علم الاتصال هو المظلة الكبيرة إلى يندرج تحتها الإعلام بكل أنواعه ووسائله، ولو تحدثنا عن الإعلام السياسى والإخبارى فنحن هنا بصدد ذلك النوع من الاتصال الذى يساهم فى صنع السياسة العامة وليس مجرد ناقل للأخبار أو عارض للقضايا السياسية, فقد بات واضحا أن وسائل الاتصال بإمكانها أن ساهم فى نشوب الصراعات الدولية مثلما تساهم فى تجنبها أو تخفيف حدتها والمساعدة فى إنهائها، وهناك قاعدة راسخة فى علم الاتصال تقول:»إن أى صراع وعلى اختلاف نوعه، شخصى أو محلى أو دولى ما هو إلا شكلا متطرفا من أشكال الاتصال.
لا شك أن دور وسائل الإعلام فى السنوات الأخيرة قد تغير بفعل التطور التقنى واتساع رقعة البث, فأصبحت وسائل الإعلام أدوات متعددة الأبعاد يمكنها أن تخدم الحكومات والمواطنين على حد سواء, فيمكن أن يعمل الإعلام على تحسين الحوكمة، وجعل الإدارات العامة أكثر تنوعًا، ناهيك عن أن الطبيعة المتعددة الأبعاد لوسائل الإعلام ذات صلة مباشرة بالواقع السياسى للمجتمعات, وهذا يتضح جليا فى حالة الصراعات بالنظر إلى تعدد أبعادها, وليست مبالغة أن الإعلام السياسى بإمكانه أن يلعب دورا فى منع الصراعات، وهذه مهمة عظيمة فى أبسط صورها نقل الحقيقة كاملة غير منقوصة وهذه مهمة ليست بسيطة أو خطية أو منظمة.
إن فهم التفاعل بين وسائل الإعلام والواقع السياسى للمجتمع الذى تعمل فيه يمكن أن يسهل فهمًا أكبر لأدوار وسائل الإعلام فى التنمية السياسية المستدامة, حيث يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورًا حيويًا فى السماح لعملية السلام بالتطور والاستقرار من خلال تمكين الحلول فى المجتمع من التعبير عن نفسها ومناقشتها بطريقة إيجابية, وهذا يتطلب خلق مساحة إعلامية مناسبة يمكن أن يحدث فيها هذا.
فى حين أن وسائل الإعلام هى جهة فاعلة نشطة, ووكيل تغيير محتمل، هناك تفاعل كبير بين وسائل الإعلام والسكان والدبلوماسيين والعسكريين والمجتمع المدنى بل والقطاع العريض من الشعب الذى يتلقى الإعلام بتلك السهولة التى أتاحتها التكنولوجيا والتى جعلت من وسائل الإعلام نفسها تتألف من جهات فاعلة متعددة فى قطاعات تضم بشكل متزايد جهات فاعلة هجينة، وذلك بفضل نمو وأهمية وسائل التواصل الاجتماعى كونها إعلام حديث جاذب, وعلى هذا النحو، فإن الإعلام السياسى من بين الجهات الفاعلة المختلفة فى عملية صنع السياسة بل ويمكننا وصفه بأنه من بين العديد من اللاعبين المتباينين، فى عالم السياسة وكل منهم لديه أجندة مختلفة.
إن الإعلام السياسى الفعال قادر على إحداث تغيير إيجابى فى سلوك الناس، وتمكينهم من أن يصبحوا مسؤولين، أصحاب مصلحة ونشطين يفهمون السياسات ويستخدمون المعلومات لممارسة حقوقهم الإنسانية؛ إذا كان الهدف هو الانتقال من الاستقطاب إلى العلاقات الإيجابية, وفى مثل هذه الحالات، يمكن أن تكون وسائل الإعلام أداة فعالة لبناء هذه العلاقات، من خلال تغيير السلوكيات والمواقف.
فى نهاية المطاف، إن تأثير الإعلام السياسى على السلوك معقد ومن المرجح أن يؤثر على المواقف والآراء التى تشكل السلوكيات بدلاً من التأثير بشكل مباشر على تصرفات الناس, ويمكن للإعلام السياسى المهنى الفعال أن يلعب دورًا حاسمًا فى السماح لعملية السلام المجتمعى بالتطور من خلال تمكين التعبير عن الاحتياجات الأساسية ومناقشتها بطريقة غير عنيفة, ومع ذلك، يتطلب هذا مساحة إعلامية مناسبة وقدر عال من المهنية والوصول إلى معلومات موثوقة قائمة على الحقائق.
فى الوقت نفسه، يفرض المشهد الإعلامى المتغير وتأثيرات وسائل الإعلام على القضايا السياسية المطروحة العديد من التحديات على ممارسى الإعلام, حيث إن الافتقار إلى المهنية والدراسة المتخصصة المتعلقة بعلم السياسة حين يتم تناوله فى الإعلام؛ كلها أمور لا تزال تعيق الجهود المبذولة لجعل الإعلام السياسى يقوم بدوره المناط به فى عملية صنع السياسة فى مجتمع وقع بالفعل فى فخ التغييرات التكنولوجية وطبيعة استخدام الجمهور لها.
ولو سلمنا بأن الصراعات الدولية هى شكل متطرف من أشكال الاتصال السياسى، فعلينا أن نؤكد على أهمية وخطورة الإعلام السياسى والإخبارى وأرى أن مشكلته الأساسية تكمن فى بعض الحالات فى الارتكان إلى غير المتخصصين، ودائما أقول أن من لم يدرس العلوم السياسية لا يصلح للعمل فى مجال الأخبار أو البرامج السياسية فى الإعلام, العالم كله الآن يهتم بالتخصص والتخصص الدقيق أو ما يعرف بالتخصص داخل التخصص وهذا ولا شىء غيره هو مستقبل الإعلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وسائل الإعلام يا خبر د حسام فاروق مستقبل الإعلام وسائل الإعلام یمکن أن
إقرأ أيضاً:
مركز دراسات: جهود ترامب لإضعاف الحوثيين سيعتمد على مجلس القيادة الرئاسي لكنه يعاني الصراعات
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
الكاتب: جريجوري د. جونسن
المصدر: معهد دول الخليج العربية في واشنطن
في الرابع من مارس/آذار، أعادت الولايات المتحدة رسميًا تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، مُرفقةً ذلك بفرض مجموعة من العقوبات الفردية على كبار قادة الحوثيين. هذه الخطوة، التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني، ذات شقين. أولًا، تهدف إلى معاقبة الحوثيين على أفعالهم السابقة، وفي مقدمتها هجمات الجماعة على السفن البحرية والتجارية الأمريكية في البحر الأحمر. ثانيًا، تسعى إلى خنق الحوثيين اقتصاديًا، تمهيدًا لإضعافهم في نهاية المطاف واحتمال هزيمتهم.
أوضح ترامب في أمره التنفيذي الصادر في يناير/كانون الثاني أن “سياسة الولايات المتحدة الآن هي التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات الحوثيين وعملياتهم، وحرمانهم من الموارد، وبالتالي وضع حد لهجماتهم على الأفراد والمدنيين الأمريكيين، وشركاء الولايات المتحدة، والشحن البحري في البحر الأحمر”. ويُعد هذا التصنيف الخطوة الأولى لإدارة ترامب نحو تحقيق هذه السياسة. ومع ذلك، فإن أي جهد أمريكي لهزيمة الحوثيين، أو حتى تدمير قدراتهم على شن هجمات مستقبلية، سيعتمد بشكل كبير على التحالف المناهض لهم على الأرض في اليمن.
تستطيع الولايات المتحدة شنّ غارات جوية كما فعلت نهاية الأسبوع الماضي، وتضييق الخناق المالي على الحوثيين؛ ولكن لإضعاف الحوثيين إلى درجة تجعلهم غير راغبين أو غير قادرين على شنّ هجمات في البحر الأحمر، لا بدّ من ضغط بري أيضًا. وقد السعودية والإمارات بهذا لسنوات – وإن لم يكن ناجحًا بشكل خاص. ومع ذلك، ومع سعي كلتا الدولتين للخروج من اليمن، فمن المرجح أن يعتمد أي قتال بري على الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وهنا ستواجه خطة الولايات المتحدة لإضعاف الحوثيين أو هزيمتهم صعوبات. فالحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة يرأسها مجلس قيادة الرئاسي، وهو مجلس منقسم ومثير للانقسام، وهو مجلس طموح إلى حد ما. يمكن للولايات المتحدة تنفيذ ما تشاء من الغارات الجوية وفرض العقوبات على الحوثيين، ولكن في غياب شريك ميداني مناسب، لن تتمكن من إخضاع الجماعة لإرادتها.
على نحوٍ ملائم، بالنسبة لهيئةٍ ضعيفةٍ ومنقسمةٍ كمجلس القيادة الرئاسي، الذي كان نتيجةً لتسويةٍ صُممت في السعودية، ووقّعتها الإمارات، وفُرضت على اليمن. في 7 أبريل/نيسان 2022، سافر الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي، الذي انتُخب آخر مرة عام 2014 لما كان من المفترض أن يكون تمديدًا لمدة عام واحد، إلى السعودية، وأقال نائبه، وعيّن مجلسًا من ثمانية أعضاء ليحل محله. ومع خروج هادي من المنصة، انتقل مجلس القيادة الرئاسية وجميع مشاكله إلى المركز.
نظريًا، كان المجلس الرئاسي القيادي فكرةً جيدة، محاولةً يائسةً لربط جميع العناصر المناهضة للحوثيين في اليمن في كيانٍ متماسك. أما عمليًا، فقد كان أشبه بوحش فرانكشتاين غريب الأطوار، يتألف من الأجزاء المتبقية من اليمن. على سبيل المثال، على الرغم من أن المجلس الرئاسي القيادي يهدف إلى تمثيل اليمن بأكمله وأن يكون حكومةً له، إلا أن نائب رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، يرأس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يدعو إلى انفصال الجنوب وإقامة دولة جنوبية مستقلة. عضوٌ آخر، عبد الله العليمي باوزير، عضوٌ في حزب الإصلاح، الذي كثيرًا ما اصطدم مع المجلس الانتقالي الجنوبي. كان طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، متحالفًا مع الحوثيين، قبل أن ينفصل عنهم في أواخر عام 2017. ويحظى صالح بعدم ثقة واسعة النطاق من قبل الجنوبيين وأعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي بسبب دور عائلته في الحرب الأهلية في اليمن عام 1994.
لم يكن من المستغرب أن تكون السنوات الثلاث الماضية كارثةً من الصراعات الداخلية وانعدام الكفاءة لمجلس القيادة الرئاسي. ويعود جزءٌ من هذا، بالطبع، إلى تباين أهداف السعودية والإمارات، اللتين تواصلان رعاية فصائل مختلفة داخل المجلس. وقد اشتبك المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، مرارًا وتكرارًا مع الوحدات التابعة لحزب الإصلاح في الجيش، والتي تدعمها السعودية. كما ازدادت حدة انتقاد المجلس الانتقالي الجنوبي لمجلس القيادة الرئاسي ورئيسه، رشاد العليمي. أما الجيش، الذي يُفترض أن يُمثل مجلس القيادة الرئاسية كحكومة يمنية معترف بها من الأمم المتحدة، فيعاني من الانقسامات، حيث تُولي الوحدات ولاءً أكبر لقادة أفراد من أي شعور غامض بحكومة وطنية. ترفض وحدات المجلس الانتقالي الجنوبي أوامر القادة التابعين لحزب الإصلاح، بينما تعمل الوحدات الموالية لطارق صالح، المدعوم أيضًا من الإمارات، بشكل مستقل عن كليهما. وحتى في المناسبات النادرة التي يتفق فيها المجلس الرئاسي القيادي على نهج ما ويبدأ في تنفيذه، مثل محاولته قطع الحوثيين عن القطاع المصرفي الدولي، فإن جهوده يمكن أن تتعرض للنقض من قبل السعودية، التي سحبت البساط من تحت أقدامها بسبب المخاوف من تجدد هجمات الحوثيين.
يعاني الاقتصاد، وخاصةً في الجنوب، من انهيارٍ اقتصاديٍّ متواصل، مع استمرار انخفاض قيمة الريال اليمني، وتهديداتٍ بمستقبلٍ أسوأ، وتبادلٍ للاتهامات بين السياسيين في المجلس الرئاسي. وكما كان متوقعًا، عزز الضعف الاقتصادي والانقسام العسكري موقف الحوثيين، الذين يبدو أنهم يُعِدّون الآن لهجومٍ عسكريٍّ جديدٍ على حقول النفط والغاز في مأرب.
يقاتل الحوثيون في اليمن منذ أكثر من عقدين، وقد صمدوا لسنوات أمام الغارات الجوية السعودية والإماراتية. إنهم بارعون في استغلال التوترات القائمة مسبقًا، واستغلال جماعات المصالح المختلفة ضد بعضهم البعض. أضف إلى ذلك براعة الحوثيين العسكرية الجديدة وقدرتهم على بسط نفوذهم في البحر الأحمر، بالإضافة إلى ارتباطهم بالقضية الفلسطينية، ولن تجد منافسًا محليًا قادرًا على هزيمتهم.
هذا يضع الولايات المتحدة في موقف صعب. حتى مع فرض أقصى العقوبات وزيادة الغارات الجوية، ستواجه الولايات المتحدة صعوبة في القضاء على قدرات الحوثيين. ولتحقيق ذلك، تحتاج إلى شريك ميداني. تُبدي كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة ترددًا في استئناف حملتهما في اليمن، مما يترك المجلس القيادي الرئاسي وحده. قد تحاول الولايات المتحدة، كما فعلت السعودية والإمارات من قبلها، فرض بعض النظام والتماسك على الجماعة. لكن محاولة القيام بالأمر نفسه من المرجح أن تُفضي إلى النتيجة نفسها.
إن الولايات المتحدة قادرة على إلحاق الأذى بالحوثيين، كما أنها قادرة على إضعافهم، ولكن من دون قوات برية فعالة ــ سواء تابعة لها أو تابعة لدولة أخرى ــ فإنها لن تكون قادرة على القضاء على قدراتهم.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةاتحداك تجيب لنا قصيدة واحدة فقط له ياعبده عريف.... هيا نفذ...
هل يوجد قيادة محترمة قوية مؤهلة للقيام بمهمة استعادة الدولة...
ضرب مبرح او لا اسمه عنف و في اوقات تقولون يعني الاضراب سئمنا...
ذهب غالي جدا...
نعم يؤثر...