هل هذه اللغة لغة مناصحة؟ وهل هذا الخطاب يمكن أن يصلح في سياق الدعوة إلى إصلاح ذات البين وجمع الصف الوطني، التي نرجوها بين كل مكوناته؟
بيان يفتح الباب واسعاً للتساؤل حول خلفية ومنهجية هذا الوزير الفكرية، والباب الذي دخل منه للوزارة.

موقف الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف ورأيه في البرهان ليس جديداً بعد الحرب، بل هو رأي أصيل ظل موضع اتفاق معه إلى يوم اندلاع الحرب من كثيرين يناوئونه فيه اليوم، ومنشوراتهم القديمة تشهد بذلك، وتمد ألسنتها ساخرة من مواقفهم الحدية المتشنجة الرعناء.

نعم، هنالك مستجدات طارئة في النظر لهذا الموقف بعد الحرب وموقف البرهان فيها كقائد للدولة والجيش، نتج عنها محاولات إعادة تفسير وتكييف لمواقف الرجل السابقة أجدني من القائلين بها الميالين إليها، ومن بينها اعتبار سياق إكراهات الواقع وقتها، وحمل الأمر على الخفايا التي أوجبت الموازنة بين الشرور باختيار أخفها، ومذاهب أخرى لا يتسع المقام لسردها، وإن كان لا سبيل لحمل الناس عليها إجماعاً لا يقبل الاستثناء، وإن اختلفنا معهم في تقديرهم، خصوصاً إذا كان موقفهم المبدئي من الحرب ودعم الجيش دعماً تاماً بلا شائبة ثابتاً راسخاً، مما يدفع نحو القول بضرورة الفصل بين المواقف مع استمرار حالة الحوار الوطني داخل الجبهة الوطنية المتحدة في وجه العدوان الأكبر على الأمة السودانية.

محاولة رأب الصدع ومناصحة الرجلين ليس لها سبيل سوى دعوة د. عبد الحي لمراجعة رؤيته بميزان الفقه والشرع في ظل مستجدات معتبرة، والرهان على سعة أفق ومرونة نظر أبداها الرجل في غير ما مناسبة، ولم تعد موضع خلاف بين ذوي النظر المتجرد بعيدا عن حملات السفه والهوس والتهريج الخبيث المغرض، وبمنأى عن محاولات رميه بالتكفير التي تأتي في سياقات مخدومة معلومة. لا بأس من التذكير بما ظللنا ننبه له في نقاشات سابقة حول الأمر من ضرورة استصحاب قواعد النظر الفقهي في فهم دلالات النصوص ومنها أن النفي لا يفيد بالضرورة نفي وجود الشئ، بل تأتي كثيراً لنفي الكمال أو الفضل كما في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من سمع النداء فلم يأت، فلا صلاة له) و (مَن مسَّ الحصى فقد لغا، ومَن لغا فلا جمعةَ له).

Zuhair Abdulfattah Babiker

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

د. مزمل أبو القاسم: قراءة في خطاب البرهان

* ما لا يحتمل الجدال أن هذه الحرب قسّمت البلاد وأهلها إلى فسطاطين لا ثالث لهما، أولهما فسطاط الحق والكرامة المصطف مع جيش الوطن في مواجهة المليشيا الغاصبة، سعياً لإفشال مخطط اختطاف الدولة السودانية وتهجير أهلها ونهب مواردها، وفسطاط التمرد والعمالة والخيانة الذي يضم المليشيا وداعميها.

* ذاك هو التعريف الحقيقي للمعسكرين اللذين أفرزتهما الحرب، وليس معسكري (نعم للحرب ولا للحرب)، كما تحاول القوى السياسية المتورطة في دعم التمرد تعريف المعسكرين وتصنيفهما، للتمويه على موقفها المخزي من الوطن وجيشه ومواطنيه.

* نثبت هنا للفريق البرهان أنه عزَّز في خطابه الأخير التعريف الموضوعي للمعسكرين، وإن تسببت إحدى عباراته في جدلٍ شديد، وهي المتعلقة بالإسلاميين تحديداً، عندما قال لهم: (ما تحلموا بأن تعودوا إلى الحكم على أشلاء ودماء الشعب السوداني)؛ لأن الموقف المعلن للإسلاميين يشير إلى أنهم أكدوا مراراً عدم رغبتهم في المشاركة في حكم الفترة الانتقالية، واصطفوا (مع قوى وطنية أخرى عديدة) إلى جانب القوات المسلحة، ودفعوا بعدد كبير من أبنائهم للقتال مع الجيش، وقدموا أرتالاً من الشهداء والجرحى والأسرى في معركة الكرامة، وبالتالي فهم غير معنيين قطعاً بالحديث عن سفك دماء السودانيين وتمزيق أشلائهم في هذه الحرب تحديداً، بقدر مساهمتهم حمايتها وحفظها وإسنادهم لجيشٍ قوي، أثبتت هذه الحرب الضروس أنه عصيٌّ على الانكسار.

* بخلاف ذلك لم يحوِ خطاب البرهان ما يسوء الإسلاميين، سيما وأنه حفظ لهم حقهم الدستوري في أن يظلوا موجودين في الساحة السياسية بلا عزلٍ ولا إقصاء، وأن يخوضوا غمار السباق الانتخابي مع بقية القوى السياسية بعد نهاية الفترة الانتقالية، إذ لم يرد على لسانه هذه المرة وصف (المحلول) ولا عبارة (ما عدا المؤتمر الوطني) المعتادة منذ سقوط حكم الإنقاذ في 11 أبريل 2019.

* من المثالب المأخوذة على الخطاب الضافي اللهجة المهادنة للقوى السياسية المتورطة بالتحالف مع التمرد، ولا نعني هنا التوجيه بالسماح لهم باستخراج جوازاتهم وبقية أوراقهم الثبوتية، لأن ذلك حق دستوري لا يجوز حجبه عن أي مواطن تحت أيِّ ظرف، بل نعني المجاهرين منهم بإسناد المليشيا الغاصبة، المتفاخرين بدعمها والكيد للجيش ومحاربته ورميه بما ليس فيه، والاجتهاد لمساواته مع الأوغاد.. هؤلاء يجب أن يؤخذوا بالشِدَّة ولا يستحقون أن يُخاطبوا بلهجة هادئة عطفاً على مواقفهم المخزية.

* بخلاف ذلك لم نجد في خطاب البرهان ما يستوجب النقد أو التصويب، لأنه أثبت لكل من ساهموا في الذود عن البلاد وأهلها حقهم، وامتدحهم ونوّه بهم، كما أثبت على القوى المتماهية مع التمرد تهمة شن الحرب على الدولة ومواطنيها، والتورط في العدوان على البلاد وإيذاء العباد، وفي ذلك حقٌ خاص لملايين السودانيين، لا يجوز له ولا يحق لأيِّ مسئول أن يتنازل عنه مطلقاً.

* من كادوا للجيش وتآمروا عليه وحاولوا إعفاء المرتزقة من تهمة قتل آلاف المدنيين العُزّل في قُرى ولاية الجزيرة تحديداً، واجتهدوا في توفير الغطاء القانوني والأخلاقي لمذابح ود النورة والتكينة والحُرقة وأب قوتة والهلالية وغيرها بالحديث عن وجود مستنفرين مسلحين سعياً لإلصاق وزر ارتكاب تلك المذابح المروعة بالجيش أصبحوا شركاء فيها مع المتمردين، ويجب أن يُحاكموا ويعاقبوا عليها بصرامة، ولا تجوز مسامحتهم مطلقاً، لأنهم ولغوا مع المليشيا في دماء أهلنا المغدورين المنكوبين ولطخوا أياديهم بها.

* وفي المجمل، أتى الخطاب إيجابياً ويرسم ملامح واضحةً لمسيرة الفترة الانتقالية، ويحدد موجهاتها، ويؤكد انتهاء عهود الاستهبال السياسي بحظر مشاركة أي حزبٍ في الحكم بلا تفويض انتخابي، وأن البلاد ستُدار بحكومة كفاءات مستقلة، يقودها رئيس وزراء مدني بصلاحيات كاملة، وأن الفترة الانتقالية ستنتهي بانتخابات شفافة وحرة ونزيهة يقول فيها الشعب السوداني كلمته، ويختار فيها من يحكمه.. وعهدنا بالقوى التي نعنيها أنها لا تطيق سيرة الانتخابات مطلقاً.

* إلى ذلك الحين نقول للبرهان يمم وجهك شطر شعبك، فهو الرصيد الأبقى والسند الأقوى ولا تحفل بالضغوط الدولية طالما أن شعبك مصطفٌ خلفك، ونقول للجميع لا تفاوض مع العملاء ولا المتمردين ولا عودة عن الاجتهاد لدحرهم، فقوموا إلى واجبكم وواصلوا إسناد جيشكم، وانصرفوا إلى الأهم وقدموه على المُهم، وتفرغوا لاستكمال مسيرة التحرير ودحر التمرد وتنظيف كل أرجاء بلادنا من دنس المليشيا الغاصبة وكفلائها الأوغاد.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ثم ماذا بعد تصريحات الفريق/ البرهان
  • ثم ماذا بعد تصريحات الفريق البرهان
  • الجنرال البرهان مكانه السجن
  • قراءة خلف السطور لحديث البرهان
  • زمن الخداع والحرب السائلة
  • خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل
  • راشد عبد الرحيم: أشلاء السودانيين
  • مزمل أبو القاسم.. قراءة في خطاب البرهان!!!..
  • د. مزمل أبو القاسم: قراءة في خطاب البرهان
  • دكتور ابراهيم الصديق يكتب: حديث البرهان: تعقلوا يرحمكم الله