تعد مدينة ماتشو بيتشو واحدة من أهم المدن التراثية على مستوى العالم، إذ إنها تقع على سلسلة من التلال الجبلية المطلة على وادي أوروبامبا في جبال الأنديز المرتفعة في بيرو، وهي بمثابة أشهر الاكتشافات الأثرية في العالم لكونها شاهدة على تاريخ مدينة الإنكا المفقودة.

بناء مدينة ماتشو بيتشو 

قام شعب الإنكا بتشييد مدينة ماتشو بيتشو في عام 1462 بعد الميلاد تقريبًا في ذروة قوتهم، لكن تم التخلي عن هذا الموقع بعد أقل من 100 عام في فترة الغزو الإسباني لإمبراطورية الإنكا.

وعلى الرغم من عمليات الغزو الكبيرة للمنطقة إلا أن هذا الموقع التاريخي لم يكن معروفًا للإسبان، نظرًا لموقعه المخفي بعناية والمحمي جيدًا في تضاريس الأنديز المرتفعة، فيما تمت مداهمة ونهب العديد من منشآت الإنكا الأخرى في وادي أوروبامبا السفلي من قبل الغزاة، بحسب موقع «mountainlodgesofperu» العالمي.

اكتشاف مدينة ماتشو بيتشو 

وظلت ماتشو بيتشو مختبئة وسط الغابة لمدة 400 عام قادمة فيما بعد، ولم يتم الكشف عن القلعة القديمة بها حتى أعاد المستكشف والمؤرخ الأمريكي هيرام بينجهام اكتشاف الموقع في عام 1911 الذي أشار إليه بمدينة الإنكا المفقودة.

وعلى الرغم من تعدد عمليات الفحص العلمي والجغرافي، فإن الغرض من بناء شعب الإنكا لهذه المدينة المرتفعة لا يزال غامضًا، فهي كانت العاصمة القديمة للإمبراطورية، وتقترح النظرية الأكثر شيوعًا أن الموقع كان يستخدم كملاذ لإمبراطور الإنكا باتشاكوتي نظرًا لموقعه على سلسلة من التلال غير القابلة للعبور على ارتفاع 1300 قدم فوق نهر أوروبامبا.

ومع تردد الآلاف من الزوار سنويا للتعرف على معالم المكان الأشهر في تاريخ أمريكا الجنوبية، لكن الوظيفة الدقيقة لماتشو بيتشو لا تزال محاطة بالغموض، لكن الآثار الأثرية الرائعة للموقع القديم وأجواء جبال الإنديز الخلابة ستستمر بالتأكيد في جذب الزوار لسنوات عديدة مقبلة. 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: ماتشو بيتشو

إقرأ أيضاً:

هل التاريخ يُعيد نفسه؟

 

 

د. سعيد الدرمكي

منذ فجر الحضارة، شهد العالم حروبًا وثورات وأزمات اقتصادية تتكرر في أنماطها، مما يثير تساؤلًا جوهريًا: هل يعيد التاريخ نفسه؟ التاريخ ليس مجرد سجل للأحداث، بل انعكاس للتجارب الإنسانية التي شكلت الهوية والوعي الجماعي. ومع ذلك، يبقى الجدل قائمًا حول مدى صحة فكرة تكرار التاريخ؛ فبينما يرى البعض أنَّ التشابه بين الأحداث التاريخية يعود إلى عوامل بشرية واجتماعية ثابتة، يعتقد آخرون أن هذه الفكرة تبسيط مفرط لتعقيد الظواهر التاريخية، حيث يحمل كل حدث سياقه الفريد وظروفه الخاصة. لكن إذا كان لكل حدث سياقه الفريد، فلماذا تبدو بعض الأحداث وكأنها تُعيد نفسها؟

من الضروري التمييز بين تكرار الأحداث بشكل حرفي، ووجود قواسم مشتركة تؤدي إلى أنماط تاريخية متشابهة. فالتاريخ لا يعيد نفسه بنفس التفاصيل، لكنه يكشف عن أنماط متكررة تتجلى نتيجة للتفاعلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشكل سلوك المجتمعات. لا تتكرر الوقائع كما هي، لكن الظروف المتشابهة تخلق سيناريوهات قد تبدو مألوفة عبر العصور.

تناول العديد من المفكرين هذه المسألة من زوايا مختلفة، فابن خلدون طرح مفهوم العصبية كمحرك أساسي للتغير التاريخي، مؤكدًا أن السلوكيات الاجتماعية والأنماط الثقافية تؤثر في مسار التاريخ وتساهم في تكرار بعض الظواهر. أما مارك توين، فرأى أن التاريخ لا يُعيد نفسه حرفيًا لكنه يتناغم مع ذاته أو يسير وفق إيقاع معين، ما يشير إلى وجود تشابهات في مجريات الأحداث دون تكرار مطلق. بينما تناول كارل ماركس التاريخ من منظور اقتصادي واجتماعي، معتبرًا أن الصراعات الطبقية والتغيرات في أساليب الإنتاج تشكل القوى الدافعة للأحداث، مما يؤدي إلى دورات تاريخية تتكرر في نماذجها رغم اختلاف التفاصيل.

يرى جورج فيلهلم فريدريش هيغل أن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث المتكررة، بل عملية تطورية تحركها صراعات الأفكار. وفقًا لنظريته في الجدلية التاريخية، يمر كل تحول بثلاث مراحل: أطروحة تطرح فكرة، نقيض يواجهها، ثم توليف يدمج بينهما ليشكل نظامًا جديدًا أكثر تطورًا.

يمكن رؤية هذا النمط في الثورة الفرنسية، حيث أسقطت الملكية لصالح النظام الجمهوري، ثم جاءت إمبراطورية نابليون التي مزجت بين القيم الملكية والجمهورية، مما يعكس كيف تتشابه أنماط التاريخ دون أن تتكرر حرفيًا، إذ يعاد تشكيل الماضي وفق تحديات وظروف جديدة.

يتكرر هذا النمط في الأزمات الاقتصادية، فالأزمة المالية في 2008 تذكرنا بانهيار وول ستريت عام 1929، إذ نتج كلاهما عن مضاربات مالية مفرطة، مما أدى إلى انهيار الأسواق وارتفاع البطالة. ورغم تغير السياسات والأدوات الاقتصادية، فإن دورات الازدهار والانكماش لا تزال تعيد نفسها بأنماط مألوفة لكن في سياقات متجددة.

شهد العالم في 2019 تفشي فيروس كورونا، الذي رغم تشابهه مع أوبئة سابقة مثل سارس وميرس، إلا أنه تحول إلى جائحة عالمية غيرت مسار الاقتصاد والمجتمع. وكما في الأوبئة التاريخية، لم يكن التحدي في المرض نفسه، بل في كيفية استجابة المجتمعات له، حيث لعبت التكنولوجيا والعولمة دورًا في سرعة انتشاره، وأيضًا في تطوير لقاحات غير مسبوقة، مما يعكس كيف تتكرر التحديات بأساليب جديدة تفرض حلولًا مختلفة.

لا يعيد التاريخ نفسه حرفيًا، لكنه يكشف عن أنماط متكررة تعكس ثبات بعض العوامل البشرية والاجتماعية. فكل حدث يحمل خصوصيته، لكنه يشترك في نمط مع أحداث سابقة، مما يمنحنا فرصة للتعلم من الماضي وتجنب الأخطاء. وكما تفسر الجدلية الهيغلية، تدفع الصراعات عجلة التاريخ إلى الأمام، مما يجعل فهم الماضي أداة ضرورية لاستشراف المستقبل بوعي وفعالية.

دراسة التاريخ ليست مجرد استذكار للماضي، بل أداة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. من خلال تحليل الأحداث يمكن توقع التطورات القادمة وتجنب الأخطاء السابقة، كما أن فهم استراتيجيات القادة الناجحين وأسباب فشل الدول يساعد في اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية أكثر حكمة. تتكرر بعض الأزمات مثل الأزمات المالية في القرن العشرين والنزاعات الإقليمية الحديثة، لكنها تتجلى وفق متغيرات العصر.

لا يتكرر التاريخ بالمعنى الحرفي، لكنه يعكس أنماطًا مألوفة تتشكل وفق عوامل بشرية واجتماعية متجددة. فهم هذه الأنماط لا يساعد فقط في استيعاب الحاضر، بل يمكننا من استشراف المستقبل وتجنب أخطاء الماضي. وكما تطرح الجدلية الهيغلية، فإن الصراعات تدفع عجلة التاريخ نحو مراحل أكثر تطورًا، مما يجعل دراسة الماضي أداة ضرورية لفهم التحولات القادمة. فالتاريخ لا يعيد نفسه، لكن من لا يستخلص دروسه قد يجد نفسه عالقًا في تكرار غير واعٍ لمآسيه.

مقالات مشابهة

  • إمهال نتنياهو 24 ساعة لإلغاء قرار قطع الكهرباء عن غزة
  • هل التاريخ يُعيد نفسه؟
  • أمير المدينة المنورة يستقبل سفير السودان لدى المملكة
  • إعادة افتتاح أفران حي القصور في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس بعد إفشال هجمات فلول النظام البائد وتأمين المدينة
  • عاجل.. الشرطة الإسرائيلية: بلاغ عن انفجار في مركبة بتل أبيب وقوات كبيرة في طريقها إلى الموقع للتحقيق في الحادث
  • رجل يتسلق برج “بيغ بن” رافعا علم فلسطين
  • لغز الـ 2.3 مليار دولار المفقودة: كيف يمول الذهب حرب السودان
  • هبوط ناجح لمركبة الفضاء أثينا على سطح القمر
  • محمد صلاح ثالث هدافي ليفربول عبر التاريخ
  • بالفيديو.. رجل يتسلق برج "بيغ بن" رافعا علم فلسطين