بقلم: حسن ابوزينب عمر
(1)
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا البيت لا يبتنى الا على عمد ولا عماد إذا لم ترسي اوتاد فان تجمع أوتاد وأعمدة يوما فقد بلغوا الذي كادوا إذا تولى سراة القوم أمرهم نما على ذاك أمر القوم فازدادوا الأفوه الأودي (شاعر جاهلي) وضع الحكم الثنائي الاستعماري لبنات قوية لإدارة أهلية راشدة أمينة ناشطة في تحقيق الأهداف التي أنشأت من أجلها وهي ضبط النزاعات المحلية وتحقيق التعايش السلمي وحل نزاعات الأراضي والمراعي وحفر الآبار لكن وحدها جائت الحكومات الوطنية لتزرع اول بذرة فساد في رحم الإدارة الأهلية فحكومات ما بعد الاستقلال وبالذات العسكرية من عبود الى نميري الى البشير الى البرهان استغلت هذه المكونات وتلاعبت بها حينا لتثبيت دعائم حكمها وحشد التأييد الجماهيري لإظهار قوتها أمام خصومها في الانتخابات وحينا بإلغائها وشطبها من الوجود كما تؤكد مسيرة مد وجزر هذه المكونات على مدار الحكومات المتعاقبة .
(2)
في عصر الفريق عبود (1959-1964) قامت لجنة القاضي محمد أحمد أبو رنات بتفتيت الإدارة الأهلية وتوزيع سلطاتها على مؤسسات المركز باعتبار ان الادارة ارث استعماري .. بعد ثورة أكتوبر تعرضت الإدارة الأهلية لهزة سياسية اذ تعالى صوت للصفوة المثقفة يقول ان الإدارة الأهلية لا تتناسب مع التطور والتنمية المنشودة في السودان ..في عهد حكومة مايو (1969-1985 ) ألغى الرئيس نميري الإدارات الأهلية وقضى على سلطة سيطرة نظار القبائل على الأراضي واستعاض عنها بقانون الحكم الشعبي المحلي لعام 1971 تحت حجة انها امتداد للتربية الاستعمارية وطريقة متخلفة من الحكم فات أوانها حسب وصف أبو القاسم محمد إبراهيم .
(3)
وحده شذ نظام البشير (1989 - 2019 ) وأتى بما لم يأت به الأوائل فبعد سقوط مايو استعادت الإدارة الأهلية روحها وهي رميم فقد صممت الإنقاذ منهجا جديدا للفساد للتعامل معها باستثمارها في مشاريعهم السياسية وفي حشد التأييد الشعبي وتجنيد المقاتلين في حرب الجنوب فتضاعف صرف الحكومة على زعماء الإدارة الأهلية بالهبات والهدايا والعطايا لكسب تأييدهم والفوز بولاءات المجتمعات التقليدية التي يتزعمونها كما عملت الإنقاذ على استقطاب عدد من القبائل وقامت بدعمهم بالمال والسلاح واستخدمت وظائف الإدارة الأهلية التقليدية كوظائف حكومية تختص بها القبائل الموالية للنظام .
(4)
بنجاح ثورة ديسمبر 2019 استمر تسيس الإدارة الأهلية وزاد الاهتمام بدورها في حشد التأييد من قبل المجلس العسكري الانتقالي الذي خطط لتكون بمثابة حاضنة سياسية له ضد خصمه قوى اعلان الحرية والتغيير فتطورت هدايا الاسترضاء من بندقية واحدة لخفير الناظر في عهد الحكم الثنائي الى العطايا المالية والأوسمة ثم الى سيارات الدفع الرباعي التي تعتبر صيدا ثمينا مغريا لا يقاوم لزعيم في منطقة رعوية بدوية وكان عراب هذا المنهج فريق الخلا محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي استثمر بكاسي (دبل كابينة اليابانية) لشراء الذمم وتحويل الولاءات واللعب بالثوابت والقناعات كما كان يفعل البرغوث ليونيل ميسي بخطوط الوسط والدفاع .
(5)
نحن في ولاية البحر الأحمر أكبر ضحايا حرب داحش والغبراء أو حرب البسوس البجاوية التي طرفاها اثنين من هذه القيادات هما ترك وشيبة ضرار في صراع عبثي عدمي نعيش فصوله القميئة مع غروب الشمس وشروقها ..الحكومة تسد أذنا من طين وأخرى من عجين تجاه عواصف الصحراء هذه ففيها ما يكفيها طالما يتنافس الطرفان في صراخ الحناجر (جيش واحد شعب واحد) ..قيادات البجا الأخرى وحكمائها لا يكترثون وكأن الأمر لا يهمهم أما العامة فهم في عالم آخر من التخدير ..هؤلاء ناشطون في ساحات التجمعات والاستقبالات ومهرجانات الوداع والرقص فقد أعربت أحد الناشطات من خوفها في نقد لاذع أن بعض الشباب ذوي الكفاءات النادرة سحب بلاط رقصة الرقبة من تحت أقدام البنات.
(6)
ان المرأ يرفع حواجب الدهشة كيف ان ما يربوعن مئتي شاب يتدافعون الى المطار البعيد زرافات ووحدانا في حماس تام لاستقبال أحد قيادات الإدارة فاذا كانت لديهم هذه الطاقة والحماسة والهمة فلماذا لا تظهر في العمل الجاد materlized on the ground كالتعليم والبيئة ومكافحة المخدرات وامراض العصر الخطيرة التي تهدد بإبادة البشر في الأحياء الهامشية المنسية والأيام تتعاقب والقوم لازالوا سادرون في غيهم وسط الاستقبالات والوداع ومهرجانات التكريم التي لا يعرف أحد من يكرم من. هل تحولنا الى مخلوقات وكائنات تعيش بسطح وجودها وبقشرة جسمها؟ .
(7)
يقول الدكتور مصطفى محمود ان الشعب الذي ينفق أحشائه وهمته وحماسه في الاستقبالات ومهرجانات التكريم الوهمية ثم يعود الى بيته جثة خاوية جوفاء ليست فيها همة لشيء هو شعب يحتاج الى تحليل نفسي فهل هو خطأ في التربية والتعليم ..هل هو خطأ سياسي تنظيمي ؟
(8)
ان العمر قصير والانسان لم يولد ليعيش عبثا ويموت عبثا ..ما نعانيه يدعو لأن نعمل شيئا في حياتنا قبل أن نغادر الفانية التي لخص متطلباتها النهائية الشاعر صلاح أحمد إبراهيم ذات مرة في (كفن من طرف السوق وشبر في المقابر) ..لابد من هزة للذوق العام وتغيير في الفهم وفي الوعي وفي الادراك . لقد عشنا زمانا كانت الإدارة الأهلية تؤدي رسالتها المقدسة في حفظ الأمن والأمان بحكمة وعزم الرجال وكان الشيوخ يرسمون بعصيهم على تراب الأرض أشكالا هندسية ايذانا بإيجاد حلول لمشكلات أهلية معقدة موظفين الأعراف المحلية من (قلد وواجاب) لحقن الدماء بعد فشل أجهزة الشرطة.
(9)
لا أدري هل انقلب علينا الزمان أم انقلبنا نحن على الزمان ونحن ننام ونصحى على المناطحات والمناكفات وهذه التفاهات والسخافات والقاذورات والعنتريات التي ما قتلت ذبابة أما آن لها أن تترجل في مجتمع تفطم النساء فيه أطفالها بعد أربعة أشهر من الولادة لانعدام اللبن في الأثداء وتسجل فيه وفيات الأطفال أعلى نسبة ربما على نطاق العالم ..حاضرنا بائس وغدنا متشح بالسواد فأي رسالة يسعى الفرقاء لإيصالها فقد بلغ الوجع نهاياته يا طرفة بن العبد أولست القائل وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
oabuzinap@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإدارة الأهلیة
إقرأ أيضاً:
صور| مسيرة لطلاب وأكاديميي جامعة صنعاء بعنوان “بالاستنفار الشعبي والأمني والعسكري… مع غزة حتى النصر”
يمانيون/ صور
صور| مسيرة لطلاب وأكاديميي جامعة صنعاء بعنوان “بالاستنفار الشعبي والأمني والعسكري… مع غزة حتى النصر” 08-07-1446هـ | 08-01-2025م