تحليل.. الأزمة السورية العميقة تحتاج لحلول سياسية وليست عسكرية
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
بغداد اليوم- بغداد
أكد الباحث في الشؤون الاستراتيجية غازي فيصل، اليوم الجمعة (6 كانون الأول 2024)، حاجة الأزمة السورية العميقة الى حلول سياسية وليست عسكرية، فيما بين كيفية تلك الحلول.
وقال فيصل في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "الطابع العسكري يغلب السياسي في المشهد السوري، خصوصا في حماة الآن حيث مسرح العمليات العسكرية للمواجهة المباشرة وأيضا حمص باتجاه دمشق والجنوب، مما يعني أن الفصائل المسلحة للمعارضة تتجه نحو تطبيق استراتيجية شاملة في سورية، لكن في نفس الوقت يبدو النظام السوري وحلفائه بصورة خاصة، روسيا وإيران، في حالة مواجهة لردع اجتياح المعارضة العسكري للمدن".
وبين انه "هنا لابد من التذكير، ان المقدمات الخاطئة للنظام السوري، هي التي أدت إلى هذه النتائج الكارثية، فمنذ استحواذ الحزب على السلطة عام 1963 وإقامة نظام شمولي للحزب الواحد والحزب القائد وعدم الذهاب للحوار الوطني مع مختلف القوميات والأديان والثقافات، ومعالجة مشكلة التنوع الاجتماعي والثقافي، وإيجاد حلول لمشكلة الديمقراطية، مما وضع النظام امام تاريخ من الازمات السياسية واستخدام العنف في مواجهة المعارضة الوطنية، وعدم التوصل إلى حلول سياسية واقتصادية جذرية لبناء ديمقراطية حقيقية، أي لبناء نظام تعددي على انقاض النظام الاستبدادي، وبما يضمن دستوريا ظهور تعددية سياسية واقتصادية واجتماعية توفر تحقيق المشاركة والتوزيع العادل للثروة".
وأضاف فيصل انه "بدلا من الذهاب لبناء الديمقراطية وضمان الحريات العامة والتنمية، تمسك النظام باحتكار الطائفة العلوية للسلطة وتكريس المنهج الوراثي، مما قوض فكرة وفلسفة الجمهورية بوصفها: حكم الشعب/ وتظهر هنا المقدمات الخاطئة خلال 60 عاما من النظام الشمولي الاستبدادي هي التي ساهمت بإنتاج الاضطرابات والصراعات الاجتماعية والسياسية، ونذكر هنا بمذبحة حماة في الثمانينات، والاحتجاجات الكبرى عام 2011 التي طالبت بالتغيير الديمقراطي وضمان حقوق الانسان والحريات، لكن النظام السوري جابه المعارضة عبر العنف والتصفيات والاعتقالات، ورفض الحلول السياسية والاعتراف بحق الشعب السوري في تقرير مصيره واختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وتابع "إذاً لابد اليوم، ان يتبنى النظام السوري الذهاب إلى حلول السياسية للأزمة وليس تكريس النظام الشمولي عبر القوة العسكرية وانتهاك حقوق الإنسان والديمقراطية، وغيرها من الانتهاكات التي أدينت من قبل المنظمات الدولية لحقوق الانسان والمجتمع الدولي، اذاً اما يتبنى النظام السوري الحل السياسي والحوار الجدي مع القوى السورية، مع الأحزاب والمفكرين والمثقفين كذلك الانفتاح على حوار مع الاحزاب الكردية ومع مختلف الأحزاب والتيارات الوطنية السورية، أو إذا استمر بمنهج استخدام القوة والعنف المسلح والاعتماد على جيوش الحلفاء ودعوة الفصائل المسلحة العراقية والحرس الثوري الإيراني لحماية النظام من الانهيار، مما يوفر بيئة للحروب المستدامة بين المعارضة الشعبية والسلطة".
واستدرك فيصل قائلا انه "من المؤكد ان الوجه الاخر للعنف والحرب في سوريا يتعلق بمصالح واهداف ايران التي تطمح لبناء شرق أوسط إسلامي شيعي والاستثمار في الثروات المعدنية والاقتصادية السورية، بجانب الاستراتيجية الروسية العسكرية للهيمنة على الشرق الأوسط عبر سورية ومن خلال الوجه الاخر للحرب على الغاز على الغاز السوري وعلى الاستثمارات العملاقة في سوريا ذات الطبيعة الاقتصادية والصناعية الزراعية حيث تهيمن موسكو على إنتاج التكنولوجية والثقافة والعلوم في سورية، كذلك إيران التي تهيمن على الاقتصاد السوري عبر المشاريع الاستراتيجية للفوسفات والصناعة المدنية والعسكرية والاستحواذ على الاستثمارات، بالنسبة لإيران تُعد سورية قلب الشرق الأوسط القادم الذي تريده إيران إسلامي وبالمقابل هناك القوى الدولية والإقليمية التي تذهب نحو شرق أوسط جديد اقتصادي".
وختم الباحث في الشؤون الاستراتيجية قوله إنه "من ابرز نماذج أنظمة الاستبداد في العالم هو التمسك بالسلطة السورية لأكثر من 63 عاماً واحتكار القذافي مع عائلته للسلطة 44 عاماً، ولقد هيمنت نماذج الاستبداد واحتكار السلطة في العالم العربي كما في الجزائر حتى اندلاع الحرب الدموية الداخلية، وفي السودان احتكر ضباط الاخوان المسلمين السلطة لـ 30 عاماً انتهت بثورة شعبية ثم بهيمنة الجيش والحرب الدموية مع قوات الدعم السريع، وكذلك في اليمن والعراق، لذا يفترض اليوم الانتقال من أنظمة الفوضى الى أنظمة دستورية توفر الانتقال من نماذج وثقافة الحزب الواحد والقائد الى أنظمة سياسية ديمقراطية تضمن حقوق الإنسان وحق الشعوب في اختيار أنظمتها السياسية والاقتصادية وتكفل تحقيق الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويجب أن تعود في سوريا والبلدان العربية، السيادة إلى الشعب، فالشعب هو مصدر السلطة ومركز السيادة".
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: النظام السوری
إقرأ أيضاً:
ملاحقة فلول النظام السوري.. أهداف وأبعاد تتجاوز الجانب الأمني
منذ 26 ديسمبر/كانون الأول 2024 تواصل حكومة تصريف الأعمال السورية عملياتها الأمنية التي أطلقتها ضد من سمتهم "فلول النظام السوري" وذلك على خلفية مقتل 14 من عناصرها الأمنية والعسكرية في هجوم مسلح وقع في ناحية صافيتا بريف طرطوس.
وعلى الرغم من أن الحملة طالت معظم المحافظات الخاضعة لسيطرتها مثل دمشق وحلب، فإنها استهدفت بشكل رئيس محافظات الساحل والوسط (اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص)، مع تركيز واضح على النواحي والأحياء التي شكلت طيلة السنوات السابقة معقلا وحاضنة لضباط أمن وجيش نظام الأسد.
ورغم الطابع الأمني والعسكري الواضح للحملة، فإنها تعكس أيضا أبعادا سياسية وقانونية واجتماعية واقتصادية أعمق تصب في إطار إعادة استقرار وبناء سوريا بعد سنوات الحرب، مما يستدعي الوقوف على هذه الأبعاد المختلفة وتأثيراتها المحتملة على المستقبل السوري.
الأبعاد السياسيةتمثّل هذه العملية الأمنية خطوة مهمة نحو ترسيخ الاستقرار السياسي في سوريا، لأن تحركات فلول النظام، التي استهدفت الأجهزة الأمنية والعسكرية، تمثل تهديدا مباشرا لاستقرار البلاد ولمساعي الحكومة في بناء علاقات فاعلة على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية تمهيدا للتفرغ لإعادة البناء.
إعلانإلى جانب ذلك، تزامنت تحركات "فلول النظام" مع تصريحات إيرانية مقلقة تحرّض على الإدارة السورية الجديدة، أبرزها تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، الذي تحدث عن أن الولايات المتحدة تسعى من خلال مخططاتها في سوريا إلى نشر الفوضى وإثارة الشغب لفرض هيمنتها على المنطقة، متوقعا أن تخرج ما وصفها بـ"مجموعة من الشرفاء" لتغيير الوضع الجديد وإخراج من وصفهم بـ"الثوار".
وكذلك تصريحات المتحدث باسم السلطة القضائية في إيران أصغر جهانغير، الذي تحدث عن أن تنبؤات خامنئي حول "ظهور الشباب السوري الشريف والقوي الذي سيدحر المحتلين من أرض بلاده، ستتحقق في القريب العاجل"، وأن "المقاومة الآتية ستثبت انتصار الحق على الباطل" مما يعكس مسعى إيرانيا واضحا للتدخل في الشأن السوري وزعزعة الاستقرار الداخلي عبر تحريض بعض فئات المجتمع السوري ضد الإدارة الجديدة.
من هنا، تبدو هذه العملية كرسالة سياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي:
داخليا، تؤكد قدرة الحكومة على ضبط الأمن واحتواء التهديدات الموروثة من النظام السابق، وفي هذا السياق، تأتي عمليات ملاحقة الفلول ومنع تحولها إلى مجموعات منظمة لديها القدرة على تنسيق عمليات كبيرة ذات طابع منظم، تأتي لتقطع الطريق على لاعبين محليين (قسد نموذجا) لاستغلال أي فوضى في الدفع بمشروع تقسيم أو فدرلة في سوريا المستقبلية. خارجيا، تسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني وأدواته، بما في ذلك القوى الموالية له داخل سوريا، لضمان عدم استخدامها كورقة ضغط سياسية أو أداة لزعزعة الاستقرار.إضافة لذلك، تسعى الإدارة الجديدة من خلال هذه العملية إلى طمأنة الدول الإقليمية والدولية بأنها قادرة على ضبط الأمن بما يضمن تحقيق انتقال سياسي حقيقي يُرسخ حكم القانون، ويعزز استقرار البلاد، ويمنع تحولها إلى بؤرة توتر وقلق أمني إقليمي ودولي.
إعلان الأبعاد القانونيةتمثّل العملية الأمنية المستمرة خطوة على صعيد سيادة وتطبيق القانون وتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، بما يساعد على طي صفحة الماضي، وإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
فهذه العملية تستهدف عددا من الشخصيات البارزة المتورطة في ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين السوريين خلال سنوات الثورة، مثل شجاع العلي الملقب بجزار الحولة، ومحمد نور الدين شلهوم المتورط في تعطيل كاميرات سجن صيدنايا وسرقة الملفات منه قبيل وصول قوات إدارة العمليات العسكرية إليه.
إضافة إلى عدد من الشخصيات الأخرى، التي ارتبطت أسماؤها بانتهاكات جسيمة بحق الشعب السوري، كساهر النداف وسومر العلي وغيرهم من الشخصيات المسؤولة عن الأعمال الوحشية، إن محاكمة هؤلاء الأشخاص ليست فقط مطلبا قانونيا لضمان العدالة لضحايا النظام.
لكنها أيضا تعتبر خطوة أساسية نحو تسوية الصراعات الداخلية، وإن ضمان عدم الإفلات من العقاب يعزز من مصداقية الحكومة الجديدة، ويظهر جديتها في معالجة الشروخ الاجتماعية التي خلفتها سياسات النظام السوري السابق.
انتشار قوات إدارة العمليات العسكرية في قرية خربة المعزة بريف طرطوس في محافظة اللاذقية غربي سوريا (سانا) الأبعاد الاجتماعيةاعتمد النظام السوري السابق في توطيد حكمه على سياسة "فرّق تسد"، حيث عمل على تأجيج النعرات بين مكونات المجتمع السوري واستغلال التوترات الطائفية بهدف تأسيس كتلة بشرية صلبة يعتمد عليها في تثبيت سلطته.
وقد أدّت هذه السياسة إلى شروخ اجتماعية، خصوصا في مناطق الاحتكاك الطائفي مثل اللاذقية وطرطوس وحمص وريف حماة الغربي، هذه المناطق التي شهدت مع بداية الثورة ظهور شخصيات وعائلات موالية للنظام انخرطت في عمليات القتل ضد شخصيات وعائلات معارضة له، مما تسبب بحالة عداء مركبة ذات أبعاد شخصية وعائلية ومناطقية طائفية.
إعلانومع سقوط النظام وعودة العائلات المهجرة إلى مناطقها، بدأت حالة العداء ودعوات الثأر تظهر بوضوح مهددة في حال عدم احتوائها بالدخول في دوامة من العمليات الانتقامية التي يمكن أن تتطور إلى صدام طائفي.
تحت شعارات ياعلي متظاهرين في طرطوس
من يقوم بتحريك هؤلاء هم مشايخ العلويين
تحركوا من أجل كذبة المقام ولم يتحركوا لمجازر استمرت ل 13 سنة pic.twitter.com/8zkCwS4ZwL
— Wolverine (@Wolveri07681751) December 25, 20243ث
ولهذا، فإن قيام الحكومة بنفسها بملاحقة هؤلاء المتورطين ومحاكمتهم يسهم بمنع عمليات الثأر أو على الأقل يحد منها، كما أن المطلوبين للعدالة يمكن أن يسعوا إلى تأجيج النعرات الطائفية، بهدف تشكيل غطاء طائفي لهم يحميهم من المحاكمة.
وهذا ما بدا واضحا في الاحتجاجات التي اندلعت في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024 على خلفية انتشار فيديو يظهر حرق مقام الحسين الخصيبي، والذي ظهر فيه بعض المتورطين مثل جزار الحولة شجاع العلي وهو يحرض على حرق مساجد المسلمين السنة.
لهذا، تعدّ هذه العمليات عاملا مهما يحفظ النسيج الاجتماعي السوري المتنوع، كونه يعزز ثقة المواطنين بالمؤسسات الأمنية والقانونية الجديدة، ويمنع حالات الانتقام الفردي التي قد تتسبب بتجدد دوامة العنف وانفلات الأمن، كما أن هذا النهج يبعث برسالة واضحة ألا أحد فوق القانون، مما يسهم في تقوية أسس العدالة الانتقالية التي يحتاجها الشعب السوري وتطالب به مختلف دول العالم.
الأبعاد الاقتصاديةتحمل العملية الأمنية بعدا اقتصاديا حيويا يتمثل في تعزيز السيطرة وضمان الأمن في مناطق إستراتيجية تُعد بمثابة الشرايين في الاقتصاد السوري.
فقد تركزت تحركات فلول النظام في محافظات طرطوس واللاذقية، حيث تقع الموانئ الرئيسة التي تشكل الواجهة البحرية لسوريا وبوابتها للتجارة الدولية، إضافة لمحافظتي حمص وحماة اللتين تعتبران عقدة مواصلات مركزية تربط الساحل بالداخل السوري.
إعلانكما تربط شمال سوريا وعاصمتها الاقتصادية حلب بجنوبها وعاصمتها السياسية دمشق، لهذا، فإن بسط الأمن في هذه المناطق مهم لضمان استمرار تدفق البضائع بين الساحل والداخل والشمال والجنوب، وتشغيل عجلة الاقتصاد بما يخدم الاستقرار والتنمية وضمان وصول الخدمات والسلع الرئيسة.
إضافة لذلك، تحمل هذه العملية بعدا اقتصاديا آخر، حيث ستؤدي إذا نجحت في بسط الأمن إلى تعزيز ثقة المستثمرين بالحكومة الجديدة وقدرتها على مواجهة التحديات الأمنية، مما يزيد في قدرة سوريا على جذب الاستثمارات والمستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ختامارغم النجاحات الأولية التي حققتها هذه العملية، تظل الإدارة الجديدة أمام تحديات كبيرة للحفاظ على مكتسباتها وتعزيزها.
ولعل التحدي الأبرز يتمثل في ضرورة تقييد نطاق الملاحقات الأمنية لضمان محاسبة المتورطين الفعليين فقط، دون المساس بالمواطنين الأبرياء أيا كان انتماؤهم، مما يعزز الثقة الشعبية في الحكومة وفي سيادة القانون، ويُرسخ العدالة الانتقالية بشفافية وفعالية.
كما تُبرز هذه العملية أهمية العمل على مسارات اجتماعية وسياسية وقانونية موازية للمسار الأمني، بما يضمن إشعار جميع مكونات المجتمع السوري بالأمان وسيادة القانون في ظل الإدارة الجديدة، وإشراكها في عملية البناء بما يعزز مسار المصالحة الوطنية وإعادة ثقة السوريين ببعضهم.
وسيسهم هذا في تحصين المجتمع السوري بكل مكوناته أمام أي دعوات لاستغلاله من أي جهة داخلية كانت أو خارجية.
أخيرا، تعتبر هذه العملية أول اختبار أمني حقيقي للحكومة الجديدة، ونجاحها فيه سينعكس إيجابا على سوريا في مختلف النواحي، السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية.
وعلى النقيض من ذلك، فإن فشلها في احتوائه أو حتى نجاحها في احتوائه بالمسار الأمني فقط، دون العمل على مسارات اجتماعية وسياسية وقانونية موازية تعزز ثقة مختلف أطياف الشعب السوري بالحكومة الجديدة، يمكن أن يبقي المجتمع السوري قلقا وعرضة للاستغلال من فواعل داخلية وخارجية قد لا تريد للسوريين خيرا.
إعلان