يعد مسار العائلة المقدسة فى مصر، الذى يمتد من الشمال فى منطقة «الفرما»، أولى المناطق التى دخلتها العائلة المقدسة، وصولاً إلى دير السيدة العذراء فى «درنكة»، آخر محطات المسيح فى مصر، واحداً من أهم المعالم الدينية المرتبطة بالتراث المسيحى، والذى تميزت به مصر، دون غيرها من الدول، فضلاً عن الآثار التى تركها المسيح وأمه العذراء فى أرض مصر، لتحكى عبر العصور، قصة مرورهم ومباركتهم لها، حيث سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة، حتى محمية الزرانيق «الفلوسيات»، غرب العريش بنحو 37 كيلومتراً، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية، من جهة «الفرما»، أو «بلوزيوم»، الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد، وبالمجمل مرت العائلة على 25 نقطة خلال رحلتها فى مصر.

وعلى مدار السنوات الماضية، بذلت الدولة المصرية جهوداً كبيرة لتطوير مسار العائلة المقدسة، الذى يعد تراثاً استثنائياً تمتلكه مصر، ويعكس تاريخاً مرتبطاً بالشعب المصرى، وخلال السنوات القليلة الماضية، سعت الدولة لإدراج الاحتفالات الخاصة به على قائمة التراث اللامادى لمنظمة «اليونسكو»، للحفاظ على الهوية والتراث المصرى، وعن ذلك، أكد نادر جرجس، منسق لجنة إحياء رحلة العائلة المقدسة، بدء اهتمام الدولة بالمسار، بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولياته الرئاسية، حيث كان التوجيه على أهمية إحياء هذا المنتج، لما له من أهمية تاريخية، وترسيخاً لمكانة مصر، التى احتضنت الأديان السماوية الثلاثة على أرضها، ما يعد رسالة حب وسلام للعالم، وبدأ بالفعل التطوير فى بعض محطات مسار رحلة العائلة المقدسة، وذلك بعد مباركة «بابا روما» لمسار هروب العائلة المقدسة إلى أرض مصر، فى 4 أكتوبر 2017، واعتماد برنامج زيارة محطات المسار فى كتالوج برامج الحج الكاثوليكى لعام 2018.

«جرجس»: الدولة اهتمت بتطوير مسار العائلة المقدسة ترسيخاً لمكانة مصر فى احتضان الأديان السماوية الثلاثة

وأوضح «جرجس» أن الدولة بذلت الكثير من الجهود لصون عنصر العائلة المقدسة، خاصةً فى إطار الحماية والحفظ والدعم والتنشيط، وقد سجلت هذا كله ضمن ملف الاحتفالات المرتبطة بالعائلة المقدسة، ومن أهم هذه الجهود، إصدار قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس، الذى أسهم فى تجديد وترميم بعض الكنائس، والتوسع فيها خلال السنوات الماضية، وقيام بعض المؤسسات الحكومية بتوفير الاحتياجات اللازمة من خدمات ومرافق وأماكن استراحة ومبيت، وكذا العروض الفنية، وتوفير الحماية الأمنية فى المناطق المحيطة بالمسار.

وقال «الأنبا مارتيروس»، أسقف كنائس قطاع السكة الحديد، إن رحلة العائلة المقدسة كشفت عن جانب مشرق من الشخصية المصرية، حيث استقبل المصريون عائلة يهودية هربت من بطش «هيرودس» بكرم من جانب بعض الأسر المصرية، ورغم الاختلافات الدينية والاجتماعية السائدة آنذاك بين المصريين واليهود، فقد تجولت العائلة المقدسة فى العديد من المناطق المصرية، مثل: فرما، وتل بسطا، والمعادى، ومسطرد، والمطرية، ووادى النطرون، والأشمونين، وملوى، ومهمشة، وسمالوط، ودرنكة»، لتلقى فى كل مكان ترحيباً حاراً ومساعدات سخية من الأهالى، الأمر الذى يعكس التسامح الإنسانى لدى المصريين.

وأضاف أن رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر جاءت بالعديد من المكاسب، لها عدة أبعاد، منها الدينى والوطنى وغيره، فقد تحققت بها نبوءة إشعياء النبى «مبارك شعبى مصر»، كما أصبح مسار رحلة العائلة المقدسة من معالم التاريخ القومى، ومزارات سياحية تعود بالدخل على الدولة، ولفتت نظر العالم إلى مصر، التى بوركت برحلة العائلة المقدسة، كما أشار إلى أنه توجد مكتسبات للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث تعد الكنيسة الأقوى على مستوى العالم روحياً وتراثياً، حيث خص الله كنيسة مصر بزيارة العائلة المقدسة إليها، وتحققت النبوءة التى تقول «سيكون مذبح فى وسط أرض مصر»، ويقال إنه المذبح المقام فى دير العذراء بدرنكة، والذى زارته العائلة المقدسة خلال رحلتها، ويقع بالفعل فى وسط أرض مصر، وهذا مكتسب روحانى عظيم، تفتخر به الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث إن «المسيح بارك أرض مصر».

 القس «جيروم»: المسار أحد أهم المعالم الدينية المرتبطة بالتراث المسيحى

وقال «القس جيروم مجدى»، كاهن كنيسة السيدة العذراء بمسطرد، إن اهتمام الدولة بمسار العائلة المقدسة، خاصةً فى منطقة مسطرد، يأتى فى إطار تعزيز السياحة الدينية والتاريخية، حيث يعتبر مسار العائلة المقدسة واحداً من أهم المعالم الدينية المرتبطة بالتراث المسيحى، وفقاً للتقاليد المسيحية، يُعتقد أن العائلة المقدسة مرت بالعديد من المدن المصرية خلال هروبها إلى مصر، حيث تعد مسطرد واحدة من أبرز المحطات التى توقفت فيها العائلة.

كاهن «العذراء» بمسطرد: زيارة العائلة حدث تاريخى له تأثير كبير على مصر والمصريين

وأوضح أن الحكومة تهتم بتطوير هذه المناطق، لجذب السياحة الدينية من جميع أنحاء العالم، مشيراً إلى أنه فى مسطرد، تم ترميم وتطوير المواقع الأثرية المرتبطة بالعائلة المقدسة، مثل الكنائس والمزارات، وكذلك تحسين البنية التحتية، لجعلها أكثر ملاءمة للسياح، وهذا الاهتمام يهدف أيضاً إلى إحياء التراث المصرى، وتعزيز التعايش بين مختلف الطوائف الدينية فى مصر.

وتابع «مجدى» أن زيارة العائلة المقدسة إلى مصر تُعد حدثاً تاريخياً وروحياً له تأثير كبير على مصر والمصريين، سواء من الناحية الدينية أو الثقافية، مشيراً إلى بعض الجوانب التى منحت هذه الزيارة لمصر مكانة متميزة فى التراث المسيحى العالمى، كونها البلد الذى لجأت إليه العائلة المقدسة، هرباً من اضطهاد الملك «هيرودس»، وهذا يعزز من قدسية الأراضى المصرية بالنسبة لملايين المسيحيين حول العالم.

ولفت كاهن كنيسة السيدة العذراء بمسطرد إلى أن مسار العائلة المقدسة يُعد جزءاً من التراث الدينى لمصر، ويشمل العديد من الأماكن التى تم توثيق مرور العائلة بها، هذه الأماكن أصبحت مواقع تاريخية وروحية هامة، تُثرى التراث المصرى، وتُبرز التنوع الدينى والثقافى فى البلاد، مضيفاً أن هذه الزيارة تُعتبر رمزاً للتعايش السلمى بين المسيحيين والمسلمين فى مصر، حيث يولى كلا الطرفين اهتماماً خاصاً بالمواقع المرتبطة بالعائلة المقدسة، كما أن هذا التاريخ المشترك يعزز من الروابط الثقافية والاجتماعية بين المصريين، بصرف النظر عن معتقداتهم.

واستكمل قائلاً: «المصريون يشعرون بالفخر بأن بلدهم كانت ملاذاً آمناً للعائلة المقدسة، هذا يعكس أيضاً قيمة مصر كدولة ترحب باللاجئين والمضطهدين على مر العصور، ما يعزز من هوية مصر كمكان للسلام والاستقرار، كما أن الزيارة تُعد جزءاً من التراث الروحى لمصر، وتجسد قيمة حماية الضعفاء والمضطهدين، وهى رسالة عالمية تتجاوز الأديان».

وأشار إلى أن عملية إثبات رحلة العائلة المقدسة إلى مصر استندت إلى مجموعة من المصادر التاريخية والدينية والتقليدية، التى دعّمتها الكنيسة عبر القرون، والتى تنوعت بين الكتاب المقدس والتقليد الكنسى والآثار والوثائق، واستطاعت الكنيسة تقديم رواية قوية ومؤكدة لرحلة العائلة المقدسة إلى مصر، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من التراث المسيحى فى البلاد، لافتاً إلى أن الاهتمام بمسار العائلة المقدسة من قبل الحكومة المصرية، بالتعاون مع الكنيسة، وتطويره كجزء من السياحة الدينية، يعزز صحة الروايات المرتبطة بالرحلة، ويقدم دعماً إضافياً من خلال البحث والدراسة العلمية والأثرية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الآثار القبطية السياحة الدينية العائلة المقدسة مسار العائلة المقدسة رحلة العائلة المقدسة العائلة المقدسة إلى إلى مصر أرض مصر إلى أن فى مصر من أهم

إقرأ أيضاً:

الثقافة ليست مسئولية الدولة فقط

قصور الثقافة تحتاج للتطوير.. وانطلاق إذاعة مصر الثقافية قريبًالا أؤمن بمفهوم الاستدامة فى العمل.. والمرونة بين القطاعات مطلوبة

 

تتعدد روافد وعوالم الثقافة، ولا خلاف أن مفهومها واسع، ونشرها بين المواطنين مهمة ثقيلة، لا يمكن أن تقوم به الدولة بفردها، ولكن تحتاج إلى تضافر جهود الدولة مع المجتمع المدنى.  

بهذه النظرية يؤمن الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة، الذى يحاول القفز على التحديات التى تحاصره، وتوفير الخدمة الثقافية لكل شخص يحيا على أرض مصر، فهو لا يعترف بالتعبير الذى انتشر منذ سنوات «محافظة حدودية» ولكن يرى أن جميع المحافظات فى حاجة للثقافة، ومهمته العبور لكل الناس. 

من يتابع أداء الوزير يكتشف أمرين، الأول هو قلة حديثه لوسائل الإعلام، والثانى أنه يأمل فى ترك بصمة خالدة فى الحياة الثقافية، من خلال المهرجانات ونشر الوعى المعرفى حول دور الثقافة، باعتبارها القوة الناعمة التى تساهم فى الارتقاء بوعى ودائرة معارف المواطن المصرى. 

ومؤخرًا، حرص «هنو» على إقامة مهرجان التحطيب فى دورته الـ14، فى محافظة الأقصر، بالتزامن مع ملتقى التصوير الدولي، وأحدثت هذه الفعاليات انتعاشة فى الوسط الثقافى. 

وعلى هامش مهرجان التحطيب، حاورت «الوفد» وزير الثقافة حول فلسفته فى العمل والرؤية المستقبلة والتحديات.. وإلى نص الحوار: 

مقالات مشابهة

  • فترة الاحتلال.. دراسة أثرية تكشف الحفائر غير الشرعية لإسرائيل فى سيناء
  • أسقف شمالي ألمانيا يبحث مع وفد أكاديمي زيارة مسار العائلة المقدسة
  • مقرر لجنة المواطنة في «بيت العائلة»: الدولة ملتزمة بالنهوض بحقوق الإنسان
  • نائب رئيس «الحرية المصري»: الدولة تتخذ خطوات جادة للارتقاء بملف حقوق الإنسان
  • سقوط بشار.. ماذا تبقى بعد قتل الدولة؟!
  • ليست الدولة الأموية!!
  • البوانيش ترسم لوحة الشراع في كورنيش أبوظبي السبت
  • أسبوع نانجينغ 2024 في اليونسكو.. هل من علاقة بين طريق الحرير والسعي إلى السلام؟
  • 5 خطوات تحمي الجلد من الجفاف في الشتاء .. تعرف عليها
  • الثقافة ليست مسئولية الدولة فقط