ما دور الجهات الداعمة في شهرة الكاتب والكتاب؟ ومن يحتاج الآخر أكثر؟

يحفل التاريخ الثقافي بكثير من سير الأدباء، وأسرار حياتهم الشخصية، وما يعنينا منها في هذا التحقيق الثقافي سؤال: كيف استطاع كثير من الأدباء أن يثبتوا كفاءتهم ويتلمسوا طريق الشهرة، ويصلوا بأصواتهم لأبعد مكان يريدون، وكيف حققوا الفائدة من مهنتهم في الكتابة، ومن ساعدهم بذلك؟

ولماذا لم يصل غيرهم إلى هذا السقف من الانتشار، ويحققون ما يطمحون له، وعاشوا في الظل، طبعا مع وجود استثناءات قليلة جدا استطاعت أن تبني نفسها بنفسها بالجد والتعب.

الموضوع ليس تقليلا من كفاءة أحد من المبدعين في المجالات الثقافية أبداً، ولكن للدلالة على الموضوع بشكل أوسع لا بد من القول أن كثيرا من الأدباء كانت وراءهم أحزاب أو هيئات أو حكومات أو دور نشر، ويمكن أيضا القول بشكل ألطف، وجود رعاة لهم استطاعوا أن يصلوا بهم، وبموهبتهم حيث الشهرة وحيث المكانة المرموقة، وربما حيث الجوائز.

الأمثلة كثيرة

كي لا أدخل في معترك تعداد الأسماء وما يمكن أن يحدث من جدل حولها، فلا بد من الإشارة إلى أن أحزاب كثر في مصر والعراق والأردن ولبنان وسوريا ودول أخرى تبنّت أدباء، أو انتسب إلى صفوفها بعض المثقفين، نظرا لشيوعها وحضورها الفاعل في الساحة، وربما كان أحد الطرفين يحتاج للآخر كي يصل بصيته وصوته لأوسع شريحة ممكنة ويكون نافذاً ويحرك المياه الراكدة.

وقسْ على هذا بعض الحكومات التي تبنت أصوات أدبية، ودور نشر استفادت وأفادت الكتاب، وهذه العلاقة كما أسلفنا موضوع جدلي حتى بين المثقفين أنفسهم، فيقال هذا صنيع الحزب كذا، وذاك شاعر كذا..وهذا ينقد لمصلحة هذه الجهة أو غيرها..

هذه العلاقة الضاربة في عمق التاريخ الثقافي وليست وليدة اليوم، ولا زالت ممتدة، وهناك من يبحث عن مظلة تكون حامية لإبداعه وناشرة له كونه لا يجيد تسويق نفسه، مع أنه يمتلك الكفاءة الإبداعية.

وفي المقابل، يوجد أنصاف مثقفين، وأنصاف أدباء، وربما أقل من ذلك، وجدوا في مثل هذه البيئة الحاضنة مجال للشهرة والبروز، وعرفوا كيف يستثمرون وجودهم كي يبقوا في المشهد الثقافي، كواجهة غير فاعلة.

المشهد السوري

حملتُ أسئلتي وتوجهتُ بها لعدد من المثقفين والموجودين في الوسط الثقافي السوري للحصول على إجابات صريحة، فما يحصل هناك يحصل هنا، وهذا أمر شائع، البعض رحّب، والبعض أجاب بدبلوماسية والبعض تحدث بشفافية، وهناك من تملص من الإجابة بحجج واهية.

محاور هذه المادة هي: هل تكفي الموهبة والإبداع كي يحقق الكاتب الشهرة والظهور والفائدة من عمله الثقافي؟

وهل يجب أن يكون وراء كل كاتب معروف جهة داعمة له؟.

وهل تقف جهات داعمة وراء كل كاتب مشهور..مثل "جهات حكومية أو هيئات أو أحزاب أو دور نشر وغيرها"؟

تعالوا نتابع ماذا قال ضيوفنا:

الموهبة وحدها لا تكفي

الروائي د.حسن حميد قال: سؤالك جميل، ومركب، ومهم، ليس في هذا الوقت بل في كل الأوقات، أحياناً تكفي الموهبة، ويكفي ما يمتلكه الكاتب من روح الإبداع لكي يكون مشهوراً، وظاهراً ومعروفاً في وسطه الاجتماعي أو في بلده، وقد كان ذلك يحدث في الماضي، أما اليوم فما عادت الموهبة وحدها ولا ما يمتلكه من روح الإبداع كافيين لكي يكون الكاتب مشهوراً ومعروفاً على مستوى بلده أو العالم، ذلك لأن ضروريات الشهرة باتت كثيرة ومتطلبة.

الشهرة اليوم تحتاج إلى عزوم كثيرة أهمها: الموهبة والثقافة، وروح الإبداع، والتجربة، والحظ الكبير، والظروف المواتية، والعلاقات العامة، ثم الابتعاد عن الشغب، وتفادي ما لا يرغب به أصحاب دور النشر، والترجمة، والجوائز، وأهل السياسات الخفية.

وكل هذا يشكل جواباً عن الحالات العادية للكُتّاب، أما الحالات غير العادية فهي الأخطر حين يكون الكاتب صاحب قضية أو حلم، ويريد الدفاع عن هذه القضية أو بيانها وشرحها، أو السعي لتحقيق حلمه، ويكون في الطرف المقابل من يناهضون هذه القضية أو ذلك الحلم، أي أنه يكتب عن ما يراه عدلاً وحقاً وخيراً وجمالاً، والآخرون الأقوياء "بالإعلام والمال والسياسة والجوائز والترجمة" يرون في كتابته عنصرية وتحيزاً وباطلاً وشراً وقبحاً.

خذ مثلا محمود درويش، وتساءل: لماذا لم ينل الشهرة العالمية، ومثله أدونيس، وجبرا إبراهيم جبرا، كالشهرة التي نالها الطاهر بن جلون..؟!

في ظني ليس من الواجب أن يكون وراء الكاتب جهة داعمة حتى ينال الشهرة، هنا سيهبط التحيز هبوطاً مظلياً، وهذا الهبوط لا يخلو من الفظاظة والجلافة والباطل، فأنا أقدر الكاتب الروسي "شولوخوف" صاحب رواية "الدون الهادئ" ولكن تقديري لموهبته امّحى حين عرفت أن الاتحاد السوفييتي وقف داعماً ومرشحاً له ليفوز بجائزة نوبل، والحال في أيامنا هذه هي كذلك، بعض وزارات الثقافة العربية يطلب إليها ترشيح كاتب أو أديب أو شاعر لنيل جائزة ما، فترشح من لا يستحق، فتستحق هي الخيبة في معظم الأحيان.

الجهات والهيئات والأحزاب حين تدعم كاتبا لا يستحق، لا تسقط هي فقط، بل يسقط المعيار، ويسقط جمال الحق.

والأوفى والأجمل والأنبل هو أن ينال الشهرة من اكتملت موهبته فأدهشت، أي الموهوب الذي تعب على نفسه واجتهد في صقل ثقافته، والموهوب الذي اشتق وافترع الدروب والأساليب الجديدة ليقول حلمه الإنساني، عندئذ، وإن دعمته هيئة أو جهة يكون الدعم تصفيقاً صادقاً لموهبته ورؤاه، والشاهد القديم هنا عمنا المتنبي، والشاهد الحديث هنا أيضاً، العم ماركيز، أما مثال حرمان الموهوب جداً من التقدير/ الجوائز فهو اليوناني المدهش كازنتزاكي.

الجهات الداعمة موجودة في كل مكان

الكاتبة والناقدة فدوى العبود قالت: هذا سؤال مركب، لقد وضعتَ في سلة واحدة الأشياء التي لا تجتمع عادة في مهنة الأدب. الموهبة والظهور والفائدة، ولنفنّدها معاً، فالموهبة نسيج ذاتها وهي لا تتوسل، إنها تظهر كالنبتة البرية في الروح، أو لنقل الزهور النادرة التي كان يبحث عنها أجدادنا لعلاج أحدهم. كما أنها لا تستمد قوتها مما يقال، بل قد تعمل في كثير من الأحيان عكس التيار. حتى لو بدا ما حولك وكأنه يتقدم فإن الموهبة الحقيقية تستطيع التقاط الخلل إنها على صلة كبيرة بالبصيرة والحدس.

ولننتقل إلى الظهور، وهو يعتمد في وجوده على الآخرين، إنه نَهِم، كما أنه بخيل في عطائه لعل أهم ما يفتقر إليه هو البصيرة، لذلك يحاول الظهور أن يوائم نفسه مع توقعات الآخرين، في سنوات دراستي الجامعية الأولى كان لدي صديق يردد: حب الظهور يقصم الظهور. لاحقا عرفت أن الرغبة بالظهور قد تلتهم الراغب والمرغوب به.

أما الفائدة، فالتاريخ يعطيك الجواب؛ أهم الكتاب ماتوا فقراء ومعوزين.

وتابعت فدوى قائلة: حول المحور الثاني، قد أبدو عتيقة الطراز لكن ما معنى أن أكون كاتبة إن لم يكن لدي رؤيا أو حدس في مجالي! الجهات الداعمة توجد في كل مكان، في التجارة والشلليّة وفي المؤسسات الثقافية ودور النشر، لكن من ستدعم؟

دعنا نحدد ما نريد قوله، ولنعطي الأشياء اسماً كي نستطيع التحدث حولها. هل ستدعم الكاتب أم الكتاب؟

إذ كانت ستدعم الكتاب فهذا جيد، ولكن لا يجدر بها أن تكون أكثر من إشارة كتلك العلامات التي نجدها في الحدائق العامة والتي ترشدنا إلى الطريق. إذا كانت ستدفع الكاتب كمن يدفع مشلولاً. فهذا مضر بالأخير لأنه قد يجني نقوداً وحفلات تصوير لا أقل ولا أكثر. وبعد انتهاء الحفلة سيغادر الجميع تعساء: الكاتب والقارئ والكتاب.

أما المحور الأخير فقد أحببت ما ينطوي عليه من مضامين، لا مجال لتحليلها الآن لالتزامي بعدد الكلمات. وها أنا أصعّب الأمر على نفسي.

الأحزاب ودور النشر والهيئات الأممّية والمنظمات الحكومية. كل هؤلاء يريدون أن ينتشروا أن يفرضوا رؤاهم وتوجهاتهم على البشر. (هل رأيت شجرة سرو تطلب من صنوبرة أن تصبح شجرة سرو!)

"الإنسان يفعل ذلك" لكن السؤال الآن لدى الكاتب وهو وحده الذي يستطيع أن يجيبنا عليه.

أن وافقت رؤاه رؤى الحزب أو المنظمة فهذا يعني أنه كاتب منظمات، على القياس وقد ذكرني سؤالك بخياط الحي الذي كان يخيط لنا مرايل المدرسة، وكنا بمجرد ارتدائها نصبح متشابهين حدّ أن أحدنا لا يتعرف إلى نفسه، كانت لديه قصّة واحدة بالرغم من اختلاف أجسادنا فقد كان بيننا البدين والنحيل وغيره.

الكتابة حوار مع العالم، سؤال يطرحه الإنسان وهو يشتبك مع الآخرين، لذلك البوصلة الحقيقة هي القارئ وأنا أثق بالأخير، وهذا ليس تفاؤلا ساذجاً من ذلك النوع الذي يقول فيه أحدهم أبنائي لن يتخلّوا عني. لا. هذا منطق الأمور والحياة. فالقارئ إنسان يبحث عن ذاته وتحققّه. ولا يمكن لكاتب منظمات أو (الكاتب الخيّاط) أن يساعده، نحن هنا لنساعد أنفسنا وفي هذا يحدث أن نساعد آخرين.

ختاماً: "في البدء كانت الكلمة، وليس أي كلمة"

ليس كل مشهور مبدعا

الإعلامي عبد الفتاح العوض رئيس تحرير صاحبة الجلالة: الإبداع يعبر عن نفسه، والمبدعون الحقيقيون تعلن إبداعاتهم عنهم، أما شهرة المبدع فهي مرتبطة بالزمان والمكان وبالجهة والأشخاص والإعلام، وبوسائل التواصل الاجتماعي التي تدعم أفكار المبدع، وأقول باختصار وبكلمة واضحة، ليس كل مبدع مشهورا، وليس كل مشهور مبدعا، وخاصة مع ازدياد تأثير وسائل الإعلام وقدرة بعض الدول والشركات على السيطرة على خوارزميات الانتشار، من الواضح أن هناك تشجيعا وتمريرا لبعض الأفكار، وبالمقابل هناك حد ومنع من انتشار أفكار أخرى، لكن مع كل هذا فإن إبداع المبدع كفيل في وقت ما على أن يظهر على العلن حتى لو تأخر به الزمن.

الإبداع مثل نور الشمس ينتشر في كل الأرجاء رغم مرور الوقت، وتغيب فيه الشمس إلا أن المبدع يستطيع أن يضيء في أفكاره من أن يؤهله.

توجد جهات داعمة

يقول الشاعر توفيق أحمد: الموهبة والإبداع لا تكفي لتحقيق الشهرة والظهور لكنها بالتأكيد ضرورية جداً، لكن تحتاج الموهبة والإبداع لعناصر أخرى مكملة تلقي الضوء على الموهبة بمصداقية أولاً وإمكانيات واسعة للتسويق، والتسويق أحد أهم علوم العصر، قضية أن يكون وراء كل كاتب معروف جهة داعمة له؟، بصراحة بحقيقة رسالة الشعر الحضارية والأخلاقية والإنسانية ليس مهماً أن تكون هناك جهة داعمة، ولكن ما شهدناه في بعض الساحات الثقافية العربية أو الأجنبية خلال المائة سنة الماضية أنه كان هناك جهات داعمة وجهات أيديولوجية وطبعا سياسية وحزبية ودينية أيضا؛ أنا لست مع دعم كل هذه الجهات طالما هناك إبداع إنساني عالٍ شاسع واسع غير متخندق، صالح وغير متطرف، وغير معادٍ لأي حالة إنسانية على الإطلاق؛ الجهات الحكومية أو الهيئات أو دور النشر طبعا هناك الكثير من هذا يحصل كما حصل مع أمير الشعراء أحمد شوقي باعتباره شاعر الملك وشاعر القصر ولكن بنفس الوقت شوقي شاعر كبير استطاع القصر أن يعممه أكثر ويرسله إلى أنحاء العالم الواسعة "طبعا دون الانتقاص أبدا أو التقليل من كفاءة وإبداع شوقي الأدبية" نتحدث هنا كما سألتني عن الجهات الداعمة للمبدعين.

أما عن دور النشر قد تكون أقوى الجهات لتسويق المبدع لأن دور النشر جهة معنية جدا تجاريا أولاً ثم إبداعياً ثانياً.

الدعم مطلوب

الأديب والمسرحي داود أبو شقرة يقول: الموهبة شيء أساسي في الإبداع، وهي الأساس لكل إبداع ولكن إذا طبقنا هذا في الوطن العربي فإننا لن نجدها كما يجب أن تكون.

الموهبة موجودة لدى الكثير من الأدباء والفنانين والتشكيلين والمسرحيين لكن هذه الموهبة نجدها تُحارب في أغلب الأحيان، وهم بالمرصاد ومحط استهداف من قبل الذين تسلقوا على مقدرات ربما ليسوا أهلاً لها على كل حال، الموهبة إذا أضيفت إلى التجربة ربما تعطي الكاتب على المدى البعيد مساحة، وربما ينتبه إليه النقد وأخذ الفرصة وربما انقضى العمر وفارق الحياة.

الإبداع يحتاج إلى النقد الموضوعي الذي يعزل العاطفة ويكون أباً روحيا للإبداع، وليس ذلك النقد الذي يتمثل في مجالين إما مداح أو قداح بحسب وجهة نظر الناقد إلى المبدع.. تلك مسألة عويصة ليس في سوريا فحسب بل في أماكن كثيرة وعندما يتسلل رجل غير كفؤ إلى مكان مهم فإنه يحارب الإبداع ويمنح الفرصة لمن هم دون ذلك.

وتأسيساً على ما سبق إن الموهبة والإبداع وحدهما لا يمكن أن يحقق الكاتب من خلالهما ظهوراً وشهرة وفائدة من عمله الثقافي. ولعلك تتساءل لماذا؟ لأنه جزء من السؤال المطروح، إذا لم يكن وراء هذا الكاتب جهة داعمة له إن كانت حكومية أو حزبية أو حتى مؤسسات اقتصادية فانه لن يظهر لأنه لن يجد طريقه إلى الإعلام ولا الإعلان ولا إلى دور النشر؛ لأن كثيرا من المبدعين لا يستطيعون أن ينشروا نتاجهم الثقافي؛ لأنهم يفتقدون للمال لنشرها، والأنكى من ذلك أن المسابقات التي تجري وأنا لاحظت ذلك وطرحته حتى في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب، إن المسابقات التي تجري لجان التحكيم فيها ليست منتقاة بعناية، وحتى لو كانت كذلك فهي تميل إلى مرضاة الخواطر، والأهم من ذلك أنها تتوجه إلى من أعمارهم دون الخامسة والثلاثين، وكأن المبدع المحترف يصبح في طور العجزة والتقاعد ولا يجب أن ينافس. لماذا؟

العقل البشري لا يمكن أن ينتج إلا بعد الأربعين، ولا أن يبدع لونًا جديدا إلا بعد الخمسين ولا يمكن أن يجدد على ما سبق أو استوعب دروب الكتابة في العالم إلا بعد الستين.. وهذه السن عندنا يعني "خالص الصلاحية"!! هذه مشكلة..

المسابقات ذاتها لا تنتج إلا نصوصا "مرضاة خواطر". واضرب لك الأمثلة سواء في المسرح أو الرواية أو القصة والشعر تتجه الناس إلى "التيك توك" وليس إلى الأدب الحقيقي.

شاهدت مسرحية عربية فيها الكثير من الغرابة في الكتابة ولا أعرف كيف فازت بجائزة المركز الأول؟

وهناك رواية فازت بمسابقة كبرى أتمنى أن تستطيع أن تكمل قراءتها، ولا تمتلك عناصر الرواية، وتفتقد لكل الأسس الروائية ولا عرف كيف فازت؟

وكلمة لا بد منها إذا كنا على حريصين على تقدم الأمة علينا الانتباه إلى مسألة الإبداع الحقيقي، وإذا أردنا قياس تقدم الشعوب فإنه يكون بالثقافة والتقدم العلمي وبوجود المسرح الناضج الذي يعالج قضايا الناس، أقول هذا الكلام لكي أدلل على ما أوردته من محاور وعن ضرورة فسح المجال للأدب الحقيقي وعدم تبني ودعم ما هو فاسد ويسيء للمجتمع.

"نوبل" لا تصنع الأدباء

يقول الناقد التشكيلي والإعلامي سعد القاسم: هذا السؤال في الواقع ليس سؤال رأي، وإن كانت له مبرراته الواقعية، إذ كثيراً ما نسمع ونقرأ أقوالا لمثقفين، أو قريبين من الوسط الثقافي، ترد كل نجاح إلى جهة ما تقف خلف الكاتب، وأذكر أن صحفياً ثقافياً مغموراً عنون مادته الصحفية إثر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل بـ: "من عملق نجيب محفوظ؟" موحياً للقارئ - دون مرجع أو محاكمة عاقلة - أن نجيب محفوظ مجرد كاتب قليل الشأن، وأن الجائزة هي التي منحته أهميته. مما دفع بزميل له ليجيب على السؤال بالقول: (عملقته رواياته التي عرفتنا على شوارع القاهرة وأزقتها وحياة أبنائها). من المؤكد أن دوافع شتى تقف وراء منح الجوائز الأدبية، أو حجبها، كما هو حال (أدونيس) المرشح الدائم لجائزة نوبل – والذي يستحقها بجدارة – لكن هذا لا يعني أن نوبل هي من تصنع الأدباء. هكذا تفكير ينطبق عليه القوال الشهير عن وضع الحصان أمام العربة. فالأمر مع الروائي أو الشاعر يبدأ بالموهبة فتطوير الذات بتنمية المعرفة وابتكار الأسلوب وبالتالي معرفة الناس به على نطاق ما، وعلى هذا نال الجائزة شعراء وروائيون لا يلتقون مع التوجه السياسي لمانحي (نوبل) كالشاعر التشيلي بابلو نيرودا عام 1971، والروائي الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز عام 1982. حتى أن أعضاء لجنة الجائزة درسوا اللغة السنسكريتية ليقرؤوا أعمال الشاعر والروائي البنجالي روبندرونات طاغور قبل منحه الجائزة عام 1913. إذا عدنا إلى الثقافة العربية نجد بين أكثر الأدباء شهرة وانتشاراً فيها الشاعر نزار قباني، والروائي حنا مينة. وكلاهما - رغم أهميتها - لم ينالا هذه الجائزة، وكلاهما وصل إلى الشهرة والنجاح دون أن تكون خلفهما جهات داعمة (حكومية أو مجتمعية أو حزبية) وإنما جمهور ثقافي يشتري إصداراتهما التي هي بدورها إصدارات غير رسمية. والأمر ينطبق أيضًا على الكاتب والروائي أمين معلوف الذي سبق نجاحه وانتشاره كل جائزة نالها من جائزة الصداقة الفرنسية العربية عام 1986 إلى جائزة (نونينو) عام 1998، مروراً بجائزتي (بول فلات) عام 19987، وجائزة (جونكور) عام 1993. وسواهما. من المؤكد أن الجوائز الأدبية أعطيت لكتّاب وشعراء لا يستحقونها، أو كان هناك من أجدر منهم لنيلها. لكن حتى هؤلاء كانوا يمتلكون قدراً ما من الموهبة.

للتوضيح

ليس كل دعم موجه لأي كاتب أو كتاب قد يكون خطأ، أو محط نقد لأنه متحزب أو تحت راية ما، فحتمًا يحتاج هؤلاء إلى مد يد العون والمساعدة، بشرط أن يكون أدبا حقيقيا، ومثقفا حقيقيا، كي يستطيع أن يقدم للمجتمع ماهو مفيد بعيدا عن التوجهات غير المرغوب فيها لتمرير وجهات نظر أو نظريات ما، أو نشر أفكار منافية للأخلاق.

المتخندقون وراء مثل هذا الدعم وهم غير مؤهلين إبداعيا حتما سيكونون عالة على الثقافة بكل أشكالها ويشكلون تشويها متعمدا للذائقة الثقافية بشكل عام، وقد يحدث أن يكون إقصاء مثقف حقيقي من المشهد على حساب شبه مثقف مدعوما من هذه الجهة أو تلك.

لذلك نتمنى من الجهات القادرة على الدعم أن توجه دعمها للشخص الذي يستحق وللمكان الصحيح، لما فيه خير للثقافة بشكل عام حيث الخلود دائما للكلمة التي يكتبها المبدعون الحقيقون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الموهبة والإبداع الجهات الداعمة دور النشر أن یکون یمکن أن أن تکون لا یمکن من ذلک لیس کل

إقرأ أيضاً:

واحدة تكفي لتجنب الوفاة بأمراض القلب.. دراسة تكشف فوائد تناول البيض لدى كبار السن

في اكتشاف علمي جديد، توصلت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة موناش في أستراليا إلى أن تناول البيض بانتظام قد يسهم في تقليل خطر الوفيات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى كبار السن.

اعلان

وشملت الدراسة أكثر من 8700 شخص بالغ تبلغ أعمارهم 70 عامًا أو أكثر، حيث أظهرت النتائج أن تناول ما بين بيضة واحدة وست بيضات أسبوعيًا مرتبط بانخفاض خطر الوفاة لأي سبب بنسبة 15%، إضافة إلى تقليل خطر الوفيات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 29%، مقارنة بمن يتناولون البيض مرتين شهريًا أو أقل.

وفي سياق متصل، أكدت هولي وايلد، المحاضرة في علم الأوبئة والطب الوقائي بجامعة موناش، أن هذه النتائج قد تكون مفيدة في وضع إرشادات غذائية قائمة على الأدلة لكبار السن، خاصةً أن البيض يُعد مصدرًا غنيًا بالبروتين والعناصر الغذائية الأساسية، مثل فيتامينات ب، والفولات، والأحماض الدهنية غير المشبعة، والفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون، والكولين، بالإضافة إلى العديد من المعادن الضرورية لصحة الجسم.

تناول البيض يخفف خطر الإصابة بأمراض القلب

ولطالما أثيرت المخاوف حول استهلاك البيض بسبب تأثيره المحتمل على مستويات الكوليسترول، إذ أن ارتفاع هذه المادة في الدم قد يؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية، ما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية. إلا أن الدراسة الجديدة تقدم دليلًا يدحض هذه المخاوف إلى حد كبير، حيث كشفت أن تناول البيض باعتدال لا يزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية لدى كبار السن.

وبالتزامن مع ذلك، وسّع فريق البحث نطاق دراسته ليشمل الأفراد الذين يعانون من ارتفاع الكوليسترول المشخّص سريريًا، والمعروف باسم عسر شحميات الدم، لمعرفة ما إذا كان استهلاك البيض يؤثر على هذه الفئة تحديدًا.

البيض والقلب: دراسة تكشف سر تقليل خطر الوفيات القلبية

ووفقًا للنتائج، فقد تبيّن أن المشاركين الذين يعانون من عسر شحميات الدم والذين تناولوا البيض بانتظام شهدوا انخفاضًا في خطر الوفاة المرتبطة بأمراض القلب بنسبة 27%، مقارنة بنظرائهم الذين نادرًا ما تناولوا البيض أو لم يتناولوه إطلاقًا، مما يشير إلى أن وجود مشكلة ارتفاع الكوليسترول لا يلغي الفوائد المحتملة للبيض.

وفي ضوء هذه النتائج، قد يكون من الضروري إعادة النظر في التوصيات الغذائية المتعلقة باستهلاك البيض، لا سيما في ظل الدراسات السابقة التي أظهرت أن الأنظمة الغذائية المتوازنة الغنية بالعناصر الغذائية تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الصحة العامة وتقليل مخاطر الأمراض المزمنة.

Relatedدراسة: كيف تؤثر المواد البلاستيكية الدقيقة على صحة القلب؟دراسة: مستويات السكر في الدم مرتبطة بأمراض القلبدراسة: دواء "ويغوفي" للبدانة يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية

وفي الإطار ذاته، تختلف التوصيات الغذائية المتعلقة باستهلاك البيض بين الدول، إذ تشير مراجعة أجرتها جمعية القلب الأمريكية عام 2020 إلى أن الأفراد الأصحاء يمكنهم تناول ما يصل إلى سبع بيضات أسبوعيًا بأمان، وهو ما يتماشى مع نتائج الدراسة الحديثة.

ومع استمرار الأبحاث في هذا المجال، يظل الاعتدال والتوازن في النظام الغذائي المفتاح الأهم للحفاظ على صحة القلب، حيث يمكن للبيض أن يكون جزءًا من نظام غذائي صحي متكامل، لا سيما عندما يُستهلك ضمن سياق غذائي متوازن يراعي الاحتياجات الفردية والعوامل الصحية لكل شخص.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية البيض أولاً أم الدجاج؟ اكتشاف علمي يكشف الجواب النهائي لا تحارب السمنة فقط.. أدوية إنقاص الوزن قد تحدّ من مخاطر الإصابة بفشل القلب دراسة: عقار "ويغوفي" لعلاج السمنة يساعد على الوقاية من أمراض القلب حمية صحيةبيضصحة غذائيةأبحاث طبيةأمراض القلباعلاناخترنا لكيعرض الآنNextعاجل. حماس تفرج عن 3 إسرائيليين ورام الله تستقبل أول فوج من الأسرى المحررين ضمن عملية التبادل يعرض الآنNext شاهد لحظة تسليم حماس 3 رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر ضمن الدفعة الخامسة لصفقة التبادل يعرض الآنNext احتجاجات حاشدة في سلوفاكيا ضد مواقف رئيس الوزراء فيكو المؤيدة لروسيا يعرض الآنNext الأمن البلجيكي يعثر على 15 مهاجرًا داخل شاحنة تبريد لا تتجاوز حرارتها الدرجتين يعرض الآنNext دول البلطيق تنهي ارتباطها بشبكة الكهرباء الروسية لمنع موسكو من استعمال الطاقة كورقة ابتزاز اعلانالاكثر قراءة غزة.. دمارٌ وركامٌ ورياحٌ عاتية أجهزت على ما تبقى من ملاجئ وفاقمت معاناة النازحين جوائز غرامي 2025: إطلالة بيانكا سينسوري تثير الاستهجان وانتقادات لقبعة جادن سميث وكأنه دم.. نهر ساراندي قرب بوينس آيرس يتحول إلى اللون الأحمر ومخاوف من حدوث تلوث بريجيت ماكرون متحولة جنسيًا؟ ما سرّ استمرار الشائعات حول سيدة فرنسا الأولى ومن يقف وراءها؟ إطلالةٌ مذلة أم إثبات وجود؟ الجدل حول فستان بيانكا سينسوري العاري يكشف كواليس العلاقة مع كانييه ويست اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبإسرائيلقطاع غزةضحاياروسياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني شرطةاليابانالقانونطوفان الأقصىمحكمةأسلحةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • نبيل نقشبندي يسلط الضوء على عجز الكرة السعودية في صناعة المواهب.. فيديو
  • بدء محاكمة المتهم بمحاولة قتل الكاتب سلمان رشدي في نيويورك
  • مصطفي بيومي .. الإنسان قبل الكاتب
  • “ذا ماركر”: لا ميزانية تكفي نتنياهو لاستئناف الحرب على غزة
  • محكمة حوثية تمدد حبس الكاتب الصحفي محمد المياحي
  • قافلة المرأة والثقافة والإبداع تنطلق من قصر ثقافة العريش بشمال سيناء
  • الفتلاوي تخاطب رئيس الجمهورية: غرامات شركة ابنك تكفي لرواتب الاقليم
  • المدينة الثقافية في عيون الكُتّاب والأكاديميين: فضاء إنساني للتنوع والإبداع
  • حديث البرهان يشعل الساحة السياسية
  • واحدة تكفي لتجنب الوفاة بأمراض القلب.. دراسة تكشف فوائد تناول البيض لدى كبار السن