صحيفة الاتحاد:
2025-03-04@21:07:44 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: وشاية العصافير

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

(منديلي الأسود على وجهي البريء 
كل العصافير تخيفني.. فأخفيني عنها 
كانت المعلمة المفضلة لدي في الصف الرابع الابتدائي
تحذرنا يومياً بنبرة العارف بكل شيء 
من التي تكشف وجهها لما تطلع من المدرسة..؟
العصفورة تعلمني بكل شيء)
هذا نص غردت به ريم الجوفي على منصة (X) عن طفلة في العاشرة من عمرها تقع بين يدي معلمتها المفضلة وبين يدي العصافير، والبنت تحب العصافير، وتأنس بها، وتعي في الوقت ذاته أن العصافير تكشف أسرار البيوت، ولكنها مأمونةُ السريرة، فهي مخلوقات مسالمةٌ ووفية ولا تؤذي أحداً، وفي المقابل فهذه المعلمة هي الأفضل بين المعلمات، وهي الأقرب للقلوب أي أنها مثل العصافير نقاءً وطيبةً، ولكن كل هذه الطمأنينة تتبخر في لحظة واحدة حين نطقت المعلمة بقولها (مَن التي تكشف وجهها حين تخرج من المدرسة، هي التي تخبرني العصافير عنها) هي لحظة غير محسوبة تقلب موازين الطمأنينة، فالعصافير إذن ليست مأمونة، بل تتجسس على البنات الصغيرات وتكشف أسرارهن للمعلمة، والمعلمة تستقبل هذه الأسرار لكي تكشفها على العلن، وستفضح أي بنت تكشف وجهها في السوق، وهذه تجربةٌ مرة تغوص في الوجدان، وتنتظر سنوات لكي تتكشف على منصة عامة ونقرؤها كلنا ونرى فيها وجع تلك الطفلة الصغيرة التي خانتها العصافير، وأرعبتها المعلمة التي كانت المفضلة والمحبوبة من بين كل المعلمات.

وتلك هي حكاية الوشاية التي لا تشبه أي وشاية في التاريخ، لأنها تكشف سر الطفولة وبراءة الوجه الفطريّ الذي لم تلفحه الشمس، ولم تخدشه سكاكين المجتمع الذي لا يرحم أي هفوةٍ ترتكبها طفلةٌ صغيرة، على عكس الأطفال الذكور الذين يسفرون عن وجوههم وأسمائهم وأفعالهم، بل ويتصيدون العصافير من فوق النخيل دون رحمة ولا شفقة، ولكن العصافير لا تنتقم إلا من البنات المسالمات اللواتي تحاسبهن المدرسة على مجرد كشف الوجه، بينما الولد الذي يسفك دم العصفور لا يحاسبه أحد، وربما وصفوه بالصياد الماهر. وهاهو النص يسجل ذاكرة الخوف من عصفورة تتجسس على الوجه البريء. والطفلة ليست وحدها المظلومة، بل العصافير كذلك، تلك الكائنات البريئة التي تم تشويه صورتها في ذاكرة الطفلة، كما تشوهت صورة المعلمة الفاضلة، وتحولت البنات أنفسهن في الصف إلى كبسولات مختنقة ومحبوسة في خندق الخوف حتى من أطيب الكائنات، ومن أطيب المعلمات، وهذه الحكاية نموذج لذاكرة الخوف التي تلاحق النساء منذ زمن شهرزاد، ولا حل لها إلا بسرد حكايات الخوف لعلها تكون سبباً للنجاة، كما نجت شهرزاد بسبب مهارتها السردية.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: مصطلح الدارجة د. عبدالله الغذامي يكتب: أيتها البساطة الجميلة كيف لم أكتشفك

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله الغذامي الغذامي

إقرأ أيضاً:

محمد حامد جمعة يكتب: شكرا مصر

مصر تستحق الشكر والتقدير .رسميا وشعبيا . لانها كانت على المستويين واضحة ومساندة وليس مطلوبا منها أنها تقدم كشف حساب بتفاصيل التفاصيل لما فعلت للرأي العام . وأظن أن من بعض الوفاء أن يحفظ الناس لها هذا وإن كانت هناك جوانب نقص في بعض التفاهمات يمكن جبرها في الموقف الكلي أو معالجتها بالتصويب في مظانها . كتبت قبل ثلاثة أعوام أنه قياسا على شواهد خارجية ليس للسودان خيار سوى التنسيق والتقارب الشديد مع مصر لإدراكي أن أخطاء جسيمة وقصر نظر سيسلم السودان إلى هذا الوضع المرهق .

وليس مصر وحدها رغم مقتضيات تمييزها .بل أظن أن على السودان رغم مواقف بعض الدول والحكومات أن يحرص على توظيف ولو نسبة الواحد بالمئة من فرص تحسين العلاقات والتحييد إن لم يكن التحالف حتى مع العواصم التي مواقفها ضده .خاصة أن مواقف تلك الحكومات يبدو أقرب الى تقديرات مصادمة للروح العامة لشعوبها أو وقائع الظرف الإقليمي الذي بحسابات واقعية يجعل الخطر الذي على السودان ولو بعد حين ضدها .

تشكيل الرأي العام في القضايا المرتبطة بالأمن القومي يحتاج إلى وعي وبعد نظر . وتتبع العقل وليس العاطفة

محمد حامد جمعة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • خالد الجندي يوضح المقصود بـ حبل الله في القرآن
  • علامة HONOR تكشف عن استراتيجيتها المؤسسية الجديدة التي تسعى من خلالها لإتمام انتقالها إلى شركة متخصصة في نظام الأجهزة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
  • ابن ولي عهد اليابان يشكو العصافير آكلة الأرز
  • الخوف من اللصوص يقتل عجوزاً بريطانية
  • إفيه يكتبه روبير الفارس: "الدقن" الوحيد الذي أحبه
  • علامة HONOR تكشف عن استراتيجيتها المؤسسية الجديدة التي تسعى من خلالها لإتمام انتقالها إلى شركة متخصصة في نظام الأجهزة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
  • إفطارهم فى الجنة.. إسلام مشهور شهيد الواحات بطل لا يعرف الخوف
  • ترامب: علينا الخوف من المهاجرين وتجار المخدرات وليس من بوتين
  • استشارية أسرية تكشف أبرز التحديات التي تواجه المقبلين على الزواج
  • محمد حامد جمعة يكتب: شكرا مصر