ما دور الجهات الداعمة في شهرة الكاتب والكتاب؟ ومن يحتاج الآخر أكثر؟

يحفل التاريخ الثقافي بكثير من سير الأدباء، وأسرار حياتهم الشخصية، وما يعنينا منها في هذا التحقيق الثقافي سؤال: كيف استطاع كثير من الأدباء أن يثبتوا كفاءتهم ويتلمسوا طريق الشهرة، ويصلوا بأصواتهم لأبعد مكان يريدون، وكيف حققوا الفائدة من مهنتهم في الكتابة، ومن ساعدهم بذلك؟

ولماذا لم يصل غيرهم إلى هذا السقف من الانتشار، ويحققون ما يطمحون له، وعاشوا في الظل، طبعا مع وجود استثناءات قليلة جدا استطاعت أن تبني نفسها بنفسها بالجد والتعب.

الموضوع ليس تقليلا من كفاءة أحد من المبدعين في المجالات الثقافية أبداً، ولكن للدلالة على الموضوع بشكل أوسع لا بد من القول أن كثيرا من الأدباء كانت وراءهم أحزاب أو هيئات أو حكومات أو دور نشر، ويمكن أيضا القول بشكل ألطف، وجود رعاة لهم استطاعوا أن يصلوا بهم، وبموهبتهم حيث الشهرة وحيث المكانة المرموقة، وربما حيث الجوائز.

الأمثلة كثيرة

كي لا أدخل في معترك تعداد الأسماء وما يمكن أن يحدث من جدل حولها، فلا بد من الإشارة إلى أن أحزاب كثر في مصر والعراق والأردن ولبنان وسوريا ودول أخرى تبنّت أدباء، أو انتسب إلى صفوفها بعض المثقفين، نظرا لشيوعها وحضورها الفاعل في الساحة، وربما كان أحد الطرفين يحتاج للآخر كي يصل بصيته وصوته لأوسع شريحة ممكنة ويكون نافذاً ويحرك المياه الراكدة.

وقسْ على هذا بعض الحكومات التي تبنت أصوات أدبية، ودور نشر استفادت وأفادت الكتاب، وهذه العلاقة كما أسلفنا موضوع جدلي حتى بين المثقفين أنفسهم، فيقال هذا صنيع الحزب كذا، وذاك شاعر كذا..وهذا ينقد لمصلحة هذه الجهة أو غيرها..

هذه العلاقة الضاربة في عمق التاريخ الثقافي وليست وليدة اليوم، ولا زالت ممتدة، وهناك من يبحث عن مظلة تكون حامية لإبداعه وناشرة له كونه لا يجيد تسويق نفسه، مع أنه يمتلك الكفاءة الإبداعية.

وفي المقابل، يوجد أنصاف مثقفين، وأنصاف أدباء، وربما أقل من ذلك، وجدوا في مثل هذه البيئة الحاضنة مجال للشهرة والبروز، وعرفوا كيف يستثمرون وجودهم كي يبقوا في المشهد الثقافي، كواجهة غير فاعلة.

المشهد السوري

حملتُ أسئلتي وتوجهتُ بها لعدد من المثقفين والموجودين في الوسط الثقافي السوري للحصول على إجابات صريحة، فما يحصل هناك يحصل هنا، وهذا أمر شائع، البعض رحّب، والبعض أجاب بدبلوماسية والبعض تحدث بشفافية، وهناك من تملص من الإجابة بحجج واهية.

محاور هذه المادة هي: هل تكفي الموهبة والإبداع كي يحقق الكاتب الشهرة والظهور والفائدة من عمله الثقافي؟

وهل يجب أن يكون وراء كل كاتب معروف جهة داعمة له؟.

وهل تقف جهات داعمة وراء كل كاتب مشهور..مثل "جهات حكومية أو هيئات أو أحزاب أو دور نشر وغيرها"؟

تعالوا نتابع ماذا قال ضيوفنا:

الموهبة وحدها لا تكفي

الروائي د.حسن حميد قال: سؤالك جميل، ومركب، ومهم، ليس في هذا الوقت بل في كل الأوقات، أحياناً تكفي الموهبة، ويكفي ما يمتلكه الكاتب من روح الإبداع لكي يكون مشهوراً، وظاهراً ومعروفاً في وسطه الاجتماعي أو في بلده، وقد كان ذلك يحدث في الماضي، أما اليوم فما عادت الموهبة وحدها ولا ما يمتلكه من روح الإبداع كافيين لكي يكون الكاتب مشهوراً ومعروفاً على مستوى بلده أو العالم، ذلك لأن ضروريات الشهرة باتت كثيرة ومتطلبة.

الشهرة اليوم تحتاج إلى عزوم كثيرة أهمها: الموهبة والثقافة، وروح الإبداع، والتجربة، والحظ الكبير، والظروف المواتية، والعلاقات العامة، ثم الابتعاد عن الشغب، وتفادي ما لا يرغب به أصحاب دور النشر، والترجمة، والجوائز، وأهل السياسات الخفية.

وكل هذا يشكل جواباً عن الحالات العادية للكُتّاب، أما الحالات غير العادية فهي الأخطر حين يكون الكاتب صاحب قضية أو حلم، ويريد الدفاع عن هذه القضية أو بيانها وشرحها، أو السعي لتحقيق حلمه، ويكون في الطرف المقابل من يناهضون هذه القضية أو ذلك الحلم، أي أنه يكتب عن ما يراه عدلاً وحقاً وخيراً وجمالاً، والآخرون الأقوياء "بالإعلام والمال والسياسة والجوائز والترجمة" يرون في كتابته عنصرية وتحيزاً وباطلاً وشراً وقبحاً.

خذ مثلا محمود درويش، وتساءل: لماذا لم ينل الشهرة العالمية، ومثله أدونيس، وجبرا إبراهيم جبرا، كالشهرة التي نالها الطاهر بن جلون..؟!

في ظني ليس من الواجب أن يكون وراء الكاتب جهة داعمة حتى ينال الشهرة، هنا سيهبط التحيز هبوطاً مظلياً، وهذا الهبوط لا يخلو من الفظاظة والجلافة والباطل، فأنا أقدر الكاتب الروسي "شولوخوف" صاحب رواية "الدون الهادئ" ولكن تقديري لموهبته امّحى حين عرفت أن الاتحاد السوفييتي وقف داعماً ومرشحاً له ليفوز بجائزة نوبل، والحال في أيامنا هذه هي كذلك، بعض وزارات الثقافة العربية يطلب إليها ترشيح كاتب أو أديب أو شاعر لنيل جائزة ما، فترشح من لا يستحق، فتستحق هي الخيبة في معظم الأحيان.

الجهات والهيئات والأحزاب حين تدعم كاتبا لا يستحق، لا تسقط هي فقط، بل يسقط المعيار، ويسقط جمال الحق.

والأوفى والأجمل والأنبل هو أن ينال الشهرة من اكتملت موهبته فأدهشت، أي الموهوب الذي تعب على نفسه واجتهد في صقل ثقافته، والموهوب الذي اشتق وافترع الدروب والأساليب الجديدة ليقول حلمه الإنساني، عندئذ، وإن دعمته هيئة أو جهة يكون الدعم تصفيقاً صادقاً لموهبته ورؤاه، والشاهد القديم هنا عمنا المتنبي، والشاهد الحديث هنا أيضاً، العم ماركيز، أما مثال حرمان الموهوب جداً من التقدير/ الجوائز فهو اليوناني المدهش كازنتزاكي.

الجهات الداعمة موجودة في كل مكان

الكاتبة والناقدة فدوى العبود قالت: هذا سؤال مركب، لقد وضعتَ في سلة واحدة الأشياء التي لا تجتمع عادة في مهنة الأدب. الموهبة والظهور والفائدة، ولنفنّدها معاً، فالموهبة نسيج ذاتها وهي لا تتوسل، إنها تظهر كالنبتة البرية في الروح، أو لنقل الزهور النادرة التي كان يبحث عنها أجدادنا لعلاج أحدهم. كما أنها لا تستمد قوتها مما يقال، بل قد تعمل في كثير من الأحيان عكس التيار. حتى لو بدا ما حولك وكأنه يتقدم فإن الموهبة الحقيقية تستطيع التقاط الخلل إنها على صلة كبيرة بالبصيرة والحدس.

ولننتقل إلى الظهور، وهو يعتمد في وجوده على الآخرين، إنه نَهِم، كما أنه بخيل في عطائه لعل أهم ما يفتقر إليه هو البصيرة، لذلك يحاول الظهور أن يوائم نفسه مع توقعات الآخرين، في سنوات دراستي الجامعية الأولى كان لدي صديق يردد: حب الظهور يقصم الظهور. لاحقا عرفت أن الرغبة بالظهور قد تلتهم الراغب والمرغوب به.

أما الفائدة، فالتاريخ يعطيك الجواب؛ أهم الكتاب ماتوا فقراء ومعوزين.

وتابعت فدوى قائلة: حول المحور الثاني، قد أبدو عتيقة الطراز لكن ما معنى أن أكون كاتبة إن لم يكن لدي رؤيا أو حدس في مجالي! الجهات الداعمة توجد في كل مكان، في التجارة والشلليّة وفي المؤسسات الثقافية ودور النشر، لكن من ستدعم؟

دعنا نحدد ما نريد قوله، ولنعطي الأشياء اسماً كي نستطيع التحدث حولها. هل ستدعم الكاتب أم الكتاب؟

إذ كانت ستدعم الكتاب فهذا جيد، ولكن لا يجدر بها أن تكون أكثر من إشارة كتلك العلامات التي نجدها في الحدائق العامة والتي ترشدنا إلى الطريق. إذا كانت ستدفع الكاتب كمن يدفع مشلولاً. فهذا مضر بالأخير لأنه قد يجني نقوداً وحفلات تصوير لا أقل ولا أكثر. وبعد انتهاء الحفلة سيغادر الجميع تعساء: الكاتب والقارئ والكتاب.

أما المحور الأخير فقد أحببت ما ينطوي عليه من مضامين، لا مجال لتحليلها الآن لالتزامي بعدد الكلمات. وها أنا أصعّب الأمر على نفسي.

الأحزاب ودور النشر والهيئات الأممّية والمنظمات الحكومية. كل هؤلاء يريدون أن ينتشروا أن يفرضوا رؤاهم وتوجهاتهم على البشر. (هل رأيت شجرة سرو تطلب من صنوبرة أن تصبح شجرة سرو!)

"الإنسان يفعل ذلك" لكن السؤال الآن لدى الكاتب وهو وحده الذي يستطيع أن يجيبنا عليه.

أن وافقت رؤاه رؤى الحزب أو المنظمة فهذا يعني أنه كاتب منظمات، على القياس وقد ذكرني سؤالك بخياط الحي الذي كان يخيط لنا مرايل المدرسة، وكنا بمجرد ارتدائها نصبح متشابهين حدّ أن أحدنا لا يتعرف إلى نفسه، كانت لديه قصّة واحدة بالرغم من اختلاف أجسادنا فقد كان بيننا البدين والنحيل وغيره.

الكتابة حوار مع العالم، سؤال يطرحه الإنسان وهو يشتبك مع الآخرين، لذلك البوصلة الحقيقة هي القارئ وأنا أثق بالأخير، وهذا ليس تفاؤلا ساذجاً من ذلك النوع الذي يقول فيه أحدهم أبنائي لن يتخلّوا عني. لا. هذا منطق الأمور والحياة. فالقارئ إنسان يبحث عن ذاته وتحققّه. ولا يمكن لكاتب منظمات أو (الكاتب الخيّاط) أن يساعده، نحن هنا لنساعد أنفسنا وفي هذا يحدث أن نساعد آخرين.

ختاماً: "في البدء كانت الكلمة، وليس أي كلمة"

ليس كل مشهور مبدعا

الإعلامي عبد الفتاح العوض رئيس تحرير صاحبة الجلالة: الإبداع يعبر عن نفسه، والمبدعون الحقيقيون تعلن إبداعاتهم عنهم، أما شهرة المبدع فهي مرتبطة بالزمان والمكان وبالجهة والأشخاص والإعلام، وبوسائل التواصل الاجتماعي التي تدعم أفكار المبدع، وأقول باختصار وبكلمة واضحة، ليس كل مبدع مشهورا، وليس كل مشهور مبدعا، وخاصة مع ازدياد تأثير وسائل الإعلام وقدرة بعض الدول والشركات على السيطرة على خوارزميات الانتشار، من الواضح أن هناك تشجيعا وتمريرا لبعض الأفكار، وبالمقابل هناك حد ومنع من انتشار أفكار أخرى، لكن مع كل هذا فإن إبداع المبدع كفيل في وقت ما على أن يظهر على العلن حتى لو تأخر به الزمن.

الإبداع مثل نور الشمس ينتشر في كل الأرجاء رغم مرور الوقت، وتغيب فيه الشمس إلا أن المبدع يستطيع أن يضيء في أفكاره من أن يؤهله.

توجد جهات داعمة

يقول الشاعر توفيق أحمد: الموهبة والإبداع لا تكفي لتحقيق الشهرة والظهور لكنها بالتأكيد ضرورية جداً، لكن تحتاج الموهبة والإبداع لعناصر أخرى مكملة تلقي الضوء على الموهبة بمصداقية أولاً وإمكانيات واسعة للتسويق، والتسويق أحد أهم علوم العصر، قضية أن يكون وراء كل كاتب معروف جهة داعمة له؟، بصراحة بحقيقة رسالة الشعر الحضارية والأخلاقية والإنسانية ليس مهماً أن تكون هناك جهة داعمة، ولكن ما شهدناه في بعض الساحات الثقافية العربية أو الأجنبية خلال المائة سنة الماضية أنه كان هناك جهات داعمة وجهات أيديولوجية وطبعا سياسية وحزبية ودينية أيضا؛ أنا لست مع دعم كل هذه الجهات طالما هناك إبداع إنساني عالٍ شاسع واسع غير متخندق، صالح وغير متطرف، وغير معادٍ لأي حالة إنسانية على الإطلاق؛ الجهات الحكومية أو الهيئات أو دور النشر طبعا هناك الكثير من هذا يحصل كما حصل مع أمير الشعراء أحمد شوقي باعتباره شاعر الملك وشاعر القصر ولكن بنفس الوقت شوقي شاعر كبير استطاع القصر أن يعممه أكثر ويرسله إلى أنحاء العالم الواسعة "طبعا دون الانتقاص أبدا أو التقليل من كفاءة وإبداع شوقي الأدبية" نتحدث هنا كما سألتني عن الجهات الداعمة للمبدعين.

أما عن دور النشر قد تكون أقوى الجهات لتسويق المبدع لأن دور النشر جهة معنية جدا تجاريا أولاً ثم إبداعياً ثانياً.

الدعم مطلوب

الأديب والمسرحي داود أبو شقرة يقول: الموهبة شيء أساسي في الإبداع، وهي الأساس لكل إبداع ولكن إذا طبقنا هذا في الوطن العربي فإننا لن نجدها كما يجب أن تكون.

الموهبة موجودة لدى الكثير من الأدباء والفنانين والتشكيلين والمسرحيين لكن هذه الموهبة نجدها تُحارب في أغلب الأحيان، وهم بالمرصاد ومحط استهداف من قبل الذين تسلقوا على مقدرات ربما ليسوا أهلاً لها على كل حال، الموهبة إذا أضيفت إلى التجربة ربما تعطي الكاتب على المدى البعيد مساحة، وربما ينتبه إليه النقد وأخذ الفرصة وربما انقضى العمر وفارق الحياة.

الإبداع يحتاج إلى النقد الموضوعي الذي يعزل العاطفة ويكون أباً روحيا للإبداع، وليس ذلك النقد الذي يتمثل في مجالين إما مداح أو قداح بحسب وجهة نظر الناقد إلى المبدع.. تلك مسألة عويصة ليس في سوريا فحسب بل في أماكن كثيرة وعندما يتسلل رجل غير كفؤ إلى مكان مهم فإنه يحارب الإبداع ويمنح الفرصة لمن هم دون ذلك.

وتأسيساً على ما سبق إن الموهبة والإبداع وحدهما لا يمكن أن يحقق الكاتب من خلالهما ظهوراً وشهرة وفائدة من عمله الثقافي. ولعلك تتساءل لماذا؟ لأنه جزء من السؤال المطروح، إذا لم يكن وراء هذا الكاتب جهة داعمة له إن كانت حكومية أو حزبية أو حتى مؤسسات اقتصادية فانه لن يظهر لأنه لن يجد طريقه إلى الإعلام ولا الإعلان ولا إلى دور النشر؛ لأن كثيرا من المبدعين لا يستطيعون أن ينشروا نتاجهم الثقافي؛ لأنهم يفتقدون للمال لنشرها، والأنكى من ذلك أن المسابقات التي تجري وأنا لاحظت ذلك وطرحته حتى في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب، إن المسابقات التي تجري لجان التحكيم فيها ليست منتقاة بعناية، وحتى لو كانت كذلك فهي تميل إلى مرضاة الخواطر، والأهم من ذلك أنها تتوجه إلى من أعمارهم دون الخامسة والثلاثين، وكأن المبدع المحترف يصبح في طور العجزة والتقاعد ولا يجب أن ينافس. لماذا؟

العقل البشري لا يمكن أن ينتج إلا بعد الأربعين، ولا أن يبدع لونًا جديدا إلا بعد الخمسين ولا يمكن أن يجدد على ما سبق أو استوعب دروب الكتابة في العالم إلا بعد الستين.. وهذه السن عندنا يعني "خالص الصلاحية"!! هذه مشكلة..

المسابقات ذاتها لا تنتج إلا نصوصا "مرضاة خواطر". واضرب لك الأمثلة سواء في المسرح أو الرواية أو القصة والشعر تتجه الناس إلى "التيك توك" وليس إلى الأدب الحقيقي.

شاهدت مسرحية عربية فيها الكثير من الغرابة في الكتابة ولا أعرف كيف فازت بجائزة المركز الأول؟

وهناك رواية فازت بمسابقة كبرى أتمنى أن تستطيع أن تكمل قراءتها، ولا تمتلك عناصر الرواية، وتفتقد لكل الأسس الروائية ولا عرف كيف فازت؟

وكلمة لا بد منها إذا كنا على حريصين على تقدم الأمة علينا الانتباه إلى مسألة الإبداع الحقيقي، وإذا أردنا قياس تقدم الشعوب فإنه يكون بالثقافة والتقدم العلمي وبوجود المسرح الناضج الذي يعالج قضايا الناس، أقول هذا الكلام لكي أدلل على ما أوردته من محاور وعن ضرورة فسح المجال للأدب الحقيقي وعدم تبني ودعم ما هو فاسد ويسيء للمجتمع.

"نوبل" لا تصنع الأدباء

يقول الناقد التشكيلي والإعلامي سعد القاسم: هذا السؤال في الواقع ليس سؤال رأي، وإن كانت له مبرراته الواقعية، إذ كثيراً ما نسمع ونقرأ أقوالا لمثقفين، أو قريبين من الوسط الثقافي، ترد كل نجاح إلى جهة ما تقف خلف الكاتب، وأذكر أن صحفياً ثقافياً مغموراً عنون مادته الصحفية إثر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل بـ: "من عملق نجيب محفوظ؟" موحياً للقارئ - دون مرجع أو محاكمة عاقلة - أن نجيب محفوظ مجرد كاتب قليل الشأن، وأن الجائزة هي التي منحته أهميته. مما دفع بزميل له ليجيب على السؤال بالقول: (عملقته رواياته التي عرفتنا على شوارع القاهرة وأزقتها وحياة أبنائها). من المؤكد أن دوافع شتى تقف وراء منح الجوائز الأدبية، أو حجبها، كما هو حال (أدونيس) المرشح الدائم لجائزة نوبل – والذي يستحقها بجدارة – لكن هذا لا يعني أن نوبل هي من تصنع الأدباء. هكذا تفكير ينطبق عليه القوال الشهير عن وضع الحصان أمام العربة. فالأمر مع الروائي أو الشاعر يبدأ بالموهبة فتطوير الذات بتنمية المعرفة وابتكار الأسلوب وبالتالي معرفة الناس به على نطاق ما، وعلى هذا نال الجائزة شعراء وروائيون لا يلتقون مع التوجه السياسي لمانحي (نوبل) كالشاعر التشيلي بابلو نيرودا عام 1971، والروائي الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز عام 1982. حتى أن أعضاء لجنة الجائزة درسوا اللغة السنسكريتية ليقرؤوا أعمال الشاعر والروائي البنجالي روبندرونات طاغور قبل منحه الجائزة عام 1913. إذا عدنا إلى الثقافة العربية نجد بين أكثر الأدباء شهرة وانتشاراً فيها الشاعر نزار قباني، والروائي حنا مينة. وكلاهما - رغم أهميتها - لم ينالا هذه الجائزة، وكلاهما وصل إلى الشهرة والنجاح دون أن تكون خلفهما جهات داعمة (حكومية أو مجتمعية أو حزبية) وإنما جمهور ثقافي يشتري إصداراتهما التي هي بدورها إصدارات غير رسمية. والأمر ينطبق أيضًا على الكاتب والروائي أمين معلوف الذي سبق نجاحه وانتشاره كل جائزة نالها من جائزة الصداقة الفرنسية العربية عام 1986 إلى جائزة (نونينو) عام 1998، مروراً بجائزتي (بول فلات) عام 19987، وجائزة (جونكور) عام 1993. وسواهما. من المؤكد أن الجوائز الأدبية أعطيت لكتّاب وشعراء لا يستحقونها، أو كان هناك من أجدر منهم لنيلها. لكن حتى هؤلاء كانوا يمتلكون قدراً ما من الموهبة.

للتوضيح

ليس كل دعم موجه لأي كاتب أو كتاب قد يكون خطأ، أو محط نقد لأنه متحزب أو تحت راية ما، فحتمًا يحتاج هؤلاء إلى مد يد العون والمساعدة، بشرط أن يكون أدبا حقيقيا، ومثقفا حقيقيا، كي يستطيع أن يقدم للمجتمع ماهو مفيد بعيدا عن التوجهات غير المرغوب فيها لتمرير وجهات نظر أو نظريات ما، أو نشر أفكار منافية للأخلاق.

المتخندقون وراء مثل هذا الدعم وهم غير مؤهلين إبداعيا حتما سيكونون عالة على الثقافة بكل أشكالها ويشكلون تشويها متعمدا للذائقة الثقافية بشكل عام، وقد يحدث أن يكون إقصاء مثقف حقيقي من المشهد على حساب شبه مثقف مدعوما من هذه الجهة أو تلك.

لذلك نتمنى من الجهات القادرة على الدعم أن توجه دعمها للشخص الذي يستحق وللمكان الصحيح، لما فيه خير للثقافة بشكل عام حيث الخلود دائما للكلمة التي يكتبها المبدعون الحقيقون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الموهبة والإبداع الجهات الداعمة دور النشر أن یکون یمکن أن أن تکون لا یمکن من ذلک لیس کل

إقرأ أيضاً:

مصر تحتفي باليوم العالمي للفن.. فعاليات كبرى تجسد الجمال والإبداع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تُطلق وزارة الثقافة سلسلة من الفعاليات الفنية والثقافية الكبرى تحت شعار "الاحتفاء بالجمال والإبداع والتنوع الثقافي"، تأكيدًا على دور الفن في تشكيل الوعي وبناء الإنسان، وترسيخًا لرؤية الدولة بتمكين الفنون وجعل الثقافة متاحة للجميع، في كل أنحاء الجمهورية.

وأكد الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، أن هذا اليوم يُعد فرصة ذهبية لتسليط الضوء على أهمية الفنون في حياة الشعوب، مشيرًا إلى أن الفن، عبر العصور، كان ولا يزال رمزًا للسلام والجمال والتعبير عن آمال الناس وتطلعاتهم، وقال:

"نحتفل اليوم بإرث حضاري وفني ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، من الفنون المصرية القديمة إلى الإبداع المعاصر، ويأتي هذا الاحتفال تأكيدًا على التزام الدولة بتعزيز الثقافة والفنون كأحد أهم محاور التنمية المستدامة، وانعكاسًا لرؤية القيادة السياسية في دعم الإبداع والمبدعين".

المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.. تاريخ يُفتح على مصراعيه

يُشارك المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، برئاسة المخرج عادل حسان، في هذه الاحتفالات من خلال برنامج فني شامل يُقام في القاعة الرئيسية لمتحف المركز، مساء الثلاثاء 15 أبريل. ويشمل البرنامج فتح أبواب "متحف رواد الفن" أمام الجمهور بشكل استثنائي طوال اليوم، ليطّلع الزوار على مقتنيات نادرة تؤرخ لتاريخ الفنون المسرحية والموسيقية في مصر.

ويُقدّم المركز حفلًا موسيقيًا بعنوان "صولوهات" من أداء فرقته الموسيقية، إلى جانب عرض فيلم وثائقي عن فنان الشعب سيد درويش، يوثق مسيرته الفنية وإرثه الموسيقي الخالد. ويُختتم البرنامج بفقرة موسيقية تحمل عنوان "تريو موسيقى الحجرة"، يقدمها نخبة من العازفين المتميزين: كريم عافية (فلوت)، مصطفى سعيد (كلارينت)، وعمرو صبحي (تشيللو)، في أداءٍ يعكس جماليات التناغم الثقافي والفني.

 

قصور الثقافة.. الفنون تطرق أبواب المحافظات

الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، تُطلق بدورها فعاليات متنوعة تشمل ورشًا تعليمية وأنشطة فنية في فروعها بالمحافظات، بهدف تمكين المواطنين، لا سيما الشباب، من أدوات التعبير الفني وتنمية مواهبهم.

وتشهد مدينة الشلاتين انطلاق مبادرة "مصر جميلة" بالتزامن مع معرض الشلاتين الثاني للكتاب، في تجربة ثقافية شاملة تستمر حتى 17 أبريل، وتتضمن ورشًا فنية وأدبية وموسيقية لاكتشاف الطاقات الإبداعية في المناطق الحدودية والنائية.

وفي الإسكندرية، يُعرض على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي العمل المسرحي "لعبة النهاية"، في تجربة وجودية وفكرية ضمن أنشطة نوادي المسرح وأيام الثقافة بالمحافظة.

فرسان الشرق.. عودة الروح على خشبة الجمهورية

تُشارك فرقة "فرسان الشرق" للفنون الاستعراضية، التابعة لدار الأوبرا المصرية، بعرضها المسرحي الجديد "رماد من زمن الفتوة"، من تصميم وإخراج الفنانة كريمة بدير، والذي يُعرض على مسرح الجمهورية لمدة ثلاثة أيام (15-17 أبريل) في تمام الثامنة مساءً. ويأتي العرض في إطار تقديم قراءة بصرية مدهشة لعوالم الفتوة الشعبية وما تحمله من صراعات بين القوة والكرامة والهوية.

ترينالي الجرافيك.. مصر تستعيد زخمها الدولي بعد 19 عامًا

تحت شعار "التواصل وتخطي الحواجز"، يُفتتح وزير الثقافة فعاليات "ترينالي مصر الدولي السادس للطبعة الفنية (الجرافيك)"، في الخامسة مساءً، بقصر الفنون بساحة دار الأوبرا المصرية. الحدث الذي يعود بعد غياب دام 19 عامًا، يشهد مشاركة أكثر من 200 فنان يمثلون 33 دولة، ويقدمون نحو 350 عملًا فنيًا متنوعًا.

يفتح قطاع الفنون التشكيلية جميع المتاحف الفنية التابعة له مجانًا أمام الجمهور طوال يوم 15 أبريل، دعمًا للثقافة البصرية وتحقيقًا لمبدأ العدالة الثقافية، بحسب ما أعلنه الدكتور وليد قانوش، رئيس القطاع.

تُختتم فعاليات "مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة" الذي تنظمه أكاديمية الفنون، برئاسة الدكتورة غادة جبارة، في إطار الاحتفال باليوم العالمي للفن، بعد تقديم مجموعة من العروض المسرحية التجريبية المبتكرة، التي عكست قدرات طلبة الأكاديمية وشباب المسرحيين على تجاوز الأنماط التقليدية والتعبير بلغة مسرحية معاصرة.

ويُذكر أن منظمة اليونسكو كانت قد اعتمدت تاريخ 15 أبريل، الذي يوافق ميلاد الفنان العالمي ليوناردو دافنشي، يومًا عالميًا للفن، لتكريم الإبداع وتعزيز التربية الفنية، ورفع الوعي بالتنوع الثقافي وحرية التعبير، وهي الأهداف ذاتها التي تتبناها مصر في استراتيجيتها الثقافية الحديثة.

ومن خلال هذه الفعاليات، تؤكد وزارة الثقافة أن الفن في مصر ليس مجرد نشاط نخبوي، بل رافعة للوعي الجماهيري، وجسر للتواصل المجتمعي، ومحور أساسي في مسار التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • اللبناني عزيز عبده أول فنان عربي يقدم موسيقى الأمابيانو في كليب «عالم تاني»
  • هيفاء وهبي تستعد لطرح أغنيتها الجديدة "بس"
  • هل قراءة سورة البقرة والملك في اليوم تكفي؟ .. الإفتاء ترد
  • المجلس الرئاسي يصدر بياناً حول ما تشهده الساحة السياسية من تصعيد
  • السيسي يشيد بالدور الفاعل للجالية المصرية في دعم مسيرة التنمية بالكويت
  • الفنانة غادة طلعت: الصحافة والفن مهنتان تعتمدان على الموهبة في المقام الأول
  • وفاة الكاتب ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب
  • الموت يُغيب الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا
  • «ينافس إش إش».. الكاتب محمد صلاح عزب يسخر من إطلالة محمد رمضان
  • مصر تحتفي باليوم العالمي للفن.. فعاليات كبرى تجسد الجمال والإبداع