صحيفة الاتحاد:
2024-12-22@14:20:54 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: وشاية العصافير

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

(منديلي الأسود على وجهي البريء 
كل العصافير تخيفني.. فأخفيني عنها 
كانت المعلمة المفضلة لدي في الصف الرابع الابتدائي
تحذرنا يومياً بنبرة العارف بكل شيء 
من التي تكشف وجهها لما تطلع من المدرسة..؟
العصفورة تعلمني بكل شيء)
هذا نص غردت به ريم الجوفي على منصة (X) عن طفلة في العاشرة من عمرها تقع بين يدي معلمتها المفضلة وبين يدي العصافير، والبنت تحب العصافير، وتأنس بها، وتعي في الوقت ذاته أن العصافير تكشف أسرار البيوت، ولكنها مأمونةُ السريرة، فهي مخلوقات مسالمةٌ ووفية ولا تؤذي أحداً، وفي المقابل فهذه المعلمة هي الأفضل بين المعلمات، وهي الأقرب للقلوب أي أنها مثل العصافير نقاءً وطيبةً، ولكن كل هذه الطمأنينة تتبخر في لحظة واحدة حين نطقت المعلمة بقولها (مَن التي تكشف وجهها حين تخرج من المدرسة، هي التي تخبرني العصافير عنها) هي لحظة غير محسوبة تقلب موازين الطمأنينة، فالعصافير إذن ليست مأمونة، بل تتجسس على البنات الصغيرات وتكشف أسرارهن للمعلمة، والمعلمة تستقبل هذه الأسرار لكي تكشفها على العلن، وستفضح أي بنت تكشف وجهها في السوق، وهذه تجربةٌ مرة تغوص في الوجدان، وتنتظر سنوات لكي تتكشف على منصة عامة ونقرؤها كلنا ونرى فيها وجع تلك الطفلة الصغيرة التي خانتها العصافير، وأرعبتها المعلمة التي كانت المفضلة والمحبوبة من بين كل المعلمات.

وتلك هي حكاية الوشاية التي لا تشبه أي وشاية في التاريخ، لأنها تكشف سر الطفولة وبراءة الوجه الفطريّ الذي لم تلفحه الشمس، ولم تخدشه سكاكين المجتمع الذي لا يرحم أي هفوةٍ ترتكبها طفلةٌ صغيرة، على عكس الأطفال الذكور الذين يسفرون عن وجوههم وأسمائهم وأفعالهم، بل ويتصيدون العصافير من فوق النخيل دون رحمة ولا شفقة، ولكن العصافير لا تنتقم إلا من البنات المسالمات اللواتي تحاسبهن المدرسة على مجرد كشف الوجه، بينما الولد الذي يسفك دم العصفور لا يحاسبه أحد، وربما وصفوه بالصياد الماهر. وهاهو النص يسجل ذاكرة الخوف من عصفورة تتجسس على الوجه البريء. والطفلة ليست وحدها المظلومة، بل العصافير كذلك، تلك الكائنات البريئة التي تم تشويه صورتها في ذاكرة الطفلة، كما تشوهت صورة المعلمة الفاضلة، وتحولت البنات أنفسهن في الصف إلى كبسولات مختنقة ومحبوسة في خندق الخوف حتى من أطيب الكائنات، ومن أطيب المعلمات، وهذه الحكاية نموذج لذاكرة الخوف التي تلاحق النساء منذ زمن شهرزاد، ولا حل لها إلا بسرد حكايات الخوف لعلها تكون سبباً للنجاة، كما نجت شهرزاد بسبب مهارتها السردية.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: مصطلح الدارجة د. عبدالله الغذامي يكتب: أيتها البساطة الجميلة كيف لم أكتشفك

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله الغذامي الغذامي

إقرأ أيضاً:

الوجه الجديد لجائزة السلطان قابوس

أعلنت مساء الأربعاء الماضي أفرع الدورة القادمة من جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب التي تحمل رقم 12، والمخصصة هذه المرة للمثقفين العرب، وقد شملت مجالات المؤسسات الثقافية الخاصة عن فرع الثقافة، والنحت عن فرع الفنون، والسِيَر الذاتية عن فرع الآداب، وقد بشرنا سعادة حبيب بن محمد الريامي؛ الأمين العام للجائزة في «المؤتمر الصحفي» في 13 نوفمبر الماضي -(وسأشرح بعد قليل لماذا وضعت «المؤتمر الصحفي» بين علامتَي تنصيص)- بأننا سنشهد في العام القادم «وجهًا جديدًا ورؤية أخرى متطورة جدًّا لجائزة السلطان قابوس»، وسيُعلَن عن ذلك في مؤتمر صحفي يُعقد في فبراير القادم. وقد استبق سعادته أي سؤال حول هذه الرؤية بالقول: «أعلم بأن الإخوة الإعلاميين دائما يقولوا أنت تقول كلام وبعدين ما نشوف منّه شي. لا أنا أعدكم أن هذا العام ستكون أشياء، وأشياء جميلة إن شاء الله، تثري الساحة الفكرية والثقافية والفنية، وتُغنينا عن فتح باب الأسئلة في هذا اللقاء، لذلك أستميحكم عذرا!»

بعد أن أعدتُ مشاهدة هذا التصريح في اليوتيوب سألتُ الذكاء الاصطناعي: ما المقصود بـ«المؤتمر الصحفي؟» فأجابني قبل أن يرتد إليَّ طرْفي: «هو تجمّع إعلامي يعقده شخص أو جهة معينة (مثل مسؤول حكومي أو شركة منظمة أو شخصية عامة) بهدف تقديم معلومات أو تصريحات مهمّة للجمهور عبر وسائل الإعلام. يتميز المؤتمر الصحفي بتوفير فرصة مباشرة للصحفيين لطرح الأسئلة والحصول على إجابات مباشرة من المتحدث أو المتحدثين الرسميين». انتهت الإجابة.

والحال أنه حسب هذه التعريف فإن اللقاء الذي عقده سعادته في نوفمبر الماضي بالصحفيين (وبعضهم جاء من دول عربية شقيقة بدعوة رسمية من مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم لتغطية هذا الحدث الثقافي المهم) لم يكن مؤتمرًا صحفيًّا، وإنما إعلان النتائج من طرف واحد فحسب. ولا أدري لماذا يَمنع مؤتمر صحفي مستقبلي سيُعقد بعد ثلاثة أشهر، الصحفيين والإعلاميين من طرح أسئلتهم في مؤتمر صحفي حاليّ يُعقد اليوم، ولا علاقة له بما سيكون في فبراير. فذلك «المؤتمر (أعني «مؤتمر» نوفمبر») معقود حول نتائج الدورة الحادية عشرة، التي من حق الصحفيين أن يوجهوا أسئلة حولها، سواء إلى لجنة التحكيم التي كانت حاضرة، أو لسعادته شخصيا بصفته مسؤولًا عن الجوانب الإجرائية لهذه المسابقة.

وفي الحقيقة فإن سعادته تجاوز في ذلك اللقاء الحديث عن الجوانب الإجرائية إلى الحديث باسم لجان التحكيم، وقال كلامًا يثير الكثير من الأسئلة، خصوصًا في مجال الشعر. ذلك أننا اعتدنا أن تكون الجائزة المخصصة للعُمانيين جائزة تشجيعية لا تقديرية، أي أنها تُمنح لعمل واحد فقط من أعمال المتقدِّم للمسابقة، لا لمسيرته الثقافية كاملة كما هي الحال في الجائزة المخصصة للعرب. ومن هنا فإن تصريح سعادته- باسم لجنة تحكيم الشعر- فجّر تساؤلات عدة حول عدالة هذا التحكيم، فقد طرح سعادته أحد شروط نيل العمل الشعري الجائزة على هيئة تساؤل: «هل هذا العمل الذي قُدِّم يتكئ على رصيد سابق، سواء كان من حيث وجود منشورات أو دواوين سابقة، وكذلك من حيث ارتباط هذا الشعر بنتاجات أخرى، وأيضًا مدى تقبُّل الذائقة العامة لهذا الشعر، ولا أقصد بالذائقة هنا انحدار المستوى، ولكن أقصد نمطية الشعر ومحتواه وما يمكن أن تدور حوله هذه القصائد التي قُدِّمتْ». انتهى تصريح سعادته الذي يقول ضمنيًّا: إن الموضوع الذي يطرقه الديوان هو الذي يحدد فوزه من عدمه، لا كيف تناول الشاعر هذا الموضوع، وإن أي شاعر تقدم بديوانه للمسابقة لن يفوز مهما كانت القوة الفنية لديوانه ما لم يكن له دواوين سابقة، ولن يفوز إذا كان يكتب قصيدة النثر، مهما كانت قصائده جميلة، لأن «الذائقة العامة» في عُمان على الأقل لا تتقبّل هذا النوع من الشعر. والسؤال الذي كان يمكن أن يطرحه صحفيّ على سعادته لو أنه سمح بالأسئلة: «هل يتم تحكيم المسابقات الأدبية والفكرية حسب «الذائقة العامة» أم حسب «الذائقة الخاصة» التي تمثلها لجنة التحكيم؟، والسؤال الآخر الذي كان ممكنًا أن يسأله صحفي ثان: «هل هذا رأي سعادتك الشخصيّ أم هو رأي لجنة التحكيم؟».

وإذا كان سعد البازعي قد فاز بجائزة السلطان قابوس في النقد لمجمل أعماله النقدية، وفاز بها علي الحجّار لمجمل تجربته الغنائية، وفاز واسيني الأعرج بالجائزة لمجمل تجربته الروائية، أي أن هؤلاء الثلاثة كان لديهم تراكم كبير من الأعمال أهلهم لنيل الجائزة التقديرية، فإن التساؤل هنا حول تخصيص جائزة الآداب للعام القادم حول السير الذاتية، ونحن نعلم أنه لا تراكم في هذا الجنس الكتابي، فالمرء يكتب سيرته مرة واحدة فقط، حتى وإن نُشِرت أحيانًا على أجزاء، وعليه فإنه جنس كتابي يصلح لجائزة تشجيعية على عمل واحد لا لجائزة تقديرية تُمنح لأعمال كثيرة متراكمة. كما أن طرحها بصيغة الجمع «السير الذاتية» وليس «السيرة الذاتية» يطرح تساؤلات أخرى، قد تحتاج إلى توضيحات مستقبلًا أثناء وضع شروط المسابقة.

وإذْ ننتظر بترقّب الوجه الجديد لجائزة السلطان قابوس الذي بشرنا به سعادته، فإنه لا يسعني إلا أن أطرح اقتراحَيْن يمكن أن يصبّا في تطوير الجائزة ويُسهما في صنع هذا الوجه الجديد؛ الأول: أنه آن الأوان لينال المثقف والأديب والفنان العُماني جائزة تقديرية عن مجمل أعماله، أسوة بأخيه العربي، لا تشجيعية عن عمل واحد فقط، وقد أثبت مبدعونا العمانيون في السنوات الماضية أنهم ليسوا فقط قادرين على المنافسة على جوائز عربية ودولية، وإنما أيضًا الفوز بهذه الجوائز. أما الاقتراح الثاني: فهو أن يكون إعلان الفائزين بأفرع الجائزة الثلاثة من قِبَل لجان التحكيم نفسها، كما هي حال مسابقات عربية كثيرة، وأن تتلقى هذه اللجان أسئلة الحاضرين وتجيب عنها، وهذا من شأنه أن ينأى بأمانة الجائزة عن أي تساؤلات قد تثيرها- لا سمح الله- هذه النتائج.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

مقالات مشابهة

  • اما لهذه الجماعة من قاع؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • 5 علامات في لغة الجسد تكشف الكذب.. لا تسمح لأحد يخدعك
  • الوجه الجديد لجائزة السلطان قابوس
  • من الجنوب.. أخبار تثير الخوف
  • عبدالله علي ابراهيم ، لمن يكتب هذا الرجل ؟
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: أوروبا المنكسرة (سلطة الأم أم سلطة الأب)
  • د.حماد عبدالله يكتب: المشروعات " الوطنية " الكبري !!
  • الدكتورة هالة محمد جليلة أمينًا عامًّا مساعدًا بجامعة الأزهر لفرع البنات
  • بيخطفوا البنات والشباب ويقتلوهم بالبساتين.. الداخلية تكشف حقيقة ادعاء سيدة