في عامها الـ75.. هل تنجح حملة القضاء على الأونروا؟
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
أن يمر 75 سنة على تأسيس وكالة الأونروا دون عودة اللاجئين وتطبيق القرار الأممي رقم 194 لتاريخ 11/12/1948، يعدّ هذا وصمة عار في جبين الأمم المتحدة. ففي أربعينيات القرن الماضي مثلًا تدخلت عصبة الأمم المتحدة وأعادت مئات الآلاف من اللاجئين من جنوب القوقاز، وفي تسعينيات القرن الماضي وخلال 10 سنوات فقط تدخلت الأمم المتحدة واستطاعت أن تعيد أكثر من عشرة ملايين لاجئ إلى ديارهم الأصلية في رواندا وتيمور الشرقية وموزمبيق وغواتيمالا وكوسوفا غيرها.
ولكنها في مقابل ذلك تقف عاجزة أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين بعد أكثر من سبعة عقود ونيف في تحدٍ صارخ لإرادة وصمود اللاجئ الفلسطيني الذي يرفض كافة مشاريع التوطين والتهجير أو حتى الابتعاد جغرافيًا عن مسقط رأس أجداده بانتظار العودة.
إذ تشير التقديرات بأنه لا يزال حوالي 48% من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في فلسطين التاريخية في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 (أكثر من نصف مليون فلسطيني مهجّر)، و40% لا يزال يعيشون حول فلسطين في لبنان وسوريا والأردن. وبهذا تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين أقدم مشكلة لاجئين في العالم وأكبر مشكلة، فحوالي 70% من أبناء الشعب الفلسطيني، لاجئون.
إعلان وكالة مؤقتةتأسست وكالة الأونروا "المؤقتة" – والتي لا تزال تحمل هذا المسمى حتى يومنا هذا – وفق القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8/12/1949 على أن تُغلق أبوابها بعد 12 شهرًا فقط من التأسيس، يجري خلالها تطبيق القرار الأممي رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 11/12/1948 والذي أكد على ثلاثة حقوق: (العودة، والتعويض، واستعادة الممتلكات).
تم توكيل المهمة إلى اللجنة التي انبثقت عن القرار وسميت بـ "لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين" والتي تشكلت من كلٍّ من تركيا وفرنسا وأميركا، وللأهمية ووفقًا للبند الرابع من قرار إنشاء الأونروا، تم تعيين لجنة استشارية مكونة من 7 دول: (أميركا، بريطانيا، فرنسا، مصر، الأردن، سوريا وتركيا)، بهدف "تقديم النصح ومساعدة المفوض العام للأونروا في تنفيذ مهام ولاية الوكالة".
بعد 75 سنة أصبح عدد أعضاء اللجنة الاستشارية 29 عضوًا، بالإضافة إلى 4 أعضاء مراقبين: (دولة فلسطين، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي).
وعلى الرغم من تعطيل عمل "لجنة التوفيق" منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، فإنها لا تزال موجودة في الأمم المتحدة حتى يومنا هذا، وتقدم تقريرها السنوي مطلع شهر سبتمبر/أيلول من كل عام، مع التأكيد على المهام التي انبثقت لأجلها، لكن ما يمنع إعادة إحيائها وتنفيذ مهامها موازينُ القوى في المطبخ السياسي الدولي في الأمم المتحدة، وممارسة سياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة لصالح دولة الاحتلال.
إنهاء الأونروا لا يُسقط حق العودةلطالما ارتبط وجود وكالة الأونروا بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما أكدت عليه ديباجة القرار 302 والفقرة 5 والفقرة 20 من القرار بأن عمل وكالة الأونروا يجب ألا يخل بتطبيق الفقرة 11 من القرار 194.
ابتداءً من الأول من مايو/ أيار من العام 1950 بدأت الأونروا فعليًا بتقديم خدماتها: (الصحة والإغاثة والتعليم) لما يقارب من 750 ألف لاجئ فلسطيني ليصبح العدد بعد 75 سنة 5.973.022 لاجئًا مسجلًا حسب التقرير السنوي للأونروا للعام 2023، يعيشون حاليًا في 58 مخيمًا، معترَفٍ بها جغرافيًا وديمغرافيًا من قبل الدول المضيفة والأونروا، بالإضافة إلى مئات التجمعات (19 مخيمًا في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، 8 مخيمات في قطاع غزة، 12 مخيمًا في لبنان، 9 مخيمات في سوريا و10 مخيمات في الأردن).
إعلانوقد عرّفت "الأونروا" المخيم بأنّه "عبارة عن رقعة أرض خصصتها السلطات المضيفة للأونروا من أجل توفير الإقامة للاجئي فلسطين، وإقامة المرافق التي تلبّي احتياجاتهم" وكذلك عرّفت اللاجئ الفلسطيني بأنه "الشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من 1/6/1946 حتى 15/5/1948 والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948".
تُعد "الأونروا" أكبر وكالة تابعة للأمم المتحدة تعمل في المنطقة، حيث بلغ عدد موظفيها حتى العام 2023 حوالي 30 ألف موظف محلي، و150 موظفًا دوليًا في مناطق عملياتها الخمسة، ومكاتب الرئاسة، وهي تُعبر عن المسؤولية السياسية الدولية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، بخلاف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تُعبّر عن المسؤولية الإنسانية تجاه جميع اللاجئين في العالم.
وفي مؤشّر على الأهمية السياسية والقانونية للوكالة تُجدد الجمعية العامة للأمم المتحدة تفويض عمل الأونروا كل ثلاث سنوات، وفي التجديد الأخير في العام 2023 حصلت الوكالة على 168 صوتًا، وتستمر الولاية الجديدة إلى العشرين من شهر يونيو/ حزيران 2026.
وتُعبر الدول الأعضاء عن الأسباب الموجبة للتجديد بأن الأونروا حاجة إنسانية ضرورية وملحة لملايين اللاجئين الفلسطينيين وعنصر أمان واستقرار في المنطقة. حتى إن العام 2024 تميز بحصد الأونروا عددًا من الجوائز لقاء دورها الإنساني المحوري تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وعلى سبيل المثال لا الحصر: (جائزة قبرص للسلام، جائزة منتدى الدوحة، جائزة إغناسيو إلكوريا من حكومة إسبانيا) حتى إنه تم ترشيح الوكالة لجائزة نوبل للسلام.
يعتقد البعض بأن إنهاء عمل الأونروا سيُنهي حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة أو بأنه سيُسقط مسمى لاجئ من الأجندة السياسية الفلسطينية، فحق العودة هو حق فردي وجماعي ولا يسقط بتقادم الزمن، ومن الحقوق غير القابلة للتصرف، علاوة على أن هذا الحق محميٌّ بالقوانين والقرارات الدولية، سواء القرار 194 الذي جاء قبل تأسيس الأونروا بسنة كاملة، أو على مستوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 المادة 13، التي تتحدث عن حق العودة لكل لاجئ إلى بلده ولو بعد حين، ومكفول بالمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لتاريخ مارس/ آذار/1976، وكذلك مكفول بالمادة الخامسة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لتاريخ ديسمبر/ كانون الأول/ 1969، وهذا الحق مكفول قبل كل ما سبق بإرادة أكثر من 8 ملايين لاجئ فلسطيني.
إعلان التبرُّع الطوعي والأزمة المزمنةعندما تأسست الأونروا كان التبرع المالي الطوعي من الدول مُبررًا على اعتبار أن الوكالة مؤقتة وستغلق أبوابها قريبًا مع عودة اللاجئين، أما وبعد مرور سبعة عقود ونيف ومع زيادة أعداد اللاجئين وحاجاتهم بات من الضرورة أن تتحول إلى ميزانية ثابتة من الأمم المتحدة أو على الأقل تكون قابلة للتنبؤ، بحيث لا تتأثر خطة تنفيذ البرامج.
فالدول لا تعتبر واجبها تقديم وجبات ساخنة، وما يحركها لتقديم حصص مالية لهذه الوكالة أو غيرها إنما هو تحقيق مصالحها. وفي المقابل فالأونروا ليست جمعية خيرية أو مؤسسة أهلية أو منظمة غير حكومية كي تقوم هي بنفسها بجمع المبالغ المطلوبة لتغطية خدماتها، فالمطلوب حمايتها والحفاظ عليها ودعمها من الأمم المتحدة نفسها التي أنشأتها.
في تناقض لافت تحصل الوكالة على تأييد ودعم معنوي وسياسي من الجمعية العامة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمات دولية، يقابله شحّ بل تراجع في التمويل، وهذا يؤثر على طبيعة الخدمات التي تقدمها الوكالة: (الصحة، والتعليم، والإغاثة، وأعمال البنى التحتية في المخيمات، وبرامج القروض والحماية)، ومع عدم ثبات الميزانية السنوية وإيفاء الدول بتعهداتها المالية، يُشكل هذا حالة إرباك لتنفيذ الخطط والبرامج وأحد المعوقات الرئيسية لاستمرارية عمل الوكالة وقطع شريان الحياة للاجئين.
الحقبة السوداءشكلت الفترة الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب التحدي الأبرز لاستمرارية عمل الوكالة، إذ قطع عنها التمويل الأميركي البالغ 360 مليون دولار سنويًا (تُشكل حوالي ثلث الميزانية السنوية)، كما تعرضت لحملات تشويه منظمة تكاملت مع دعوات دولة الاحتلال الإسرائيلي لشطب الوكالة بدعوى أنها "معادية للسامية" و"تحرض على الإرهاب"، لكن الوكالة استطاعت أن تنجو بفضل جهود مفوضها العام السابق بيير كرينبول الذي أطلق حملة "الكرامة لا تقدر بثمن" .
إعلانأثناء وجودها في القدس المحتلة بتاريخ 11/6/2017 طلب نتنياهو من سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، العمل على تفكيك وكالة الأونروا، ونقل خدماتها للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وبتاريخ 8/1/2018 نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية تصريحات لنتنياهو بأن "وكالة الأونروا منظمة تتسبب بإدامة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وإدامة حق العودة الذي يهدف إلى إزالة إسرائيل، ولهذه الأسباب يجب إغلاقها"، وأن "على الإدارة الأميركية أن تقلص بالتدريج دعم الأونروا عبر تحويل الأموال إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين".
وقالت الصحيفة إن نتنياهو "يوافق على الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس ترامب إلى الأونروا"، وأن "الأونروا المنظمة المنفصلة قد أُنشئت قبل 70 عامًا فقط للاجئين الفلسطينيين في حين أن المفوضية العليا قائمة لجميع اللاجئين الآخرين في العالم، الأمر الذي أدى إلى وضع يتلقى فيه أحفاد اللاجئين الفلسطينيين غير اللاجئين دعم الأونروا، وخلال 70 عامًا إضافية سيكون هناك أحفاد لهؤلاء الأحفاد، ولذا يجب إنهاء هذا الوضع"، وفي 29/7/2018، تم الإعلان عن مشروع أميركي يحدد عدد اللاجئين الفلسطينيين بـ 40 ألفًا فقط، وهم من تبقى ممن عاصروا النكبة في العام 1948، ولكن كما قلنا لم ينجح ذلك في القضاء على الأونروا.
بعد طوفان الأقصى اتخذ الاحتلال خطوات شرسة تجاه الأونروا، ربما أبرزها مزاعم بارتباط موظفين عاملين فيها مع حركة "حماس" وبأنهم قد شاركوا في عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تسببت تلك المزاعم بتعليق 18 دولة تمويلها للوكالة، ولكن 17 من تلك الدول تراجعت عن قطع التمويل بعد أن تبين أن الأغلبية الساحقة من التهم كيدية، وتحدثت الإدارة الأميركية عن استئناف التمويل للوكالة في آذار/ مارس 2025.
عمل الاحتلال على تدمير أكثر من 190 من منشآت الوكالة في غزة وقتل 247 من موظفيها، وتسبب في نقص عدد موظفيها في غزة من 13 ألف موظف إلى ما يقارب من الخمسة آلاف بحكم الأمر الواقع.
إعلانستكون الأونروا مع تحدٍّ جديد شديد الخطورة عندما يتسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهام منصبه مجددًا في العشرين من شهريناير/ كانون الثاني 2025، والذي يتواكب مع إقرار الكنيست الإسرائيلي قانونين في 28/10/2024 يحظران عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويدخلان حيز التنفيذ في 30/01/2025، ضاربة عرض الحائط بتصريحات رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فيليمون يانغ الذي اعتبر هذين القانونين، "انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية" مؤكدًا أن أي هجوم على الوكالة "يُشكل هجومًا على المجموعة الدولية التي اعتمدت قرار 302 عام 1949 بغالبية كبيرة دون اعتراض".
إزاء التحديات السابقة، وفي ظل انصياع المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني للضغوط الإسرائيلية وآخرها إصداره قرارًا بنقل الموظفين الدوليين العاملين في الأونروا من مقرها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية إلى مراكز عمل أخرى، سنكون أمام مرحلة أكثر عدوانية وأشد خطورة على استمرارية عمل الوكالة، ليس فقط في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وإنما في بقية الأقاليم التي تعمل فيها الوكالة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللاجئین الفلسطینیین وکالة الأونروا الجمعیة العامة للأمم المتحدة عودة اللاجئین الأمم المتحدة حق العودة أکثر من التی ت
إقرأ أيضاً:
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الأداة الناعمة لنفوذ الولايات المتحدة
المؤسسة الأميركية الرئيسية للمساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية الدولية أدارت منذ تأسيسها عام 1961 معظم الإنفاق الرسمي الأميركي على المساعدات الخارجية، بميزانية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، وقوة عمل وصلت إلى نحو 10 آلاف موظف حول العالم.
وهي وكالة حكومية مستقلة، شكلت إحدى أدوات التأثير الناعمة للولايات المتحدة حول العالم، إذ تبعت في عملها توجيهات وزارة الخارجية، وأدت دورا فاعلا في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأميركية.
ومنذ تنصيبه لولاية ثانية في يناير/كانون الثاني 2025، استهدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوكالة، فأخضعها لإشراف مباشر من قبل وزارة الخارجية، وقرر تجميد مساعداتها الخارجية مؤقتا، في إطار إعادة تقييم عملها، واتهمها بإهدار المال وإدارة مشاريع لا تتماشى مع المصالح الأميركية، وقد تتعارض مع القيم الأميركية، وقال إنها تعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي.
النشأةتأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 1961 على يد الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، إبّان تصاعد حدة الحرب الباردة، وكان الهدف منها إدارة المساعدات الخارجية الأميركية، باعتبارها أداة ناعمة تعمل على توسيع الهيمنة الأميركية في الخارج، ومواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي في العالم.
وكان الكونغرس الأميركي قد أقر عام 1961 قانون المساعدات الخارجية، الذي نص على إنشاء وكالة حكومية مكلفة بإدارة الإنفاق الخارجي، وعلى إثره أصدر كينيدي أمرا تنفيذيا بإنشاء الوكالة، التي بدأت بالعمل بعد أن حظيت برامجها بموافقة الكونغرس.
إعلانوعام 1998 صادق الكونغرس على قانون أصبحت الوكالة بموجبه مؤسسة مستقلة، يقدم لها وزير الخارجية التوجيه في السياسة الخارجية، ويساهم في وضع ميزانيتها ومخصصاتها المالية، التي تتم الموافقة عليها من قبل الكونغرس، بما يتفق مع المصالح الأميركية في العالم.
ويتم تعيين مدير الوكالة بترشيح من الرئيس الأميركي وبموافقة من مجلس الشيوخ، ويرفع لوزير الخارجية تقارير دورية عن سير عمل الوكالة.
وأخذت الوكالة وضعا أكثر أهمية في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن (2021-2024)، إذ منح مدير الوكالة مقعدا دائما في مجلس الأمن القومي الأميركي، وقد اقتصر دوره على مدى عقود سابقة على حضور اجتماعات المجلس المتعلقة بعمل الوكالة وقضايا التنمية لا غير.
الأهدافتسعى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من خلال أنشطتها الإنمائية إلى تحقيق هدفين رئيسين هما:
تحسين ظروف الحياة في المجتمعات النامية. تعزيز المصالح الأميركية في العالم.وبناء على ذلك، نفذت الوكالة عديدا من المشاريع الإنسانية والتنموية، والبرامج الخاصة لتطوير المجتمعات الفقيرة حول العالم وتحسين الأوضاع الإنسانية فيها، والتي وُجهت نحو تحقيق مجموعة من الأهداف، أبرزها:
دعم النمو الاقتصادي في العالم. تحسين الصحة العالمية. محاربة الفقر والمجاعات وتعزيز الأمن الغذائي. تحسين الاستدامة البيئية. القضاء على الأمية والجهل وتعزيز التعليم. وقف الصراعات في العالم والتعافي منها. تقديم الإغاثة العاجلة والمساعدات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية والصراعات. نشر الديمقراطية في الخارج وحماية حقوق الإنسان.واستخدمت الوكالة تلك المشاريع لتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وخدمة المصالح الأميركية في العالم، وتقوية النفوذ السياسي والاقتصادي الأميركي في الخارج.
وعلى مدار عقود استُغلت المساعدات لبناء تحالفات لمواجهة خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، ودعم المصالح التجارية الأميركية، عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي للدول النامية، وتمكينها من المشاركة في التجارة العالمية، وإيجاد أسواق وشركاء تجاريين للولايات المتحدة حول العالم.
إعلان الميزانية والقوة العاملةتعتبر الولايات المتحدة أكبر ممول للمساعدات الإنسانية في العالم، وعبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنفقت الدولة عشرات المليارات من الدولارات سنويا، بما يناهز 1% من الميزانية العامة للبلاد.
ووفق تقرير لخدمة أبحاث الكونغرس، نُشر مطلع عام 2025، أدارت الوكالة أكثر من 43 مليار دولار في السنة المالية 2023 (أحدث سنة تتوفر عنها بيانات مالية كاملة)، أي ما تصل نسبته إلى أكثر من ثلث المخصصات المالية لوزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة.
وتُشغِّل الوكالة نحو 10 آلاف فرد، نحو الثلثين منهم خارج الولايات المتحدة، ويشمل ذلك الموظفين مباشرة للوكالة، الذين يشكلون أقل من نصف القوة العاملة، وموظفي التعيين غير المباشر، مثل المقاولين في مجال الخدمات الشخصية والمقاولين في مجال الدعم المؤسسي.
تنتشر خدمات الوكالة في أنحاء العالم، وتشمل مناطق، أبرزها أوروبا وأوراسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق عديدة في جنوب وشرق ووسط آسيا.
ويقع مقر الوكالة الرئيسي في العاصمة الأميركية واشنطن، ولها مكاتب أخرى في أكثر من 60 دولة، ولها مكاتب ميدانية في مناطق عديدة حول العالم، أبرزها:
مكتب أوروبا وأوراسيا. مكتب آسيا. مكتب أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. مكتب الشرق الأوسط. مكتب الاستقرار ومنع الصراعات. مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوكمة. مكتب المساعدات الإنسانية. مكتب النمو الشامل والشراكات والابتكار. مكتب المرونة والبيئة والأمن الغذائي. مكتب الصحة العالمية. مكتب المساعدات الخارجية. مكتب الشؤون التشريعية والعامة. مكتب السياسات والتخطيط والتعلم.ويستفيد من المساعدات التي تقدمها الوكالة ما يزيد على 100 دولة حول العالم سنويا، وتستهدف بشكل خاص الدول التي تشكل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة، والمناطق التي تحتدم فيها الصراعات، وتعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية.
إعلانويتفاوت حجم المساعدات وتوزيعها الجغرافي من عام لآخر، ففي السنة المالية 2023، شملت مساعدات الوكالة نحو 130 دولة، وتصدرت أوروبا وأوراسيا قمة المناطق المدعومة بالمساعدات، إذ حصلتا معا على نحو 40% من المخصصات المالية للوكالة، في حين جاءت منطقة الصحراء الكبرى في أفريقيا في المرتبة الثانية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المرتبة الثالثة.
أما الدول التي حظيت بأكبر نصيب من المعونات في تلك السنة، فكانت على رأسها أوكرانيا، تلتها إثيوبيا ثم الأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان وسوريا على التوالي.
القطاعات والبرامجتغطي الوكالة قطاعات مختلفة، منها الصحة والتعليم والزراعة والتنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والمساعدات الإنسانية وقطاع الحوكمة، الذي طغى على غيره من القطاعات في ما يتعلق بالمخصصات المالية للوكالة عام 2023، بسبب الدعم المقدم للحكومة الأوكرانية.
وتدير الوكالة المساعدات المالية عبر مجموعة كبيرة من المشاريع الإنمائية، التي تُنفذ عبر منح أو اتفاقيات، بالشراكة مع جهات متعددة أميركية وأجنبية، بما فيها حكومات أجنبية وجامعات ومنظمات غير ربحية ومقاولون يعملون من أجل الربح.
وتشمل مشاريعها برامج متنوعة، تتفاوت مهامها بين تقديم المساعدة الفورية، ووضع إستراتيجيات طويلة الأجل، تمكن البلدان النامية من الازدهار بشكل مستقل، ومن أهم تلك البرامج:
برامج تحسين الصحة العالميةحاز قطاع الصحة، حسب بيانات خدمة أبحاث الكونغرس، الاهتمام الأكبر للوكالة منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين الـ20، وركزت برامج الوكالة على مكافحة الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والملاريا والسل.
إضافة إلى ذلك عملت على تحصين المجتمعات ضد الأمراض عن طريق توفير اللقاحات، مثل لقاح شلل الأطفال، وساعدت في الحد من انتشار الفيروسات الخطرة، التي قد تتسبب في حدوث جائحة.
إعلانوفي العقد الأول من القرن الـ21، خصصت الوكالة مليارات الدولارات لمكافحة مرض الإيدز، ومع ظهور جائحة كورونا عام 2020، تزايد الدعم لقطاع الصحة من خلال بند المساعدات الطارئة، حتى حاز قطاع الصحة على أكبر حصة من مخصصات الوكالة للعام المالي 2022.
وساهمت الوكالة على مدى عقود في تعزيز النظم الصحية في المجتمعات الضعيفة، وتوفير الأدوية الأساسية فيها، ونفذت برامج تهدف إلى تحسين صحة الأم والطفل، وتعزيز فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية الجيدة.
برامج نشر التعليمتعمل الوكالة على تعزيز أنظمة التعليم الشاملة في البلدان النامية، وتحسين فرص الحصول على التعليم، لا سيما للفتيات والفئات المهمشة، وتقدم برامج تدريب للمعلمين وتستثمر في تطوير المناهج وطرق التدريس، وتساهم في تحسين البنية الأساسية للمدارس.
برامج التنمية الاقتصاديةتقدم الوكالة برامج مساعدات إنمائية في قطاعات، مثل: الزراعة والتنمية الريفية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الحضرية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتساعد برامجها في تعزيز الاقتصادات المحلية والاكتفاء الذاتي والممارسات الزراعية المستدامة وإنتاج الغذاء وتحسين القدرة على الوصول إلى الأسواق.
برامج الحفاظ على البيئةتقدم الوكالة مبادرات تهدف إلى حماية البيئة، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، ودعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على الغابات، وحماية التنوع البيولوجي، ومكافحة تغير المناخ.
برامج المساعدات الإنسانيةللوكالة دور حيوي في تقديم المساعدات الإنسانية وتوفير الإغاثة العاجلة في الدول التي ضربتها الكوارث الطبيعية أو مزقتها النزاعات، من خلال تقديم المساعدات الغذائية والإمدادات الطبية والمأوى للسكان.
فضلا عن ذلك، تساهم في دعم جهود التعافي في المجتمعات وإعادة التأهيل بعد الكوارث، من خلال تطوير البنى الأساسية واستعادة سبل العيش وتوفير الدعم النفسي للمتضررين.
وتزداد مخصصات الوكالة للمساعدات الإنسانية سنويا، استجابة للأزمات الإنسانية، التي تتمثل أغلبها في حركات النزوح الناجمة عن ظروف طبيعية أو عوامل بشرية.
إعلان برنامج مبادرات الانتقالتدير الوكالة حساب مبادرات الانتقال، الذي تأسس عام 1994، والذي يدعم مشاريع المساعدة في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية من الحرب إلى السلام، ومن الصراع المدني إلى المصالحة الوطنية.
برامج الدعم الاقتصاديتدير الوكالة صندوق الدعم الاقتصادي المخصص للمساعدات الاقتصادية في البلدان ذات الأهمية الخاصة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وكان الصندوق يستخدم في الأساس لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط، وفي السنة المالية 1997، ذهب نحو 87% من مخصصات الصندوق إلى إسرائيل ومصر والضفة الغربية والأردن، ومنذ السنة المالية 2022 سُحب غالبية الدعم لصالح الحكومة الأوكرانية.
برامج تعزيز الديمقراطيةتدعم تلك البرامج التحولات الديمقراطية في العالم، بما في ذلك الانتخابات الوطنية، ومساعدة منظمات المجتمع المدني على إعطاء صوت للمواطنين وزيادة نفوذهم، وبناء المرونة في المجتمعات، وتمكين المجتمع المدني من التجمع لدعم الاحتجاجات السلمية والدفع نحو الإصلاحات.
برامج دعم الإعلام المستقلتوفر الوكالة برامج التدريب والدعم للمنظمات الإعلامية التي تعمل في ظروف صعبة، من أجل تعزيز وسائل الإعلام المستقلة، وقد كشفت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن الوكالة موّلت عام 2023، أكثر من 6 آلاف صحفي، و700 وسيلة إعلامية غير حكومية، وما يقارب 300 منظمة غير حكومية تُعنى بالإعلام، في أكثر من 30 دولة حول العالم.
تتغير أولويات الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمساعدات الخارجية بمرور السنين، وهو الأمر الذي يشكل تحديا للوكالة، إذ يتطلب منها التكيف مع التغيرات التي تخضع لرقابة الكونغرس، وتتضمن جوانب عدة، منها:
وجود تباين كبير، في كثير من الأحيان، بين ما تحتاجه مشاريع الوكالة وبين ما يخصصه الكونغرس لها، وفي أحيان أخرى، يتم تحديد المخصصات المالية بعد أشهر من بداية السنة المالية، وهو ما يتطلب مرونة عالية من الوكالة في التعامل مع الميزانية، وإعادة توزيع الأموال لتلبية الاحتياجات العالمية بميزانية أصغر. تخصيص مبالغ مالية كبيرة من التمويل الطارئ للوكالة، بسبب ظروف معينة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، مما يستوجب التعامل مع مخصصات كبيرة في فترات زمنية قصيرة، وقد تشكل هذه التفاوتات والتأخيرات والتدفقات المفاجئة تحديات مستمرة لتخطيط الوكالة وإدارة برامجها. تفويضات التمويل في الكونغرس تسمح بتوجيه الوكالة ومواردها إلى قضايا تهم الأعضاء، ولكنها قد تحد من مرونة الوكالة، وقد تبتعد عن إطار سياستها أو إستراتيجيات الدولة، وهو ما يضر أحيانا بقطاعات معينة. إعلان إجراءات ترامباستهدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية فور تسلمه السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، وسعى لتفكيكها أو إلغائها بشكل كامل، وأصدر أمرا تنفيذيا لإعادة تقييم عملها وتنظيم المساعدات الخارجية.
وبموجبه، تم تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما -مع استثناء المساعدات الغذائية الإنسانية الطارئة- بحجة أن الوكالة تهدر الأموال، وأن المساعدات الخارجية لا تتماشى مع المصالح الأميركية، وفي كثير من الحالات تتعارض مع القيم الأميركية، وتعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي.
وقال ترامب إن إدارته ستعيد النظر في الإنفاق المالي للوكالة بما يتماشى مع سياسته الخارجية التي رفع فيها شعار "أميركا أولا"، وأخضع الوكالة للإشراف المباشر من وزارة الخارجية، كما عيَّن وزير الخارجية ماركو روبيو قائما بأعمال مدير الوكالة.
وقال إيلون ماسك مستشار الرئيس الأميركي، الذي يدير وزارة كفاءة الحكومة، التي تعمل على خفض الإنفاق والبرامج الفدرالية الأميركية في إدارة ترامب، إنه سيتم إغلاق الوكالة لأنه "لا يمكن إصلاحها".
وأدى القرار إلى إغلاق معظم برامج الوكالة، وهو ما نجمت عنه أزمات مالية وإنسانية في عديد من المناطق حول العالم، إذ تم منع تسليم المساعدات الإنسانية من الأدوية والسلع الأخرى التي تبلغ ملايين الدولارات، والتي ظلت عالقة في الموانئ.
وتم إغلاق مكتب الوكالة في واشنطن، وإغلاق موقعها الإلكتروني، وأصبحت المعلومات المتاحة عبر الإنترنت عن الوكالة منشورة على صفحة جديدة تشكل جزءا من موقع وزارة الخارجية الأميركية الإلكتروني.
وخلال الأسبوعين الأوليين من تنصيب ترامب، تم تسريح عديد من موظفي الوكالة أو إرسالهم في إجازة إدارية، من بينهم موظفون بمناصب قيادية في جميع مكاتب الوكالة.
وعلى إثر ذلك، بعث الأعضاء الديمقراطيون في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ رسالة احتجاج إلى روبيو، قائلين فيها إن ترامب لا يملك السلطة لإلغاء الوكالة المنصوص عليها في تشريع الكونغرس، وإن ضمها إلى وزارة الخارجية يجب أن يوافق عليه الكونغرس بموجب القانون.
إعلانوبالمبررات نفسها، رفعت جمعيات العمال الفدراليين دعوى قضائية في السادس من فبراير/شباط 2025، تطلب من المحكمة الفدرالية وقف إغلاق مكاتب الوكالة، وعلى الرغم من ذلك استمرت الإجراءات الرسمية ضد الوكالة، وبدأت الإجازات القسرية لموظفيها في واشنطن وحول العالم فعليا في السابع من فبراير/شباط 2025، ولم يستثن من ذلك إلا 294 موظفا، يشكلون الكادر الأساسي في الوكالة.