من الكيزان في السودان لحماس في فلسطين
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
د. عمرو محمد عباس محجوب
يطلق لقب الكيزان على تنظيم الإخوان المسلمين في السودان من الخمسينات، وهو تنظيم تولى الحكم في الخرطوم باسم الإنقاذ من ١٩٨٩ وحتى تم إسقاط النظام بعد ثورة أخذت شكل المواكب والمظاهرات بدات في أقاليم البلاد في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ واستمرت في كافة أنحاء الوطن حيت حدث انقلاب عسكري (تحت المسمى المشهور انحياز الجيش لثورة الشعب) في ٦ يوليو ٢٠١٩ وتولى عسكريين عملوا تحت إمرة النظام طوال الثلاثون عاماً حتى اليوم.
هذا الورقة تتناول الموقف من الكيزان في السودان وأثرها في موقف السودانيين من طوفان الأقصى ومحور المقاومة، وموقف الكاتب المتغير تجاه سوريا من تاييد الثورة السورية كجزء من الثورات العربية والموقف من المشروع الجهادي التركي الاسرائيلي الأمريكي الأخير.
عندما لحق السوريون الثورات العربية منذ ١٥ مارس ٢٠١١ ، رحب كل المدنيين الديمقراطيين ومنظمات المجتمع المدني ومن ضمنهم الإخوان المسلمين وكل المنظمات الإسلامية المتطرفة مثل القاعدة وحتى منظمة حماس. كان الحماس الذي جمع كل هؤلاء رغم تناقضاتهم الفكرية والسياسية. وكان دخول منظمة حماس في الحرب ضد النظام السوري مشجعاً للذين كانوا يربطون بين سوريا وقضية فلسطين والعداء السني لحرب الله المقاوم في لبنان برعاية ايران. كما دخلت قناة الجزيرة كمعبر إعلامي عن القضية السورية كما عبر عنها الشيخ حمد بن جاسم وزير خارجية قطر انذاك في اعترافاته في دعم وإسناد وأموال وأسلحة للمقاتلين في سوريا.
حدث صراع عنيف تراص فيه الإسلاميون المنظمون ودول الخليج وتركيا ودخل فيه جزء من الشعب السوري وحمل السلاح الذي وفرته أطراف عديدة سواء بالمال او شراء السلاح او بالخطأ الأمريكي كما قيل في توفره لداعش وحزب القاعدة وبعدها جبهة النصرة وبعدها جبهة تحرير الشام. دخل حزب الله والعراقيون والإيرانيون وغيرهم في الدفاع عن النظام السوري. ثم تدخلت امريكا وتركيا واخيراً روسيا مباشرة. في هذه المعمعة توصلت منظمة حماس إلى خطا موقفها من سوريا التي تمثل موقفاً ثابتاً ضد المشروع الصهيوني ومع القضية الفلسطينية. وتبنى الشهيد السنوار رئيس حركة حماس في غزة اعادة العلاقات الوثيقة مع النظام السوري وحزب الله اللذان قاتلاهما في سوريا ونسج علاقات مع النظام الإيراني، باعتبار هذه الدول هي محور المقاومة الحقيقي في صراعه مع الكيان الصهيوني. أي باختصار فقد وجدت حماس السنية وهي تجهز لمعركة طوفان الأقصى ان الحلفاء هم حزب الله والدول الشيعية في ايران وذات الأغلبية مثل العراق وسوريا واليمن. وغيرت الأصولية المذهبية الإخوانية إلى وجودها كمنظمة تحرر مقاوم.
وعندما بدأت معركة الطوفان، كنت متردداً في تأييدها، باعتبار ان حماس اخوان مسلمين وهم كانوا سبب الخراب والتدمير والتفكيك والسرقة واللصوصية في السودان منذ وصولهم عام ١٩٨٩ والذين لم يستطع السودانيون التخلص منهم حتى الآن في الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية ولا استعادة ما نهبوه من الوطن. لكن وقفت ضد هذا التردد وأيدت طوفان الأقصى كقضية تحرر وطني، وكتبت عديد المقالات لدرجة ان الفيسبوك اقفل حسابي المستمر منذ منتصف الألفيات وبها ذخائر ذكرياتي منذ تحركات ٢٠١٢ وتحركات ٢٠١٣ وخمس سنوات من الثورة ٢٠١٨-٢٠٢٤. ومن متابعاتي للأوساط السودانية، في الوسائط من واتس وفيسبوك وغيرها، المنهكون من حربهم مابين نزوح ولجوء، فقد كان التطرق للطوفان وحروب الشرق الأوسط قليلاً جدا وتم التصدي حتى للترحم على الشهيد نصر الله وقلة الاهتمام. وأعتقد جازماً ان للشخص العادي الذي لايتابع الأحداث بدقة، ان موقف السودانيين من تنظيمهم الاخواني المحلي مؤثر بشكل كبير على موقفهم.
طوال الخمسة عشر شهراً اثبتت حماس ومعها الجهاد والجبهة الشعبية والديمقراطية ومنظمة فتح المعارضة لفتح ابومازن وحكومته، أنها مقاومة للتحرر الوطني وقد اوضحت موقفها الذي لايختار الأيديولوجيا لكن صوت شعب غزة. اقف مع المقاومة الفلسطينية واقف ضد الكيزان في السودان واعمل على خلق جيش قومي وإخراجهم من الحياة السياسية كتنظيم وإعادة المال المنهوب وووو. دخل حزب الله إسناد الطوفان يوم ٨ اكتوبر وفقد في سبيل هذا العديد من قياداته حتى أمينه العام الشهيد حسن نصر الله وشهداء وتحطيم قرى الجنوب وتدمير مراكز وحواضن حزب الله، معها ساندت العراق واليمن فلسطين.
الإخوان المسلمون في العالم العربي والإسلامي لم يعد لديهم مشروع قومي لأنهم أصلا ليس لديهم مشروع وطني بخياراتهم الفكرية، لأنهم تفرقوا من تنظيمهم العالمي الذي تفكك، وخياراتهم السياسية معادية للحقوق والديمقراطية والمدنية كما وضح في السودان بشكل واضح لاجدال فيه. خياراتهم الاجتماعية لم تطرح قضايا الفقراء والمهمشين او العدالة الاجتماعية بكل وضوح، كما طرحت بلغة القرن العشرين، هذا مع التجربة السودانية التي اتجهت فيها جماعة الاخوان لاقتصاد سوق السجانة أي التجارة وليس التنمية والفساد المالي وليس حل قضايا الجماعات الهامشية وهكذا. اماً مشكلتهم الرئيسية فهي في خيارهم الفكري الذي يلقي بإشكالات التنوع-الموجود في كل البلاد- إلى لهيب الانصهار القانوني كحل وحيد، إلى الخلافات الفكرية حتى التفصيلية في الفقه والمذهب إلى الإقصاء والقمع وبيوت الأشباح. اماً الخلاف السياسي فهو محظور تماماً في تصورهم وتشتد عقوباته مع قوة الدولة وضعفها.
مع إيقاف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني، تحركت مجموعات القاعدة الإسلامية المتطرفة بقيادة محمد الجولاني الذي بايع زعماء القاعدة من إدلب إلى حلب. كان الغزو جزءا من التحركات الأمريكية الاسرائلية التي نسقتها الدولة التركية (عضو الناتو) والدعم الكبير الإعلامي القطري (اكبر قاعدة أمريكية) وهما مراكز اخوانية تحت الوصاية الأمريكية. استعملت فيها المجموعات الإسلامية لكي يدخل لقطع طريق التمويل الإيراني العراقي السوري لحزب الله. وتحول كثير من اللذين يقفون مع المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى، إلى تأييد غزو سوريا بواسطة جحافل تنظيم القاعدة وداعش وحلفائها المرتبطة بالمشروع الصهيوني الأمريكي.
إذن فقد ذهب الإخوان المسلمين إلى التحالف مع تركيا التي قدمت نفسها لترامب (حسب تحليلات خبراء) باعتبارها
شريك الناتو المضمون لتحقيق المشروع الأمريكي في تصفية النظام السوري وقطع خط الامداد لحزب الله كجزء من مطامع تركيا في تدمير محور المقاومة المحسوبة على ايران الشيعية وإنشاء الخلافة السنية بقيادة تركيا. ان الموقف من اخوان العالم العربي- سوف استثني حماس حتى موقف آخر- واخوان السودان-الذي تستضيف تركيا كل لصوص السودان وتستفيد من حساباتهم المالية-، اصبح واضحاً في التحاقهم بالمشروع الصهيوني الأمريكي الذي يتلقى الضربات يميناً وشمالاً وفي أضعف حالاته (المثير للضحك ان تركيا قدمت طلباً لبريكس وتم رفضه حالياً).
ذكر المحلل العسكري والسياسي سكوت ريتر (عمل في البحرية الأمريكية واختير مسئولاً في الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية حسب ادعاء امريكا) في لقاء على اليوتيوب، عن دور اسرائيل في حرب سوريا. ويعتقد ان الكيان يلعب دورا كبيرا لعدم القدرة على هزيمة حزب الله عسكرياً او سياسياً. القصد هو الضغط على محور المقاومة عن طريق إضعاف سوريا بوصفها الداعم الأساسي للمقاومة والطريق لربط ايران بالقضية الفلسطينية. تم في هذه العملية تحشيد تنظيم القاعدة (كان قد تم توطينهم في منطقة إدلب كمنطقة اسلامية لاحقا في اتفاقيات بين الدول في أستانا عام ٢٠١٧-٢٠٢٢). تولت عملية التحشيد والتدريب والتسليح تركيا من الدول الإسلامية الآسيوية لصالح تحقيق المصالح المشتركة بينها وبين اسرائيل.
التوقيت كان هاما فقد كان الموعد المحدد في مارس ٢٠٢٥، لإشغال الروس في أوكرانيا لكن اسرائيل طلبت تقديم الموعد وهكذا قامت تركيا بالتنسيق في تحضير الجيش الضخم المعد جيدا وفي ادراج المسيرات الاوكرانية في المعركة وفي المعلومات الدقيقة من الاستخبارات الأمريكية والغربية عن سوريا. وحدث تحرك سريع من الوحدات السورية، من ايران وروسيا، من حزب الله ومن الحشد الشعبي العراقي وتستعد كلها لمعركة فاصلة وسوف تنتهي من الدولة الاسلامية في إدلب وتنتهي من الدولة الكردية المستقلة ضمن اتفاقات وتجبر الأمريكان على الرحيل. يعتقد ريتر ان امريكا واسرائيل فقدا المعركة في سوريا والخاسر الأكبر هو تركيا لأنهم فقدوا الثقة به.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النظام السوری طوفان الأقصى فی السودان حزب الله
إقرأ أيضاً:
انهيار النظام السوري ضربة لـ"محور المقاومة"
سلط الكاتب الصحفي السياسي جون غامبريل، الضوء على الانتكاسات المتتالية التي واجهتها الحكومة الإيرانية، واصفاً استراتيجية طهران في بناء "محور المقاومة" بأنها تعاني من التفكك والانحلال.
محور المقاومة الإيراني قد ينهار، فإن البلاد تظل لاعباً إقليمياً حاسماً
وقال غامبريل، المختص في شؤون الشرق الأوسط في وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء، في تقرير نقلته شبكة "آي بي سي نيوز" الأمريكية، إن هذه الشبكة الإقليمية من الجماعات المسلحة والحلفاء، التي تدعمها إيران منذ فترة طويلة، تلقت ضربات كبيرة.وتأتي الصدمة الأخيرة مع انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في أعقاب هجوم فصائل المعارضة الذي استولى على دمشق، ويوضح غامبريل أن الأسد كان محوراً رئيسياً في استراتيجية إيران الإقليمية، حيث وفر روابط جغرافية حيوية وعزز نفوذها ضد إسرائيل من خلال جماعة حزب الله في جنوب لبنان.
كان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قد أشار في وقت سابق إلى سوريا باعتبارها "الحلقة الذهبية" في سلسلة المقاومة. من هنا، فإن خسارة الأسد في سوريا لا تعطل هذه السلسلة فحسب، بل تقوض أيضاً موقف حزب الله، مما يقلل من قوة الردع الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة. التحولات الإقليمية: شبكة مكسورة
وأوضح التقرير كيف أدت الحروب الأخيرة في غزة ولبنان إلى تفاقم التحديات التي تواجه إيران. ويؤكد الرد الإسرائيلي على هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وضرباتها المؤثرة على حزب الله في لبنان، إلى جانب الضربات الجوية الناجحة داخل إيران، على انهيار محور المقاومة. وبالتالي، فإن شبكة إيران، التي كانت مهيمنة ذات يوم، تتعثر الآن بسبب الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية.
The collapse of the Assad regime marks a significant setback for Iran’s “Axis of Resistance,” a central pillar of its security strategy. This development not only diminishes Iran’s influence in Syria but also disrupts its regional network of allied groups. the current… pic.twitter.com/Wvs97i4LAv
— Lulu (@upuouo) December 8, 2024وقال معد التقرير: "اختفى الدور الحاسم الذي لعبته سوريا كمركز عبور للإمدادات الإيرانية إلى حزب الله. ويؤدي هذا التطور إلى إضعاف حزب الله الذي كانت ترسانته في جنوب لبنان ذات يوم نقطة رئيسية للنفوذ الإيراني".
انهيار الأسد وتداعياته وأوضح التقرير أن سرعة سقوط الأسد كشفت عن اعتماده على الدعم الإيراني والروسي. لكن، ما تزال روسيا غارقة في حربها المطولة في أوكرانيا، ويكافح الاقتصاد الإيراني المثقل بالعقوبات تحت الضغط الدولي. وقد حالت هذه القيود دون تدخلاتهما الحاسمة التي كان يحتاجها الأسد للاحتفاظ بالسلطة.وتنظر إسرائيل إلى انهيار الأسد بوصفه انتصاراً كبيراً. ووصفه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بأنه "يوم تاريخي"، وعزا ذلك إلى الإجراءات والضربات الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله. كما نقلت إسرائيل قواتها لتأمين حدودها مع سوريا، خوفاً من عدم الاستقرار المحتمل. التداعيات المحلية في إيران
وأشار التقرير إلى التداعيات المحلية لانتكاسات إيران الإقليمية. ولطالما استخدمت الحكومة الإيرانية تحالفاتها الخارجية كرمز للقوة. ومع ذلك، فإن الخسائر المالية لهذه التحالفات، بما في ذلك المليارات التي أنفقت على دعم الأسد، أدت إلى تأجيج السخط في الداخل. وتضمنت الاحتجاجات على مستوى البلاد في السنوات الأخيرة انتقادات للتدخلات الأجنبية المكلفة لإيران، مما يسلط الضوء على الإحباط المتزايد بين السكان.
#Analysis: #Collapse of #Syria's #Assad is a blow to #Iran's 'Axis of Resistance'https://t.co/oqTkicREDb
— Economic Times (@EconomicTimes) December 9, 2024ورغم هذه التحديات، يقول معد التقرير إن قدرة إيران على فرض قوتها في الشرق الأوسط لم تتضاءل تماماً، حيث يواصل حلفاؤها، مثل الحوثيين في اليمن، شن الهجمات وتعطيل الملاحة في مدخل البحر الأحمر، وإن كان بوتيرة منخفضة. كما يظل البرنامج النووي الإيراني أداة قوية للتأثير، حتى مع إثارة الإنذارات على المستوى الدولي.
العامل النووي والمخاطر الأوسع نطاقاً وأشار معد التقرير إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره جانباً مهماً من استراتيجية طهران الإقليمية. في حين تصر طهران على النوايا السلمية، تشك أجهزة الاستخبارات الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية في وجود طموحات لتطوير الأسلحة النووية. وقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً من قدرة إيران على زيادة مخزونها من اليورانيوم الذي يقترب من درجة صنع الأسلحة بشكل كبير.وسلط ثانوس دوكوس، مستشار الأمن القومي اليوناني، الضوء على مخاطر طموحات إيران النووية وإمكانية التصعيد الإقليمي، وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية للنفط. الملاحة في مستقبل محفوف بالمخاطر وأكد معد التقرير على الموقف الهش الذي تواجهه إيران الآن، مشيراً إلى ضرورة قيام النظام الديني بإعادة ضبط استراتيجيته في ظل السخط المحلي والخسائر الإقليمية. ويظل الاستقرار في الشرق الأوسط أمراً بالغ الأهمية، كما لاحظ دوكوس، الذي يحذر من الانتشار السريع لعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة. ومن المرجح أن تشكل قرارات إيران في الأشهر المقبلة مستقبل نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها بالقوى العالمية.
واختتم غامبريل التقرير بالقول: رغم أن محور المقاومة الإيراني قد ينهار، فإن البلاد تظل لاعباً إقليمياً حاسماً، ولديها القدرة على اتخاذ إجراءات مزعزعة للاستقرار وإعادة إمساك الأمور بشكل عملي. وسوف يحدد التوازن بين هذين المسارين دور إيران في الديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط.