خطيب المسجد الحرام: نصوص القرآن وأحاديث الرسول حثت على الفضائلِ ورهبت من الرذائلِ
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
قال الشيخ الدكتور ياسر الدوسري، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن نصوص الوحيين حثت ورغَّبتْ في الفضائلِ، وحذَّرت ورهَّبت منَ الرذائلِ، فالشريعةُ اشتملتْ على أنْفَسِ الأعلاقِ، في الآدابِ والأخلاقِ، ما بينَ تأديبٍ وتربيةٍ، وتهذيبٍ وترقيةٍ.
نصوص الوحيينوأوضح “ الدوسري” خلال خطبة الجمعة الأولى من جمادي الآخر من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن جِماعُ ذلكَ كلّه قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».
وتابع : ورداء تجمَّلَ بهِ الأتقياء الحُنفاء، هي أساسٌ مِنْ أُسسِ الإسلامِ، وركيزةٌ مِنْ ركائزِ الإيمانِ ، ومظهرٌ مِنْ مظاهرِ الإحسانِ، بها تُنَالُ الدرجاتُ العَليَّةُ، والمَقَامَاتُ السَّنِيةُ، وجوارُ خيرِ البريَّةِ.
وأوصى المسلمين بتقوى الله عز وجل فإنَّها خيرُ ما تتزوَّدُونَ، وأرْجَى مَا تَدَّخِرُونَ، وهي النَّجاةُ ممَّا تَحذَرُونَ، وبهَا تُرزقُون مِنْ حيثُ لا تحتسبونَ، مشيرًا إلى أن الله تعالى منَّ على نبيهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بكمالِ العقلِ، والرأيَّ الجَزْلِ، والكلامِ الفَصْلِ، وزيَّنَهُ بالأعمالِ الصالحةِ، والأخلاق الكاملة.
وأضاف أنه تعالى أثنَى عليهِ بقولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، تَقُولُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَمَا سُئِلَت: كَيْفَ كَانَ خُلُق النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواهُ أحمد.
له من الأخلاقِ أكملهاواستطرد: فكانَ لهُ منَ الأخلاقِ أكملُها وأجلُّها، وحازَ في كلِّ خَصلةٍ منها المقامَ الأعلى، والمنزلةَ الأسمى، فبلغَ قِمةَ الكمالِ الإنساني، وغايةَ النُّبْلِ البشري، لافتًا إلى أن حُسن الخُلقِ يُمْن، وسُوءه شُؤْمٌ.
وأشار إلى أن أحسنُ الأخلاقِ ما جمَّلَ صاحبَها وَزَانَ، وأرذلُهَا ما دنَّسَهُ وَشَأنَ، ولا يقتصِرُ حُسنُ الخُلقِ على طلاقةِ الوجه وطِيب الكلامِ، بل هو أوسعُ في شريعةِ الإسلامِ.
وأفاد بأنه يشملُ بذلَ النَّدَى، وكَفَّ الأذَى، وفِعلَ الأوامرِ والفضائلِ، واجتنابَ النَّواهي والرذائلِ، مبينًا أنَّ مِنَ الأخلاقِ مَا يكونُ في الإنسانِ جِبلِّيًا، ومنهَا مَا يكونُ مُكتسبًا، والناس في ذلكَ متفاوتونَ.
تظهر بالاختيارونبه إلى أن الأخلاقُ غرائزُ كامنة، تظهر بالاختيارِ، وتُقهرُ بالاضطرارِ فالعلمُ بالتَّعلُّمِ، والحِلْمُ بالتَّحلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخيرَ يُعطَهُ، ومَنْ يتوقَّ الشرَّ يُوقَهُ، ومَا أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا مِنْ خُلقٍ حَسنٍ يَدُلُّهُ على الصلاحِ والتُّقى، ويردَعُهُ عنِ الفسادِ والرَّدى.
وبين أن مَن طلبَ الأخلاقَ مُخلصًا لربِهِ الأعلَى، مُتبعًا لسنةِ النبيِّ المُصطفى، سعِدَ في الدارين ونالَ الجزاءَ الأَوفى، موضحًا أن نظريةَ الأخلاقِ في الإسلامِ تقومُ على أساسٍ عَقائدي، وهي منهجٌ متكاملٌ، يطَّردُ باستقامةٍ واتزانٍ، وجمال وثبات لا يتغيَّرُ بتغيُّرِ الزمانِ والمكانِ.
يشملُ أحوالَ المسلمِونوه بأنه يشملُ أحوالَ المسلمِ كلَّها، صغيرَهَا وكبيرَهَا، دقيقَهَا وجليلَهَا، وكلُّ أمرٍ بالتقوى فالأخلاقُ بريدُهَا، فهمَا مُتلازمان لا ينفكَّان، والوصية بهما صِنْوان، ولذا كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كثيرًا مَا يجمعُ بينهُمَا في وصايَاه، وذلكَ مِنْ سُنته وهُدَاه.
واستشهد بما ورد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه أحمد، منوهًا بأن مِنْ تقوى اللهِ تعالَى أنَّ النَّفسَ الشَّريفةَ تطلُبُ الصِّيانةَ، وتراعي النَّزاهةَ.
ولفت إلى أن النَّزاهَةُ خُلُقٌ ثَمِينٌ، وَمَعْدِنٌ أصيلٌ، تُثْمِرُ الوَرَعَ، وَتَدفعُ الطمعَ، وتُنمِّي التَّقْوَى والنَّزاهةُ تُقاسُ بالدِّيانةِ والصدقِ والعدلِ، وحفظِ الوقتِ والجدِّ في العملِ، مع الأخذِ بالأمانةِ، والاهتِمامِ بالمصلحةِ العامَّةِ.
تضمحل الأمانةُوأردف: وحينَ تَضعف الديانة تضمحل الأمانةُ وتشيعُ الخيانةُ، ويدبُّ الفسادُ، فتصدأُ الضمائرُ ويَكثُرُ العقوقُ، وتُباع الذمم وتستباح الحقوق، مؤكدًا أن الشريعة حذرت من الفسادِ بكلِّ صورِهِ وأشكالِهِ.
ونبه إلى أن كلُّ انحرافٍ عمَّا وُضِعتْ لهُ الوظيفة فهو فسادٌ وخيانةٌ وجريمةٌ، وهو مُخالفةٌ للأحكام الشرعيَّةِ، والقِيَمِ الأخلاقيَّة، والأنظمَة المرعيَّة فعَن عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى»، رواه مسلم.
وأبان بأنه قد جاءَ الوعيدُ الشديد فيمن امتدتْ يدُهُ إلى ما حرَّمَ اللهُ من أجلِ إشباعِ شهواتِهِ ونزواتِهِ، أو زيادةِ مكاسبِهِ وأموالِهِ، فعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري.
ونوه بأن من تضييعِ الأمانةِ الاعتداء على المالِ العامِ بالإهمالِ والتقصيرِ، والإسرافِ والتبذيرِ، وقبضِ الرشوةِ والاختلاسِ، وتعطيلِ مصالحِ الناسِ، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، مشددًا على أن الخيانة في كلِّ مالٍ يتولاهُ الإنسانُ منَ الكبائرِ المحرَّمةِ إجماعًا، وهي منْ أعظمِ الذنوبِ، وأشرِّ العيوبِ.
وأكد أن الخيانةُ عملٌ دنيءٌ تعافُه النفوس الكريمة، وتستقبحُه العقول السليمة، وتردُّهُ الفِطَرُ القويمةُ, مؤكدًا أنَّ مُحاربةَ الفسادِ ومكافحتَه واجبٌ شرعيٌّ ووطنيٌّ، لا يقتصرُ على جهةٍ مُعيَّنةٍ؛ بلْ هو مسؤوليَّةُ الجميعِ ديانةً وأمانةً وخُلُقًا، ممَّا يُوجبُ التعاونَ بين أفرادِ المجتمعِ والجهاتِ والهيئاتِ المعنيةِ؛ إرشادًا وتبصرة، ونصيحة وتذكرة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر الدوسري المزيد المزيد إلى أن ى الله
إقرأ أيضاً:
من تكبر أذلّه الله جلّ وعلا
من تكبر أذلّه الله جلّ وعلا
#ماجد_دودين
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ: الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْته))
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمتهُ وقال له انتعش نعشك الله فهو في نفسه حقير وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبَّر وعتا وَهَصَهُ الله إلى الأرض وقال له اخسأ خسأكَ اللهُ، فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس حقير حتى يكون عندهم أحقر من الخنزير).
مقالات ذات صلة دق سلف .. هويتنا الوطنية هي ميثاق الدولة 2024/12/09روى ابن حبان وغيره وصححه الألباني: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ حِمَارٌ بِالنَّهَارِ عَالِمٌ بِالدُّنْيَا جَاهِلٌ بِالآخِرَةِ».
في هذا الحديث وَصَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُناسًا بصفاتٍ وأخلاق يبغضها الله ورسوله والمؤمنون، لأنها صفات سيئة، وأخلاق فاسدة، وهي من أخلاق أهل النار، ومن هذه الصفات: الصفة الأُولى: أن يكون المرءُ جعظريًّا، والجعظري هو المرء الفظُّ الغليظ في تعامله، والمستكبرُ على خلق الله. والصفة الثانية : هي الجوَّاظ: وهو الجَموعُ المنوعُ أي الذي يَحرِصُ على جمعِ المالِ بنيَّةٍ فاسدةٍ، وهي أن يكون جمْعُهُ للمالِ حبًّا بالمالِ من حَيثُ ذاتُه ليتوصلَ لإشباعِ شهواتِه المحرَّمةِ وليفخَرَ بهِ على الناسِ ويبطُرَ به بطَرًا ويتكبرَ على عبادِ اللهِ ويبخلَ عن دفعِ المالِ في ما أمرَ اللهُ تعالى بالإنفاقِ فيه، فهو لا يجمعُ المالَ من طريقِ الحلالِ ليَصرفَه فيما أحلَّ اللهُ له، ؛ فالذي يجمعُ المالَ ليصرِفَهُ في الحلالِ فإنَّ ذلك ليس بمذموم؛ فالمالَ منهُ ما يُذمُّ ومنه ما يُمدحُ : فالمالُ المذمومُ هو المالُ الذي يجمعُهُ المرءُ من حرامٍ لا يُبالي من حلالٍ أخذهُ أم من حرامٍ، أو يجمعُ المالَ ليقضيَ به شهواتِه المحرَّمةَ أي ليُشبِعَ نفسَهُ من شهواتِهِ المحرمةِ أو ليفخرَ بهِ على الناسِ أو ليتكبرَ فهذا هو المالُ المذمومُ، وروى الترمذي في سننه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ :« إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » ،فالمالُ الذي يجمعه المرءُ المسلمُ من حلالٍ ،بنيةِ أن يسْترَ به نفسَهُ ،وينتفعَ بهِ ،هو أو غيرُه أو ينفقَهُ على أولادِهِ وعلى أبويهِ وغيرِهما من أقاربِه، بغيرِ نيةِ التَّوصُّلِ إلى الفخرِ والتكبرِ على الناسِ ،فإن ذلكَ المالَ ليسَ بمذمومٍ والدليل على ذلكَ ما رواه الإمامِ أحمدَ وابنِ حبانَ أنَّهُ صلى اللهُ عليه وسلمَ قالَ لعمرِو بنِ العاصِ:« يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ”. والمالُ الصالحُ هو المالُ الذي يجمعُهُ المرءُ ويكتسبُهُ بطريقٍ حلالٍ، وأمَّا الرجُلُ الصالحُ فهو الإنسانُ المؤمنُ الذي يقومُ بحقوقِ اللهِ تعالى وحقوقِ العبادِ بأن يعرفَ ما افترضَ اللهُ تعالى عليهِ ويؤديَهُ ويعرفَ ما حرمَ اللهُ عليهِ ويجتنبَهُ. وقيلَ أيضًا في قولِه: «جَوَّاظٍ» الكثيرُ اللحمِ المختالُ في مِشيتهِ، وقيلَ: الأكولُ، فإذا جمعَ مع صفةِ الجعظريِّ أن يكون جواظًا فقد ارتفعَ في الشرِّ والفسادِ. وقد جاءت أحاديث عديدة في بيان الأوصاف التي ذكرت في الحديث السابق، ومن تلك الأحاديث المشابهة: ما جاء في صحيح البخاري من حديث حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ). ومن الأحاديث أيضا في هذا المعنى: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ أَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَكُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَشْعَثَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ ذِي تَبَعٍ). وعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (يَا سُرَاقَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؟) قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ الضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ).
أما الصفة الثالثة : هي أن يكون سخَّابًا بالأسواقِ : أي أنَّهُ من شدةِ شُحِّهِ وحرصِهِ على المالِ ، يُكثرُ الصياحَ والكلامَ في سبيلِ جمعِ المالِ، وأما الصفة الرابعة : هي أن يكونَ جيفةً بالليلِ أي يستغرقُ ليلَهُ بالنومِ ولا يهتمُ بأن يكسبَ في ليلهِ من الصَّلواتِ ويتزودَ من الطاعاتِ، والصفة الخامسة ، أن يكون حمارًا بالنهارِ أي أن همَّهُ التفننُ بالأكلِ والإكثارُ من الملذاتِ وينشغلُ بذلكَ عنِ القيامِ بما افترضَهُ اللهُ تعالى عليه، ثم إذا انضافَ إلى ذلك الوصفُ الأخيرُ وهو أن يكونَ عارفًا بأمرِ الدنيا جاهلا بأمرِ الآخرةِ فقد تزايدَ شرُّه، فمن هنا يُعلمُ أنَّ من ءاتاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ المالَ وكان عارفًا بطرقِ جمعِ المالِ وهو جاهلٌ بأمورِ الدّينِ أي بما افترضَ اللهُ تعالى عليه معرفَتَهُ من علمِ الدينِ فهو من شرِّ خلقِ اللهِ. ثم لا سبيلَ إلى أداءِ ما افترضَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى واجتنابِ ما حرَّمَ اللهُ إلا بمعرفةِ العلمِ الضروريِّ من علمِ الدينِ، فمن أعرضَ عن تعلمِ هذه الضرورياتِ من علمِ الدينِ فإنه يهلكُ وهو لا يشعرُ، وفي الحديث المتقدم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصناف الناس : (وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ) ،وفي صحيحِ الإمامِ البخاريِّ من قولِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قَالَ : (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ ) فعجبًا لِمن يُقبلُ على المدبرةِ ويُدبرُ عن المُقبلة. ومعنى قوله «ارتحلت الدنيا» أي سارت الدنيا ومعنى «وهي مُدبرةٌ وارتحلتِ الآخرةُ وهي مُقبلةٌ» أي الدنيا سائرةٌ إلى الانقطاعِ والآخرةُ سارتْ مقبلةً، فالدنيا دارُ العملِ والآخرةُ دارُ الجزاءِ على العملِ.
من تكبّر أذلّه الله ومن تواضع لله رفعه الله جلّ وعلا
والمتكبرون يحشرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس لهوانهم على الله تعالى
المتكبرون شرار الخلق وأهل النار كل جعظري جواظ مستكبر،
المتكبر يشمخ بأنفه إذا تكلم، ويجافي مرفقيه عن جنبيه لاويًا عنقه، يقارب خطاه إذا مشى، متطاولاً على إخوانه، مترفعًا على أقرانه، ينظر الناس شزرًا بمؤخر العين، متقدمًا عليهم إذا مشى، محتقرًا للعامة، ولا فرق عنده بينهم وبين الحمير استجهالاً منه له، فالمتكبر لا يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، لأنه لا يقدر على ذلك، ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين، ولا يقدر على ترك الحقد، ولا يقدر أن يدوم على الصدق، ولا يقدر على ترك الغضب، ولا على كظم الغيظ، ولا يسلم من الازدراء بالناس واحتقارهم ولا يسلم من اغتيابهم، وتنقصهم، لأن فيه من العظمة والعزة والكبرياء، ما يمنعه من ذلك، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر والعظمة مضطر إليه، ليحفظ به عزه وعظمته، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفًا من أن يفوته عزه وعظمته، ولذلك ورد في الحديث أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ومما جاء في وصية لقمان لابنه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨] . ومن تعاليم ربنا لهذه الأمة ونبيها عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء: ٣٧]. فيا أيها المتكبر الناظر في عطفيه، المتعاظم في نفسه، إن شأنك حقير، وقدرك صغير ولست بمحسوب في العير، ولا في النفير، وما لك عند عاقل من حساب، ولا تقدير، لا قليل ولا كثير، فهون عليك، وارفق بنفسك، فإنك مغرور، يا مسكين وتدبر كلام رب العالمين {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: ٢٣] {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: ٧٢]. وذم الكبر في القرآن كثير، والمتكبر عدو لله ولنفسه، وللناس، يقصر في الواجب ويدعي ما ليس له ويتشدق في الكلام، ويتألق في اللباس، وإنه لثقيل في حركاته، وسكناته، بغيض في أمره ونهيه، ومجالسته، ومؤاكلته ومشاربته، والويل كل الويل لمن صاهره أو شاركه أو ربطته به صلة، لأن داء الكبر يعدي ويسري فتبعد السلامة من المقترب منه رأى بعض أهل العلم من يختال في مشيته فغمز جنبه، ثم قال ليست هذه مشية من في بطنه خراء، وكيف يتكبر من أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة وهو مع ذلك يحمل البول والعذرة، هذا أكبر برهان على أنه دنس جاهل مجهول نكرة ممتلئًا كبرًا وإعجابًا بنفسه وسمعة، ورياء ولؤمًا وشؤمًا وشرها فهو أشبه شيء بالدخان يملأ الفضاء ويتك صدور الناس وأصله من القمامات والأوساخ المبعثرة نسأل الله أن يقلل هذا النوع المنحط وأن يكثر ضده من أهل التواضع واللين والعطف والحنان: قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣).
وفي كتابه الفوائد قال ابن القيّم رحمه الله:
أصل الأخلاق المذمومة كلها: الكبر والمهانة والدناءة.
وأصل الأخلاق المحمودة كلها: الخشوع وعلو الهمة.
فالفخر، والبطر، والأشر، والعجب، والحسد، والبغي، والخيلاء، والظلم، والقسوة، والتجبر، والإعراض، وإباء قبول النصيحة، والاستئثار، وطلب العلو، وحب الجاه والرئاسة، وأن يحمد بما لم يفعل، وأمثال ذلك؛ كلها ناشئة من الكبر.
وأما: الكذب، والخسة، والخيانة، والرياء، والمكر، والخديعة، والطمع، والفزع، والجبن، والبخل، والعجز، والكسل، والذل لغير الله، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ونحو ذلك، فإنها من المهانة والدناءة وصغر النفس.
وأما الأخلاق الفاضلة: كالصبر، والشجاعة، والعدل، والمروءة، والعفة، والصيانة، والجود، والحلم، والعفو، والصفح، والاحتمال، والإيثار، وعزة النفس عن الدناءات، والتواضع، والقناعة، والصدق، والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل، والتغافل عن زلات الناس، وترك الانشغال بما لا يعنيه، وسلامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة، ونحو ذلك، فكلها ناشئة عن الخشوع وعلو الهمة.
والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة، ثم يُنزل عليها الماء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وبهجتها، فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق.
وأما النار فطبعها العلو والإفساد، ثم تخمد فتصير أحقر شيء وأذله، وكذلك المخلوق منها، فهي دائما بين العلو إذا هاجت واضطربت، وبين الخسّة والدناءة إذا خمدت وسكنت.
والأخلاق المذمومة تابعة للنار والمخلوق منها.
والأخلاق الفاضلة تابعة للأرض والمخلوق منها.
فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل. ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل.