الجمهورية الجديدة.. رؤية شاملة لبناء دولة عصرية قوية
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
لم يكن مصطلح «الجمهورية الجديدة» مجرد تعبير عن فترة زمنية تعيشها مصر أو خطة تنموية تتبناها الدولة، ولكنه تعبير عن رؤية شاملة تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى لبناء دولة عصرية قوية، تحقق طموحات الشعب المصرى، فالحديث عن عن «الجمهورية الجديدة» هو تعبير عن طموح كبير لتحقيق تحول شامل فى الدولة المصرية، وهو ما تعبر عنه الإنجازات المحققة خلال السنوات العشر الماضية، فهناك خطوات ملموسة على الأرض تشير إلى تقدم كبير فى بعض المجالات، ومع استمرار هذه الجهود، تسير مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة.
وشهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تحولات كبيرة على مختلف المستويات، بفضل رؤية الجمهورية الجديدة التى وضعتها القيادة السياسية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة مصر الإقليمية والدولية، تتمثل هذه الرؤية فى تطوير البنية التحتية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية، تمكين الشباب، وتحقيق نمو اقتصادى شامل ومستدام.
وكان تطوير البنية التحتية هو حجر الزاوية فى عملية التنمية التى تقوم بها الدولة المصرية، فأحد أبرز إنجازات الجمهورية الجديدة هو الاستثمار الضخم فى مشروعات البنية التحتية من خلال إنشاء آلاف الكيلومترات من الطرق الحديثة التى ربطت بين المحافظات، وساهمت فى تسهيل حركة التجارة وتقليل حوادث الطرق، فضلا عن إطلاق جيل جديد من المدن الذكية وعلى رأسها العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة وهو بمثابة مشروع طموح يُمثل نموذجًا للتخطيط العمرانى الحديث، ويهدف إلى تخفيف الضغط عن القاهرة وتوفير بيئة عمل وسكن متطورة، وسياحية ومشروعات صناعية متقدمة.
كما ركزت الجمهورية الجديدة على تحسين جودة حياة المواطن المصرى من خلال خدمات صحية واجتماعية أفضل، حيث تبنت الدولة مبادرات الصحة العامة مثل مبادرة «100 مليون صحة»، التى ساعدت فى القضاء على فيروس سى، والكشف عن الأمراض المزمنة، وقانون التأمين الصحى الشامل الذى يهدف إلى توفير رعاية صحية متكاملة لجميع المصريين، فضلا عن المبادرة التى تمثل مشروعًا قوميًا لتطوير الريف المصرى، وتستهدف تحسين البنية التحتية والخدمات لأكثر من 58 مليون مواطن.
وإيمانًا بأن التعليم هو أساس النهضة، أطلقت مصر مشروعات لتطوير المناهج الدراسية، وإدخال التكنولوجيا فى العملية التعليمية، وإنشاء جامعات جديدة بمواصفات عالمية، مثل جامعة الملك سلمان وجامعات العاصمة الإدارية الجديدة، كما تمكنت الدولة من تحقيق قفزات نوعية فى الاقتصاد، من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة أدت إلى استقرار معدلات النمو.
وهو ما انعكس على زيادة معدلات الصادرات بفضل دعم المشروعات الصناعية والزراعية الكبرى مثل مشروع «الدلتا الجديدة»، كما تم تعزيز بيئة الاستثمار من خلال قوانين وتشريعات داعمة للمستثمرين، وتطوير المناطق الاقتصادية مثل محور قناة السويس، ونجحت الدولة أيضا فى تعزيز التمكين الاجتماعى وتمكين الشباب من خلال تنظيم مؤتمرات الشباب الوطنية والدولية، وتوفير فرص عمل من خلال المشروعات القومية الكبرى، ودعم المرأة وتمكينها فى كافة المجالات، سواء من خلال التمثيل السياسى أو فرص العمل.
ومن الأمور التى لا يمكن تجاهلها بأى حال بأن مصر أصبحت مصر لاعبًا رئيسيًا فى القضايا الإقليمية والدولية، مثل مكافحة الإرهاب، واستضافة قمة المناخ COP27، وتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية، فباتت رقم فاعل فى القضايا المختلفة، بسبب ما تمتلكه من ثقل سياسى وحضارى فضلا عن كونها بوابة العالم على القارة الأفريقية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حازم الجندى الجمهورية الجديدة الرئيس عبدالفتاح السيسي الجمهوریة الجدیدة البنیة التحتیة من خلال
إقرأ أيضاً:
النخب السودانية والشيطان المعرفي: قراءة في رؤية أبو القاسم حاج حمد
تمثّل مقولة الفيلسوف والمفكر السوداني أبو القاسم حاج حمد: "النخب السودانية جاءت إلى السلطة بعد خروج الإنجليزية منهكة"، مدخلًا نقديًا لفهم أزمة الدولة الوطنية في السودان بعد الاستقلال. فهي لا تكتفي بتوصيف الحدث السياسي، بل تُسائل البنية المعرفية التي بُنيت عليها هذه الدولة، وتحفر عميقًا في تشريح النخبة السودانية وعلاقتها بالإرث الاستعماري. ويمكن تعزيز هذا الطرح باستدعاء مفهوم "الشيطان المعرفي" لفهم كيف أنتجت هذه النخب وعيًا مضلِّلًا، أعاق تشكل مشروع وطني تحرري حقيقي.
أولًا: السياق التاريخي للانتقال المهزوز خرجت بريطانيا من الحرب العالمية الثانية مُنهكة، فبدأت بمنح الاستقلالات الشكلية لمستعمراتها، ومن بينها السودان. كانت اتفاقية 1953 بين مصر وبريطانيا لتقرير مصير السودان لحظة مفصلية، حيث تم إعداد المسرح لانتقال السلطة إلى نخب محلية، لكنها نخب تشكلت في حضن المستعمر وتبنت أدواته.
هذا الاستقلال لم يكن ثمرة ثورة شعبية أو مقاومة منظمة، بل نتيجة لتسوية دولية، جعلت من لحظة الاستقلال استمرارًا ناعمًا للهيمنة الاستعمارية.
ثانيًا: النخبة السودانية كوارثة معرفية للاستعمار غالبية النخب السودانية آنذاك كانت من خريجي المؤسسات التعليمية التي أنشأها الإنجليز، ككلية غوردون التذكارية، وتولوا مناصب بيروقراطية ضمن جهاز الدولة الاستعمارية. وعند تسلمهم مقاليد السلطة، لم يُحدثوا قطيعة معرفية أو بنيوية مع تلك المنظومة، بل حافظوا عليها واستنسخوها.
في هذا السياق، يمكن الحديث عن "الشيطان المعرفي" بوصفه التشوه أو الخداع المعرفي الذي جعل النخبة تتوهم أنها تقود مشروع استقلال، بينما كانت في الحقيقة تعيد إنتاج السيطرة ولكن بأدوات محلية.
ثالثًا: الاستلاب بين تقليد الحداثة والانكفاء على الماضي وقع السودان في فخ استقطاب مزدوج:
• نخبة تبنت الحداثة الغربية شكلًا لا مضمونًا.
• ونخبة أخرى انكفأت إلى الطائفية والجهوية والماضوية.
كلا المسارين لم يُنتج مشروعًا وطنيًا عقلانيًا جامعًا، بل عززا من التجزئة الاجتماعية والسياسية. كانت النتيجة دولة مركزية عاجزة عن الاستيعاب، وهامش يغلي بالغضب.
رابعًا: الميراث الاستعماري في البيروقراطية والسيادة استمرت البيروقراطية البريطانية المركزية كما هي، دون تفكيك أو إصلاح، فأصبحت الدولة السودانية بعد الاستقلال جسدًا استعمارياً بروح وطنية مزعومة. وهو ما يفسر لماذا استمر التهميش الجغرافي، والتمييز العرقي، والاقتصاد الاستخراجي (مثل مشروع الجزيرة)، بدون مراجعة بنيوية.
خامسًا: أزمة الشرعية والصراع على الغنيمة بغياب شرعية تحررية حقيقية، تحولت السلطة إلى غنيمة، وجرى تقسيمها على أسس طائفية وجهوية. لم تكن هناك برامج وطنية، بل تحالفات قائمة على الولاءات الضيقة، مما مهّد لهيمنة المؤسسة العسكرية، وصعود الحركات المسلحة كردّ فعل على التهميش.
سادسًا: حاج حمد والنقد الجذري للحداثة الوهمية يرى أبو القاسم حاج حمد أن الحداثة التي تبنتها النخب لم تكن حداثة حقيقية، بل قشرة سطحية؛ تقليد للغرب دون امتلاك لروح الحداثة القائمة على العقلانية والعدالة والمعرفة الحرة. فكانت النتيجة استنساخ الدولة الاستعمارية بشعارات وطنية.
سابعًا: شيطان المعرفة... حين تُضلَّل النخب ذاتها "الشيطان المعرفي" هنا لا يعني فقط الجهل، بل هو وعي زائف يتلبّس النخبة ويجعلها تعيد إنتاج القهر باسم الاستقلال. فالدولة لم تكن عقلًا جماعيًا بل جهازًا تكنوقراطيًا بلا روح، والنخبة لم تكن طليعة للتغيير بل ظلًّا للنظام الذي خلَّفه المستعمر.
ثامنًا: هل ما زال هذا التشخيص صالحًا؟ نعم، فالحرب الحالية (بين الجيش والدعم السريع) ليست سوى نتاج مباشر لتاريخ النخب المعطوبة معرفيًا:
• المؤسسة العسكرية تمثل الامتداد الطبيعي لتقاليد السلطة الاستعمارية.
• قوات الدعم السريع تمثل الردّ المتأخر للهامش على منطق الإقصاء.
• التدخلات الخارجية ما كانت لتتعمق لولا غياب المشروع الوطني المستقل.
ما العمل؟ لا يكفي تغيير الوجوه أو استبدال النخب القديمة بأخرى جديدة من ذات المنظومة. المطلوب هو تفكيك الشيطان المعرفي الذي يسكن بنية التفكير السياسي والاجتماعي.
إن إعادة تأسيس الدولة السودانية ينبغي أن تنطلق من:
• عدالة جغرافية تُنهي التمركز حول الخرطوم.
• اقتصاد إنتاجي يحرر البلاد من التبعية.
• عقد اجتماعي يعترف بالتنوع ويوحد على أساس المواطنة.
كما قال حاج حمد: "المشكلة ليست في من يحكم، بل في طبيعة النظام الذي يَحكُم". ولكننا نضيف: "ولا في طبيعة النظام فقط، بل في المعرفة التي يُنتج بها النظام نفسه".
zuhair.osman@aol.com