د. منير فوزى يكتب: طه حسين صاحب مشروع نهضوي تعليمي يعتد بالعقل الحر
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حقًا إن (الحنين إلى الوطن خالد لا يدري أحدٌ أجديدُ هو أم قديمٌ).. أكثر من واحد وخمسين عامًا تنقضي على رحيل صاحب هذه المقولة ابن المنيا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (١٥ نوفمبر ١٨٨٩- ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣م).. مر واحد وخمسون ربيعًا تبدّلتْ فيها البشرية والأفكار والرؤى والعوالم، وما زال السؤال الحائر عن الحنين إلى الوطن يبحث عن إجابة مشبعة.
قدم طه حسين مشروعًا نهضويًا تعليميًا قائمًا على أسس منهجية واعتداد بالعقل الحر والمنجز الإنساني الخلاّق، وخاض معارك طاحنة ضد السلفية والجمود الديني والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي، وانعكس كل ذلك في فضاءاته السردية التي تناول فيها الحياة وتقلبات المجتمع وصنوف المعذبين في الأرض، كاشفًا عن خطورة تحكم الجهل في مصائر البسطاء، حيث سيقودهم – حتمًا- هذا الجهل إلى الفناء في انتفاء التعليم الصحيح وغيبة الوعي؛ لتنهار المجتمعات وتفقد هويتها وتتقطع أسباب بقائها.
في عام ١٩٥٠م وقبل قيام ثورة العسكر بعامين ارتقى طه حسين إلى منصب وزير المعارف العمومية في حكومة الوفد الأخيرة، ليعلن أن التعليم حق مكفول للجميع كالماء والهواء، وليصبح التعليم إلى نهاية المرحلة الثانوية مجانًا لكل شرائح المصرين، ومن ثم كانت مقولته الشهيرة عن أحقية التعليم للناس فهو (كالماء والهواء، حق لكل مواطن)، وبه يمكن للإنسان أن يفهم ويعي حقائق الأمور، ويدرك ماهية وجوده، فيسهم في الإعلاء من شأن وطنه ومجتمعه والارتقاء به.
كتب طه حسين أشكالًا متنوعة من السرد الأدبي من أبرزها: الأيام (١٩٢٦- ١٩٦٧م)، ودعاء الكروان (١٩٣٤م)، وأديب (١٩٣٥)، وأحلام شهرزاد (١٩٤٣م)، وشجرة البؤس (١٩٤٤م)، والمعذبون في الأرض (١٩٤٩م)، وجنة الشوك (١٩٥٠م)، وجنة الحيوان (١٩٥٠)، والحب الضائع (١٩٥١م)، وقدم سيرة لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في واحد من أجمل أعماله السردية وهو (على هامش السيرة) في أجزاء ثلاثة، وطرح في كتابه (الفتنة الكبرى) رؤية فكرية تاريخية اجتماعية لأكبر الفتن التي واجهت المجتمع الإسلامي وانتهت بمقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحتى كتبه الأخرى مثل (حديث الأربعاء) وغيرها اتخذت من طرائق السرد وآلياته وسيلة شيقة للتعلم والتذوق والفهم، بحيث يمكننا أن نعد طه حسين باقتدار أحد أهم رواد السرد في الأدب العربي الحديث وأحد رواد التعليم القائم على تبسيط النصوص وكشف جماليات تذوقها.
واليوم بعد مرور أكثر من واحدٍ وخمسين عامًا على رحيل المعلم رائد السرد العربي، نكرر البصر لنرى ماذا بقي لنا من فكر طه حسين ومشروعه النهضوي؛ الذي كانت معطياته الفكرية وجهوده الثقافية أهم لبنات تأسيس هذا المشروع التنويري العربي في مطلع القرن العشرين.
نرجع البصر فلا نرى إلا حسرة وغصة تملأ حلوقنا، لم يعد التعليم كالماء والهواء أحقية لكل مواطن، ولم يعد استكمال كل مراحله والاستمرار به في طاقة كل الناس، فقد أصبحت تكلفة التعليم باهظة جدًا على كثير من الأسر المصرية، وبات التعليم نفسه معضلة مع غياب منظومة صحيحة متكاملة؛ تقود لتحصيل علم عصري نافع تكون نتيجته تخريج أجيال قادرة على الاستيعاب والاستيفاء بمتطلبات سوق العمل.
وحين عجزت المدارس الحكومية عن تحقيق أهدافها التعليمية المعلنة بكفاءة، لجأ أغلب المواطنين للدروس الخصوصية لأبنائهم وبناتهم بديلًا فاستفحلت في بنية المجتمع كالنار في الهشيم، ومع تحول وزارة التربية والتعليم إلى حقلٍ لتجارب بعض الوزراء ومشاريعهم المستقبلية الغامضة كان التردي نتاجًا ملموسًا، أما التعليم الجامعي فيكاد ينحسر ويتقلص مع تراجع دور الدولة في دعمه، وفتح مسارات أخرى بديلة أكثر تكلفة، فانفتح سوق الجامعات الخاصة بلا ضوابط متينة، وبدا أقرب إلى المشاريع الاستثمارية التي هدفها الأساس الربح والتكسب، وانطلقت بوابات الجامعات الأهلية لتستقبل الطلاب بمصاريف كبيرة ترهق كاهل أي أسرة، صحيح أنها أقل تكلفة من الجامعات الخاصة ولكنها تمثل عبئًا كبيرًا على كثير من الأسر المصرية، خصوصًا تلك التي لها أكثر من ابن وابنة ينتظر التحاقهم بالجامعة.
وربما كان أخطر الأمور وأصعبها ما تحدث عنه طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) حيث رسّخ فيه خطة منهجية تقود إلى تطوير التعليم في مصر؛ اتكاء على تكريس اللغة العربية وجعلها اللغة الأساس في العملية التعليمية، لمواجهة التغريب واعوجاج اللسان احتذاء بالغرب واستخدام لغاته وتقنياته بديلًا عن لغة الهوية القومية.
قدم طه حسين ملامح مشروع تنويرٍ عربي أصيل مطلع القرن العشرين، اتكأ فيه على خبرات وتجارب ومعارف حقيقية؛ من أجل النهوض بالتعليم في مجتمعاتنا العربية والارتقاء بالعلوم والأخذ بأسباب النهضة والتحضر القائم على الدمج بين الحاضر والماضي؛ لكننا بعد كل هذه السنوات الطويلة على رحيله نجد تضاؤل هذا المشروع وتراجعه، فتكاد تغيب شمس اللغة العربية وتضيع هويتنا وتنقطع أواصر الصلات بيننا وبين تراثنا الكبير، أمام تحديات العولمة والتغريب، مما يجعلنا نعود لنتساءل: هل بقي من طه حسين شيء؟
*أستاذ البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية دار العلوم- جامعة المنيا
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: طه حسين أعمال طه حسين طه حسین
إقرأ أيضاً:
السوق الحر والقطاع الخاص..السبيل الوحيد للتقدم
قال أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية بالنيابة عن اتحاد الغرف المصرية، وأعضائه البالغ عددهم 5 ملايين، واتحاد غرف البحر الأبيض المتوسط "ASCAME"، وغرفه المتوسطية البالغ عددها 300، أرحب بالوزراء من مصر وقبرص واليونان الذين يكرموننا اليوم، وشركائي على المدى الطويل، ورؤساء الاتحادات والغرف، وبطبيعة الحال، 300 شركة من بلداننا الثلاثة، للمرة الثانية، بعد حدثنا السابق في الإسكندرية قبل بضع سنوات.
قال "الوكيل" فى كلمته أمام منتدى التعاون المصرى اليونانى القبرصي نحن لا نعزز تعاوننا الثنائي فحسب، بل التعاون الثلاثي، بيننا نحن الثلاثة، والأهم من ذلك، مع المنطقة بأكملها.
وأكد الوكيل أن "اقتصاد السوق الحر" و"القطاع الخاص" هما السبيل الوحيد للمضي قدما.علاوة على ذلك، تعمل مصر على مسار سريع لخلق مناخ أعمال جذاب، استنادا إلى تحديث قوانينها التجارية ولوائحها وبنيتها التحتية، والإصلاحات الاقتصادية الرئيسية، وتوفير فرص عمل محددة.
الإصلاحات بما في ذلك الترخيص الذهبي، وسياسة الملكية الحكومية، مدعومة بحزمة تحفيزية من خلال المشاريع الضخمة، بما في ذلك ممر قناة السويس، واستصلاح 1.5 مليون فدان، ورأس المال الجديد، والبنية التحتية الحديثة، كل ذلك في غضون بضع سنوات.
يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة وزيادة نصيب الفرد من الدخل، تمتلك مصر أكبر سوق محلي في المنطقة.
ولكن الأهم من ذلك هو مكانة مصر كمفترق طرق للتجارة حيث تقع في وسط جميع الطرق التجارية، وذلك بفضل قناة السويس و مناطق التجارة الحرة لأكثر من 3 مليارات مستهلك (للتصنيع والتعاقد من الباطن مع إعفاء مخصص بنسبة 100٪، و 45٪ فقط من متطلبات المحتوى المحلي) بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ورابطة التجارة الحرة الأوروبية والعالم العربي والكوميسا وميركوسور والولايات المتحدة الأمريكية وجميع أفريقيا.
أضاف الوكيل انه يمكننا توفير مدخلات صناعية للتصنيع المحلي المشترك. ،كما يمكن زيادة الصادرات المشتركة إلى البلدان الثالثة من خلال التعاقد من الباطن أو التجميع أو الاستثمارات ذات القيمة المضافة للاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة وتنفيذ مشاريع في أفريقيا حيث استثمرت أكبر عشر شركات مصرية أكثر من عشرة مليارات دولار في 21 دولة أفريقية في السنوات القليلة الماضية، ومعظمها معنا اليوم
أوضح رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية ان هذه المشروعات مدعومة ب 22 مليار يورو من القروض الميسرة والضمانات التجارية والاستثمارية من الجهات المانحة وبنوك التنمية وصناديقها.