صديقى حنظلة كلامه مُر مرارة النبات الذى جاء منه أسمه «الحنظل»، كثيرًا ما تأتى كلماته فى نبرة حادة ولكنى أشعر أنها ضعيفة ويكاد لا يسمعها أحد غيرى، وفى أحيان كثيرة يقف كالعادة يده خلف ظهره، وأعتقد أن هيئته هذه دليل عجز، إلا أنه رد ليقول: «أضعف الإيمان» ولكن أتكلم حتى لو ظللت واقفا فى مكانى، ولكن كثير منكم يظل صامتًا.
لم نقصد أحدًا!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حسين حلمى
إقرأ أيضاً:
عنف اللغة!
مسكينة أيتها اللغة! فكل الأفعال الإنسانية تتجسد فيك.. الحياة كلها بخيرها وشرِّها تتجلى من خلال اللغة، فاللغة كما تكون لمسة حانية وكلمة شافية تكون قوة مدمرة تفيض بالعنف. وبدلًا من أن تكون اللغة وسيلة للفهم والبيان والتواصل الإنسانى، إِذْ باللغة من خلال هذا العنف قد صارت وسيلة إيذاء نفسى بل وجسدى!.
وبحسبك أن تتأمل عشرات البرامج على شاشات القنوات الفضائية، لتجد تجليات هذا العنف اللغوى بارزةً من خلال الصخب والصراخ الذى يحجب الوعى والفهم ويستفز الأعصاب ويوتِّرها وأصبحت الرغبة الجامحة فى الإثارة وكسب الجمهور فوق كل قيمة وخلق. وهكذا أصبحت اللغة شريكًا فى العنف.
وتحت وطأة هذا العنف الصوتى، حيث ارتفاع النبرة والحدَّة والصراخ الذى يكاد يخرق الآذان، يخرج الإنسان عن الهدوء النفسى والعقلى اللازم للفهم والوعى والتواصل الإنسانى.
وامتدَّ هذا العنف الصوتى حتى طال جانب الجمال فى حياتنا، من خلال تلك الأغانى والموسيقى التى تصدع رؤوسنا، والتى نسمعها فى الميكروباص والتوكتوك والمحلات، بذوقها الهابط وكلماتها السمجة وإيقاعاتها البدائية التى تشبه طبول الحرب، خالية من أى ملمح فنى أو قيمة جمالية.. وكأن نفوسنا صارت خرابًا، وأنَّى للخراب أن ينبت الجمال؟! وأنَّى للأرواح الميتة أن تبدع؟!.
لقد عقد القرآن الكريم مقارنة قاسيةً ولافتة للانتباه بين رفع الصوت والانحطاط من المستوى الإنسانى إلى مستوى حيوانى، قال الله تعالى:
{.....وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)}
فى هذه الآية الكريمة فضلًا عن تلك المقارنة القاسية إشارة لطيفة إلى مكمن التفرُّد الإنسانى، ألا وهو العقل الذى لا يكون عقلًا إلَّا إذا امتاز بالرزانة والقدرة على التفاهم والتخاطب والتواصل الإنسانى عبر لغةٍ هادئة تشيع فى مفرداتها روح المودة وتتردَّد فى جوانبها جماليات الحضارة وإشراقات الروح الإنسانى النبيل.
وعلى مستوى المعنى فحدِّث ولا حرج: عن الألفاظ الخادشة للحياء، والتى تصل إلى حدِّ التقاذف بالألفاظ النابية وسبِّ الآباء والأمهات بكلمات يندى لها الجبين، تُستباح فيها الأعراض وتُنْتَهك الحرمات، وتطلق فيها ألفاظ تتصل بأخص خصائص الأنثى.
وغابت الكلمة الحلوة والتحيات الطيبة، وأصبحت التحية بين الشباب هى التشاتم: صباح الخير يا ابن كذا.. ناهيك عن سب الدين.. أسمى وأرقى ما فى الإنسان يهان ويُسَبُّ ويقذف بأبشع الألفاظ!.
وما أبشع هذا العنف حين يمارسه مَنْ يُفْتَرَض أن يكونوا قدوةً لغيرهم، كالأب والأم والمعلِّم، حين ينادى طفله أو تلميذه بأسماء الحيوانات، أو بما يُلْبَس فى القدم! هذا المخلوق العظيم الذى كرَّمه الله عز وجل وأسجد له ملائكته الكرام ندعوه بأحط الألقاب؟! وقد نُهِينا عن التنابز بالألقاب، قال الله عز وجل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} ( الحجرات: ١١).
وعلى مستوى اللغة المكتوبة نجد أصداء العنف اللغوى واضحة جلية، من خلال التجريح الذى يتجاوز كل الحدود، والتشهير بالخصوم ونعتهم بأقسى الصفات، والحملات الصحفية خير شاهد على هذه المهاترات والعنف اللغوى الذى هو صدًى لما تُكنُّه نفوسنا من عنف وقسوة.
إن هذا العنف اللغوى قد اقتحم حياتنا وشوَّه جمالياتها وأفسد القيم الروحية والثقافية لأُمَّةٍ كانت اللغة مفخرةً من مفاخرها، وجاء القرآن العظيم معجزة لغوية ودعوة إلى الحوار والجدال بالتى هى أحسن، واحترام الآخر، وتحسين الأداء اللغوى، وتعميق الإحساس بالكلمة.
فهل من وقفة من العقلاء والدعاة والمصلحين تهيب بنا أن نتوقف لنصحِّح ونستدرك، لعلنا نستطيع أن نتخلَّص من عنف لغتنا، ولن نتخلص منه بطبيعة الحال إلَّا إذا تخلَّصنا من أسبابه ودواعيه.. وهو العنف الكامن بداخلنا. فالتخلص من عنف السلوك والفكر سيكون الخطوة الجادة فى التخلص من عنف اللغة، التى هى من أجلِّ نعم الله علينا، وسبحان الله القائل:
{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} (الرحمن).
لكن حين تتحول اللغة بيننا من (البيان) إلى الصراع والصدام والأذى والإهانة، فقد حرمنا أنفسنا من أغلى نعم الله علينا.
وما يعقلها إلَّا العالمون
وما يتذكر إلا أولو الألباب
[email protected]