قراءة فكرية في دور الفن والإبداع ضمن مسار مقاومة جرائم الإبادة الجماعية
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
ـ 1 ـ
تتجه الدّراسات الجمالية عامة، حينما تبحث في علاقة الكتابة بالواقع في الأزمات الإنسانية الكبرى خاصّة، إلى إحدى الوجهتين وإن اختلفت العناوين والتسميات:
ـ إلى اتجاه الفن للفن الذي يرى في الفنان عامّة، صانعا للجميل الممتع ولما يجعل من الفنّ فنّا، قياسا عليها. ورغم كل ما كان لهذه العبارات من الإطراء زمن هيمنة الدراسات الإنشائية، لا تبتعد صورة المبدع ضمنها اليوم كثيرا عن صورة الحرفيّ الذي يصنع أشكالا جميلة لا يستطيعها من لم يتدرّب على ضرب الحديد كفاية ليصبح بفعل الممارسة والدأب حدّادا.
ـ وإلى اتجاه الفن باعتباره التزاما ورسالة. ولا تَخفى هشاشة هذا الاستعمال أيضا. فصيغته تجعله عرّضة للتحامل والتبخيس. ففيه ضمنا ما يفيد أنّ الفنان يقيم في دنيا الفن كعابر السبيل لأنه يتقمّص دور المبدع ولكنه يجعل منه تقية ليخفي خلفه دور السياسي أو المصلح الاجتماعي اللذين يعيشهما في العمق.
ولن يكون الجمع بين "الممتع والمفيد" مجديا، فهو لا يزيد عن صيغة توفيقية لا ترتقي إلى فهم الإبداع باعتباره صيغة لسكنى الوجود وتصوّرا لمنزلة الإنسان فيه.
وفي سياقنا. الحالي يطرح سؤال ملح حول دور الفنان العربي إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إجرام إسرائيلي خاصّة أن القضية الفلسطينية مثلت المحور الرئيسي في تظاهرتين ثقافيتين جدّتا هذه الأيام في البلاد العربية.
ـ 2 ـ
مواجهة للتعتيم الإعلامي جعلت الدورة الخامسة والأربعين من "مهرجان القاهرة الدّولي للسينما"، السينما في فلسطين إبداعا وصناعة في واجهتها بغاية تبليغ الصوت الفلسطيني ومعاناة الفلسطينيين إلى أحرار العالم. وأحدثت المسابقات الخاصّة بها. فقد جعلت من فيلم "أحلام عابرة" للمخرج رشيد مشهراوي عرضت للافتتاح. وجعلت من مكونات برنامج "أضواء على السينما الفلسطينية" مناسبة لعرض أفلامها القصيرة ومن ضمنها "أحلام كيلو متر مربع" للمخرج قسام صبيح والوثائقي "سن الغزال" للمخرج سيف حماش، و"ولدت مشهورا" للمخرج لؤي عواد وجميع صنّاعها من المخرجين الشبان. وتفاعلا مع مبادرة المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي التي جمعت22 مخرجًا من غزة، حاولوا تقديم رؤيتهم السينمائية للحياة اليومية تحت القصف والقنابل عرضت أفلام قصيرة جدا منها "جنة الجحيم" و"سِحر" و"صحوة" و"جاد وناتالي" و"هنا عليوة" و"كل شيء على ما يرام" و"تاكسي ونيسة" و"24 ساعة" و"سليفي" و"خارج التغطية".
وضمن برنامج "آفاق السينما العربية"عُرضت عديد الأفلام الوثائقية الفلسطينية الطويلة. وأمكن للمتفرج مشاهدة أفلام كانت فلسطين محورها منها "عُطل في فلسطين" للمخرج الفرنسي "مكسيم ليندون" أو فيلم."غزة التي تطل على البحر" للفلسطيني محمود نبيل. واشتمل حفل الاختتام على قصيدة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" للراحل محمود درويش، وعرض فني لفرقة "وطن للفنون الشعبية" من فلسطين. فكان الفن معبّرا عن صوت المصريين المكتوم سياسيا.
ـ 3 ـ
وكان حضور القضية الفلسطينية في "أيام قرطاج المسرحية" خاصة من خلال الندوة الدولية التي عقدت بعنوان "المسرح والإبادة والمقاومة نحو أفق انسي جديد". وطبيعي أن يكون النص النقدي أكثر مباشرة في طرح قضايا الاحتلال ومناصرة المقاومة. وبالفعل فورقتها العلمية تعلن أنّ "للبشرية في زمنها المعاصر تحارب مريرة مع الدمار وللدمار معنى مادي هو تدمير الشوارع والطرق والمباني والمؤسسات والمقرات والتماثيل والمعالم وتعظيم كامل محتوياتها. ويكون هدف مقترفي التدمير من إبادة الأمكنة جعل حياة الناس عسيرة والتواصل بينهم متقطعا واللحمة التي يفترض أن تجمعهم مكسورة وحركة الإنتاج المادي والفكري لديهم أقل استمرارا وانسجام.
لكن الدمار يطال أيضا كل مواقع إنتاج الفنون وتداولها، وبذلك تكون له دلالة معنوية تجعله جزءا من إبادة الإثنية تغتال الذاكرات الإنسانية التي تحفظها تلك الفنون، مستودع التواريخ وأرشيف الحياة الجارية وسجل المستقبلات المنشودة حيث تمنع سرد الروايات الأهلية بأصوات الفنانين المتجذرين في ثقافاتهم".
ومن هذه الخلفية تنوعت جلساتها العلمية فجاءت بعنوان "المسرح والإبادة والمقاومة: أطروحات ومقاربات" أو "المسرح وأتيقيا التعبير عن الدمار والإبادة" أو :"المسرح والعنف والديكتاتورية. فتناولت التونسية إيناس زرق عيونه موضوع "الإبادة الجماعية في غزة على المسرح في تونس" تحت عنوان فرعي هو "أي أيطيقيا لأي أخلاقيات مهنية؟" ودرست الأردنية نجوى قندقجي "سرديات الجسد المقاوم والجماليات الأدائية المستترة". أما أنديرا راضي المصرية التونسية فبحثت في المقاومة عند "أوغوستو بوال" وتجلياتها الواقعية في غزة.
ونزّل عبد الحليم المسعودي عمل المسرحي ضمن سياق جمالي أشمل في ورقة بعنوان " الرهانات الجمالية على حواف مسرح الإبادة: من التراجيديا الإغريقية الى مسرح الهولوكست"، فيما نزّله الناقد والجامعي الفرنسي ألان جنحون ضمن سياق فلسفي في ورقة بعنوان ":من عقد عربي - فلاسفة وشعراء يدافعون عن غزة".
ـ 4 ـ
ولم تكن غزة وحدها موضوعا لعلاقة الفن بالمقاومة والتصدي لمحاولات الإبادة الجماعية في هذه الندوة. فضمن محور "الفرجة لمقاومة والاستعمار والحرب الأهلية" تم استحضار مآسي كثيرة منسية تجمع بينها الحروب الأهلية شأن ما حدث في البوسنة والهرسك زمانا أو ما يقع في اليمن اليوم. ولنا في ورقة الناقد السوداني السر سعيد محمد الذي عاقته الحرب عن الاستجابة لدعوة المهرجان خير دليل. ف قدم مداخلة مسجلة عن العنف المنظم والمقاومة في التجربة المسرحية السودانية استهلها بعرض شهادته عن الجرائم التي تحدث في الحرب الأهلية السودانية اليوم، ووجدها امتدادا لحروب كثيرة كان الشعب السوداني ضحية لها منذ القرن الثامن عشر.
يسهم "نظام التفاهة" اليوم في تزييف الوعي ليتغنى بمكتسبات الإنسان الحديث ويختزلها في عناوين براقة مثل "التخلص من العبودية" أو "التحرر من الاستعمار" أو "حرية استمتاع المرء بجسده" ضمن العمل على بسط الفرد لسلطته على كيانه وتخليصه من دكتاتورية الدين والأخلاق أو "تحرير المرأة من هيمنة المجتمع الباترياركي وحقها في التصرف في جسدها بما في ذلك الحق في الإجهاض.ثم عاد إلى مسرحية "الذين عبروا النهر" التي عرضت على خشبة المسرح القومي السوداني 2002 ليجد فيها تجسيدا لدور الفنان المقاوم. والعرض هو مسرحية من فصل واحد كتبها عادل إبراهيم محمد خير، وأخرجها منصور علي عبيد. فطرح فيها مأساة حرب الجزيرة أبا، مهد الثورة المهدية، التي حدثت في مارس 1970 لما هاجمت قوات جعفر النميري الجزيرة بمساعدة مقاتلات مصرية، بقيادة حسني مبارك، قائد في القوات الجوية المصرية حينها. وكانت المجزرة رداً على احتجاجات أنصار صادق المهدي على الحكومة المشكلة في الخرطوم وأبيد فيها نحو 12.000 وصادرت الدولة إثرها أملاك عائلة المهدي.
تحاول المسرحية التّسلل إلى باطن جندي شارك في هذه الحرب ومن خلال هواجسه تعرض مطاردته من قبل طيف الإمام لتتساءل من المنتصر في هذه الحرب؟ الغزاة أم الشهداء؟ لينتهي الباحث إلى أن العرض مثّل [مشهدا دراميا عميقا تآزرت فيه كل لغات العرض المسرحي لتتحقق في نفس الوقت مقولة العرض الرئيسة وهى "أن المنتصر في هذه الحرب هم الشهداء...هو الإمام، والمهزوم هم الغزاة... هو عنف الدولة.]
ـ 5 ـ
يسهم "نظام التفاهة" اليوم في تزييف الوعي ليتغنى بمكتسبات الإنسان الحديث ويختزلها في عناوين براقة مثل "التخلص من العبودية" أو "التحرر من الاستعمار" أو "حرية استمتاع المرء بجسده" ضمن العمل على بسط الفرد لسلطته على كيانه وتخليصه من دكتاتورية الدين والأخلاق أو "تحرير المرأة من هيمنة المجتمع الباترياركي وحقها في التصرف في جسدها بما في ذلك الحق في الإجهاض. ولكن البحث تحت هذه الطبقة السطحية يكشف لنا ألا شيء قد في هذا العالم المنافق. فالرق يتخذ اليوم أشكالا جديدة منها خاصة الرق الأبيض الذي يهين ذات المرأة باستغلالها في الدعارة ويشيئها بتحويل جسدها إلى أداة للتسويق أو الاستعمار المقنع الذي ينصب على الشعوب الفقيرة أتباعه للقيام بالدور الذي كان جيشه يقوم به ويفرض اتفاقيات ظالمة تنهب خيراته.
من هذا النفاق الدولي المعايير المزدوجة في تطبيق العدالة الدولية. فقانون الأمم المتحدة 96 (د – 1) المؤرخ في 11 كانون الأول / ديسمبر 1946، يجرم الإبادة الجماعية بجلاء. فيعلن [أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن].
وتتضمن مادته الأولى [تصادق الأطراف المتعاقدة على الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها].
وتحدد المــادة الثانية معناها ف[تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
أ ـ قتل أعضاء من الجماعة.
ب ـ إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ت ـ إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
ث ـ فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
ج ـ نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.]
وتحدد المــادة الثالثة الأفعال التي يقع تجريمها وهي [أ) الإبادة الجماعية.
ح ـ التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية
خ ـ التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
د ـ محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
ذ ـ الاشتراك في الإبادة الجماعية.
ولكن أين هذا القانون من الإجرام الذي يتعرض له الشعبان الفلسطيني والسوداني وبنودها المختلفة تصنفه ضمن الإبادة الجماعية؟
ـ 6 ـ
لهذا النفاق آلياته الجهنمية التي تعتمد للمغالطة ولتزييف الوعي وتهميش الإبادة تجري وقائعها على الأرض هي الصورة. فقد مر استخدامها لاستلاب الشعوب بمرحلتين اختصت كل مرحلة بوظيفة.
في البداية كانت الصورة، التي تعتمد الخطاب البصري أساسا، وسيلة لنشر العمى. وهنا موطن المفارقة الكبرى كما هو بيّن. فقد كان الطرف المهيمن، وخالق الصّور الذي يريد أن يؤبد استعمار الشعوب عبر التحكم فيها عن بعد، من يختار لنا ما نرى من هذا الوجود ويختار لنا الزاوية التي يجب أن نرى منها الأشياء: فيجعل منها آليته لغزوه الثقافي الذي يجعلنا نرى الوجود بعينيه وندركه في النهاية بعقله المتآمر. يتحقق ذلك في نشرات الأخبار أو في العروض الركحية أو السينمائية، بل في المشاهد العادية من الحياة اليومية أحيانا.
ثم لما فقد هذا "المستعمر النبيل" القدرة على التحكم في الصورة وتوجيهها بعد أن باتت مشاعة بفعل انتشار التقنية وأصبح الجميع قادرا على إنتاجها غيّر من إستراتيجيته. فنشر عبر قنواته الفظاعة على نطاق واسع لتحيط بنا في كل ناحية إلى درجة تفقد معها الصورة كل تأثّر بهول المشاهد فننخرط ونحن نشاهدها في ما يشبه التنويم المغناطيسي. وتتحوّل وظيفتها من عرض ما يحدث من جرائم وفضح فظاعتها إلى وظيفة التهويم وتحويل هذا الواقع إلى عالم افتراضي متخيل. فلا نتفاعل مع المدن التي تهدم بأسرها على رؤوس قطّانها أو أشلاء الأجساد التي تُمزّق إلاّ كما نتفاعل مع سينما الخيال العلمي أو الفنطازيا التي يتخلّص فيها الأخيار في النهاية من الأشرار المفسدين في الأرض.
هنا يكمن الدور الخطير في للفن اليوم: أن يحررّنا من حالة الاستلاب التي نعيشها وأن يعيد إلينا إبصارنا فلا ندع الآخر يرى عالمنا بالوكالة عنّا وأن يوقظنا من حالة التنويم المغناطيسي التي نعيشها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير دور الفلسطيني الاحتلال احتلال فلسطين فن ابادة دور أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة فی هذه
إقرأ أيضاً:
تحذيرات فلسطينية من تصاعد جرائم الإبادة بحق أسرى الضفة
الضفة الغربية- مر شهران على استشهاد الأسير سميح عليوي ولم تعرف عائلته أي خبر عنه وكيف استشهد، وأين يُحتجز جثمانه حتى الآن، ولم تتلق أي رد من سلطات الاحتلال الإسرائيلي يجيب عن أي من تلك الاستفسارات، بل كانت تزودهم بمعلومات مضللة، ففي حين استشهد في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصلهم الخبر بعد 9 أيام.
إلى جانب قطاع غزة، تنتهج إسرائيل سياسة "الإبادة" بحق الفلسطينيين أيضا بالضفة الغربية وضد الأسرى داخل سجونها الذين استشهد منهم حتى الآن 54 أسيرا، في حين بقي مصير العشرات مجهولا، مما يؤكد -وفقا لمؤسسات تعنى بشؤون الأسرى- أن ما يجري بحقهم "وجه آخر لحرب الإبادة، يهدف لمزيد من عمليات الإعدام وتصفيتهم".
وتؤكد أسرة عليوي أن ما تعرض له ابنها سميح (61 عاما) كان "عملية إعدام ممنهجة"، فقد اعتقل في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بوضع صحي جيد وكان يمشي على قدميه، وأدى الإهمال الطبي وعدم تقديم العلاجات اللازمة له والتعذيب إلى استشهاده.
إهمال متعمدويقول معتصم نجل الشهيد سميح للجزيرة نت "حين اعتقل والدي كان بفترة علاج جراء عملية جراحية أجريت لمعدته في مشفى رفيديا بنابلس، وسلمنا جنود الاحتلال التقارير الطبية، وأخبرناهم أن لديه عملية ثانية بعد شهرين". ويضيف أنهم كانوا يستقون معلوماتهم عبر أسرى محررين من سجن مجدو حيث كان والده يقضي أول فترة اعتقاله قبل نقله لسجن النقب.
إعلانوأكدت المعلومات أن تدهورا خطيرا طرأ على وضعه الصحي بفعل الإهمال الطبي والضرب الذي كان يتعرض له باستمرار وخاصة عند رفعه الأذان والصلاة، وأن وزنه نقص من 90 كيلوغراما لأقل من النصف، وظل الاحتلال يرفض علاجه حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي حين نقل إلى عيادة سجن الرملة المعروفة بتأزم خدماتها العلاجية، ومن ثم نقل إلى مشفى "آساف هروفيه" الإسرائيلي ليعُلن استشهاده هناك.
وطوال فترة مرضه -تؤكد العائلة- أنه لم يحصل إلا على المسكنات بعد ضغط كبير من المؤسسات الحقوقية والإنسانية، ولم يصلها أي تقرير طبي عن ظروف استشهاده، ولا حتى مكان احتجاز جثمانه.
ووفق معتصم، فإن والده وبعد إنهاء إحدى جلسات التحقيق، في سبتمبر/أيلول الماضي، اتصل بأمه وخالته، ولم يستطع إخبار زوجته بمعاناته الصحية نظرا لوجود ضابط السجن الإسرائيلي بجانبه، فظنوا أنه بوضع أفضل، كما مُنع محاموه من زيارته أو حتى استئناف حكمه و"يدعون أنه بصحة جيدة".
وبالرغم من عدم امتلاكها أدنى فكرة عن سبب استشهاد نجلها، فإن عائلة عليوي تصر على أنه "أُعدم بشكل مباشر بأدوية معينة أو بالإهمال الطبي أو بالتعذيب"، ويقول معتصم "يدعي الاحتلال ما يشاء، فهو وحده يملك المعلومة، خاصة أنه يمنع المؤسسات الحقوقية والإنسانية من زيارة الأسرى، ونحن نتعرض لسياسة عقاب جماعي بقتل واحتجاز جثمان أبي".
وسُجن الأسير الشهيد سميح مرات عديدة، فاعتقله الاحتلال أكثر من 10 سنوات قضاها بين الأحكام والاعتقال الإداري، وأغلق محله التجاري الخاص ببيع الذهب، وصادر ممتلكات له بقيمة مئات آلاف الدولارات.
سياسة ممنهجةوأمس الخميس، أُعلن استشهاد الأسير المحرر إسماعيل طقاطقة (40 عاما) من مدينة بيت لحم، وذلك "بعد تعرضه لجريمة طبية ممنهجة في سجون الاحتلال"، أدت -حسب هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني- إلى استشهاده في الأردن بعد 5 أشهر من الإفراج عنه، حيث تبينت إصابته بمرض سرطان الدم.
إعلانوقالت المؤسستان -في بيان لهما تلقت الجزيرة نت نسخة منه- إن "الآلاف من الأسرى تعرضوا ويتعرضون لعمليات تعذيب ممنهجة، بشكل غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة على غزة، وإن الجرائم الطبية والحرمان من العلاج شكلت الأداة الأبرز لتنفيذ عمليات إعدام ممنهجة بحق العشرات من الأسرى منذ بدء الحرب".
وهو ما أكدته أماني سراحنة -مسؤولة وحدة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني- أيضا بقولها إن أوضاع الأسرى، الذين تجاوز عددهم 10 آلاف و400 أسير، مأساوية وإن مصيرهم مرهون بأمرين:
الأول: استمرار جرائم التعذيب الممنهجة بكل أشكالها من التجويع والضرب والجرائم الطبية، والاعتداءات الجنسية والجسدية. الثاني: وهو الزمن، حيث إن الأسير الذي تحمل الوضع منذ بداية الحرب بات من الصعب عليه اليوم وبعد 15 شهرا تحمّل ذلك، وهو مؤشر على ارتفاع أعداد الشهداء بين صفوف الأسرى "وبات من المؤكد أننا سنشهد مزيدا من الشهداء منهم"، كما تقول للجزيرة نت. عجز دوليوحسب المسؤولة سراحنة "أصبح آلاف الأسرى مرضى جسديا ونفسيا، لم يحدث بتاريخ الحركة الأسيرة أن فقدت 54 شهيدا خلال 15 شهرا، وهؤلاء معروفة هوياتهم، ولدينا معطيات عن العشرات من أسرى غزة استشهدوا بعد الحرب، والاحتلال يمارس ضدهم جريمة الإخفاء القسري".
وتضيف "لم يعد حجم المعطيات التي تذكرها مؤسسات الأسرى -بما فيها الجرائم الطبية والتعذيب والتجويع- كافية لوصف الحالة بالسجون، وحالة العجز الممنهجة التي تمارسها المنظومة الدولية ومنظومة حقوق الإنسان، وكلها تشجع الاحتلال على ممارسة المزيد من التعذيب والجرائم الطبية بكل أشكالها".
ولم يعد الخطاب المستخدم بوصف جرائم الاحتلال ضد الأسرى كافيا، حسب المتحدثة نفسها، و"صارت الحاجة لخطاب آخر بمستوى ما يجري وما يكشف عنه من إبادة لحظية بغزة وجرائم تعذيب واعتداءات جنسية بحق الأسرى أيضا".
إعلانوردا على سؤال ما إذا كان كل أسير مهددا بفقد حياته فعلا، أكدت سراحنة ذلك، وقالت إن مصير كل الأسرى على المحك، واتهمت الاحتلال بتعمد نشر مرض الجرب "سكايبوس" الجلدي بين الأسرى، وأن معظم من أصيبوا به خرجوا يعانون من التهابات حادة بالدم والكبد وغيرها.
من جانبه، كشف حسين شجاعية، منسق الحملة الوطنية لاستعادة الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال، أن 643 شهيدا محتجزون وموثقون في مقابر وثلاجات الاحتلال، بينهم 63 شهيدا من الحركة الأسيرة.