الواضح الآن، أن بؤر التوتر تتزايد في العالم، وتنتقل من القارة الإفريقية، التي تتجه أكثر إلى الاستقرار جنوبا، إذ وصل إليها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، تحديدا، إلى أنغولا، بحثا عن صورة بيضاء للديمقراطية الأمريكية الملطخة في غزة بالسّواد، قياسا بشمالها، حيث النفوذ الفرنسي القديم المتآكل يوما بعد يوم.
التوتر بدا كالعدوى، ينتقل أيضا من الشرق الأوسط، ذي التراكم التاريخي، كأكبر مشكلة جيوسياسية، تتقاطع وتتضارب فيها مصالح عدة دول وأقاليم وكيانات، باتجاه أوروبا وشرق آسيا.. هذه العدوى، تناقلتها رياح الاعتداءات والتغيير الذي قد يعصف بكثير من الحكومات في الغرب الأوروبي، بسبب هشاشة الوضع الاقتصادي الناجم عن المقاطعة المتهوِّرة لغاز روسيا تحديدا، لاسيما وأن فصل الشتاء قد حلّ، والتكاليف قد تتضاعف في غياب تصّور واضح لنهاية الأزمة الروسية الأوكرانية، حتى مع وعود ترامب بحلّ الخلاف بكبسة زرٍّ سحرية.
السِّحر انتشر ووصل إلى كوريا الجنوبية، حيث يمكن أن تعصف الأزمة هناك بالرئاسة، بعدما حدث من إعلان حالة الطوارئ ثم التراجع عنها تحت ضغط البرلمان ورفضه لهذه الأحكام. هو الأمر ذاته تقريبا ما يحدث في فرنسا التي لم تعرف حدثا يشبه ما حدث بعد حجب الثقة عن الحكومة منذ 1962.
كلُّ هذه البؤر مصدرها يكاد يكون واحدا: الاستعمار القديم الحديث، والرأسمالية المتوحِّشة اللاهثة وراء استغلال مقدرات الشعوب والأوطان، التي لا تؤمن بالسياسات القُطرية ولا بالاستقلال ولا بالاستقلالية، والمقاومة لهذا الإرث المتآكل عالميا.
مركز الثقل الجيوسياسي، هو القضية الفلسطينية، وهي قضية تصفية استعمار، مثلها مثل الصحراء الغربية، التي جدولتها من جديد الأمم المتحدة قبل أيام على القاعدة ذاتها ضمن اختصاصات اللجنة الرابعة، المعنية بـ”تصفية الاستعمار وتقرير المصير”، بما يفيد ضربة جديدة للنظام السياسي في الغرب وفي فرنسا ومن سار في درب المسار غير الدولي للحلِّ في قضية الصحراء الغربية.
الجوهر هو القضية الفلسطينية التي بات المجتمع الدولي عاجزا عن فرض حلٍّ لها، في ظل تمترس الولايات المتحدة كدولة عظمى إلى جانب الكيان المحتل، دعما ماليا وعسكريا وسياسيا ومظلة حماية ووقاية قانونية.
هذا العجز أوصل إلى الكارثة الإنسانية في غزّة وفي الضفة، وصولا إلى لبنان، ثم هاهي الأيادي العابثة باستقرار المنطقة، دعما للكيان وللإدارة الأمريكية التي تبحث منذ أكثر من ثلاثين سنة عن قلب الأنظمة ضمن ما سمي “ثورات الربيع العربي”، لاسيما في الدول التابعة سابقا للاتحاد السوفياتي.
يصل الأمر إلى محاولة جرّ سورية، وهي حلقة الجسر الكبير بين الصين وإيران وروسيا، عبر مشروع خط الحرير باتجاه مرافئ لبنان وسورية وفلسطين، جرّها باتجاه “التخريب الممنهج”، على قاعدة “الفوضى الخلاقة”، التي قد تخلق واقعا جديدا مناسبا لصالح الكيان ضمن رؤيته لشرق أوسط جديد، يتماشى ومخطط خارطة الطريق الملتفّ على طريق الحرير الصيني الروسي، التي أظهر نتنياهو صورتها يوم زيارتها المشؤومة إلى الأمم المتحدة في ظل الإبادة الشاملة في غزة والعدوان على لبنان.
بؤرة تتفاقم في الشرق الأوسط، وتضارب وتقاطع المصالح كثيرة، والخيارات قليلة، في انتظار حل سياسي تفاوضي يجنِّب المنطقة كلها سوء العاقبة. أمرٌ تدركه كل دول المنطقة، أساسا سورية وإيران وروسيا وتركيا والعراق، وإذا لم يوجد لها حلٌّ سياسي، لا عسكري، فقد نشهد موجة أخرى من الدمار لعشر سنوات أخرى على أقلِّ تقدير.
في انتظار ثلاثية بغداد والأستانة في قطر، وموقف وقرار الجامعة العربية، الحل لن يكون إلا ضمن هذه الأطر.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التوتر غزة روسيا كوريا الجنوبية سوريا غزة روسيا الاحتلال كوريا الجنوبية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ما هي برامج الهجرة التي أوقفها ترامب.. تعرف عليها؟
أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا بوقف مؤقت لجميع طلبات الهجرة التي قدمها مهاجرون من أمريكا اللاتينية وأوكرانيا، والذين سُمح لهم بدخول الولايات المتحدة بموجب برامج معينة أطلقتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
وجاء القرار، وفقًا لمسؤولين أمريكيين ومذكرة توجيه داخلية نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية٬ استجابة لمخاوف تتعلق بالاحتيال والأمن القومي.
وأشارت المذكرة إلى أن تجميد الطلبات "سيظل قائمًا إلى أجل غير مسمى"، بينما تعمل الجهات الحكومية على "تحديد حالات الاحتيال المحتملة، وتعزيز إجراءات التحقق للتخفيف من المخاوف المتعلقة بالأمن القومي والسلامة العامة".
وينطبق هذا التعليق على عدة برامج هجرة أطلقتها إدارة بايدن، والتي سمحت لمئات الآلاف من الأجانب بدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني بموجب قانون الهجرة المعروف باسم "الإفراج المشروط"، الذي يمنح الحكومة الأمريكية صلاحية استقبال الأجانب لأسباب إنسانية أو منفعة عامة.
ما هي البرامج المستهدفة؟
يذكر أن إدارة بايدن استخدمت سلطة الإفراج المشروط على نطاق واسع، جزئيًا لتشجيع المهاجرين على استخدام قنوات الهجرة القانونية بدلاً من عبور الحدود الجنوبية بشكل غير قانوني. ومع ذلك، تحركت إدارة ترامب بسرعة لتعليق هذه الجهود، مدعية أنها أساءت استخدام سلطة الإفراج المشروط.
وتشمل البرامج المستهدفة سياسة "الاتحاد من أجل أوكرانيا"، التي وفرت ملاذًا آمنًا للفارين من الحرب مع روسيا، حيث وصل حوالي 240 ألف أوكراني إلى الولايات المتحدة بموجب هذه العملية قبل تولي ترامب منصبه.
بالإضافة إلى ذلك، سمح برنامج الإفراج الإنساني "CHNV" لـ530 ألف شخص من كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا بدخول البلاد عبر ضمانات من مواطنين أمريكيين.
كما شمل التعليق برنامجًا ثالثًا سمح لبعض الكولومبيين والإكوادوريين ومواطني أمريكا الوسطى والهايتيين والكوبيين، الذين لديهم أقارب أمريكيين، بالقدوم إلى الولايات المتحدة والانتظار حتى تصبح البطاقة الخضراء العائلية متاحة.
وقف تصاريحهم
نظرًا لأن المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بموجب هذه البرامج حصلوا فقط على تصاريح عمل مؤقتة وحماية من الترحيل – عادة لمدة عامين – فقد تقدم العديد منهم بطلبات للحصول على مزايا هجرة أخرى، مثل "الوضع المحمي المؤقت" للقادمين من دول تعاني أزمات، أو اللجوء، أو البطاقات الخضراء.
إلا أن التوجيه الداخلي الجديد لدائرة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية يمنع المسؤولين من معالجة أي طلبات مقدمة من هؤلاء المهاجرين، مما يجمد فعليًا قدرتهم على الانتقال إلى وضع قانوني آخر ويجعلهم عرضة للترحيل إذا تم إنهاء وضعهم المشروط.
بررت المذكرة القرار بالقول إن "معلومات الاحتيال ومخاوف السلامة العامة أو الأمن القومي لا يتم الإشارة إليها بشكل صحيح في أنظمة التحكيم التابعة لدائرة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية".
وأشارت إلى أن التحقيقات كشفت عن آلاف طلبات التأشيرة الصينية التي تضمنت "رعاة متسلسلين" أو معلومات عن أفراد متوفين أو عناوين متطابقة، بالإضافة إلى حالات احتيال أخرى. كما أشارت المذكرة إلى أن بعض المهاجرين الذين دخلوا بموجب التأشيرة الوطنية الصينية "لم يخضعوا للتدقيق الكامل".
يأتي هذا القرار في إطار الجهود الأوسع لإدارة ترامب لتشديد سياسات الهجرة، والتي تشمل تعليق برامج الإفراج المشروط التي أطلقتها إدارة بايدن، وسط مخاوف متزايدة من الاحتيال والمخاطر الأمنية.