لبنان كان ولا يزال وسيبقى المحور الاستراتيجي الذي تنطلق منه دوائر التخطيط الأمريكية والإسرائيلية في تأسيس المشاريع الرامية للسيطرة على منطقة ما يسمّى الشرق الأوسط، ليس مردّ ذلك فقط لأهمية هذه المنطقة على مستوى التمركز الجيوسياسي – الاقتصادي في أجندة الأطماع الغربية، بل لأنها أيضاً الوحيدة التي بقيت فيها دول وحركات مقاومة عصيّة على التسليم والسير خلف مخطط الهيمنة.

. ولأن لبنان أضحى رأس حربة لجبهة المقاومة خلافاً للدور المرسوم له وفق رؤية المخطّطين، فإن الجهد الأمريكي – الصهيوني انصبّ على إزالة عوامل قوته، ولا يكون ذلك إلا بسحق المقاومة للانتقال إلى الخطوة التالية في مشروع “تغيير الشرق الأوسط”.
لعلّ من محاسن الحروب مع “إسرائيل” أن مسؤوليها – بعكس الأمريكيين والأوروبيين – لا يتورّعون عن كشف خططهم وأهدافها، ويسارعون إلى ترجمتها عملياً بعد أن يكونوا قد أتمّوا تحضيراتهم الاستخبارية والعسكرية وتهيئة الأجواء المحيطة داخلياً وخارجياً، والتي تسهم في تشكيل حالة ضاغطة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما حصل عملياً على مدى 18 عاماً منذ أن حقق لبنان والمقاومة الانتصار الخامس في العام 2006، (*) حتى جاءت “معركة أولي البأس” لتميط اللثام عن كامل الصورة نظراً لما سبقها من حرب إبادة على قطاع غزة وما تشهده اليوم سوري من استئناف الجماعات التكفيرية حربها ضد الحكومة السورية.
لم تمضِ أيام قليلة على بدء “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر عام 2023، والذي استبق مخطط إبادة حركة حماس في قطاع غزة، حتى انبرى مسؤولو العدو وعلى رأسهم المجرم المدان الفار من وجه العدالة بنيامين نتنياهو للقول: “اليوم غزة وغداً لبنان”، وتكشفت تدريجياً في أوقات لاحقة تفاصيل المخطط الأمريكي – الصهيوني بشأن إبادة حزب الله في لبنان، والتي كانت مجزرة البيجر في 17 سبتمبر 2024الخطوة التمهيدية لها، فضلاً عما تلاها من استهداف لقيادات حزب الله العليا وعلى رأسها الأمين العام السيد الشهيد حسن نصر الله.
إذن هي حرب كان مخططاً لها في العناوين والتفاصيل والأهداف وغايتها الكبرى تغيير الشرق الأوسط كما صرّح بذلك نتنياهو نفسه، ولكن على مدى ١٤ شهراً من الحرب التدميرية في غزة ومنها 72 يوماً على لبنان، لم تستطع واشنطن وأداتها الإسرائيلية أن تحقق أهدافها في القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولكنها نجحت في دعم وتمويل وتغطية الجرائم الوحشية التي ارتكبها العدو في قطاع غزة فضلاً عن عمليات التدمير والتهجير، وهذا ما ارتكبته نسبياً في لبنان دون أن تنجح أيضاً في كسر شوكة المقاومة، بل إنها اضطرت للمسارعة إلى وقف إطلاق النار خوفاً من الغرق أكثر في المستنقع اللبناني، وخشيةً من استنزاف أكبر لقدرات جيش الاحتلال المنهك وللاقتصاد الصهيوني المتهالك.
أفشلت المقاومة مساعي أمريكا لتحقيق أهدافها في غزة وكذلك في لبنان، وأخفقت في كسر توازن القوة الاستراتيجي مع إيران، فانتقلت إلى المرحلة الثالثة في إطار المخطط الشامل، فأوعزت إلى أعوانها من التكفيريين في سوري للتحرّك باتجاه ضرب استقرارها الداخلي وزعزعة النظام، وهم كانوا قد أتمّوا استعداداتهم وتجهيزهم بالأسلحة الأمريكية تحت إشراف ضباط أمريكيين و”غير أمريكيين”. والهدف وفق ما أعلنه نتنياهو ضرب القدرة على تهريب السلاح عبر سوري من إيران إلى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ومهّد لبدء التحرك التكفيري بالقول في خطاب الإذعان للقرار 1701: “الأسد يلعب بالنار”.. إلا أن المرامي الأمريكية، حسب مراقبين، تتجاوز هذا الهدف لتحويل الأرض السورية إلى ميدان حرب بدعم من “إسرائيل” وبعض أنظمة العرب والجوار، والغاية من ذلك قطع الصلة بين إيران والعراق من جهة وبين لبنان وفلسطين من جهة ثانية، وتطويق لبنان وعزله جغرافياً عن باقي دول المحور.
وارتباطاً بهذه المؤشرات يوضح المراقبون أن واشنطن وتل أبيب تمارسان لعبة خطرة قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية انطلاقاً من سوري، فالكل يعلم أن سوري تشكّل عمقاً جيوسياسياً وعسكرياً لكل من روسيا وإيران، وبالتالي لن تسمح موسكو أو طهران في أن تشكّل الأرض السورية الخاصرة الرخوة لجبهة المحور أو لجبهة الشرق في مواجهة الحلف الغربي.
ويلفت هؤلاء في معرض تأكيدهم لهذه الرؤية إلى “الاندفاعة الروسية في دعم الجيش السوري جواً وبراً للقضاء على الجيوب التكفيرية في حلب وغيرها من المناطق التي لا تزال خارج السلطة السورية”، ويحذر المراقبون من مضي واشنطن في تفجير الألغام في المنطقة قبل تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، واحتمال حصول تدهور دراماتيكي للحرب على الجبهة الروسية – الأوكرانية، ودخول القواعد الأمريكية في منطقة الخليج وتركيا على خط التطورات الميدانية ما ينذر بالفعل بانفجار الوضع، وهو ما يفتح الاحتمالات على تدحرج ناري لأحجار الدومينو، وحينها من غير المستبعد أن تتحقق نبؤات الحرب العالمية الثالثة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

“الصهاينة” يواجهون نسخة جديدة من المقاومة في غزة

يمانيون../
بعد عام وثلاثة أشهر من حرب الإبادة على غزة، والتي انتهكت جميع الأعراف والقوانين الدولية، لا تزال المقاومة مستمرة في غزة، بل وفي شمالها الذي يلقى نوعاً خاصاً من الاستهداف والإبادة بحكم ارتباطه بمشروع خاص، ولا تزال المقاومة صامدة على طاولة التفاوض بعد أن ظن العدو الإسرائيلي والأمريكي أن المفاوضات لن تشكل إلا بابًا من أبواب الاستسلام وإعلان النصر الساحق للكيان.

ولا شك أن الولايات المتحدة تحاول توظيف زخم وصول الرئيس ترامب للحكم، متوعدة المنطقة بالجحيم، لانتزاع أقصى قدر من التنازلات، ولا شك أن العدو الإسرائيلي يستمر في مراوغته واستغلال المفاوضات لأهداف سياسية داخلية، بينما لا يريد إلزام نفسه بأية اتفاقيات طمعاً في استغلال ما يراه فرصة تاريخية مناسبة لتصفية القضية بعد ضعف وهوان الأنظمة العربية الرسمية وانعدام الضغط الشعبي وخروجه من معادلة صناعة القرار الرسمي العربي.

وقد بات معلومًا أن العائق الوحيد الذي يعرقل تصفية القضية هو المقاومة ومحورها الذي دفع أثماناً كبيرة ولا يزال صامدًا ومشكلًا لأهم ورقة قوة في يد المفاوض الفلسطيني، وقبل ذلك يأتي صمود الشعب الفلسطيني وبيئة المقاومة على كامل جبهات المحور والتي عوضت غياب الأغلبية الكاسحة من الشعب العربي والمسلم، بعد اصطفافها وراء المقاومة وولائها وثقتها ورضاها بجميع خيارات قادة المقاومة.

وتمر المنطقة الآن بوضع إستراتيجي غاية في الدقة حيث انتقلت الجولة الممتدة من بداية طوفان الأقصى إلى مرحلة جديدة حاسمة، ولم يعد الرهان بها على الاستنزاف والنقاط بقدر ما أصبح الرهان بها على الإرادة وشجاعة الخيارات، وهو ما يتطلب مناقشة وإلقاء للضوء على بعض المحاور الآتية:

1- صفرية المعركة:

فقد بدا واضحاً أن العدو الإسرائيلي يلعب معركة صفرية، ليس في فلسطين ومع مقاومتها فقط، بل في كامل المنطقة، وقد دفعه زخم سقوط النظام السوري للتفتيش عن المزيد من المطامع، وهو ما جعله يتجرأ على نشر خرائط لضم الضفة ونشر تقارير ومقالات تتحرش بالجيش المصري وتتحدث عن سيناء، وفوق ذلك يحاول لعب أكثر الالعاب خطورة في لبنان عندما يلوح بالبقاء بعد انتهاء مهلة وقف إطلاق النار ويحاول هو وأعوانه داخل وخارج لبنان زيادة الضغط على المقاومة للقبول بأوضاع تغير المعادلات التي استقرت منذ 2006، بل واتخذت مساراً تصاعدياً.

2- نزول أمريكا إلى الميدان:

فبعد أن كانت القيادة الأمريكية للعدوان محل التحليل والشواهد والاستنتاجات بعد الأداء المنافق لإدارة بايدن في بدايات الحرب، تحولت مع الوقت لتدخل صريح بعد الوصول لحرج بالغ للعدو، وهو ما جعل أمريكا تخلع قناعها وتحارب بيدها في اليمن لإنهاء حرب الإسناد اليمنية، وتدخل بثقلها على خط التفاوض في لبنان لحماية العدو من صواريخ ومسيرات حزب الله، ومؤخراً دخلت مع إدارة ترامب التي تستعد لاستلام الحكم لمرحلة التهديد الصريح بالجحيم إذا لم تفرج حماس عن الأسرى وهو تحول جذري من المظهر المخادع لدور الوسيط إلى المظهر الحقيقي للطرف الرئيسي في الصراع.

3- الصمود الأسطوري للمقاومة:

بعد كل هذا الخذلان العربي والإسلامي شعبياً ورسميًا، وبعد انكشاف عجز القانون الدولي والمنظمات الأممية عن حماية شعب غزة وعن ردع إسرائيل عن جرائم الحرب في غزة والضفة ولبنان واليمن، وعن انتهاك الاتفاقيات الدولية، ورغم الضربات القاسية التي تلقاها المحور المقاوم، فإنه يقف صامدًا كما كان في بداية المعركة، وثابتًا على مطالبه بوقف العدوان وعدم السماح بتغيير المعادلات وتصفية القضية المركزية.

فالمقاومة في غزة تحولت إلى نمط أخطر على العدو بشهادة خبراء العسكرية، وهو نمط حرب العصابات واستخدام تكتيكاتها التي تسقط القتلى والمصابين بشكل يومي من جيش الحرب الصهيوني، كما تنطلق الصواريخ من كامل جغرافيا القطاع، والأهم أنها تنطلق من شمال غزة الذي تطبق به خطة الجنرالات بهدف الإخلاء والتهجير.

وبدلاً من تصفية حماس والمقاومة، بات الشباب الفلسطيني رديفًا لحركات المقاومة، وكما أعلن في وقت سابق، المتحدث باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة، أن “القدرات البشرية لكتائب القسام بخير كبير”، وأعلن أنه تم تجنيد آلاف المقاتلين الجدد خلال الحرب.

وبعد ارتقاء ما يقرب من 46 ألف شهيد بنسبة 2% من عدد سكان غزة، وعدد جرحى يقترب من 110 ألف جريح بنسبة تقارب 5% من عدد السكان البالغ عددهم نحو مليونين و300 ألف نسمة، لا يزال أهل غزة ثابتين ومتمسكين بأرضهم ولا يبالون بالموت ولا بالمجازفة بمحاولة العودة لديارهم المهدمة عند أي فرصة تلوح رغم انتشار قناصة العدو ومسيراته التي تستهدف من يحاول العودة.

ولا تزال معارك الإسناد قائمة، وتستهدف العمق الصهيوني، فاليمن يطلق يومياً صواريخه على الكيان وقادته في أمريكا، ولبنان يده على الزناد ولن يسمح بتراجع المعادلات، وتبقى جميع الاحتمالات مفتوحة كما بينت قيادة المقاومة.

بينما العدو الذي أعلن جيشه، أنه منذ بداية الحرب وحتى نهاية عام 2024 قتل 891 من جنوده، فيما أصيب أكثر من 5500 آخرين، تعصف بجبهته الخلافات والانقسامات ولا يستطيع تحرير أقل من 100 أسير منذ عام وثلاثة شهور.

4- مفاوضات بروح الإذعان:

ولعل المفاوضات الجارية حالياً هي أغرب نوع من أنواع المفاوضات، فالوسطاء والعدو يشكلون ضغوطًا على المقاومة للتنازل، ولا يملكون ورقة ضغط على الكيان، كأن المفاوضات صورة مطلوبة لذاتها وليس للحل، وهي ورقة يستغلها العدو لتهدئة الداخل الصهيوني وتظاهرات أهالي الأسرى، وللتظاهر أمام الرأي العام الدولي بأنه منخرط في عملية سياسية تواجه مشكلات فنية أو خلافات.

بينما حقيقة الأمر أن العدو ماض في مشروعه التصفوي ومعركته الصفرية وكل ما يريده هو استسلام المقاومة إما ميدانيًا، وإما على طاولة المفاوضات وانتزاع راية بيضاء سياسية لإعلان النصر الساحق.

وهنا تقول المقاومة للرئيس ترامب الذي يلوح بالجحيم، إن الصهاينة سيواجهون النسخة الجديدة من جميع حركات المقاومة إذا لم تتم تسوية الأمور ووقف إطلاق النار على قاعدة احترام وجود مقاومة وحق تاريخي ومعادلات ترسخت بدماء أعظم شهداء الأمة ولن تسمح المقاومة بتراجعها، وهذه المفاوضات تشكل فرصة للكيان ورعاته للنزول عن الشجرة ولا تشكل بابًا من أبواب الاستسلام لمقاومة لا وجود للاستسلام في قاموسها.

العهد الأخباري إيهاب شوقي

مقالات مشابهة

  • أمريكا ولبنان.. من ميشال عون إلى جوزيف عون..
  • انفجار داخل خيمة سورية في الشمال.. هذا ما حصل! (فيديو)
  • انكفاء محور المقاومة.. هل تصل الحمى للعراق بعد سوريا ولبنان؟
  • وفاة بطل فرنسا في التجديف عن عمر 102 عاماً
  • العربي للدراسات: المقاومة الفلسطينية تواجه الضغوط الأمريكية بثبات على مطالبها
  • “الصهاينة” يواجهون نسخة جديدة من المقاومة في غزة
  • وزير الدفاع الأمريكي: ستبقى القوات الأمريكية في سورية
  • معهد واشنطن المرموق: ترامب سيعلن افتتاح القنصلية الأمريكية بالداخلة
  • واشنطن متخوفة من تولي مقاتلين أجانب وجهاديين مناصب بوزارة الدفاع السورية
  • واشنطن تواجه مخاوف متصاعدة من استهداف اليمن لحاملات الطائرات الأمريكية