أحمد ياسر يكتب: الصحفيون الفلسطينيون يستحقون الحماية الدولية
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
لقد تم استجواب وزير الخارجية البريطاني "ديفيد لامي" الأيام الماضية أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، وفي مرحلة ما، أبدى رأيه: "لا يوجد صحفيين في غزة".
ربما يمكن أن نعزو هذا إلى الإهمال وعدم التفكير… ويتعين على "لامي" أن يصحح السجل رسميًا، ولا شك أن وزير الخارجية يعلم تمام العلم أن القوات الإسرائيلية قتلت العشرات من الصحفيين الفلسطينيين في غزة، علي الأقل 137 صحفيا ًحتى الآن.
وهذا في الواقع هو الصراع الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين في جمع البيانات في عام 1992.
وتنظر اللجنة أيضًا في 130 حالة أخرى محتملة لقتل الصحفييين، وقد حسبت مجموعة أخرى لحقوق الإنسان أنه في الحرب السورية، قُتل ما يقرب من 63 صحفيا ً سنويًا، وهو ثاني أعلى معدل وفيات للصحفيين في هذا القرن، وفي حرب العراق، كان الرقم ستة صحفيين سنويًا.
كما أصيب العديد من الصحفيين في غزة بجروح خطيرة، إن كان حلفاء إسرائيل يبدون اهتمامهم بالصحفيين، فربما يتدخلون ويدفعون تل أبيب إلى السماح للمصور الفلسطيني "فادي الوحيدي" بالسفر لتلقي العلاج الطبي، فقد أصيب برصاصة من قبل القوات الإسرائيلية في أكتوبر 2024 وهو الآن في غيبوبة.
كما يمكنهم حث إسرائيل على السماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة، كما يسعى العديد من العاملين في المنافذ الدولية الكبرى، وعادة ما يذهبون إلى هناك ويتواصلون مع الصحفيين الفلسطينيين، الذين يساعدونهم في عملهم، وقد يساعد هذا في التحقق من جرائم الحرب التي يشك بعض القادة في ارتكابها في غزة.
ربما تستطيع هذه الحكومات أيضا أن تدعو إلى إجراء تحقيقات مستقلة في مقتل الصحفيين، فالعاملون في مجال الإعلام يحق لهم الحصول على الحماية بموجب القانون الدولي، تماما مثل المدنيين.
ولكن لا يمكنهم دعم الشكاوى المقدمة إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن قتل إسرائيل للصحفيين والمطالبة بالتحقيق من قبل المحكمة، ولكن لا يبدو أنهم حساسون للتحقيقات والمساءلة اللائقة، على الأقل عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
تذكر، حتى الآن، لم تتم محاسبة أحد على مقتل شيرين أبو عاقلة، "الصحفية الفلسطينية الأمريكية" التي قُتلت بالرصاص في جنين في عام 2022. وعلى الرغم من أن إسرائيل اضطرت إلى الاعتراف بأن أحد جنودها أطلق النار عليها، إلا أن المساءلة لم تأت على هذا النحو، والواقع أن إسرائيل لم تحاكم أيًا من جنودها قط بتهمة قتل صحفية، وفقًا للجنة حماية الصحفيين.
يبدو أن عقلية العديد من الساسة والشخصيات الإعلامية في أوروبا والولايات المتحدة هي أن الصحفيين الفلسطينيين في غزة لا يحتسبون، فهم يُعامَلون باعتبارهم غير جديرين بالثقة، وغير قادرين على القيام بعملهم المهني، وهذا الموقف يزدري الصحفيين وأسرهم الذين قتلوا، وفي بعض الحالات اغتيلوا بوضوح.
وينطبق نفس الموقف تقريبًا على العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، فقد قُتل عمال الإغاثة الفلسطينيون، بما في ذلك موظفو الأمم المتحدة، بأعداد مروعة في غزة، ومع ذلك، فإن مقتل عمال الإغاثة الدوليين العاملين لدى( وورلد سنترال كيتشن) في شهر إبريل 2024، هو الخبر الوحيد الذي تصدر الصفحات الأولى للصحف.
وعلى مستوى أوسع، لا تعترف العديد من الحكومات الغربية ببساطة بحقيقة المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل، وعادة ما تقلل من شأن الجرائم المرتكبة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية لها أهميتها، إن الصحفيين الإسرائيليين يعاملون باحترام، حتى أولئك الذين أدلوا بتعليقات إبادة جماعية.
تخيل لو كان الوضع على العكس، لو قتلت حماس عمدًا صحفيين إسرائيليين أو دوليين، حسنًا، في 7 أكتوبر 2023، انتشرت الأخبار وزعمت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حماس قتلت أربعة صحفيين إسرائيليين، وتم إدانة هذه الهجمات بشكل صحيح كل يوم تقريبًا منذ ذلك الحين.
تظهر الأدلة أن الصحفيين الفلسطينيين قاموا بعمل لا يصدق، حيث فاز العديد منهم بجوائز عن عملهم.
لقد عملوا في أكثر الظروف المروعة في غزة، إنهم مستهدفون، وانتشرت بعض الروايات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "عندما يرى الفلسطينيون في غزة صحفيًا، فإنهم لا يريدون الاقتراب منه".... إذا رن هاتفه، فإنه يبتعد عن الجميع إنهم يعرفون أنه في أي لحظة، قد يكون صاروخ إسرائيلي في طريقه باسمهم.
العنصر الأكثر رعبًا هو أن هذا قد يكون المستقبل!!
ربما إذا استمرت الفظائع، ستحرص إسرائيل على عدم بقاء المزيد من الصحفيين الفلسطينيين في غزة… إذن من أين سنحصل على القصة الحقيقية؟ قد يناسب هذا أصدقاء إسرائيل فقط.
الصحافة مهمة… وبدلًا من تجاهل محنة الصحفيين الفلسطينيين، ينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تشجعهم وتدعمهم، من خلال توفير التدريب لهم لضمان سلامتهم، لقد أصبحت الهجمات على وسائل الإعلام جزءًا من الحرب، ولا بد من فضحها ومحاسبة المسؤولين عنها.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بريطانيا غزة فلسطين الملف النووي البرنامج النووي الايراني أخبار مصر دونالد ترامب الرئيس الأمريكي محور المقاومة حزب الله الرئيس الايراني رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ايران المقاومة الفلسطينية سوريا الصين جو بايدن حسن نصر الله حركة حماس الشرق الأوسط اسرائيل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فلسطين المحتلة الصحفیین الفلسطینیین صحفیین فی العدید من فی غزة
إقرأ أيضاً:
الصحفيون والاستخدام الرشيد للذكاء الاصطناعي
في ظل عدم وجود معلومات موثقة حول استخدام وسائل الإعلام العربية بوجه عام والعُمانية منها على وجه الخصوص تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بسبب اعتبارات ومخاوف كثيرة، فإننا نطرح -في هذا المقال- فكرة أن يبدأ الإعلاميون العرب في الاستخدام الفردي لهذه التقنيات وعدم انتظار تبني مؤسساتهم لها الذي قد يطول ويعوق تقدمهم في هذا المسار التكنولوجي الجديد الذي أحدث بالفعل، رغم قصر عمره الذي لا يتجاوز السنوات الثلاث، تحولًا جذريًّا في مجال العمل الإعلامي.
علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أن المؤسسات الإعلامية العربية ليست وحدها التي تقاوم دخول التقنيات الجديدة المتصلة بالذكاء الاصطناعي التوليدي إلى غرف الأخبار بها، إذ تشترك في هذه المقاومة مع مؤسسات إعلامية عالمية منتشرة في جميع دول العالم تقريبا ما زالت ترفض التقنية الجديدة خوفا من تأثيراتها السلبية على جودة العمل الإعلامي وعلى القيم المهنية الراسخة، إلى جانب ما تحتاجه من إمكانات وموارد مادية وبشرية.
أمام هذه المقاومة المؤسسية لا يصبح أمام الصحفيين والإعلاميين سوى أن يبادروا بأنفسهم بالبدء في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة فردية لا مؤسسية في العمل الصحفي لمساعدتهم في مختلف مراحل إنتاج الأخبار، بما في ذلك جمع الأخبار، وكتابتها وتقديمها، وتحريرها، والترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي. إذ يعتمد الصحفيون في دول كثيرة في الوقت الحالي على الذكاء الاصطناعي في إنجاز مهام صحفية متنوعة مثل جمع المعلومات، وكتابة المسودات الأولية للمواد الصحفية، وتبسيط واختصار النصوص، والتثبت من صحة البيانات.
الإشكالية الأساسية التي تواجه هؤلاء الصحفيين الذين يمكن وصفهم بـ«المتبنين الأوائل» هو كيفية إحداث التوازن بين ما تقدمه لهم أدوات الذكاء الاصطناعي وبين الحفاظ على القيم المهنية ومعايير «الصحافة الجيدة». وفي تقديري أن هذا التوازن يمكن تحقيقه من خلال استخدام ثلاث استراتيجيات تتيح لهم استخدام هذه الأدوات الجديدة وعدم البقاء في الخلف والحفاظ في الوقت نفسه على ممارساتهم الصحفية الجيدة، وهي: عدم قبول مخرجات الذكاء الاصطناعي دون تدقيق والتحقق من دقة المعلومات لاحتمال أن تحتوي على معلومات غير صحيحة أو متحيزة، وتحرير وتعديل النصوص التي يتم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي لضمان توافقها مع معايير الصحافة المهنية، بالإضافة إلى الالتزام بالقيم الأساسية للصحافة والحفاظ على المعايير الأخلاقية للمهنة: مثل النزاهة، والدقة، والشفافية، والموضوعية، والتوازن، واستخدام هذه الأدوات دون إسراف وبالقدر الذي يتماشى مع قيم مهنتهم، ووضع حدود للاستخدام عندما يتعارض مع هذه القيم. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة فعالة في دعم العمل الصحفي، ولكن بشرط أن يظل الصحفيون هم المتحكمون الرئيسيون في المحتوى، وأن يستخدموه كوسيلة لتعزيز قيم الصحافة وليس بديلا عن العمل الصحفي التقليدي والقيم المهنية الراسخة.
لقد سمحت سهولة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لأي شخص يمتلك مهارات اتصال بسيطة ودون الحاجة إلى معرفة بالبرمجة بأن يصبح مستخدمًا لهذه التقنية، وهو ما أدى إلى انتشار استخدامها على نطاق واسع بين الجمهور. ولم يكن الصحفيون استثناءً من ذلك، فقد بدأت تجاربهم مع استخدام هذه التقنية منذ إطلاق «شات جي بي تي».
من المهم في هذه المرحلة المبكرة من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الصحافة العُمانية أن نشجع الصحفيين كأفراد على استخدام هذه الأدوات، وفي ضوء ذلك نطرح هنا الاستخدامات الممكنة في العمل الصحفي اليومي، وكيف يضمنون عدم المساس بقيمهم الأساسية المتعلقة بـ«الصحافة الجيدة»؟
المهمة الأولى التي يمكن أن يؤديها الذكاء الاصطناعي التوليدي للصحفيين هي جمع المعلومات والأخبار، إذ يستطيع تقديم اقتراحات ومعلومات وإجابات حول الأحداث والقضايا التي يقوم الصحفي بتغطيتها، واقتراح المصادر التي يمكن الاعتماد عليها. وعلى هذا فإن هذه الأدوات توفر وقت الصحفي وتقلل الحاجة إلى البحث عن المعلومات عبر العديد من المواقع الإلكترونية.
إذ يمكن لـ«شات جي بي تي»، على سبيل المثال، جلب المعلومات مباشرة والتحقق منها عن طريق مصادر أخرى لم يكن الصحفي يعرف بوجودها أو لم تكن لتصل إليه بطرق البحث التقليدية، وهو ما يساعد في تحسين كفاءة وجودة المادة الصحفية. ويمكن أيضًا استخدام أدوات لمساعدة الصحفيين في اقتراح مقابلات صحفية واقتراح المتحدثين، وتوليد أسئلة المقابلة. وخلال عملية جمع المعلومات، يمكن لأدوات ذكاء اصطناعي أخرى تحويل الصوت إلى نص، وبالتالي تحويل النسخة الصوتية المسجلة للمقابلة إلى نسخة نصية. ويمكن للذكاء الاصطناعي تعلم اللهجات لفهم استخدام اللغة العامية، بحيث تصبح عملية النسخ أكثر دقة.
المهمة الثانية التي يمكن للصحفيين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنجازها تتمثل في كتابة الأخبار. إذ يمكن استخدامها لإنشاء المسودة الأولى للأخبار والقصص الصحفية، خاصة البسيطة منها، مثل البيانات الصحفية، وحالة الطقس، والتقارير الاقتصادية، كما يمكن استخدامها لكتابة قصص صحفية أكثر بساطة وواقعية، وترجمة النصوص والمصطلحات بطريقة يسهل على القارئ فهمها، بالإضافة إلى تلخيص القصة الإخبارية، والحصول على اقتراحات لكتابة الخاتمة، وكتابة العناوين الجذابة التي يمكن أن تحقق الانتشار للعمل الصحفي في الفضاء الرقمي.
في مرحلة تحرير الأخبار، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل كأداة تحرير لتحديد ما إذا كان الصحفي قد فاته شيء، سواء كان ذلك عناصر رئيسية في القصة أو وجهات نظر حول القضية. بالإضافة إلى تدقيق المعلومات والتحقق من صحة الأرقام، وتصحيح القواعد اللغوية أو تقليص عدد الكلمات إذا تجاوزت القصة الصحفية الحد المسموح به من الكلمات.
وتتمثل المهمة الثالثة والأخيرة التي يمكن للصحفيين الاستفادة منها دون حاجة إلى انتظار قرار المؤسسات الإعلامية، هي ترويج أخبارهم وقصصهم الصحفية، إما من خلال ربطها بالأخبار والقصص المشابهة، أو من خلال إنشاء ملصقات وتغريدات للنشر على حسابات منصات التواصل الاجتماعي.
بقي أن نشير إلى أن الدعوة للتوسع في استخدام الصحفيين أدوات الذكاء الاصطناعي يجب أن تكون مقرونة دائما بالحذر مما تقدمه هذه الأدوات، والذي لا يخلو في أحيان كثيرة من تضليل وتحيز، وهو ما يتعارض مع ممارسات الصحافة الجيدة. وعلى هذا الأساس يجب على الصحفيين وهم يستخدمون هذه الأدوات أن يتحققوا دائما من مخرجاتها ويعيدوا تحريرها، وعدم السماح للقصة التي كتبها الذكاء الاصطناعي بأن تصل إلى الجمهور دون مراجعة بشرية دقيقة.
من الضروري أن يكون لدينا الاستعداد للتضحية بكل ما تقدمه أدوات الذكاء الاصطناعي، إذا تعارض مع القيم الصحفية الأساسية، وضمان الالتزام بهذه القيم، وهو ما يعني عدم نشر أي معلومات تقدمها إذا لم نتمكن من التحقق من صحتها.
إن الاستخدام الرشيد والمسؤول للذكاء الاصطناعي في المستقبل يتوقف على قدرة الصحفيين على تحديد ما ينبغي عليهم السماح للذكاء الاصطناعي بالقيام به وما لا ينبغي، وإن وجود أساس قوي من القيم يمنع الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي الذي قد يضر بالصحافة وقدرتها على وظائفها الأساسية في الإعلام والتعليم والتنشئة وخدمة المجتمع.