اعتزال أيقونة «الجاز» الموقع بآلام التجاهل
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
من يظن أن الفنان العالمى يحيى خليل مجرد عازف درامز أو ملحن عادى، يخطئ تمامًا. يحيى خليل ليس فقط موسيقيًا، بل هو مؤسسة موسيقية متكاملة أخرجت أجيالاً وأثرت فى المشهد الموسيقى المصرى والعالمى بشكل غير مسبوق. إنه رائد التجديد فى الموسيقى، وصانع نجوم من الطراز الأول، ورمز يستحق التقدير.
يحيى خليل صاحب مشروع موسيقى رائد، حيث نجح فى مزج موسيقى الجاز بالموسيقى الشرقية فى تجربة فريدة أبهرت صناع الموسيقى عالميًا.
حينما صدح صوته الموسيقى القادم من مصر، كان السؤال الذى يدور فى أذهان الغرب: «ما هذه الموسيقى القادمة من الشرق؟». تمكن خليل من تقديم موسيقى الجاز بلمسة شرقية أصيلة، وأعاد تعريف الموسيقى العالمية بمنظور جديد يحمل الهوية المصرية.
وعلى صعيد الأوبرا المصرية، قدّم يحيى خليل أكثر من ثلاثة عقود من العطاء الفنى على مسارح دار الأوبرا المصرية، فى القاهرة والإسكندرية. لم يكن مجرد مقدم عروض، بل صاحب رؤية نقلت دار الأوبرا من كونها معقلًا للموسيقى الكلاسيكية فقط إلى فضاء احتضن الشباب وموسيقى الجاز بأصالتها وروحها المعاصرة.
كان خليل جسرًا حقيقيًا وصل بين الموسيقى الكلاسيكية الغربية وجيل الشباب الباحث عن موسيقى تعبر عن طموحاته. كما أعاد صياغة مفهوم الأغنية، فحولها من إطار كلاسيكى محدود إلى فضاء واسع مزج فيه بين الثقافات الموسيقية.
اعتزال احتجاجى.. وتجاهل غير مبرر
قرار يحيى خليل بالاعتزال احتجاجًا على تعامل بعض المسئولين مع مشواره الفنى يُعد خسارة كبيرة للساحة الموسيقية. فكيف لفنان عالمى تجاوز مشواره نصف قرن، وكان جزءًا من تاريخ الموسيقى، أن يُقابل بالتجاهل؟
ما يثير التساؤل هو غياب التقدير الرسمى لتجربة فنية استثنائية كهذه. تجاهل تاريخ يحيى خليل لا يعبر فقط عن غياب الإنصاف لفنه، بل هو أيضًا إغفال لجزء مهم من تراثنا الموسيقى.
إن منح الفنانين الكبار حقهم من التكريم والتقدير ليس مجرد عرفان بالجميل، بل هو واجب علينا جميعا. يحيى خليل ليس مجرد موسيقى، بل رمز ثقافى وفنى صنع تاريخًا جديدًا للموسيقى.
إنه دعوة صريحة لإعادة النظر فى كيفية التعامل مع رموزنا الفنية والثقافية، فالاعتراف بمسيرة يحيى خليل هو تكريم للفن المصرى بأكمله، وهو خطوة نحو إحياء روح الاعتزاز بمن صنعوا مجد الموسيقى وعبَّروا عن هويتنا بصوت عالمى.
بينما كنا ننتظر تكريمه، جاء قرار الاعتزال محمّلًا بآلام التجاهل.
فى حياة كل مبدع لحظات فارقة تُشكل محطات حاسمة فى مشواره، بعضها يحمل نكهة الانتصار والتقدير، وأخرى تأتى مثقلة بخيبات الأمل والخذلان. هذه الحقيقة تتجسد بوضوح فى قصة مبدع قدم الكثير لوطنه وللمشهد الثقافى والفنى، ولكنه اختار فجأة أن يعتزل الساحة، ليس طوعًا، بل بدافع مرارة التجاهل الذى طغى على سنوات عطائه.
كم تمنينا أن نراه على منصة التكريم، يتسلم جائزة الدولة التقديرية التى كان يستحقها بجدارة. سنوات من العمل الدؤوب، والإبداع الذى أضاء زوايا متعددة من حياتنا الثقافية والفنية، جعلتنا نعتقد أن هذا التكريم أمر حتمى، وأن اسمه سيُضاف قريبًا إلى قائمة الأسماء التى شكلت وجدان هذا الوطن.
لكن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن. قرار الاعتزال الذى أعلنه لم يكن مجرد انسحاب من الأضواء، بل كان صرخة ألم ضد تجاهل امتد لسنوات، ولم يعترف بحجم العطاء الذى قدمه.
التجاهل لا يقتل المبدع فقط، بل يقتل الحلم الذى يسكنه. وعندما يجد الإنسان نفسه وحيدًا فى مواجهة صمت المؤسسات وتجاهل المسئولين، يتحول الإبداع من نعمة إلى عبء، ومن شغف إلى ألم.
القضية هنا تتجاوز شخص هذا المبدع، إنها قضية مجتمع لا يعرف كيف يحافظ على كنوزه الحقيقية. كيف يمكن أن نطالب الأجيال الجديدة بالإبداع، ونحن نرى أن نهايات المبدعين الأوائل تكون بهذه الصورة المؤلمة؟
إنها دعوة لإعادة النظر فى كيفية تعاملنا مع مبدعينا، وتكريمهم فى حياتهم قبل أن نفقدهم للأبد. الاعتراف بفضلهم هو حق مستحق، وليس مِنّة. دعونا نتعلم كيف نصنع من قصص النجاح أساطير تستحق أن تُروى، لا حكايات مغمورة فى زوايا النسيان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمجد مصطفى الزاد الفنان العالمى يحيى خليل یحیى خلیل
إقرأ أيضاً:
الثنائي الموسيقى سوناتا وروكاس زوبوفاس: تشورليونس يسبق عصره من خلال لغة الفن والموسيقى
أبوظبي – د.جمال المجايدة:
على هامش الاحتفال الذي اقامته السفارة الليتوانية في أبوظبي باليوم الوطني، التقيت مع اعضاء فرقة سوناتا وروكاس زوبوفاس الذين قدما عرضا موسيقيا مذهلا بعنوان “في سعينا وراء المناظر الطبيعية”،
حدثني الموسيقار الشهير روكاس زوبوفاس عقب الحفل الذي اقيم في جامعة نيويورك ابوظبي ,انه يحرص على إحياء إرث تشورليونس الموسيقي والفني وهو احد اجداده الراحلين , وقال انه سعيد باحياء هذا الاحتفال في ابوظبي والذي تزامن مع الذكرى الـ150 لميلاد الموسيقار والفنان الليتواني الشهير ميكالوجوس كونستانتيناس تشورليونس، الذي يعد أحد رواد الفن التجريدي والموسيقى الكلاسيكية في ليتوانيا. وقد حمل الحفل طابعًا خاصًا يهدف إلى إحياء تراث تشورليونس الفني عبر تقديم أعماله الموسيقية بطريقة معاصرة تجمع بين الفن والموسيقى والشعر، وذلك بأداء عالمي المستوى من قبل عازفي البيانو الشهيرين سوناتا زوبوفين وروكاس زوبوفاس.
برنامج فني فريد يجمع الماضي بالحاضر
تميز العرض الموسيقي بتقديم مجموعة من المقطوعات التي استعرضت الجوانب الروحية العميقة في أعمال تشورليونس، من حب الوطن الليتواني وأغانيه الشعبية، إلى تأملاته العميقة في الطبيعة والكون، بالإضافة إلى استكشاف دوره كفنان وتأثيره على المشهد الثقافي العالمي.
وتخلل الحفل عزف منفرد ومزدوج على البيانو، حيث شملت المقطوعات المختارة أبرز أعمال تشورليونس، مثل قصيدتيه السيمفونيتين “في الغابة” و”البحر”، اللتين تجسدان رؤيته الفلسفية للعالم من خلال الموسيقى والفن. كما تم عرض لوحاته الفنية المميزة بالتوازي مع الأداء الموسيقي، مما أضفى بعدًا بصريًا غامرًا على التجربة.
الثنائي زوبوفاس: سفراء الموسيقى الليتوانية عالميًا
يعد الثنائي سوناتا وروكاس زوبوفاس من أشهر العازفين الليتوانيين، وقد قدما عروضًا في أبرز المسارح العالمية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وآسيا، حيث يمثلان جزءًا أساسيًا من المشهد الموسيقي الكلاسيكي في ليتوانيا. وقد شاركا في العديد من المهرجانات الدولية وتعاونا مع فرق أوركسترا مرموقة، مما عزز مكانتهما كأحد أبرز الفرق التي تسهم في نشر الإرث الموسيقي الليتواني.
دعوة لاكتشاف عالم تشورليونس الفني
يشكل هذا الحفل انطلاقة مميزة لعام 2025، حيث يمثل بداية سنة تشورليونس، التي تهدف إلى تعريف العالم بموسيقاه وإرثه الثقافي العريق. وكان الحفل بالنسبة لي بمثابة محاولة لاكتشاف هذا الإرث الغني من خلال عروض موسيقية مماثلة ستُقام خلال العام، احتفاءً بمسيرة هذا الفنان الاستثنائي.
بهذا، يواصل تشورليونس، الرجل الذي سبق عصره، التأثير على الأجيال الجديدة من خلال لغة الموسيقى والفن، حيث تبقى أعماله جسراً يربط بين الماضي والحاضر، ويعكس جوهر الثقافة الليتوانية في أبهى صورها.