البرهان في جوبا.. دلالة التوقيت وطبيعة الدور الجنوبي في الأزمة السودانية
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
في إطار الحراك المكثف الذي يقوم به السودان في الفترة الأخيرة، تأتي زيارات خارجية مهمة لدول الجوار التي تؤثر وتتأثر بالأزمة في البلاد، وتعد الزيارة لكل من أريتريا وأثيوبيا وجنوب السودان، محاولات لمزيد من توطيد العلاقات مع الدول الصديقة كأريتريا، وقد تكون تحييدا لأديس أبابا، أما جوبا فالحفاظ على التوازن الموجود بها قد يكون مهما في هذه المرحلة.
الزيارة لجوبا
وزار رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان جوبا (الأربعاء)، وأجرى جلسة مباحثات مع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، تتعلق بترقية وتطوير العلاقات الثنائية ،ودفع آفاق التعاون المشترك. وقال وكيل وزارة الخارجية السوداني السفير حسين الأمين في تصريح صحفي، إن الزيارة لجوبا تأتي في إطار التشاور المستمر بين قيادتي البلدين، مبيناً أن الزيارة تأتي أيضا لتقديم الدعم للرئيس سلفاكير ولحكومة جنوب السودان بشأن تطورات الأوضاع بالجنوب، وأضاف أن رئيس المجلس السيادي قدم شرحاً شاملاً لسلفاكير حول الأوضاع في السودان على خلفية التمرد الذي قادته مليشيا الدعم السريع الإرهابية ضد الدولة ومؤسساتها، مشيراً الى تقدم القوات المسلحة والقوات النظامية والقوات المشتركة في كافة محاور العمليات، وقال وكيل الخارجية، إن الزيارة تطرقت أيضاً للتعاون بين البلدين في مجالات البترول والتجارة وأمن الحدود، فضلا عن إسهامها في إعادة تنشيط وإحياء العلاقات الثنائية.
مردود ايجابي
من جانبه، أوضح وكيل وزارة الخارجية بدولة الجنوب مجاك فيلمون مجوك أن زيارة البرهان لجوبا، جاءت في إطار العلاقات الوطيدة بين الدولتين، مبيناً أن الرئيسين تناولا عدداً من القضايا المشتركة، على رأسها التعاون في قطاع النفط وأمن الحدود المشتركة بجانب مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وأعرب مجوك عن أمله في أن تسهم هذه الزيارة في تمتين علاقات التعاون بين السودان وجنوب السودان بما يخدم مصالح الشعبين. بدوره أكد سفير السودان بجوبا الفريق ركن عصام الدين كرار أن الزيارة سيكون لها مردود ايجابي في مسيرة التعاون بين البلدين، وقال إن لقاء البرهان بنائب رئيس جنوب السودان رياك مشار كان مثمراً وبناءا تم فيه مناقشة القضايا المشتراكة ذات الصلة بملف التعاون بين البلدين.
لا توجد حكومة
وفي عشية الزيارة إلى جوبا (الثلاثاء)، كان قد صرح نائب رئيس جنوب السودان تعبان دينق بأنه لا توجد حكومة في الخرطوم، وقال دينق خلال مخاطبته فعالية بجوبا الى ما أسماها بحكومة بورتسودان ليس لها وقت للاستماع لمعاناة أهل أبيي، وإنها ليست أولوية بالنسبة لهم، وحث دينق السفراء والمنظمات بجوبا لزيارة أبيي للوقوف على معاناة المواطنين هناك، وقال لقد عانى شعب أبيي في صمت لفترة طويلة جداً، ولا يمكننا أن نتجاهل محنتهم بعد الآن، وحث المجتمع الدولي على إلقاء نظرة فاحصة على الوضع في أبيي، مضيفا أنها ليست مجرد قضية إقليمية، بل إنها أزمة إنسانية تتطلب اهتماماً وتدخلاً عالميين، وتابع أن مطار أطونج يلعب دوراً حاسماً في هذه المهمة، إلا أن حكومة الخرطوم أغلقته ويجب فتحه والسماح للأمم المتحدة وقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي والرحلات الجوية التجارية بالعمل بسلاسة، لافتاً إلى أنه يمكن للمطار أن يصبح شريان حياة لأبيي، وتسهيل المساعدات الإنسانية، وتعزيز النشاط الاقتصادي، وربط أبيي بالمنطقة الأوسع.
جوبا تتبرأ
وبعد ساعات من تصريح نائب سلفاكير، تبرأت حكومة دولة جنوب السودان من هذا الحديث الذي أدلى به تعبان دينق، وقال وزير شؤون الرئاسة في الجنوب شول ماووت، إن التصريحات التي أدلى بها تعبان دينق، لا تعكس الموقف الرسمي لجمهورية جنوب السودان، أو وجهات نظرها بشأن القضايا الإقليمية، وتتعارض مع موقف جوبا الواضح حول استقرار المنطقة، وأكد أن حكومة الجنوب تحترم حكومة السودان.
موقف مزدوج
وربما تعكس تصريحات تعبان دينق موقفاً مزدوجاً لما يحدث في جنوب السودان، ففي الوقت الذي يؤكد فيه سلفاكير وحكومته على متانة العلاقات مع الحكومة في السودان، نرى من حين إلى آخر بعض الأمور التي تصب في صالح مليشيا الدعم السريع، ومنها استقبال الرجل الثاني بالمليشيا، عبد الرحيم دقلو في جوبا، وأحاديث عن ضغط المليشيا لتحصيل رسوم من عبور نفط جنوب السودان عبر بورتسودان، إضافة إلى مشاركة عدد من مواطني القبائل في الجنوب في الحرب مع المليشيا، وفرار بعض قادتها إلى الأراضي الجنوبية، كل ذلك يعطي انطباعاً أن موقف جنوب السودان غير واضح المعالم تجاه الحرب في السودان. فإلى أي مدى يمكن الحكم على دور جنوب السودان إزاء الأزمة السودانية؟
السودان يكتفي
ويؤكد وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير حسين الأمين على أن زيارة البرهان إلى جوبا في هذا التوقيت، جاءت للتأكيد على أهمية العلاقات بين البلدين، والتعاون المشترك في مختلف الملفات ولطمأنة الإخوة في جنوب السودان على الأوضاع في السودان. وقال الأمين لموقع (المحقق) الإخباري إن الزيارة كان هدفها الأساسي في إطار التواصل بين القيادتين ودعم الرئيس سلفا كير، موضحا أن الزيارة تناولت استئناف التعاون بين البلدين في مجال النفط وأمن الحدود ومختلف المجالات، مبيناً أن المباحثات بين الرئيسين البرهان وسلفاكير لم تتطرق إلى تصريحات تعبان دينق، مشيراً إلى أن الرئاسة في جوبا أصدرت بياناً حول هذه التصريحات، منوهاً إلى أن الحكومة السودانية اكتفت بذلك، وقال إن المباحثات أيضاً لم تتطرق إلى زيارات عبد الرحيم دقلو إلى جوبا، وانما ركزت على القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
توازن سلبي
من جهته رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد محمد خير أن جنوب السودان يلعب دوراً مزدوجاً مع القضية في السودان. وقال خير لموقع (المحقق) الإخباري إن هناك ما وصفه بـ ” التوازن السلبي” تلعبه جنوب السودان في الأزمة، مضيفاً من جهة تستجيب جنوب السودان للضغوط الإماراتية، ومن جهة أخرى تأخذ في اعتبارها العلاقة مع الحكومة السودانية والجيش، وتابع من الطبيعي أن مجموعة النوير في الجنوب تكون مساندة للجيش والحكومة السودانية، للدور الذي لعبه الجيش في العلاقة بين النوير والسلطة في جوبا.
عبور النفط
ولفت خير إلى أن هناك علاقة قديمة بين تعبان دينق والإمارات، وقال إن تصريحات دينق تنطلق من هذه العلاقة، وإنه لن يستطيع أن يفرط فيه، معتبراً أن وجود دينق في السلطة مقترن بالمشاريع المشتركة للإماراتيين في جنوب السودان، مؤكداً أنه مالم تعدل الإمارات عن تدخلها في السودان، سيظل جنوب السودان في مربع التوازن السلبي، وقال إن زيارة البرهان إلى جوبا تأتي للترتيب لعبور نفط الجنوب، وإن هذا يستوجب اتفاقاً مسبقاً، مبيناً أن الجيش عندما يسترد ولاية الجزيرة سيكون الطريق مفتوحاً لعبور هذا النفط، مؤكداً أن هناك ضرورة اقتصادية ملحة للحكومة السودانية للاتفاق على هذا المرور.
حياد الدينكا
ورأى خير أن البرهان يريد حياد الدينكا في المعركة، وقال إن الدعم السريع لديه علاقات تجارية كبيرة في جنوب السودان، وأن هناك مستحقات مالية للمليشيا في الجنوب، مضيفاً أن عبد الرحيم دقلو يذهب إلى جوبا من آن إلى آخر للحصول على هذه الأموال، لافتاً إلى أنه يضغط مرة بكينيا ومرة بأثيوبيا للحصول على هذه الأموال، وقال إن هذا مؤشر على انحسار الدعم المالي الإماراتي للمليشيا، موضحاً أن تعبان دينق ليس مفوضاً للحديث عن قضية أبيي، وأن هناك بروتوكولاً حولها بين البلدين، ويتصدر الحديث عنها أبناء المنطقة مثل دينق ألور وفرانسيس دينق، معتبراً أن تعبان أقحم نفسه في الحديث عن أبيي في ضوء الصراع الذي يدور داخل الجنوب تجاه السودان.
القاهرة – المحقق- صباح موسى
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی جنوب السودان حکومة السودان بین البلدین التعاون بین فی السودان فی الجنوب إلى جوبا فی جوبا وقال إن فی إطار أن هناک إلى أن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحث العالم على عدم نسيان السودان وسط تصاعد الأزمة
مع اقتراب الصراع الوحشي في السودان من إكمال عامه الثاني، وجهت كبيرة مسؤولي الأمم المتحدة في البلاد تحذيرا حادا بشأن تفاقم الأوضاع هناك، وارتفاع مخاطر المجاعة، والنقص الخطير في تمويل جهود الإغاثة، في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، دعت كليمنتاين نكويتا - سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، المجتمع الدولي إلى تجديد دعمه لملايين المتضررين من هذه الأزمة.
وقالت: "الناس في وضع يائس. نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان، وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".
وضع إنساني كارثي
منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023، شهد السودان دمارا غير مسبوق. فقد تم تهجير أكثر من 12 مليون شخص، مما يجعلها أسوأ أزمة نزوح في العالم.
قالت السيدة نكويتا - سلامي إن الوضع الإنساني كارثي، مؤكدة أن بعد عامين من النزاع، "كنا نأمل أن نكون قد تمكنا من تقديم المساعدة الإنسانية بشكل شامل لكل من يحتاجها، لكننا ما زلنا نكافح".
التغذية في مستشفى سعودي بأم درمان.
تسعى الأمم المتحدة وشركاؤها هذا العام إلى جمع 4.2 مليار دولار لتقديم الدعم إلى نحو 30 مليون شخص في جميع أنحاء السودان، إلا أن التمويل لا يزال بعيدا عن المطلوب.
وقالت المسؤولة الأممية إن بعض المانحين أبلغوا مكتبها بأنهم سيقومون بتقليص الموارد المتاحة، معربة عن قلقها من عدم حصول العاملين الإنسانيين على مستوى التمويل الذي يمكنهم من تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان.
ووسط الفوضى التي تعم البلاد، يواصل العاملون في المجال الإنساني تقديم المساعدات الحيوية، رغم القيود الشديدة على الوصول، واستمرار العنف، والعقبات اللوجستية.
وقالت السيدة نكويتا - سلامي: "ليست لدينا إمكانية الوصول إلى كل المناطق الساخنة، لكننا نبذل قصارى جهدنا لضمان أن الموارد التي نملكها تُنقل بأسرع ما يمكن باستخدام كل الوسائل المتاحة".
المجاعة موجودة بالفعل وتنتشر
كان للصراع تأثير مدمر بشكل خاص في منطقة دارفور، حيث أكدت المنسقة الأممية أن مدينة الفاشر لا تزال تحت الحصار. وقالت إن السكان المدنيين "محاصرون منذ عدة أشهر، وهم يواجهون قصفا يوميا وتشريدا وتدهورا سريعا في الأوضاع الإنسانية".
وعبّرت عن قلقها البالغ إزاء تأكيد المجاعة في مخيم زمزم شمال دارفور، وصفت الوضع هناك بالـ "كارثي"، مشيرة إلى نقص حاد في الغذاء والماء والإمدادات الطبية. وقالت إن أسعار السلع الأساسية "ارتفعت بشكل كبير، ما جعل المواد الضرورية خارج متناول معظم الأسر".
وقد تم تأكيد حدوث المجاعة في مخيم زمزم المتاخم لمدينة الفاشر في آب/أغسطس 2023، وأُعيد تأكيدها مجددا في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.
وذكّرت المسؤولة الأممية بأن مناطق أخرى مثل الخرطوم، وكردفان، والنيل الأزرق معرضة أيضا للخطر، وأضافت: "نعمل ضد الزمن لمحاولة منع انتشار المجاعة".
الجهود الإنسانية مستمرة
ورغم غياب الحل السياسي، شددت السيدة نكويتا - سلامي على أن العمل الإنساني لا يمكن أن ينتظر، وأكدت أنه في ظل غياب وقف إطلاق النار، "نواصل المضي قدما في الاستجابة الإنسانية".
كما أكدت على الحاجة الماسة إلى تدابير حماية في ظل انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهشاشة أوضاع الأطفال. وأضافت: "نواصل التأكيد على ضرورة حماية المدنيين، بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. هذا شيء لم نره بعد، وما زلنا نطالب به".
أسر نازحة تفر من مدينة الفاشر بشمال دارفور بحثا عن الأمان. في مختلف أنحاء السودان، نزح أكثر من 12 مليون شخص من ديارهم.
وأفادت منسقة الشؤون الإنسانية بأن تحديات الوصول لا تزال تمثل عقبة كبيرة. وأكدت أن الأمم المتحدة وشركاءها يحاولون إيصال المساعدات عبر الخطوط الأمامية والحدود، مشددة على ضرورة الحفاظ على أكبر عدد ممكن من هذه الخيارات، "وضمان وجود اتفاقات مع جميع الجماعات المسلحة حتى نتمكن من توصيل المساعدات بشكل واسع وسريع إلى المناطق المتضررة بشدة".
تقديم المساعدات وسط الخطر
أشارت نكويتا - سلامي إلى أن الأمم المتحدة لا تعمل وحدها، بل تتعاون مع منظمات غير حكومية دولية، وشبكة وطنية كبيرة من المنظمات غير الحكومية – بعضها بقيادة نساء. ووصفت هؤلاء بأنهم في "الخطوط الأمامية".
ورغم التحديات الجسيمة وانعدام الأمن، يظل العاملون الإنسانيون ملتزمين بالعمل، بحسب المسؤولة الأممية، وقالت إنهم "مستعدون – ولديهم الوسائل والطرق – للوصول" حتى في أماكن الصراع.
إلا أنها أكدت أن ثمن ذلك كان باهظا، وقالت إن عدد العاملين الإنسانيين الذين فقدوا حياتهم خلال الصراع "غير مقبول". وأضافت: "يجب ألا يخسر العاملون في المجال الإنساني حياتهم أثناء محاولتهم تقديم الدعم للمحتاجين".
ومع تفاقم الكارثة الإنسانية، وجهت السيدة نكويتا - سلامي رسالة واضحة وعاجلة إلى العالم، حيث قالت: "ما زلنا بحاجة إلى جهد هائل. ما زلنا بحاجة إلى دعم من المجتمع الدولي من حيث الموارد، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من التسهيلات من جميع الجماعات المسلحة المشاركة في هذا الصراع".