بقلم : حسين الذكر ..

لم تكن المرة الأولى التي تبعثني أمي ؛ كي أشتري إناء لبن يسمى بلهجتنا الشعبية ( طاسة روبة ) من جارتنا الحاجة ، حيث كانوا يربون بقرة في بيتهم وسط المدينة بحالة كانت تعد طبيعية ، بل حالة معتادة وصورة متكررة في بيوت وأحياء أخرى كجزء من يوميات حياة طبيعية لا تشكل مثلبة أو مخافة للبيئة المدنية أيام السبعينات من القرن المنصرم .


في كل مرة أذهب لشراء الروبة كانت تنتابني نوبتان : الأولى سعيدة ، وأحتاجها حد الاجتياح ؛ إذ كنت أعشق دخول تلك الزريبة الحيوانية البسيطة بأجوائها الخلابة في نفسي ؛ إذ تستقبلني الحاجة بقبلة ، وتصطحبني إلى نقطة قريبة من البقرة ، حيث تناولني الطاسة ، وما كان يرافق ذلك ويتبعه من مشاهد جميلة ما زالت تعشش في أعماقي حينما أرى البقرة بشكلها المهيب ، وضخامتها ، وعطائِها بمعين لا ينضب ولا يُستغنى عنه في عصر البداوة ، ولا في ذروة المدنية العولمية ، فضلاً عن انتشار مجاميع الدجاج ، وصياح الديك ، ومعاء الماعز والخروف ؛ إذ إن بيت جارنا كان أشبه بقرية ، وحديقة حيوانات أليفة داجنة وسط المدينة .
ذلك ما كنت أحتاجه وأعيشه بصورة غريزية ودوافع باطنية ما زالت مجهولة .
بعد عقود من تلك الأيام البريئة الجميلة التي لا يمكن أن تعاد أبداً .. أما النقطة الأخرى فقد كنت أخشى من ضخامة البقرة ، وما تبعثه من مخاوف في نفسي ، لا سيما ذلك الثور القريب منها ، والذي أشعر بهيجانه وثورته الدائمَين بقرنين مخيفين ، وأستغرب مع ثورته كيفية تعامل الحاجة معه بعفوية وتلقائية كأمه ربيبها أو وليدها ، أو أحد أفراد أسرتها ، حيث أحسدها على ذلك الاطمئنان الحيواني الذي تمارسه وتعيشه ، بينما يشتعل بركان بين جوانحي منذ دخولي الزريبة حتى هربي بطاسة الروبة التي أحياناً أبدأ بالتهام بعضها قبل أن أصل إلى البيت ؛ إذ طالما كانت أمي ترمقني بنظرة عين كلها ملامة وعتاب ، كأنها تحاسبني نظرياً عن دناءة نفسي التي لا تصبر ساعة حتى يحين موعد الغداء ، بينما ألتهم ربع طاسة الروبة او نصفها في الطريق ، في الوقت الذي كانت فيه مخصصة كلياً لوالدي الذي يتناولها كوصفة دواء شعبي ، وليست مجرد غذاء .

منذ تباشير الحياة ودبيبها الحثيث كانت البقرة شريك الإنسان في بيئته ، بل هي من أوائل الحيوانات والآلات التي أسهمت في التشييد التام للحقول والمزارع والمدن .
الماء هو عنوان كل شيء ونماء ، و كذلك البقرة بقدسيتها المفترضة كمصدر للغذاء والكثير من الخيرات ، لا سيما عند بعض الشعوب ظلت مصدراً للنماء والارتقاء والبقاء ، و استطاعت أن تبني علاقة وثيقة مع الإنسان برغم جثتها وشكلها وصوتها ، وكذا مخلفاتها الروثية المتعددة المقززة التي لا يمكن أن يتم التعاطي معها مدنياً إلا في حقل ، وتربة زراعية يمكن من خلالها صناعة الأسمدة ، وتأكيد فاعلية الأبقار وتأثيرها على الإنسان .
ذات صباح حزين نهضنا على عواء وصراخ في شارعنا الذي شدنا مباشرة إلى جمهرة الناس في بيت قريب ، تأكدنا بعد لحظات أنه بيت الحاجة أم ( الروبة ) ؛ إذ تناقل الناس وشايات عديدة حول موت زوجها الحاج ، بعضهم قال : إنه مريض ، وقد قضى عليه مرض عضال ، وشكك آخرون في الأمر ، وحضر رجال الشرطة بعد أن قيل أن بقرةً قد نطحت الثور و أطاحت به ، أو داسته وهو نائم في الحقل ، لا سيما أن القصة بدت طبيعية ، ولا تحمل طابعاً جنائياً ؛ إذ إن النوم في الحقول ، والاستمتاع بأنفاس الطبيعة ، والمشاركة /الحيوانسانية/ تبتهج بذروة نقائها حد التقاسم لجمالية الخلق والإبداع والإحساس البيئوي الطبيعي الذي نراه في الحقول والبساتين والمزارع .
أحدهم ذهب أبعد من ذلك ، حينما قال : إن المسألة لن تكون كذلك ، فعدم وجود البقرة وسط هذه الأجواء الملغمة أحدث همساً ، بل نتج عنه توجيه أصابع اتهام معينة ، بأن العلمية برمتها تعد نتاجاً ورد فعل طبيعي لعملية سرقة قام بها أحدهم ، وما تلا ذلك من مقاومة الحاج للصوص وهم يسرقون البقرة التي ربما أدت إلى ضربة أو وقعة جراء مقاومة نتج عنها فقدان حياة الحاج المحبوب من قبل أبناء المنطقة ، وما يعنيه من حزن ، وانكسار تنكس معه الرؤوس والأعلام على فقْد أحد أعلام المدينة ، بما يمثله كيان الحاج وأخلاقياته من مصدر أمان واطمئنان وسلام وتعاون مع أبناء المنطقة .
قال بعضهم إن الحاجة زهقت جراء متابعتها ومداراتها الطويلة ومراعاتها الثقيلة لمرض الحاج ، ما أدى إلى ثورة غضب عبرت عنها بفك أسر البقرة التي هربت إلى جهة مجهولة ، مع أن هذه الحكاية لم تصدق ، ولم يكن لها نصيب ،لا سيما أن الحاجة قد بدأت منكسرة أكثر الجميع ، متأثرة بفقد زوجها وراعي بيتها ، إلا أن الشك ظل يحوم حول جميع الشبهات ، …

حسين الذكر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات لا سیما

إقرأ أيضاً:

أكبر مساندة صناعية وتصديرية بـ78 مليارًا.. ننشر النص الكامل لمشروع الموازنة العامة الجديدة

كتب- نشأت علي:

استعرضت الحكومة، أمس الثلاثاء، البياني المالي لمشروع الموازنة العامة الجديدة، أمام مجلس النواب، تمهيدًا لمناقشتها في لجنة الخطة وباقي اللجان النوعية؛ لإعداد تقرير نهائي بشأنها، والتصويت عليه سواء بالموافقة أو الرفض .

وحصل "مصراوي" على النص الكامل لمشروع الموازنة العامة الجديدة، والتي استعرض وزير المالية أحمد كجوك، أهم ملامحها؛ حيث قال وزير المالية إن الموازنة الجديدة للعام المالي ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦ ستكون موازنة "النمو والاستقرار والشراكة مع مجتمع الأعمال"، حيث تشهد تخصيص ٧٨ مليار جنيه "مساندة هي الأكبر" للأنشطة الصناعية والتصديرية.

وأضاف الوزير، في رسائل محفزة لمجتمع الأعمال خلال إلقاء البيان المالي لمشروع موازنة العام المقبل ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦، أمام مجلس "النواب"، أننا نستهدف تشجيع القطاع الخاص بسياسات مالية ومبادرات وبرامج محددة وأكثر تحفيزًا للنمو الاقتصادي، لافتًا إلى تخصيص ٨,٤ مليار جنيه بالموازنة الجديدة، لدعم الاستثمار السياحي وزيادة طاقة الغرف الفندقية؛ لاستيعاب المزيد من السائحين، و٤٤,٥ مليار جنيه لتنشيط الصادرات بمعدل نمو سنوي ٩٣٪، وإعداد برنامج جديد طموح وعصري ومحفز لدعم المصدرين.

قال الوزير إنه تم تخصيص ٢٩,٦ مليار جنيه بالموازنة الجديدة لدعم الإنتاج الصناعي بمعدل نمو ٦٩٪ عن موازنة العام الحالي؛ لتشجيع توطين وتعميق الأنشطة الصناعية، و٥ مليارات جنيه لدعم الصناعات ذات الأولوية لزيادة الطاقة الإنتاجية من الآلات والمعدات، و٥ مليارات جنيه حوافز نقدية لتمويل عدد كبير ومتنوع من المبادرات الموجهة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ، و٣ مليارات جنيه لدعم صناعة السيارات ومستلزماتها ومكوناتها بمصر، و٣ مليارات جنيه لمساندة مبادرات التحول إلى مصادر طاقة أكثر كفاءة، توفر بدائل أقل تكلفة للجميع.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

مجلس النواب الحكومة مشروع الموازنة العامة

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة طلب برلماني بزيادة مخصصات التعليم والصحة والصناعة في الموازنة الجديدة للدولة أخبار "سياحة النواب" توصي بتفعيل منصة إلكترونية موحدة لتقديم طلبات ترخيص شقق أخبار "جبران" يكشف مزايا قانون العمل الجديد: يجذب الاستثمارات أخبار رئيس لجنة القوى العاملة بـ"النواب": قانون العمل حظي بموافقة كل الأطراف أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

أكبر مساندة صناعية وتصديرية بـ78 مليارًا.. ننشر النص الكامل لمشروع الموازنة العامة الجديدة

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

برودة ونشاط رياح.. الأرصاد تُعلن طقس الساعات المقبلة 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • صلاة تيسير الأمور.. هل تكون بديلة عن ركعتي قضاء الحاجة
  • أكبر مساندة صناعية وتصديرية بـ78 مليارًا.. ننشر النص الكامل لمشروع الموازنة العامة الجديدة
  • وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى
  • ترامب يأمر بتحقيق في الحاجة لفرض رسوم على واردات المعادن الحرجة
  • هل قراءة سورة البقرة والملك في اليوم تكفي؟ .. الإفتاء ترد
  • مجلس النواب يوافق على مقترح التنسيقية بتعديل مادة 148 بمشروع قانون العمل
  • شاهد بالفيديو.. طفل سوداني يفاجئ المطربة عشة الجبل ويرمي عليها أموال النقطة أعلى المسرح الذي كانت تغني فيه وساخرون: (المشكلة بعد الحفلة تنتهي يبكي يقول عاوز قروشي)
  • علي جمعة: الفهم الصحيح لآليات التعامل مع الموروث الإسلامي من أسباب النهضة الحضارية
  • هل السحر حقيقة.. وماذا نفعل حتى لا نصاب به؟.. مستشار المفتى السابق يجيب
  • لماذا يجب قراءة آخر آيتين من سورة البقرة قبل النوم؟.. 7 عجائب