواقع الجديد حتى يثبت خلاف ذلك.
هل يمكن أن ينهار النظام السوري؟
لا شك أنه ارتكب أخطاء استراتيجية بإصراره على علاقة عسكرية مع إيران ذات أبعاد خارجية، وكذلك عندما رفض التعامل مع جارته الكبرى تركيا، وعندما أغلق الباب بعد انتصاره في 2018 أمام المصالحة مع المعارضة، مع أنها استمرّت تسيطر على نحو نصف البلاد. دمشق تحصد ما زرعته. وقد بنت سياستها الدفاعية على دعم إيران وميليشياتها، بما فيها العراقية وحزب الله، الذين هم في وضع صعب، في حين بات المسلحون على بعد ساعة من دمشق فقط.
لكن ما كان يظن أنه حتمي في 2015 بسقوط الأسد، فوجئ العالم بأنه ربح المعركة. بالتأكيد، ظروف اليوم مختلفة، فالحرب الأخيرة بين محور إيران مع إسرائيل شلّت طهران، ولو عبرت قواتها الحدود إلى سوريا فالأرجح أن تتدخل إسرائيل، ناهيك عن الموقف التركي الواضح بأنها ستشارك في المعركة إن دخل العراق. عسكرياً، يتبقى أمل النظام في نجدة روسية جواً وبراً بقواتها "الفاغنر" لكن الوقت قصير مع اقتراب الفصائل المسلحة من دمشق، وروسيا منشغلة في حرب أكبر في أوكرانيا. سياسياً، ربما تنتظر معجزة بمبادرة مصالحة مع تركيا، اللاعب الرئيسي في المعركة، وحل يقدم الجميع فيه تنازلات كبيرة، تبدو بعيدة مع اتساع الخلاف بين العاصمتين، وإعلان الرئيس إردوغان أن المسلحين ذاهبون إلى دمشق.
هل ستتغير المنطقة في حال استيلاء المعارضة على الحكم؟
قطعاً وبشكل كبير. فالتوازنات الإقليمية ستتبدل، لأنها تترافق مع نتائج حربي غزة ولبنان. سوريا مهمة للاستراتيجية الإيرانية، وبفقدانها يتغير ميزان القوى الإقليمي. أمام سوريا والسوريين أيام صعبة، راجين لهم أن يخرجوا منها بأمن وسلام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب في سوريا
إقرأ أيضاً:
نهاية الأسد ومآرب القوى النافذة.. أطماع إسرائيلية جديدة في سوريا.. وتركيا تدعم الإرهابيين ضد «قسد» وتسعى لنقل اللاجئين.. إيران تراقب طردها من سوريا في صمت.. وتآكل النفوذ الروسي أولوية أمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اختلطت وتقاطعت ردود الأفعال، منذ بداية اندلاع الأزمة فى سوريا والتى انتهت بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد فى ٨ ديسمبر ٢٠٢٤ حيث اختلفت المواقف بين متربص للتدخل عسكريا ومراقب بحذر خشية ارتداد الفوضى عليه، وقوى عاجزة عن التدخل وتغيير مسار الصراع ناهيك عن دعم دولى وإقليمى من بعض القوى للتنظيمات الإرهابية التى واصلت هجماتها حتى وصلت فى النهاية إلى العاصمة دمشق وأسدلت الستار على حكم الأسد، وفتحت صفحة جديدة فى تاريخ سوريا والمنطقة.
النسخة الورقية من جريدة البوابة
أمل إسرائيل يحققه الإرهاب فى سورياوبدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، أطلق إشارة البدء للهجوم الإرهابى ضد الدولة السورية، حيث حذر فى أواخر نوفمبر الماضي، بأن الرئيس السورى بشار الأسد، من دعم محور المقاومة وأنه يلعب بالنار، لتنطلق بعدها الجماعات المسلحة تعيث فسادا فى سوريا.
وأعلن مسئول إسرائيلى عبر صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية فى ٥ ديسمبر الجاري، أن تل أبيب ترغب فى أن تسفر المواجهات فى سوريا عن إنهاك الطرفين "التنظيمات الإرهابية" والجيش السورى على السواء.
وأوضح المسئول الذى لم يكشف عن هويته أن مصلحة إسرائيل فى تجدد القتال فى سوريا تكمن فى "استمرارهم فى قتال بعضهم البعض"، وتابع "من الواضح لنا تمامًا أن أحد الجانبين هو الجهاديون السلفيون والجانب الآخر هو إيران وحزب الله نريدهم أن يضعفوا بعضهم البعض".
والأولوية بالنسبة لإسرائيل فى سوريا هو تحقيق هدفين، أولهما القضاء على الوجود الإيرانى الذى تراه يشكل خطرا على وجودها وطوال السنوات الماضية كانت الضربات الإسرائيلية موجهة فى الأساس إلى العناصر الإيرانية المتواجدة فوق الأرض السورية والضربة الأكبر كانت فى أبريل الماضى حينما دمرت سفارة طهران فى دمشق، ليبدأ الصراع بينهما فى اتخاذ منحى جديد بشن إيران هجمات مباشرة ضد تل أبيب فى الشهر نفسه وتكرر الأمر أكثر من مرة بعد ذلك.
وفى هذا السياق، حذرت إسرائيل إيران من إرسال المساعدات مع انهيار دفاعات الجيش السورى أمام الجماعات الإرهابية.
وكشف تقرير للقناة الـ١٢ العبرية، يوم الخميس الماضى أن إسرائيل حذرت إيران من إرسال قوات أو نقل أسلحة إلى سوريا.
وثانى الأهداف الإسرائيلية فى سوريا، هو منع وقوع أسلحة ثقيلة من مخلفات الجيش السورى فى أيدى الجماعات الإرهابية، حيث أكد مصدر لإذاعة كان العبرية، أن تل أبيب لن تسمح باستيلاء الفصائل الإرهابية على أسلحة استراتيجية تابعة للجيش السورى مضيفًا أن "إسرائيل لن تسمح أيضًا لحزب الله بنقل وسائل قتالية إلى سوريا، وأنها ستستمر فى تفجير المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان عند الضرورة".
إسرائيل لم تنتظر كثيرا حتى سقوط دمشق، ومارست عادتها بقصف مناطق سورية، وهذه المرة بشن سلسلة ضربات جوية استهدفت منشآت أسلحة كيميائية تابعة للحكومة السورية فى غرب البلاد، وفق تقرير أذاعته "القناة ١٢" العبرية، الجمعة الماضية.
وأوضحت القناة العبرية، أن هذه العمليات جاءت فى سياق جهود منع وقوع هذه الأسلحة فى أيدى جماعات إرهابية، أحرزت تقدمًا ملحوظًا فى الأيام الأخيرة من حلب باتجاه حماة وحمص.
وبعد ساعات قليلة من سقوط نظام الأسد، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلى أن جيش الاحتلال "شن هجوما فى المنطقة العازلة فى منطقة القنيطرة، بهدف تعزيز الدفاع عن الحدود فى أعقاب سقوط نظام الأسد فى سوريا".
وأضافت أن الجيش "ينشر حواجز طرق على طول مرتفعات الجولان.. وسيتم تقييد حركة المرور فى المنطقة حسب الحاجة.. وقد تم إعلان جميع المناطق الزراعية المجاورة للحدود السورية منطقة عسكرية مغلقة، وسيتم تقييد دخول المزارعين إليها".
التربص التركيوتعد تركيا لاعبا رئيسيا فيما جرى بالداخل السوري، حيث تدعم جماعات إرهابية فى محافظة إدلب الملاصقة لحدودها، وجاءت التصريحات التركية الرسمية منددة بموقف الرئيس الأسد خلال السنوات الماضية.
وعلى الرغم أنه منذ عام ٢٠٢٢، أرادت أنقرة بالفعل التقارب مع دمشق وفى يوليو الماضي، قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إنه مستعد للترحيب ببشار الأسد، لكن شرط الرئيس السورى بانسحاب القوات التركية من أراضيه، عقد المفاوضات التى لم تبدأ.
وتهدف تركيا من دعم المناوئين للدولة السورية، إلى إنشاء منطقة آمنة لاحتضان اللاجئين السوريين، والأمر الثانى هو منع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من فرض سيطرتها على أى منطقة وتشى التصريحات إلى إمكانية تدخل تركى عسكرى فى الأراضى السورية إذا مالت الكفة جهة التنظيمات الكردية المسلحة المناوئة لنظام أردوغان.
إدلبوفى بداية الأزمة، ألقى وزير الخارجية التركى هاكان فيدان، باللوم على الرئيس الأسد قبل سقوط نظامه، مطالبا بضرورة التصالح مع شعبه وإجراء محادثات مع "المعارضة"، المدعومة من أنقرة.
وأكد الوزير التركى خلال مؤتمر صحفى فى أنقرة مستهل ديسمبر الجارى مع نظيره الإيرانى عباس عراقجي: "على دعم تركيا لوحدة أراضى سوريا، لكنه أوضح أن بلاده لن تتردد فى التدخل ضد الجماعات المسلحة الكردية السورية التى تعتبرها تركيا إرهابية إذا "استغلت بيئة عدم الاستقرار".
وقبل ساعات من سقوط نظام الأسد، قال أردوغان، إن "نظام دمشق لم يدرك قيمة اليد التى مدتها أنقرة إليه، ولم يفهم مغزاها"، معتبرًا أن هناك "واقع سياسى ودبلوماسى جديد فى سوريا".
وأضاف أردوغان، خلال مشاركته فى مؤتمر لـ"حزب العدالة والتنمية" الحاكم، فى ولاية غازى عنتاب السبت الماضي: "قلنا للنظام السورى ذات يوم سوف تجنى ثمار ما قمت به من سياسة القتل، وستقوم بدفع هذه الفاتورة.. نبهنا مرارًا إلى خطورة الوضع وما يقوم به".
إيران تراقب انحسار نفوذها بصمتوجاء الموقف الإيرانى مناوئا للموقف التركي، حيث أكد وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجي، دعم طهران الكامل للحكومة السورية.
وكانت إيران واحدة من الداعمين السياسيين والعسكريين الرئيسيين للأسد ونشرت مستشارين عسكريين وقوات بعد أن تحولت احتجاجات عام ٢٠١١ ضد حكم الأسد إلى حرب شاملة.
وراقبت إيران التطورات المتسارعة فى سوريا، فى صمت وعجز عن التدخل وهى ترى تآكل نفوذها فى دمشق كما جرى فى لبنان بتقليم أظاهر حزب الله من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وصرح وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى فى ٤ ديسمبر الجارى أنه "إذا طلبت الحكومة السورية من إيران إرسال قوات إلى سوريا، فسندرس الطلب"، فى إشارة إلى أن طهران غير راغبة فى التدخل أو بالأحرى عاجزة عن ذلك.
تآكل النفوذ الروسيالموقف الأمريكى من الاحداث فى سوريا، كان يحكمه فى المقام الأول هو تآكل نفوذ الروسى فى سوريا ونزع الشرعية عنه وهو أمر مرتبط ارتباطا مباشرا بنظام الأسد، لذا وصفت الجماعات الإرهابية بـ"المعارضة" ورفعت يدها عن "الجولاني" زعيم تنظيم النصرة الإرهابى الموضوع على قوائم الإرهاب وظهر فى لقاء عبر شبكة "سى إن إن" الإخبارية الأمريكية، لتضفى نوعا من الشرعية عليه.
وفى هذا السياق، أكد البيت الأبيض فى تصريحات لفضائية العربية الجمعة الماضية، أن الأحداث التى شهدتها سوريا والمصير الذى آلت إليه الأمور جاء نتيجة اعتماد الأسد على روسيا وإيران، إلى جانب عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي.
النفوذ الروسى فى دمشق، كان محور حديث ترامب بعد سقوط نظام الأسد، حيث صرح قائلا:"لقد رحل الأسد، لقد فر من بلاده، لم تعد روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته بعد الآن".
أضاف ترامب عبر منصة "تروث سوشيال": "لم يكن هناك سبب لوجود روسيا هناك فى المقام الأول، لقد فقدوا كل اهتمامهم بسوريا بسبب أوكرانيا، حيث سقط ما يقرب من ٦٠٠ ألف جندى روسى جريحًا أو قتيلًا، فى حرب لم يكن ينبغى لها أن تبدأ أبدًا، وقد تستمر إلى الأبد".
وبعد سقوط الأسد، أعلن البيت الأبيض أن أولويات الولايات المتحدة فى سوريا حاليًا تتمثل فى ضمان ألا يشجع النزاع الحالى على عودة ظهور تنظيم داعش الإرهابى أو يؤدى إلى "كارثة إنسانية".
الملعب الأوكرانى يشغل روسيا عن سورياكان الترقب كبيرا للموقف الروسى من تسارع الأحداث فى سوريا، حيث انتظر كثيرون تكرار دعم بوتين للأسد على غرار ما جرى فى ٢٠١٥ إلا أنه قبل تسع سنوات لم يكن الجيش الروسى غارق فى المستنقع الأوكراني، حيث الدعم الغربى الكبير لكييف من أجل إنهاك قوة موسكو.
الموقف الروسى كشفه بوضوح تقرير لوكالة بلومبرج الأمريكية، الذى نقل تصريحا من مصدر مقرب من قصر الرئاسية الروسى "الكرملين" يقول إن روسيا ليس لديها خطة لـ"إنقاذ" الرئيس السورى بشار الأسد فى ظل استمرار الجيش السورى بالانسحاب من مواقعه لصالح الفصائل الإرهابية التى كانت تسيطر حينها على مدينتى حلب وحماة، وتتجه إلى حمص ودرعا اللذين سقطا فيما بعد.