سقوط دمشق سيكون حدثًا يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بأكملها. ولكنه لا يقتصر فقط على مواجهة بين الثوار والنظام، بل يمتد إلى تضارب المصالح بين القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها روسيا وأمريكا. فالتشابك في المصالح بين هذه الأطراف يعمّق الأزمة ويؤثر في مسار الأحداث الراهنة.

 

دمشق: المحور المركزي للصراع

 

لطالما كانت دمشق مركز ثقل النظام السوري، ومحورها الاستراتيجي الذي يرمز لبقائه.

السيطرة عليها تعني كسر العمود الفقري للنظام، لكن المعركة لا تتوقف عند حدود الداخل السوري، بل تشهد تنازعًا بين قوى كبرى، أبرزها روسيا وأمريكا، على النفوذ في المنطقة.

 

دمشق: الرمز الأخير للنظام

 

لطالما كانت دمشق حصن النظام السوري الأخير. السيطرة عليها تمثل إعلان النهاية لنظام الأسد، الذي ارتبط وجوده بتحالفات إقليمية ودولية معقدة. سقوط دمشق يعني إسقاط المحور الذي اعتمد على إيران وروسيا كركيزتين أساسيتين لاستمراره.

  

إيران: تراجع المشروع التوسعي

 

منذ بداية الصراع السوري، استثمرت إيران موارد هائلة في دعم نظام الأسد، ليس فقط للحفاظ عليه، بل لتمكين مشروعها التوسعي في المنطقة. سوريا مثلت حلقة وصل استراتيجية بين طهران وحزب الله في لبنان.

 

لكن الضربات المتكررة التي تلقاها حلفاء إيران، وخاصة حزب الله، أضعفت قدرتها على دعم النظام السوري. ومع تزايد الضغط الاقتصادي والسياسي على طهران داخليًا وخارجيًا، بات المشروع الإيراني التوسعي في حالة تراجع ملحوظة. سقوط دمشق سيشكل ضربة قاصمة لإيران، حيث ستفقد أحد أهم معابرها لنقل النفوذ إلى لبنان وفلسطين

 

ما حدث لحزب الله: تغيير في قواعد اللعبة

 

‎#حزب_الله، الذي كان أحد أقوى حلفاء النظام السوري، تعرض لضربات قاصمة من قبل إسرائيل. هذه الضربات لم تضعف الحزب فقط، بل كشفت عن هشاشة التحالفات التي يعتمد عليها النظام السوري. الانشغال الإسرائيلي بإضعاف حزب الله لم يكن عبثياً، بل جزء من استراتيجية أكبر لإضعاف المحور الإيراني في المنطقة. ومع تراجع قدرة حزب الله على دعم النظام السوري، وجد الأخير نفسه مكشوفاً أمام الثوار، وهو ما يفسر تسارع الأحداث في دمشق

 

إسرائيل وحزب الله: نقطة التحول

 

الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع حزب الله في سوريا ولبنان لم تكن مجرد عمليات عسكرية، بل خطوة استراتيجية لتقليص نفوذ المحور الإيراني في المنطقة. حزب الله، الذي كان يمثل خط الدفاع الأول عن النظام السوري، بات في وضع هش. هذا التراجع فتح المجال أمام الثوار لتوسيع نفوذهم، مستفيدين من انشغال الحزب بمواجهة إسرائيل. الضربة لم تكن لحزب الله فقط، بل للنظام السوري الذي خسر جزءاً مهماً من شبكة دعمه الإقليمي.

 

الدور التركي: الاستفادة من اللحظة

 

تركيا، التي تسعى إلى ترسيخ نفوذها الإقليمي، ترى في إسقاط النظام السوري فرصة تاريخية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. دعمها للثوار ليس فقط لتحجيم النفوذ الإيراني، بل أيضاً لإعادة ضبط التوازنات في شمال سوريا، حيث تسعى إلى إنهاء التهديد الكردي المتمثل في حزب العمال الكردستاني. تركيا تدرك أن سقوط دمشق سيمنحها موقعاً متقدماً في أي ترتيبات مستقبلية للمنطقة

 

تركيا: اللاعب الأكثر ديناميكية

 

‎#تركيا، التي تحمل مشروعاً إقليمياً توسعيا واضحاً، ترى أن سقوط النظام السوري يحقق لها مكاسب استراتيجية هائلة. من جهة، ستتخلص من تهديد حزب العمال الكردستاني الذي استفاد من فوضى الحرب السورية. ومن جهة أخرى، ستثبت تركيا نفسها كقوة محورية في إعادة بناء سوريا ما بعد الأسد. ولهذا السبب، دفعت أنقرة بكل ثقلها لدعم الثوار في معركتهم نحو دمشق، سواء من خلال الدعم العسكري أو تأمين خطوط الإمداد

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق

دمشق- بجوار تجمّع الذيابية -حيث يقيم سوريون من أبناء الجولان المحتل- يتقاسم أبناء فلسطين اللاجئون المعاناة والمصير المشترك ذاته، فيقيمون في مخيم الحسينية الذي يعد حاليا أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد السكان في سوريا، وقد أنشئ عام 1982.

وكان مخيم اليرموك في دمشق أكبر المخيمات الفلسطينية بسوريا، ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تعرّض لدمار كبير وتهجير على يد النظام المخلوع وداعميه، وهو الآن شبه خالٍ.

ويقع تجمّع الذيابية (يطلق اسم التجمع على المناطق التي نزح إليها أبناء الجولان داخل سوريا) على بعد 15 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، ويقيم فيه أبناء الجولان المحتل الذين نزحوا عام 1967 بسبب الحرب التي نشبت بين إسرائيل وسوريا، إذ طلب الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من أهالي مرتفعات الجولان الخروج من القرى بحجة محاربة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووعدهم بأنهم سيعودون بعد أسبوع.

لكن انقضى أسبوع تلو الآخر، وانقضت الأشهر والسنوات، وكانت تلك الوعود "مواعيد عرقوب"، فلا تحررت مرتفعات الجولان، ولا عاد إليها أبناؤها حتى هذه اللحظة، فصار لسان حالهم يقول "وما مواعيده إلا الأباطيل".

بستان "الحافي" الفاصل بين بلدة السيدة زينب وتجمّع الذيابية (الجزيرة) انعدام الخدمات

لا يلحظ الزائر لمخيم الحسينية وتجمّع الذيابية أي فروق ثقافية أو اجتماعية أو خدمية بينهما، إذ ينتمي أبناء المخيم والتجمع إلى بيئة جغرافية متجاورة متشابهة في العادات والتقاليد، ولا يفصل بين مرتفعات الجولان وفلسطين إلا حدود رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.

هذا التجاور وهذا التشابه انتقلا مع النازحين من الجولان واللاجئين من فلسطين الذين نزلوا أحياء في أطراف دمشق وسكنوا إلى جوار بعضهم مثلما حدث بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وتجمّع الحجر الأسود لأبناء الجولان، فكانت معاناة النزوح واللجوء واحدة، وكانت ممارسات نظام الأسد المخلوع نحوهما متشابهة، وبالتالي كان مصير المخيم والتجمع مصيرا مشتركا.

تعرضت تجمعات أبناء الجولان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق للتهميش من قبل النظام المخلوع، مما أنتج واقعا معيشيا صعبا زاد معاناة النازحين واللاجئين الذي أُخرجوا من ديارهم.

الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد: 95% من أهالي المخيم والتجمع تحت خط الفقر (الجزيرة)

 

بدوره، أشار الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد في حديث للجزيرة نت عن الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه أهالي الذيابية والحسينية إلى أن 95% من الأهالي تحت خط الفقر.

إعلان

ويقول الباحث إن التجمع والمخيم بحاجة إلى مؤسسات تنموية وصحية وإغاثية ومراكز لمكافحة المخدرات وتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء.

ويؤكد محمد على ضرورة المحافظة على "الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم بحكم السوريين من أجل الحفاظ على حق العودة وإعطائهم حق التملك الذي حرمهم منه النظام البائد".

بدورها، تشتكي فرح (20 عاما) -وهي طالبة في كلية الحقوق- في حديثها للجزيرة نت من المعاناة التي كان يعيشها ويعيشها حاليا طلاب التجمع والمخيم بسبب الظروف الدراسية الصعبة، فلا كهرباء متوفرة (حصة البلدة والمخيم من الكهرباء ساعة في النهار وساعة في الليل)، وفي الشتاء تزداد المعاناة بسبب البرد الشديد الذي لم تكن تتوفر له مادة المازوت، وإذا توفرت فأسعارها خيالية.

وإذا قرر أحدهم استخدام الغاز للتدفئة -تواصل الطالبة- فسيضيع راتبه كله (ما يقارب 30 دولارا) مقابل أسطوانة غاز لا تدوم أكثر من شهر، وللحصول عليها يتطلب الأمر انتظار الدور عبر البطاقة الذكية التي أصدرتها حكومة النظام المخلوع.

ورغم عدم توفر إمكانيات جيدة لدراسة الطلاب فإن فرح استطاعت تجاوز المرحلة الثانوية، ثم التحقت بكلية الحقوق، ونالت المركز الأول في السنتين الأولى والثانية.

نزوح متكرر

يقف الشاب حارث (33 عاما) على سطح منزل عائلته مستذكرا كلمات جده الراحل قبل 20 سنة (قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011).

كان الجد يقف في المكان ذاته، ويخبره أن هناك خلف ذلك الجبل (جبل الشيخ) "قريتنا في الجولان على حدود فلسطين، بدي (أريد) إياك تصير طيارا وتحرر الجولان".

ويقول حارث "بعد اندلاع الثورة السورية هاجمتنا مليشيات طائفية اتخذت من البلدة المجاورة "السيدة زينب" مقرا لها.

اضطر حارث إلى النزوح مع جده عام 2012 الذي كان قد حكى له عن نزوح 1967، وكيف أوقفهم الجيش الإسرائيلي ليطلق عليهم النار، ولكنهم نجوا.

إعلان

ويتابع أنه نزح إلى بلدة تطل على الذيابية، فكان يخرج مع جده إلى سطح البناء، فيشير له إلى بيت نزوحه الأول، قبل أن يحرق البيت ويموت جده حزنا وكمدا.

مجازر وانتهاكات

تقع الذيابية والحسينية بجوار بلدة السيدة زينب التي يقع فيها مقام السيدة زينب، فكانت تستقطب الزوار من الطائفة الشيعية من مختلف أنحاء العالم، خاصة من إيران.

ويقول أبو محمد (70 عاما) "قبل استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا كنا نعيش مع الطوائف كلها بسلام، وكان الناس في الجولان من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، وفيما بعد حاول نظام الأسد تفريق الشعب، وبعد اندلاع الثورة ظهر خطاب وممارسات طائفية، فأخرجتنا من بيوتنا وأحرقتها واعتقلت شبابنا".

وعن التضييق الذي كانت تمارسه حواجز النظام المخلوع والمليشيات، يقول الشاب عثمان (34 عاما) "أنشأت المليشيات السواتر الترابية والحواجز العسكرية حول بلدتنا، كانت تسمح للمقيمين فقط بالدخول إلى البلدة، أما الذين لا يملكون بطاقة إقامة في البلدة فيضعون هوياتهم الشخصية عند الحواجز العسكرية، كنا نعيش حياة مليئة بالخوف على نسائنا وأبنائنا وأنفسنا".

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب النظام المخلوع وداعموه مجزرة في التجمع حصلت خلال الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2012، إذ طوقت قوات جيش النظام البلدة وبدأت بقصفها بشكل عنيف وعشوائي بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة، وسقط إثر هذا القصف عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين من أبناء البلدة، ثم اقتحمت في 26 يونيو/حزيران2012 البلدة وقتلت عددا من أبنائها، وتجاوز عدد ضحايا البلدة في تلك الفترة 107 شهداء من المدنيين، وفق المصدر ذاته.

انتشار المخدرات

كما هو الحال في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد المخلوع تنتشر المخدرات بين شباب ومراهقي مخيم الحسينية وتجمّع الذيابية، إلى درجة انتشارها في المدارس.

إعلان

وعن ذلك يقول أحمد (50 عاما) إنه أجبر ابنته المجتهدة في مدرستها (الصف التاسع المتوسط) على ترك المدرسة بعد انتشار مادة الكبتاغون بين طالبات المدرسة وسهولة الحصول عليها.

ويضيف أن أسعار هذه المادة أصبحت أرخص من قطعة البسكويت، وكان النظام يغض الطرف عن انتشارها بين المراهقين.

وبحسب الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد، فإنه "خلال فترة سيطرة النظام المخلوع على المنطقة انتشرت المخدرات بشكل واسع بمساعدة الفرقة الرابعة (كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع) والأمن العسكري، وقبل سقوط النظام كان بيع المخدرات بشكل شبه علني في الشوارع، والذين يتم اعتقالهم يخرجون بعد مدة قصيرة"، وهذا يدل على تعمّد النظام نشر هذه المواد.

وتقول مريم (40 عاما) -التي استشهد زوجها في معتقلات النظام المخلوع- إن الناس هنا يعيشون حياة بؤس وفقر، لكننا نريد مراكز صحية لمعالجة الشباب المدمنين على المخدرات، فإذا تخلصنا منها فإننا نتخلص من السرقة والمشاكل العائلية بين الأبناء والآباء.

ضحايا مشتركون

يصف أبناء التجمع والمخيم الذين قابلتهم الجزيرة نت نظام الأسد المخلوع بأنه "بائع الجولان" و"متاجر" بالقضية الفلسطينية على مدار عقود، وبالتالي فإنهم ضحايا مشتركون زاد نظام الأسد مأساة تهجيرهم عن أرضهم.

همشت مناطقهم وانتشرت المخدرات بين أبنائهم، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تعرّض لها أبناء المخيم والتجمع بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكذلك من التهجير الإجباري والإخفاء القسري.

ويتفقون على أنه بسقوط النظام المخلوع فإن الأسوأ قد مضى، وأنه كما كان الألم مشتركا فإن الأمل أيضا مشترك.

مقالات مشابهة

  • حساب منسوب لنجل الأسد يروي اللحظات الأخيرة قبيل سقوط النظام
  • روبيو: الوحيد الذي قال إنه سيساعد غزة هو ترامب
  • الشرع: آلاف المتطوعين ينضمون إلى الجيش السوري الجديد بعد الإطاحة بـ"نظام الأسد"
  • الشرع: الآلاف من أبناء الوطن ينضمون للجيش السوري الجديد
  • معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق
  • إليكم السبب الذي قد يؤدي إلى رفض طلبكم نحو هذه الدولة الأوروبية
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • محافظ القاهرة: رفع درجة الاستعداد للتعامل مع احتمالية سقوط الأمطار بالعاصمة
  • مصر.. ماذا نعلم عن الأمير كريم الحسيني آغاخان الرابع ولماذا يدفن في أسوان؟
  • حواجز دمشق الأمنية كابوس السوريين في عهد النظام المخلوع