قراءة التاريخ.. حلول للدراسة (2-3)
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
التقليدية مشكلة وليست حلا:
النظر إلى صُلب الحياة المدنية وكأنها من صُلب الدين كثوابت أو تقديس الأشخاص المجتهدين في عصورهم أو أيٍّ من الصحابة وآل البيت دون فصل حياتهم المدنية عن مكانتهم في الدين أو معرفتهم واجتهادهم في العبادات؛ معضلة أمام تفسير حقيقي للتاريخ والاعتبار منه أو التقدم إلى الأمام، لأن أي رأي تجد من يعيدك إلى مقدس ليس مقدسا كرأي فقيه أو مجتهد وظرف عصر مختلف.
فالمشكلة الكبرى وهي الفتنة، بدأت باغتيال لخليفة وهدأت بإدارة خليفة رفض الاستمرار (الحسن رضي الله عنه) وحل المشكلة سياسيا، بشرط عودتها للأمة وهي من قواعد الشورى الفكرية في الحضارة الإسلامية، أي حكم الشعب لنفسه من خلال حقه في تنصيب أدوات الحكم وإبدالها أو خلعها، وهي مسألة قيمية إرشاديه للحياة المدنية وأهم ما فيها هو الاستقرار بإنشاء حكم أمين رشيد.
السؤال: هل كان يمكن تفادي الفتنة؟ الجواب افتراضيا نعم، لأنها في واقع الحال مشكلة سياسية تطورت إلى الاتجاه السلبي وأخطاء بشرية من الطرفين، رغم أن موقف معاوية كان به خلل في بعض المفاصل كمواجهة جيش فيه الخليفة ونهضة العصبية القبلية، ثم بعد صلحه والحسن t لم يلتزم بشرط الصلح وهو إعادة الولاية إلى الأمة وإنما جعلها ملكا وأسس لولاية التغلب التي ما زالت فاعلة الأمر الذي تسبب في حيثيات خروج الحسين رضي الله عنه، وما زال المتغلب لحد الآن مدنيا أو مغامرا أو عسكريا يحكم الأمة، وقد أصبح كالسيد الذي يسوس العبيد بلا إرادة ويكرر ما قاله فرعون في وصف المصلحين بما وصف فرعون موسى عليه السلام "لا أريكم إلا ما أرى"، "وأخاف أن يفسد عليكم دينكم"، وهو في الحقيقة يخاف أن تزول ركائز حكمه وظلمه.
كيف تحل مثل هذه المعضلة:
في التاريخ مهما كتبنا من حلول فهي محض رأي لا ينتج عنه أمر إلا تبريرات المخالفين له وجدل بيزنطي لا غرض لنا فيه. لذا فنحن ننتقل بالحالة إلى واقع اليوم مستفيدين من التطور المدني في مسائل القيادة والسيطرة والإدارة والحكم ونظم التعامل بين الجمهور والحاكم، ليس نقلا عن نظام ليبرالي رأسمالي فهذا النظام اقتُبس من الفلاسفة اليونانيين وتجربة أثينا ليحمي أصحاب المصالح أو النظام الرأسمالي ككل؛ بل نلجأ إلى ما يوافق العقيدة من فكر مستخدمين الآليات المتاحة لحين يلد الواقع والتجربة آلية مناسبة لمجتمع التكافل وسيادة الشريعة التي ليست الشريعة المنقولة من اجتهاد البشر، وإنما ما ينتج بشكل نظام أو قوانين من خلال استقراء الواقع ثم الاستنباط من القرآن والسنة والسيرة النبوية التي هي تاريخ يحمل خصوصية سير الشريعة على الأرض، وفق نظام معرف فيه الثابت والمتغير وما هو رأي بشري وما هو قول نبوي وما هو نص منزّل، وكيف يتعامل الحاكم، وكيف يتعامل القاضي وكيف يكون تقييم الرأي الشرعي والرأي المدني ضمن فكرة الإسلام ككل لحماية الأهلية للمواطن وخياراته لأنه من سيحاسب على قراراته الخاصة، أما ما يتعلق بأعماله وأقواله وفعل ما له تأثير على أرض الواقع على الناس ومعتقداتهم والدولة والحكم؛ فهنالك القوانين التي تحاسبه وتقدر كيف يكون عقابه أو إصلاحه إن كان ممكنَ الإصلاح أو يعد خطرا على المجتمع، وعندها فكل القوانين ستكون معرّفة مستنبطة على استقراء الواقع.
الحل الأمثل:
الحكم كان فرديا عندما كانت الحياة بسيطة والدولة لا تدخل التفاصيل في حياة الأفراد، لكن اليوم تشعبت الوسائل والحاجات والمخاطر والتحديات، وأضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير ومنفتحة وتحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفّين والطف، بل وضعها في نظام لا يقبل التمرد، بل يضع خيارات الأمة هي الحكم وبشكل واضح، ففقدان الفهم والوضوح نتيجة توسع الدولة بلا وسائل الإفهام والتعليم والاجتهادات المنفردة، بعيدا عن المركزية لضعف التواصل وفقدان المؤسسات أوجد تلك الحالات.
بالعمل المؤسساتي تنتهي تلك المشكلة عندما يكون كل أمر مؤسساتي من الحكم وإدارته كمؤسسة الخلافة، وفيها تفاصيل تقود حركة الحكومات، إلى مجالس توظف الخبرة، فلا يوجد حاكم مدى الحياة حتى النظام الملكي، بل هنالك تغيير وفق إرادة الشعب، لكن منظومة الحكم لا تتبدل وإنما تحدّث وتبقى المشاريع متابعة وعن طريق مجلس التخطيط الاستشاري يتابع كل أمر دون أن يتدخل في إدارة الدولة، وإنما يستمر العمل والمخطط بحيث يكمل كل جديد من سبقه ويضع مشروعاته لينفدها ويكملها أو يكملها من يليه (هنالك مقالات للكاتب حول هذه الحلول مفصلة؛ ومنشورة سابقا) وكل فقرة بها شرح مهام وتفاصيل.
ألم بلا عواقب:
إن الإحساس بألم الظلم أولى الخطوات التي تحرك نحو الحرية، لكن لهذا شروط وأهمها الفهم ووضوح الرؤية، وكسر قيود التقليد والتحجر، وإبعاد التأليه والتقديس لكل ما هو قديم وبناء مدنية تعبر عن المجتمع ذاته من مخرجاتها وتشارك العالم في بنائها.
هذا الكلام هو مقدمة لما سنتحدث عنه في الجزء الثالث من قراءة التاريخ..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المدنية الحضارة التاريخ اسلام تاريخ مدنية حضارة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
صوت من جنب الشرق..
إنّ الأيام التي نمرّ بها فـي هذه البقعة الجغرافـية من العالم، أيامًا يندى لها الجبين، ويختلط الحابل فـيها بالنابل، وليت هذا الاختلاط كان فكريا فحسب، بل فـيه مآسٍ لا يقوى العقل على استيعابها أو على تجاهلها حتى! إن من يكتب عن أمور أخرى غير ما يحصل فـي غزة أو سوريا أو لبنان -كم من البلدان العربية يجب أن أذكر!- ليس شخصًا منفصلا عن الواقع لا يشعر به أو يعيشه أو يعاني ويخاف منه؛ بل هو شخص يعيش الواقع كما هو، لا كما يتمناه.
يحق لنا أن نحلم بعالم يسود العدل فـيه، ويتحقق فـيه الأمان للناس ويعيش الناس فـي وئام، ولكنها جُبلت على كدر، فكيف نريدها صفوا من الأقذاء والأكدار وهي طبيعتها وجِبلَّتها؟ يدفع التشاؤم المرء إلى العدمية التي لا ترى خيرا قط، والعدمية كما أرى إنما هي نتاج استسلام محض ينزع من المرء طاقته ورغبته فـي الحياة والعمل والكفاح، فـيظل يائسا كدرا يترقب الشمس تفتح ستارة غرفته، ولكن الشمس فـي علوّها الشاهق لا تنزل إلى الأرض، فـيظل يلعن الشمس لأنها لم تنزل لأجله ولم تفعل له ما يريد وكما يريد، دون أن يفعل ما ينبغي! هذا هو اليائس المتشائم العدمي.
فـي النقيض، هنالك الإنسان الكامل. والإنسان الكامل برأيي هو الذي يحاول فعل الخير والصواب ولو كلفه ذلك ما كلفه، غير مكترث للظروف إن تهيأت له أم لم تفعل، يصنعها بما يستطيع وكيفما اتفق. بل إنه يفعل الخير حتى حين يكون معذورا فـي تركه، ومثال ذلك فـي غزة. لن أقول جديدا عمّا يحدث فـي غزة وجراحها النازفة، لكن ما يلفت الانتباه إلى العقلية التي تتجسد فعلا عند ثلة غير قليلة من الغزاويين، فهناك من يقدم حصته التي يحتاج إليها بشدة من الغذاء إلى إنسان آخر يرى بأنه أشد احتياجا إليها. وهناك من يقدم الدواء الذي فـيه علاجه لصاحبه الذي فـي مثل حالته أو أشد، وهناك من هو خارج من المعادلة أصلا ويأتي من مشارق الأرض ومغاربها ليساعد الغزاويين بالطعام (كمنظمة المطبخ العالمي) أو الدواء والعلاج والدفاع المدني ممن يعلمون بأنهم معرضون لفقدان حياتهم بمدهم يد العون. أتفكر فـي هذه الحياة التي نعيشها، خمسين؟ ستين؟ سبعين سنة؟ هذا ما سنعيشه فـي أحسن الأحوال زاد أو نقص الرقم؛ لكنها سنوات سريعة مقارنة بعمر الكون وبالحياة الأبدية التي نؤمن بها، فما جدوى أن يعيش المرء حياة لا مبدأ له فـيها ولا قناعة يقاتل ويعيش لأجلها، بل ما جدوى أن يعيش المرء حياة مليئة بالمنغصات التي لا يمد يده ليزيحها ويزيلها ما دام قادرا على ذلك، كي لا يكون كصاحبنا الذي يقبع فـي الظلمة منتظرا الشمس لتزيح ستارة غرفته وتُدخِل أشعتها.
الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه وطن واحد، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، بل إن ما يفرقنا حادث ومصطنع ولم يكن من لب الحضارة العربية والإسلامية أصلا. ولأنه كذلك، نجد الشيوخ يألمون لواقع البلدان المجاورة أشد من آلام أبدانهم التي تقاوم المرض والهرم ووهن الجسد.
ما الذي يدفع شيخا ينتظر الأجل لأن يكترث بأخيه الإنسان المجاور له؟ إنه المبدأ والدين وسلامة المنطق وسواء النفس والروح. ما حدث فـي سوريا فـيه دروس وعبر تجعلنا نستعيد رؤية الشيوخ وبصيرتهم ونتفكر فـيها.
فقد أثبتت أن الناس ينسون الأحقاد عند انجلاء الشدة والفتنة، وأن الأصل فـيهم الخير والصلاح والإصلاح، فكلهم محب لوطنه مدافع منافح عنه، بانٍ له ومُعمِّر. لكن ما تعلمناه أيضا، أن الاحتلال الصهيوني لن يهدأ ولن يستكين حتى يحتل كل شبر من البلاد العربية. فما إن سقط الجيش السوري وانسحب أمام فلول المعارضة، حتى وثب الكيان على أراضيها، ودمر البنى الأساسية والمدرعات والطائرات الحربية، بل ويعلنها صراحة أن الجولان أرض محتلة إلى الأبد! إن هذه العقلية تنسف ما حاول الصهاينة بثه من دعاية بأنه يمكن التعايش معهم دون خوف أو قلق من غدرهم، وهي حماقة لم يدرك رئيس وزراء الكيان أثرها، فقد نسف ما حاول أسلافه تصويره على أنه حقيقة وواقع يمكن تجسيده، وأن على الشعوب أن تتقبل هذا الأمر كواقع وردي يتعايش فـيه صاحب الأرض والوطن مع من يحتل وطنه فـي سلام ووئام! ثم إن واقع انسحاب الجيش من مواقعه يمثل درسا لا ينبغي إغفاله من دول المنطقة بتاتا، فالجنود ليسوا موظفـين فحسب، بل هم حماة الوطن ودرعه الأول أمام الأطماع الخارجية. وللأسف إن هذا الدرس جاء عمليا وتطبيقيا فـي سوريا ولم يقتصر على كونه شيئا نظريا فحسب. وما حصل هناك، يجعلنا ندرك أهمية التكوين الفكري للمواطن، بأن هذه الأرض مقدسة ويدفع روحه ونفسه فداء لها أمام كل معتد ومحتل، بغض النظر عن القائد الذي يتبعه، ووجوده من عدمه.
من واجبنا أن نحمي بلادنا من أقصاها لأقصاها، من شرقها لغربها، كلٌّ يحميها بما وهبه الله من ملكات ومؤهلات وقدرات. وكما أن وسائل التأثير اليوم أقوى وأنجع فـي تسييس الشعوب وتغيير المعادلات على أرض الواقع، فكذلك يمكن للفرد أن يكون مؤثرا ويغير الحال والواقع إلى الأحسن. فكم من غزاوي أكل مما زرعه يوسف أبو ربيع الذي قاوم الاحتلال بالزراعة وأطعم أهل الشمال ، وكم لمحمود المدهون من يد فـي إطعام الناس ومقاومة الاحتلال بالطبخ للمساكين! وكم من معلم ظل يعلم الأطفال فـي البيوت المهدمة والخيام الممزقة وفـي العراء، كلهم يقاومون الاحتلال بما يستطيعون، وكلهم فلسطيني وفـيٌّ لأرضه وأمته ودينه وعائلته، وهو ما جعلهم يدفعون أرواحهم ثمنا وفداء لوطنهم ومبدئهم فـي نهاية المطاف، فكأنما هم يتمثلون أبيات ابن بيئتهم ووطنهم الشهيد «عبدالرحيم محمود»:
فإمّا حياة تسرّ الصديق
وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان
ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن
مخوف الجناب حرام الحمى
أرى مصرعي دون حقّي السليب
ودون بلادي هو المبتغى
أما من يسأل عن السبب الذي يدعونا لاستحضار مآسي الواقع العربي الذي نعيشه اليوم ونتأُثر به ونحن بعيدون عنه جغرافـيا -بشكل نسبي- فهل نسوا قول أمير الشعراء!
كُلَما أَنَّ بِالعِراقِ جَريح
لَمَسَ الشَرقُ جَنبَهُ فـي عُمانِه