أبو محمد الجولاني.. من قائد الظل إلى أبرز معالم المعارضة السورية
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
(رويترز)
كقائد لفرع تنظيم القاعدة في الحرب الأهلية السورية، كان أبو محمد الجولاني شخصية غامضة، بعيدة عن الأضواء، حتى عندما أصبح تنظيمه أقوى فصيل يقاتل الرئيس بشار الأسد.
اليوم، أصبح الجولاني أكثر شخصيات المعارضة شهرة في سوريا، بعد أن خطا تدريجيًا نحو العلنية منذ قطع علاقاته مع القاعدة في عام 2016، وأعاد تشكيل تنظيمه، ليصبح الحاكم الفعلي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا.
وقد تجلت هذه التحولات بشكل بارز منذ أن قاد مقاتلو هيئة تحرير الشام (HTS)، التي كانت تعرف سابقًا بجبهة النصرة، السيطرة على مدينة حلب الأسبوع الماضي، حيث ظهر الجولاني بشكل لافت، ووجه رسائل تهدف إلى طمأنة الأقليات السورية التي طالما خشيت من الجهاديين.
وفي أثناء دخول المعارضة إلى حلب، أكبر مدن سوريا قبل الحرب، ظهر الجولاني في مقطع فيديو مرتديًا زياً عسكرياً وهو يصدر أوامر عبر الهاتف، مذكراً المقاتلين بتوجيهات حماية المدنيين ومنع دخول المنازل.
وزار قلعة حلب التاريخية الأربعاء برفقة مقاتل يرفع علم الثورة السورية، الذي كان يعتبره تنظيم النصرة سابقًا رمزًا للكفر، لكنه بات مؤخرًا مقبولًا من الجولاني في إشارة إلى المعارضة السورية الرئيسية، بحسب فيديو آخر.
ومنذ بداية الهجوم، أصدر الجولاني بيانات باسمه الحقيقي – أحمد الشرع.
يقول جوشوا لانديس، خبير الشأن السوري ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “لقد كان الجولاني أذكى من الأسد.. أعاد ترتيب أوراقه، وكوّن تحالفات جديدة، وشن حملة ساحرة تجاه الأقليات”.
ويقول آرون لوند، زميل في مؤسسة “سينشري إنترناشونال” البحثية: “لقد تغير الجولاني وهيئة تحرير الشام بوضوح، رغم أنهم لا يزالون متشددين إلى حد ما”.
وأضاف: “إنها دعاية، ولكن حقيقة أنهم يبذلون هذا الجهد تدل على أنهم لم يعودوا متصلبين كما كانوا من قبل. القاعدة التقليدية أو تنظيم الدولة لم يكن ليقوما بذلك أبداً”.
برز الجولاني وجبهة النصرة كأقوى الفصائل بين العديد من الفصائل المعارضة التي ظهرت في الأيام الأولى من الانتفاضة ضد الأسد قبل أكثر من عقد.
كان الجولاني قد قاتل مع تنظيم القاعدة في العراق وقضى خمس سنوات في سجن أمريكي قبل تأسيس جبهة النصرة، وعاد إلى سوريا مع بداية الانتفاضة، بتكليف من زعيم تنظيم الدولة في العراق آنذاك – أبو عمر البغدادي – لتوسيع وجود القاعدة.
صنفت الولايات المتحدة الجولاني كإرهابي عام 2013، مشيرة إلى أن القاعدة في العراق كلفته بالإطاحة بحكم الأسد وإقامة الشريعة الإسلامية في سوريا، وأن جبهة النصرة نفذت هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل مدنيين وتبنت رؤية طائفية عنيفة.
كما صنفت تركيا، الداعم الأجنبي الرئيسي للمعارضة السورية، هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي، بينما دعمت فصائل أخرى تقاتل في الشمال الغربي.
في أول مقابلة إعلامية له عام 2013، ظهر الجولاني ملفوفًا بوشاح داكن يغطي وجهه بالكامل تقريبًا، ولم يظهر سوى ظهره للكاميرا، وتحدث لقناة الجزيرة داعياً إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا.
وبعد ثماني سنوات، أجرى مقابلة مع برنامج فرونت لاين التابع لخدمة البث العام الأمريكية، جالساً أمام الكاميرا مرتديًا قميصًا وسترة.
وقال الجولاني إن تصنيفه كإرهابي كان “غير عادل”، وأنه يعارض قتل الأبرياء، وشرح كيف توسعت جبهة النصرة من ستة رجال رافقوه من العراق إلى خمسة آلاف مقاتل في غضون عام.
وأضاف أن تنظيمه لم يشكل تهديدًا للغرب أبدًا وقال: “أكرر – لقد انتهت علاقتنا بالقاعدة، وحتى عندما كنا مع القاعدة كنا ضد تنفيذ عمليات خارج سوريا، وهذا تمامًا ضد سياستنا”.
خاض الجولاني حربًا دموية ضد حليفه القديم البغدادي بعد أن حاول تنظيم الدولة دمج جبهة النصرة تحت لوائه عام 2013.
ورغم ارتباطها بالقاعدة، كانت النصرة تُعتبر أكثر تسامحًا وأقل قسوة في تعاملها مع المدنيين والفصائل الأخرى مقارنة بتنظيم الدولة الإسلامية.
ومع انهيار تنظيم الدولة، رسخ الجولاني سيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وأسس إدارة مدنية تُعرف بحكومة الإنقاذ.
تعتبر حكومة الأسد هيئة تحرير الشام إرهابية، إلى جانب باقي الفصائل المعارضة.
ومع تقدم المعارضة السنية، أصدرت إدارة الهيئة عدة بيانات تطمئن الطائفة العلوية الشيعية والأقليات السورية الأخرى، ودعت إحدى البيانات العلويين إلى الانفصال عن نظام الأسد والمشاركة في مستقبل سوريا “الذي لا يعترف بالطائفية”.
وقال الجولاني، في رسالة وجهها إلى سكان بلدة مسيحية جنوب حلب يوم الأربعاء، إنهم سيُحمون، وستُصان ممتلكاتهم، داعياً إياهم للبقاء في منازلهم ورفض “الحرب النفسية” التي يشنها النظام السوري.
وقال آرون لوند: “إنه شخصية مهمة جدًا.. القائد الرئيسي للمعارضة في سوريا، وأقوى الإسلاميين”.
وأضاف: “لقد تبنوا رموز الانتفاضة السورية الأوسع… التي يستخدمونها الآن ويحاولون المطالبة بالإرث الثوري – بأننا جزء من حركة 2011، الشعب الذي انتفض ضد الأسد، ونحن أيضًا إسلاميون”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق عربي ودوليالله لا يلحقه خير من كان السبب في تدهور اليمن...
الإنبطاح في أسمى معانيه. و لن ترضى عنك اليهود و النصارى حتى...
تقرير جامعة تعز...
نور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
الظل الروسي في الأزمة بين الجزائر ومالي
عدا عن الأسباب المحلية والعوامل الإقليمية المتداخلة من الصعب تجاهل أن لروسيا دورا في التأزم الذي تشهده علاقات الجزائر مع بعض الدول الإفريقية المحيطة بها وعلى رأسها مالي.
يصعب تخيّل الطغمة العسكرية الحاكمة في مالي «تستأسد» على الجزائر لو لم تكن وراءها قوة دولية تشجعها وتعدُها بالحماية. غالبا هذه القوة هي روسيا. في أسوأ الأحوال روسيا دفعت نحو التأزم، وفي أفضل الأحوال لم تفعل شيئا لمنعه.
كانت مالي جارا مسالما للجزائر طيلة العقود الثلاثة التي أعقبت استقلال البلدين (مالي في 1960 والجزائر في 1962) حتى جعل الرئيس موسى طراوري من التوقف في مطار الجزائر ومقابلة رؤسائها، ولو لدقائق معدودة، سُنة من سُنن رحلاته إلى فرنسا وأوروبا. ناهيك عن الزيارات الرسمية المبرمجة.
في تسعينيات القرن الماضي انشغل كل بلد بهمومه الداخلية فتراجع منسوب الدفء في العلاقات. ثم تحوّل الفتور إلى جفاء رغم إصرار الجزائر على البقاء وسيطا في أزمات مالي الداخلية. آخر مستويات الفتور كان العداء الذي نشهده هذه الأيام. وحادثة المسيّرة المالية التي أسقطها سلاح الجو الجزائري في تينزاواتين من أعراض الأزمة وليست من أسبابها.
هل من الصدفة أن يتحوّل الفتور إلى عداء مع بدء تسلل اليد الروسية إلى القارة الإفريقية بذرائع متعددة أبرزها مساعدة الأنظمة الحاكمة على سحق خصومها المحليين؟ وهل من الصدفة أن يتزامن الفتور بين الجزائر ومالي مع ذوبان التقارب التقليدي الذي كان بين الجزائر وموسكو؟
ليس من السهل الجزم بأن روسيا تتعمد تأزيم العلاقات بين الجزائر وجيرانها الأفارقة، لكن يجوز القول إن الحضور الروسي هناك لا يخدم بالضرورة الأمن القومي الجزائري التساؤلات التي تُطرح الآن في الجزائر عن دور روسيا في مالي وأسرار تخليها عن تحالفها مع الجزائر في غير محلها، لأن الاعتقاد بأن الجزائر وروسيا حليفتان استراتيجيتان، ثم البناء على ذلك، مغالطة من الأساس. الاتحاد السوفييتي ذاته لم يكن حليفا استراتيجيا للجزائر، لم يدعمها بالجرأة المطلوبة حتى أثناء حرب التحرير (1954 ـ 1962) بشهادة كبار قادة الثورة مثل فرحات عباس والأخضر بن طوبال، ولم يعترف بحكومتها المؤقتة إلا بعد سنتين من تشكيلها وبعد أن اعترفت بها عشرات الدول القريبة والبعيدة.
بعد الاستقلال، وبحكم الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية لثورتها، ولظروف دولية مساعدة، وجدت الجزائر نفسها في فلك المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، تتزود منه بحاجاتها العسكرية والاقتصادية دون أن يرقى ذلك إلى تحالف استراتيجي. بالنسبة للجزائر كانت موسكو سوقا لائقة للتزود بالسلاح وقطع الغيار العسكرية بشروط ميسَّرة أحيانا، وبالنسبة لموسكو كانت الجزائر زبونا جيدا ولاعبا يعيق، متى ما استطاع، تمدد الغرب الرأسمالي إلى شمال إفريقيا.
كانت الأرضية خصبة شجعت الود بين البلدين، فكان التقارب ذا طابعين، ثنائي ثم ضمن الكتلة الاشتراكية التي كانت تقارع الغرب الرأسمالي الاستعماري.
ورغم كل شيء، ورغم التعاون العسكري الكثيف، لم يبلغ التقارب بين البلدين مستويات استثنائية كأن يشمل مثلا بناء قواعد سوفييتية في الجزائر.
تزامن انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991 وانشغال الروس بمشاكلهم الداخلية مع انشغال الجزائر هي الأخرى بأزمتها الداخلية. بعد ذلك اختلفت روسيا عقائديا وبدأت تغيّر طموحاتها، ففقدت العلاقات الثنائية بريقها وأصبحت تعيش على الحنين وبقايا الاعتقاد بأن الدولتين حليفتان تقليديتان. وبينما عملت روسيا على التحرر من ذلك الاعتقاد، حافظت عليه الجزائر وظل خطابها السياسي والإعلامي يكرر، تلميحا وتصريحا، أن روسيا حليف استراتيجي. يجب القول أيضا إنه رغم التراجع، حافظت العلاقات الثنائية على دفئها وخلت من أسباب التوتر.
لكن بحلول العقدين الماضيين تراكمت جملة من العوامل عمّقت المسافة بين البلدين رغم استمرار الحديث في العاصمتين عن شراكة اقتصادية وسياسية قوية. من هذه العوامل حديث الجزائر عن تنويع صادرات سلاحها وتوجهها إلى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من أجل ذلك. تكرار الدبلوماسية الجزائرية أنها ترفض التدخلات الأجنبية في الدول الإفريقية بينما أصبح التدخل ركنا من أركان العلاقات الدولية الجديدة، وبينما كانت روسيا تتمدد في القارة، وفي دول على أبواب الجزائر، عبر شركاتها الأمنية ومرتزقتها وتؤثر في الصراعات الداخلية وفق حساباتها الخاصة. وعندما توغل الجيش الروسي في أوكرانيا امتنعت الجزائر عن دعم موسكو صراحة وفضلت الوقوف على الحياد، لكن نُسب لها إغراء أوروبا بغازها لتعويض الغاز الروسي الذي أُخضع لعقوبات غربية. هذه العوامل وأخرى كرّست الاعتقاد في موسكو بأن الجزائر ليست حليفا موثوقا، وكرّست الاعتقاد في الجزائر بأن عهد الصداقة القوية مع روسيا والوثوق بها قد ولّى.
ليس من السهل الجزم بأن روسيا تتعمد تأزيم العلاقات بين الجزائر وجيرانها الأفارقة، لكن يجوز القول إن الحضور الروسي هناك لا يخدم بالضرورة الأمن القومي الجزائري، وقد يضر به في بعض الحالات. ففي سعيها للتخلص من النفوذ الفرنسي في دول الساحل الإفريقي، عملت روسيا على توجيه قادة هذه الدول إلى التضحية برصيد العلاقات مع دول الجوار وبينها الجزائر.
(القدس العربي)