أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر الدوسري المسلمين بتقوى الله عز وجل فإنَّها خيرُ ما تتزوَّدُونَ، وأرْجَى مَا تَدَّخِرُونَ، وهي النَّجاةُ ممَّا تَحذَرُونَ، وبهَا تُرزقُون مِنْ حيثُ لا تحتسبونَ.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إنَّ مكارمَ الأخلاقِ لباسٌ تزيَّنَ بهِ الأنبياءُ الأصفياءُ، ورداء تجمَّلَ بهِ الأتقياء الحُنفاء، هي أساسٌ مِنْ أُسسِ الإسلامِ، وركيزةٌ مِنْ ركائزِ الإيمانِ، ومظهرٌ مِنْ مظاهرِ الإحسانِ، بها تُنَالُ الدرجاتُ العَليَّةُ، والمَقَامَاتُ السَّنِيةُ، وجوارُ خيرِ البريَّةِ.

وأوضح أن نصوص الوحيين حثت ورغَّبتْ في الفضائلِ، وحذَّرت ورهَّبت منَ الرذائلِ، فالشريعةُ اشتملتْ على أنْفَسِ الأعلاقِ، في الآدابِ والأخلاقِ، ما بينَ تأديبٍ وتربيةٍ، وتهذيبٍ وترقيةٍ، وجِماعُ ذلكَ كلّه قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ». رواه البيهقي.

وأكد أن الله تعالى منَّ على نبيهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بكمالِ العقلِ، والرأيَّ الجَزْلِ، والكلامِ الفَصْلِ، وزيَّنَهُ بالأعمالِ الصالحةِ، والأخلاق الكاملة، فأثنَى عليهِ بقولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، تَقُولُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَمَا سُئِلَت: كَيْفَ كَانَ خُلُق النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواهُ أحمد فكانَ لهُ منَ الأخلاقِ أكملُها وأجلُّها، وحازَ في كلِّ خَصلةٍ منها المقامَ الأعلى، والمنزلةَ الأسمى، فبلغَ قِمةَ الكمالِ الإنساني، وغايةَ النُّبْلِ البشري.

وبيَّن الدكتور الدوسري أن حُسن الخُلقِ يُمْن، وسُوءه شُؤْمٌ، وأحسنُ الأخلاقِ ما جمَّلَ صاحبَها وَزَانَ، وأرذلُهَا ما دنَّسَهُ وَشَأنَ، ولا يقتصِرُ حُسنُ الخُلقِ على طلاقةِ الوجه وطِيب الكلامِ، بل هو أوسعُ في شريعةِ الإسلامِ، فيشملُ بذلَ النَّدَى، وكَفَّ الأذَى، وفِعلَ الأوامرِ والفضائلِ، واجتنابَ النَّواهي والرذائلِ.
ونبه فضيلته أنَّ مِنَ الأخلاقِ مَا يكونُ في الإنسانِ جِبلِّيًا، ومنهَا مَا يكونُ مُكتسبًا، والناس في ذلكَ متفاوتونَ، فالأخلاقُ غرائزُ كامنة، تظهر بالاختيارِ، وتُقهرُ بالاضطرارِ فالعلمُ بالتَّعلُّمِ، والحِلْمُ بالتَّحلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخيرَ يُعطَهُ، ومَنْ يتوقَّ الشرَّ يُوقَهُ، ومَا أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا مِنْ خُلقٍ حَسنٍ يَدُلُّهُ على الصلاحِ والتُّقى، ويردَعُهُ عنِ الفسادِ والرَّدى، ومَن طلبَ الأخلاقَ مُخلصًا لربِهِ الأعلَى، مُتبعًا لسنةِ النبيِّ المُصطفى، سعِدَ في الدارين ونالَ الجزاءَ الأَوفى.

وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن نظريةَ الأخلاقِ في الإسلامِ تقومُ على أساسٍ عَقائدي، وهي منهجٌ متكاملٌ، يطَّردُ باستقامةٍ واتزانٍ، وجمال وثبات لا يتغيَّرُ بتغيُّرِ الزمانِ والمكانِ، ويشملُ أحوالَ المسلمِ كلَّها، صغيرَهَا وكبيرَهَا، دقيقَهَا وجليلَهَا، وكلُّ أمرٍ بالتقوى فالأخلاقُ بريدُهَا، فهمَا مُتلازمان لا ينفكَّان، والوصية بهما صِنْوان، ولذا كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كثيرًا مَا يجمعُ بينهُمَا في وصايَاه، وذلكَ مِنْ سُنته وهُدَاه، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه أحمد.

وقال إن مِنْ تقوى اللهِ تعالَى أنَّ النَّفسَ الشَّريفةَ تطلُبُ الصِّيانةَ، وتراعي النَّزاهةَ، فالنَّزاهَةُ خُلُقٌ ثَمِينٌ، وَمَعْدِنٌ أصيلٌ، تُثْمِرُ الوَرَعَ، وَتَدفعُ الطمعَ، وتُنمِّي التَّقْوَى والنَّزاهةُ تُقاسُ بالدِّيانةِ والصدقِ والعدلِ، وحفظِ الوقتِ والجدِّ في العملِ، مع الأخذِ بالأمانةِ، والاهتِمامِ بالمصلحةِ العامَّةِ، وحينَ تَضعف الديانة تضمحل الأمانةُ وتشيعُ الخيانةُ، ويدبُّ الفسادُ، فتصدأُ الضمائرُ ويَكثُرُ العقوقُ، وتُباع الذمم وتستباح الحقوق.

وأكد أن الشريعة حذرت من الفسادِ بكلِّ صورِهِ وأشكالِهِ، فكلُّ انحرافٍ عمَّا وُضِعتْ لهُ الوظيفة فهو فسادٌ وخيانةٌ وجريمةٌ، وهو مُخالفةٌ للأحكام الشرعيَّةِ، والقِيَمِ الأخلاقيَّة، والأنظمَة المرعيَّة فعَن عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى»، رواه مسلم.

وأضاف، لقد جاءَ الوعيدُ الشديد فيمن امتدتْ يدُهُ إلى ما حرَّمَ اللهُ من أجلِ إشباعِ شهواتِهِ ونزواتِهِ، أو زيادةِ مكاسبِهِ وأموالِهِ، فعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري.

وأوضح الدكتور الدوسري أن من تضييعِ الأمانةِ الاعتداء على المالِ العامِ بالإهمالِ والتقصيرِ، والإسرافِ والتبذيرِ، وقبضِ الرشوةِ والاختلاسِ، وتعطيلِ مصالحِ الناسِ، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وشدد على أن الخيانة في كلِّ مالٍ يتولاهُ الإنسانُ منَ الكبائرِ المحرَّمةِ إجماعًا، وهي منْ أعظمِ الذنوبِ، وأشرِّ العيوبِ، فالخيانةُ عملٌ دنيءٌ تعافُه النفوس الكريمة، وتستقبحُه العقول السليمة، وتردُّهُ الفِطَرُ القويمةُ, مؤكدًا أنَّ مُحاربةَ الفسادِ ومكافحتَه واجبٌ شرعيٌّ ووطنيٌّ، لا يقتصرُ على جهةٍ مُعيَّنةٍ؛ بلْ هو مسؤوليَّةُ الجميعِ ديانةً وأمانةً وخُلُقًا، ممَّا يُوجبُ التعاونَ بين أفرادِ المجتمعِ والجهاتِ والهيئاتِ المعنيةِ؛ إرشادًا وتبصرة، ونصيحة وتذكرة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطبة الجمعة صلاة الجمعة الحرمين الشريفين المسجد الحرام الأخلاق المزيد المزيد ى الله

إقرأ أيضاً:

إمام المسجد الحرام: مدمن الخمر يتجرع عصارة أهل النار

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور عبد الله بن عواد الجهني، في خطبته اليوم بالمسجد الحرام، المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، مؤكدًا أن التقوى تصلح الأقوال والأعمال، وأن الله خلق الإنسان لعبادته وأمره بالعمل وفق طاقته.

وأوضح الشيخ الجهني أن القرآن الكريم نزل لهداية البشر وإنقاذهم، حيث يتضمن الفرائض والفضائل والمواعظ والزواجر، محذرًا من الغفلة التي تسيطر على النفوس، ومن الانسياق وراء الشهوات التي تقود إلى معصية الله.

تحذير من عواقب المعاصي

في خطبته، تناول الشيخ الجهني تحذيرًا شديدًا من عواقب بعض الكبائر والمعاصي، قائلًا: "يوم يضاعف العذاب على من ترك الصلاة وضيعها، وتهاون بالزكاة ومنعها، وانتهك حرمة شهر الصيام بإفطاره، وأخر فريضة الحج مع استطاعته."


وتطرق إلى مصير مدمن الخمر، مؤكدًا أنه سيشرب من "ردغة الخبال"، وهو ما وصفه بعصارة أهل النار، كما حذر من العذاب الشديد الذي ينتظر مرتكبي الزنا والربا والفجور.

دعوة للإصلاح والتوبة

شدد الشيخ الجهني على ضرورة إصلاح النفس بالتوبة والإقلاع عن الذنوب، داعيًا إلى أن تكون ألسنة المسلمين عفيفة، بعيدة عن الوقيعة في الأعراض أو إيذاء الآخرين قولًا أو فعلًا، استنادًا إلى قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: 58).

ونقل عن العلامة ابن عثيمين قوله: "أذية المؤمنين تكون بالقول والفعل، وهي كثيرة، وأولئك الذين يؤذون المؤمنين بغير وجه حق يحملون على أنفسهم بهتانًا، أي كذبًا عظيمًا، وعقوبة شديدة عند الله."

حث على الرحمة والتراحم

في ختام الخطبة، دعا الشيخ الجهني المسلمين إلى الرحمة والمغفرة، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم."

 كما نبه إلى خطورة الإصرار على الذنوب، وضرورة الوعي والعمل بما يسمع من المواعظ والنصائح، مستشهدًا بقوله: "ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون."

وأكد الشيخ على أهمية اغتنام الفرصة للإصلاح ما دام حبل الحياة موصولًا، داعيًا الله أن يصلح القلوب، ويجعلها محبة للخير ومؤدية للحقوق.

مقالات مشابهة

  • محدثة مبتدعة.. خطيب المسجد النبوي يحذر من كل قربة ليس عليها دليل
  • فاعملوه .. خطيب المسجد الحرام: الله خلقكم لتعبدوه وكلفكم بما تطيقون
  • إمام المسجد الحرام: مدمن الخمر يتجرع عصارة أهل النار
  • خطيب المسجد الحرام: اللهم فرحة تغمر قلوبنا بتحرير القدس من الصهاينة .. فيديو
  • خطيب الأوقاف بالبحر الأحمر: أخلاق النبي جذبت القلوب والعقول إلى دين الله .. والنجاشي وقف منبهرا أمام عظمة الإسلام
  • خطيب البحر الأحمر: أخلاق النبي جذبت القلوب والعقول إلى الإسلام
  • خطيب المسجد الحرام: مدمن الخمر سيشرب من ردغة الخبال ويتجرع عصارة أهل النار
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • الإفتاء: أكدت السنة النبوية حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتزين
  • السديس يحذر من رفع الصوت عند قبر النبي ويحث على الصلاة عليه ﷺ