بعد فشلها في غزة ولبنان.. واشنطن تقامر بإشعال الحرب في سورية
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
لبنان كان ولا يزال وسيبقى المحور الاستراتيجي الذي تنطلق منه دوائر التخطيط الأمريكية والإسرائيلية في تأسيس المشاريع الرامية للسيطرة على منطقة ما يسمّى الشرق الأوسط، ليس مردّ ذلك فقط لأهمية هذه المنطقة على مستوى التمركز الجيوسياسي – الاقتصادي في أجندة الأطماع الغربية، بل لأنها أيضاً الوحيدة التي بقيت فيها دول وحركات مقاومة عصيّة على التسليم والسير خلف مخطط الهيمنة.
لعلّ من محاسن الحروب مع “إسرائيل” أن مسؤوليها – بعكس الأمريكيين والأوروبيين – لا يتورّعون عن كشف خططهم وأهدافها، ويسارعون إلى ترجمتها عملياً بعد أن يكونوا قد أتمّوا تحضيراتهم الاستخبارية والعسكرية وتهيئة الأجواء المحيطة داخلياً وخارجياً، والتي تسهم في تشكيل حالة ضاغطة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما حصل عملياً على مدى 18 عاماً منذ أن حقق لبنان والمقاومة الانتصار الخامس في العام 2006، (*) حتى جاءت “معركة أولي البأس” لتميط اللثام عن كامل الصورة نظراً لما سبقها من حرب إبادة على قطاع غزة وما تشهده اليوم سوري من استئناف الجماعات التكفيرية حربها ضد الحكومة السورية.
لم تمضِ أيام قليلة على بدء “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر عام 2023، والذي استبق مخطط إبادة حركة حماس في قطاع غزة، حتى انبرى مسؤولو العدو وعلى رأسهم المجرم المدان الفار من وجه العدالة بنيامين نتنياهو للقول: “اليوم غزة وغداً لبنان”، وتكشفت تدريجياً في أوقات لاحقة تفاصيل المخطط الأمريكي – الصهيوني بشأن إبادة حزب الله في لبنان، والتي كانت مجزرة البيجر في 17 سبتمبر 2024الخطوة التمهيدية لها، فضلاً عما تلاها من استهداف لقيادات حزب الله العليا وعلى رأسها الأمين العام السيد الشهيد حسن نصر الله.
إذن هي حرب كان مخططاً لها في العناوين والتفاصيل والأهداف وغايتها الكبرى تغيير الشرق الأوسط كما صرّح بذلك نتنياهو نفسه، ولكن على مدى ١٤ شهراً من الحرب التدميرية في غزة ومنها 72 يوماً على لبنان، لم تستطع واشنطن وأداتها الإسرائيلية أن تحقق أهدافها في القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولكنها نجحت في دعم وتمويل وتغطية الجرائم الوحشية التي ارتكبها العدو في قطاع غزة فضلاً عن عمليات التدمير والتهجير، وهذا ما ارتكبته نسبياً في لبنان دون أن تنجح أيضاً في كسر شوكة المقاومة، بل إنها اضطرت للمسارعة إلى وقف إطلاق النار خوفاً من الغرق أكثر في المستنقع اللبناني، وخشيةً من استنزاف أكبر لقدرات جيش الاحتلال المنهك وللاقتصاد الصهيوني المتهالك.
أفشلت المقاومة مساعي أمريكا لتحقيق أهدافها في غزة وكذلك في لبنان، وأخفقت في كسر توازن القوة الاستراتيجي مع إيران، فانتقلت إلى المرحلة الثالثة في إطار المخطط الشامل، فأوعزت إلى أعوانها من التكفيريين في سوري للتحرّك باتجاه ضرب استقرارها الداخلي وزعزعة النظام، وهم كانوا قد أتمّوا استعداداتهم وتجهيزهم بالأسلحة الأمريكية تحت إشراف ضباط أمريكيين و”غير أمريكيين”. والهدف وفق ما أعلنه نتنياهو ضرب القدرة على تهريب السلاح عبر سوري من إيران إلى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ومهّد لبدء التحرك التكفيري بالقول في خطاب الإذعان للقرار 1701: “الأسد يلعب بالنار”.. إلا أن المرامي الأمريكية، حسب مراقبين، تتجاوز هذا الهدف لتحويل الأرض السورية إلى ميدان حرب بدعم من “إسرائيل” وبعض أنظمة العرب والجوار، والغاية من ذلك قطع الصلة بين إيران والعراق من جهة وبين لبنان وفلسطين من جهة ثانية، وتطويق لبنان وعزله جغرافياً عن باقي دول المحور.
وارتباطاً بهذه المؤشرات يوضح المراقبون أن واشنطن وتل أبيب تمارسان لعبة خطرة قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية انطلاقاً من سوري، فالكل يعلم أن سوري تشكّل عمقاً جيوسياسياً وعسكرياً لكل من روسيا وإيران، وبالتالي لن تسمح موسكو أو طهران في أن تشكّل الأرض السورية الخاصرة الرخوة لجبهة المحور أو لجبهة الشرق في مواجهة الحلف الغربي.
ويلفت هؤلاء في معرض تأكيدهم لهذه الرؤية إلى “الاندفاعة الروسية في دعم الجيش السوري جواً وبراً للقضاء على الجيوب التكفيرية في حلب وغيرها من المناطق التي لا تزال خارج السلطة السورية”، ويحذر المراقبون من مضي واشنطن في تفجير الألغام في المنطقة قبل تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، واحتمال حصول تدهور دراماتيكي للحرب على الجبهة الروسية – الأوكرانية، ودخول القواعد الأمريكية في منطقة الخليج وتركيا على خط التطورات الميدانية ما ينذر بالفعل بانفجار الوضع، وهو ما يفتح الاحتمالات على تدحرج ناري لأحجار الدومينو، وحينها من غير المستبعد أن تتحقق نبؤات الحرب العالمية الثالثة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الجولة القادمة مع ترامب
في قراءة ثانية لتصريح دونالد ترامب، الذي هدّد فيه المقاومة في غزة بأنه سيحوّل منطقة "الشرق الأوسط" إلى جهنم أو جحيم، إذا تسلّم قيادة أمريكا في 20 كانون الثاني/ ديسمبر 2025، ولم يكن كل "المحتجزين" لدى حماس في غزة قد أفرج عنهم جميعا.. يمكن قراءة التهديد بأنه سيهاجم غزة، ولكن تحويل منطقة "الشرق الأوسط" (الاسم المزوّر لمنطقتنا) إلى جحيم، يتضمن مهاجمة محور المقاومة كله، وعلى التحديد إيران بالخصوص، الأمر الذي يفرض التحضير من الآن لمواجهة ترامب، ابتداء من محور المقاومة مجتمعا، ومَن يُمكن أن يستفزه ترامب، من قوى سياسية ودول عربية وإسلامية.
ولكن قبل تناول ضرورة التحضير لمواجهة ترامب، يجب أن يُلاحظ بأن تبني ترامب لهذا التصريح، مفتتحا به استراتيجيته وسياساته، يعني أن أولوية الاستراتيجية الأمريكية ستكون التركيز على "الشرق الأوسط"، بدلا من الصين التي تهدّد بالحلول مكان أمريكا، في احتلال مكانة الدولة الكبرى رقم 1، بل تهدّد بحرمان أمريكا من سيطرتها العالمية، أو من أن تترأس نظام القطب الأوحد.
التركيز بإعطاء الأولوية للشرق الأوسط، سوف يُسهم بإضعاف أمريكا أكثر أمام الصين، أو سيعود على الصين بفوائد مجانية، بسبب غرق أمريكا في حروب "الشرق الأوسط"، فيما احتمال الفشل في هذه الاستراتيجية، من حيث تغيير المنطقة، هو الراجح بل المؤكد
هذا التركيز بإعطاء الأولوية للشرق الأوسط، سوف يُسهم بإضعاف أمريكا أكثر أمام الصين، أو سيعود على الصين بفوائد مجانية، بسبب غرق أمريكا في حروب "الشرق الأوسط"، فيما احتمال الفشل في هذه الاستراتيجية، من حيث تغيير المنطقة، هو الراجح بل المؤكد.
وقد سبق وفشل الرؤساء الذين سبقوا دونالد ترامب في هذه الأولوية، وصولا لبايدن، وفشل هو في "صفقة القرن"، التي لم يبق منها ما حملته من مشروع شامل.
إن تهديد ترامب قبل تسلم الرئاسة، بتحويل "الشرق الأوسط" إلى جحيم، يكشف ما وراء استمرار نتنياهو بما يقوم به من اختراقات لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، بهدف إبقاء التصعيد على أشدّه، تمهيدا لتنفيذ تهديد ترامب من جهة، ولامتصاص الانتصار الذي حققه حزب الله ولبنان، في إجبار نتنياهو على توقيع الاتفاق، الذي لم يلتزم به، من جهة ثانية.
هذا وانتقل الآن نتنياهو إلى احتلال موقع هام عسكريا في حرمون (في جبل الشيخ) في سوريا، وإلى تموضع توسّعي جديد في الجولان، مع مواصلة القصف والاعتداءات، وتجريد سورية من سلاحها، مما يشكل تمهيدا آخر لتنفيذ تهديد ترامب، الأمر الذي يفترض التحرك منذ الآن لإحباط أهداف نتنياهو، واختراقاته للاتفاق في لبنان. وهو ما سيتم من خلال صمود المقاومة في لبنان، وحشد كل القوى خلف حزب الله ولبنان في هذه المعركة، ذات الطابع السياسي- العسكري.
وكذلك الأمر، بضرورة حشد أوسع القوى، لإحباط الهجمة الترامبية ضد الدول العربية، وذلك إلى جانب الهجمة على قطاع غزة والضفة وإيران وحزب الله والعراق واليمن.
يجب التفريق بين ما يمكن أن يحقق من قتل للمدنيين، وتدمير هائل للأبنية والمساكن والمشافي، كما يحدث في قطاع غزة من جهة، وبين عدم نجاح التآمر في تحقيق أهدافه السياسية، أو التغيير في موازين القوى، من جهة أخرى
فما يبيته ترامب لن يقتصر على استهداف تصفية القضية الفلسطينية، وظاهرة المقاومة التي تطوّرت، ولم تزل، في مواقع السير على طريق تحرير فلسطين، وذلك بالرغم مما يوجّه إليها من ضربات هنا أو هناك، وبالرغم مما يجري من حرب نفسية، توحي كأن ترامب سيحقق ما يتوعد المنطقة به.
وهنا يجب التفريق بين ما يمكن أن يحقق من قتل للمدنيين، وتدمير هائل للأبنية والمساكن والمشافي، كما يحدث في قطاع غزة من جهة، وبين عدم نجاح التآمر في تحقيق أهدافه السياسية، أو التغيير في موازين القوى، من جهة أخرى.
ذلك لأن ميزان القوى ما زال في غير مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني، كما أثبتته المواجهات الميدانية العسكرية. وهو ما أثبتته انتصارات المقاومتين في غزة ولبنان، ومحور المقاومة عموما، في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، وما ستثبته، بإذن الله، الجولة الجديدة من الصراع.
الكيان الصهيوني وأمريكا يعانيان داخليا وخارجيا من نقاط ضعف كثيرة، بعضها ظاهر وأشير إليه مرارا، وبعضها كامن، أو في طريقه للخروج إلى السطح.
فاستقواء ترامب ونتنياهو يجب ألّا يحجب ما يتصفان به من نقاط ضعف، وما ينتظرهما من فشل، وهذا ما يوجب أن تبقى الإرادة الحديدية، والمعنويات العالية، والإيمان بنصر الله، أسياد المواجهة القادمة.