الحكومة في الجنوب مع الجيش والشعب
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
كل ما يجري في لبنان لا يمكن أن يكون مجرد صدفة، بل غالبًا ما يكون نتيجة لمعطيات أو لتصورات قد يكون لها بعض الأهداف الملموسة في سجل حافل بالأجواء الغامضة، التي رافقت عملية التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في شكله النهائي بعدما فوض "حزب الله" الرئيس نبيه بري التفاوض باسمه. ولأن لا مكان للصدفة في ما تضمّنه هذا الاتفاق، وبالأخص ما ورد في مقدمته لجهة التزام جميع الأطراف بالقرارات الدولية التي سبقت القرار 1701، والتشديد على أنه لا يحق لأي "جماعة" أن تمتلك السلاح باستثناء القوى الشرعية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن الدولة وأمن العام وجمارك وشرطة بلدية، فإن ما بعد هذا الاتفاق لن يكون كما قبله، من دون أن يعني بالضرورة أن سلاح "حزب الله" سينزع منه بكبسة زرّ حتى ولو كان موافقًا على ما جاء في هذا الاتفاق من بنود تمت مناقشتها بدقة وعناية .
ولو لم يوافق "حزب الله" على كل فاصلة وردت فيه لما كان الاتفاق على وقف النار قد أبصر النور، ولكان التراشق الصاروخي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، من حيث ما نجم عنه من دمار وخراب لم يسبق أن شهدت مثيلًا له أي حرب أخرى في الالفية الثانية. وهذه الموافقة لم تكن مشروطة سوى بما يؤمن إلزام إسرائيل بتطبيق كل ما جاء في الاتفاق، علمًا أن الورقة الجانبية بين تل أبيب وواشنطن، والتي لم تنشر، والتي تعطي لإسرائيل الحقّ في التدّخل عسكريًا في لبنان عندما ترى ما يستوجب التدّخل لحماية أمنها، لم تكن سرية بالنسبة إلى الذين كانوا يفاوضون عبر الوسيط الأميركي من الجانب اللبناني.
واستنادًا إلى البنود التسلسلية الواردة في اتفاق وقف النار فإنه لن يحقّ لأيٍ كان باستثناء حتى آخر شرطي بلدي في آخر قرية من لبنان حمل "عويسية"، مع الإشارة إلى أن القانون اللبناني يوم كان له حضور فاعل كان يجرّم كل من يحمل "عويسية سبع طقات". وقد تأخذ جدلية ما في هذا الاتفاق من بنود الكثير من الأخذ والردّ، باعتبار أن منطق الأشياء بطبيعتها السطحية تبدو لغير صالح "حزب الله"، الذي لم يكن ليوافق عليه لو لم يكن مضطرًّا بعدما تخطّت خسائره غير المقدّرة قدرة الاحتمال عندما قرّر فتح جبهة المساندة لغزة منفردًا.
في المقابل فإن إسرائيل لا تزال تتعامل مع اتفاق وقف النار على أساس أنه قد حقّق لها ما لم تكن قادرة على تحقيقه في الحرب على رغم حجم الاعتداءات، التي فاقت كل تصوّر. ومن هنا يمكن تفسير تماديها في خرقه بما يعادل المئتي خرق حتى الآن منذ أن أُعلن عنه رسميًا وأصبح نافذًا. فتل أبيب تعتبر أن الورقة الجانبية بينها وبين واشنطن هي من صلب بنود الاتفاق، وهي تتصرّف كأن لها الحقّ المطلق في التدّخل في لبنان في كل مرّة تدّعي فيها أن أمنها مهدّد.
فهذه الخروقات الإسرائيلية الموثقة ستوضع على طاولة الجلسة الأولى للجنة الخماسية المنوطة بها مهمة مراقبة تنفيذ الاتفاق الموافق عليه من الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وسيكون لها على الأرجح موقف حاسم وجازم، وفق الآلية المتفق عليها، بحيث يتم تبليغها بأي خرق من كلا طرفي الصراع، ليصار بعد المناقشة إلى رفع خلاصة بهذه الخروقات وتبلغ إلى كل من الحكومة اللبنانية وإلى حكومة الحرب في تل أبيب، فيتم تكليف الجيش للحؤول دون خرق الاتفاق من الجهة اللبنانية ("حزب الله")، على أن تكفّل قوات الأمم المتحدة بلجم إسرائيل ومنعها من أي خرق بذرائع واهية.
من هنا تأتي أهمية عقد جلسة للحكومة في ثكنة بنوا بركات في صور غدًا، والتي هي بمثابة رسالة قوية إلى الجنوبيين العائدين، والتي تتزامن مع مباشرة لجنة المراقبة عملها، خصوصًا أن لرمزية عقد الجلسة في ثكنة عسكرية دلالات مهمة بعدما أعطي الجيش الضوء الأخضر لتوسيع انتشاره في الجنوب كما على الحدود الشمالية والشرقية.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذا الاتفاق حزب الله
إقرأ أيضاً:
بالأرقام أكثر من 161 خرقًا.. “إسرائيل” تستبيح وقف إطلاق النار
يمانيون../
ليس مستغربًا على العدو الصهيوني أن يخرق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، لا بل يعدّ ذلك مبدأً أساسيًا في عقيدته القتالية والعسكرية والسياسية. العدو الغاشم كرّر على نحو أشد وحشية وغدر ما قام به عام 2006، خلال الأيام والأسابيع الأولى لدخول قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، واليوم، ما زال ومنذ اللحظات الأولى، يمارس الخروقات الفاضحة والإجرامية لهذا الاتفاق، ضاربًا ببنوده وبدور اللجنة الدولية المراقِبة عرض الحائط، مقارنةً بالطرف اللبناني الذي أبدى التزامًا حاسمًا ومصداقية كبيرة في هذا السياق.
“إسرائيل”، ومنذ اللحظات الأولى لإعلان وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من الشهر المنصرم وحتى الآن، استمرت في الخروقات سواء عبر القصف الجوي أو المدفعي أو خطف المدنيين أو حتى قصف العمق اللبناني وتدمير أحياء وأبنية في جنوب لبنان، وذلك انطلاقًا من أهداف وغايات عديدة. وصل عدد الخروقات “الإسرائيلية” منذ سريان مفعول الاتفاق قبل 11 يومًا إلى 161 خرقًا لغاية لحظة كتابة هذا المقال، أوقعت إجمالاً 24 شهيدًا و أكثر من 23 جريحًا، والجدير ذكره أن الفرنسيين قد صرحوا منذ أيام، أنه خلال يوم واحد فقط سُجّل 56 خرقًا “إسرائيليًا” للاتفاق.
من وجهة نظر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد منير شحادة، منسق الحكومة السابق في قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” ورئيس المحكمة العسكرية سابقًا، فإن أهداف “إسرائيل” من هذه الخروقات تتمثل أولًا بإرسال رسالة إلى الداخل “الإسرائيلي” بعد مشهد عودة النازحين بهذه الكثافة إلى جنوب لبنان، إذ عاد ما يقارب من 80% من اللبنانيين، ومشهد العودة هذا أثر في الداخل “الإسرائيلي”، بما أن نازحي لبنان عادوا إلى قراهم، بينما نازحو الشمال لم يعودوا.
هذا المشهد أثار غضب الشارع “الإسرائيلي” ووصل بهم الأمر إلى حد وصف هذا الاتفاق بأنه “اتفاق هزيمة” بالنسبة للحكومة “الإسرائيلية”، لذلك عمدت هذه الأخيرة إلى توجيه رسالة للداخل بأنها ما زالت تحتل قسماً من جنوب لبنان وتستهدف أي مكان في أي وقت تريده، بمعنى أن يدها هناك ما زالت طليقة.
وفي السياق نفسه، يشير العميد شحادة إلى أنه في ما يتعلق بـ لبنان واللّجنة، فإن “إسرائيل” تحاول أن تفرض أمرًا واقعًا بخصوص حرية الحركة الذي كانت تنادي به إعلاميًا، ولكن ذلك لم يُذكر في ورقة الاتفاق ببنوده الثلاثة عشر، خاصةً وأنه في أحد البنود، ثمة بند يتحدث عن حق الدفاع عن النفس الذي لا يثبت أن هناك حرية حركة، لذلك فهي تحاول أن تفرض هذا الأمر وهذا لن يمر. بالإضافة إلى ما تقدم، فإن العدو يحاول استكمال تدمير البنى التحتية والقرى قدر الإمكان لجعلها أرضاً محروقة قبل أن ينسحب من الأراضي اللبنانية .
العميد الركن الدكتور هشام جابر يرى من جهته أن هذه الخروقات ستستمر، ومن المتوقع أن اجتماع اللجنة نهار الثلاثاء المقبل يمكن أن يؤدي الى انخفاض وتيرتها، لكن لا يؤمن جانب العدو “الإسرائيلي” لناحية امتناعه عن إحداث أي خرق كبير يتسبب بزعزعة هذا الاتفاق.
بدوره، يوضح العميد شحادة، أن هذه الخروقات، بالطبع، تجعل الاتفاق هشًا، وأن رد المقاومة منذ بضعة أيام، كان ردًا تحذيريًا ردعيًا وقد نُفّذ بشكل ذكي، حيث إنها قصفت مركزًا عسكريًا في منطقة كفرشوبا التي لا تخضع للقرار 1701، لتكون المقاومة بذلك قد ردّت على خرق الاتفاق ولم تخرق القرار 1701.
ويضيف :”من الواضح أن “إسرائيل” حسبت حسابًا لهذا الرد، وهذا ما سرّع تدخل دول غربية وكذلك بدء عمل لجنة الرقابة التي تأخرت كثيرًا، وتأخيرها كان في وضع مشبوه، كأنها تعطي لـ “إسرائيل” فرصةً لتنفيذ ما كانت تعجز عنه في أثناء الحرب، والدليل الجليّ هنا هو تحركات العدو “الإسرائيلي” في عدد من المحاور بواسطة الدبابات وتقدمها إلى محاور عديدة لم تستطع أن تدخلها خلال الحرب بفعل ضربات المقاومة، أما اليوم فهي تحاول ذلك وهذا الشيء الأخطر هنا. وهذا ما أكده العميد الركن هشام جابر خاصةً “بعد فشل العدو بتحقيق ذلك عبر المعارك العسكرية وفي ظل انسحاب المقاومين من القرى الحدودية التي يدمرها حاليًا”.
العميد شحادة رأى أنه على اللجنة أن تعمل بأقسى سرعة وأن تراقب بشكل جدّي الخروقات “الإسرائيلية” لهذا الاتفاق. وإذ لفت إلى أن اللجنة بدأت عملها وقامت باجتماعها في الجنوب فضلًا عن قيامها بجولة على قيادات الجيش والطوارئ الدولية في المنطقة، فقد اعتبر أن عملها يجب أن يكون مكثفًا على الأرض أكثر مما نراه، لأن خروقات “إسرائيل” يمكن أن تؤدي إلى انفلات الأمور وإلى انهيار هذا الاتفاق”.
وتابع الخبير شحادة قائلاً إن :”لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار ليس لديها صلاحية أن تستعمل القوة لتنفيذ هذا الاتفاق. فهي فقط لجنة مراقبة تفيد مجلس الأمن الدولي عن خروقات “إسرائيل”، كما تفيد أميركا التي تعد راعية لهذا الاتفاق عمن يخرق بنوده، خاصةً وأن المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين صرح بأن “إسرائيل” تخرق هذا الاتفاق، وهذه
الخروقات قد تؤدي لانهياره. وفي الوقت عينه، عمل هذه اللجنة -لا سيما وأنه يرأسها ضابط أميركي- قد يكون لها تأثير من ناحية الجدّية في عملها، مقارنة بعدم وجود ضابط أميركي على رأسها.
وخلص العميد شحادة إلى أن اللجنة ترى عدم قيام المقاومة بخرق الاتفاق وعدم ردّها على هذه الخروقات، وهذا ينعكس إيجابًا على موقف لبنان اتجاهها في المستقبل القريب، وهو ما أكده العميد الركن هشام جابر مشددًا على أن حزب الله من جهته، ملتزم بالاتفاق وبالصمت والصبر حتى الآن، لكن، إذا استمر العدو “الإسرائيلي” بخروقاته، أو قام بأي عمل عسكري كبير، فهذا من شأنه أن ينسف الاتفاق، لأن المقاومة سترد حينها، مضيفًا أن حزب الله كان قد أعلنها صراحةً أن لا عودة للحرب مجددًا، حرصًا على عدم تدمير لبنان حتمًا، بينما أصرّ على أن حق الدفاع مشروع.
* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الإخباري ـ الكاتب: سارة عليان