بوابة الوفد:
2024-12-16@09:52:14 GMT

صناعة القدوة فى مجتمعنا

تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT

فى زمن يعج بالتغيرات السريعة والتحديات الكبرى، تبدو قضية «صناعة القدوة» أكثر أهمية من أى وقت مضى، فمجتمعنا اليوم فى حاجة ماسة إلى شخصيات تُلهم الأجيال الجديدة وتوجههم نحو القيم النبيلة، والأخلاق السامية، والسعى الدؤوب لتحقيق النجاح الحقيقى.
لماذا نحتاج إلى القدوة؟
القدوة ليست مجرد شخصية مشهورة أو ناجحة، بل هى نموذج حى للسلوكيات والقيم التى نطمح أن نراها فى أنفسنا وفى أبنائنا، فالشباب اليوم يواجهون سيلاً من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى، الذين «فى كثير من الأحيان» يروجون لقيم سطحية أو يساهمون فى نشر أنماط حياة بعيدة عن الأصالة والجوهر الحقيقى للحياة.


وبدلاً من أن يكون المعيار هو الشهرة أو المال، يجب أن تكون القدوة الحقيقية هى من تجمع بين القيم الأخلاقية الراسخة والإنجازات المثمرة، سواء فى مجال العلم، أو الفن، أو الرياضة، أو حتى فى الحياة اليومية العادية.
إذن من أين نبدأ؟
لا شك يعد التعليم عنصرا رئيسيا لصناعة القدوة، حيث يجب أن يبدأ زرع القيم من المدارس، فالمنظومة التعليمية ليست فقط لنقل المعرفة، بل لتشكيل شخصيات الطلاب، وغرس قيم الصدق، والاجتهاد، والإحساس بالمسئولية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال استضافة نماذج ناجحة من المجتمع للحديث مع الطلاب عن تجاربهم وإنجازاتهم.
الإعلام كذلك يتحمل دوراً رئيسياً فى تسليط الضوء على النماذج المشرفة فى مختلف المجالات، وبدلاً من التركيز على الإثارة والمحتوى السطحى، يمكن للإعلام أن يبرز قصص النجاح الحقيقى، مثل العلماء، والمبتكرين، والأشخاص الذين تحدوا الظروف ليحققوا إنجازات ترفع اسم مصر عالياً.
علينا أيضاً أن نعيد تعريف مفهوم «النجم» لدى الأجيال الجديدة، فليس كل مشهور قدوة، وليس كل ناجح يستحق المتابعة، ويجب أن ندفع بالشخصيات التى تمثل القيم الإيجابية إلى الواجهة، سواء كانوا أطباء أنقذوا حياة الناس، أو مدرسين غيّروا حياة طلابهم، أو عمالاً اجتهدوا ليبنوا مستقبلاً أفضل.
كذلك لا يجب أن نغفل أهمية دور الأسرة فهى أولى حلقات بناء القدوة، ويجب على الأهل أن يكونوا هم أنفسهم قدوة فى السلوك والأخلاق أمام أطفالهم، وكذلك يجب أن يشجع المجتمع كله السلوكيات الإيجابية ويحتفى بها.
ويأتى السؤال الأهم هو كيف نصنع القدوة؟
أولاً: عن طريق دعم البرامج التنموية والتدريبية، وعلى الدولة والقطاع الخاص أن يستثمرا فى برامج تدريبية تستهدف تطوير مهارات الشباب وتعليمهم كيفية السعى نحو التميز.
ثانياً: من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح المحلية، حيث يجب أن تكون لدينا مبادرات وطنية لتوثيق ونشر قصص نجاح مصرية، لتصبح هذه القصص مصدر إلهام للأجيال القادمة.
ثالثاً: التكريم والتقدير، فلابد من منح الجوائز والتقدير للشخصيات التى تسهم فى بناء المجتمع بطريقة إيجابية، وإظهار هذه التكريمات بشكل علنى ليصبحوا مثالاً يُحتذى به.
وفى النهاية فإن صناعة القدوة ليست مسئولية فرد أو مؤسسة، بل هى مشروع قومى يحتاج إلى تكاتف الجميع: الدولة، والإعلام، والتعليم، والأسرة، وإننا إذا أردنا أن نرى جيلاً يحمل راية التغيير الإيجابى لمصر، فعلينا أن نبدأ اليوم بزرع القدوة فى حياتهم، لأن بناء المستقبل يبدأ بصناعة الإنسان.

إعلامى وكاتب مصرى

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: یجب أن

إقرأ أيضاً:

محمود حامد يكتب: حروب الإبادة الثقافية.. كارثة تواجه المجتمع الدولى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

الحروب على أشكالها تقع، سواء كانت غزوًا بالجيوش الأجنبية أو الجماعات الإرهابية أو حتى الحروب الأهلية أو الصراع بين أطراف متعددة فى الدولة الواحدة.. تعانى الشعوب من كل هذه الحروب أيًا كان شكلها ونمطها، ذلك أنها تأتى على الأخضر واليابس ولا تفرق بين الحجر والبشر ومثلما راح ملايين من الناس ضحية الحروب، فقد دُمرت الآلاف من الآثار التى تمثل هوية أى شعب وتعبر عن ماضيه وتجعله يزهو بتاريخه العظيم.

سمعنا عما أحدثته الحرب العالمية الثانية من تدمير للآثار فى العديد من الدول الأوروبية التى كانت طرفًا فى القتال، ولعلنا رأينا بأنفسنا بعد تطور وسائل الاتصال ما فعلته التنظيمات الإرهابية من تدمير لآثار الشعوب سواء فى العراق أو سوريا أو فلسطين أو اليمن أو أفغانستان أو غيرها من البلدان، فى حملة محمومة ومجنونة فيما يمكن اعتباره «إبادة ثقافية» لذاكرة الشعوب.

وبعد أن سكتت المدافع فى الحرب العالمية الثانية يوم ٧ مايو ١٩٤٥ باستسلام القوات الألمانية للحلفاء، تم الإعلان عن انتهاء الحرب رسميًا فى اليوم التالى ٨ مايو والذى أُعتبر يوم النصر فى عموم أوروبا.

وظل المجتمع الدولى يفكر ويفكر فى كيفية حماية تراث الشعوب، واستمر التفكير نحو تسع سنوات حتى تفتق الذهن عما يُعرف بـ«اتفاقية لاهاى لحماية الملكية الثقافية فى حالة النزاع المسلح»، وهى معاهدة دولية تطلب من الموقعين عليها حماية الملكية الثقافية فى الحرب، وتم التوقيع عليها فى ١٤ مايو عام ١٩٥٤ فى مدينة لاهاي، فى هولندا، وصدق عليها أكثر من مئة دولة ودخلت حيز التنفيذ فى ٧ أغسطس ١٩٥٦.

كانت الاتفاقية انتصارًا للإنسانية وعم الارتياح بين الشعوب والمسؤولين وكل عارفى ومقدرى قيمة الأثر فى تاريخ الشعوب وحياتها، فقد وضعت قواعد لحماية السلع الثقافية أثناء النزاعات المسلحة. وكانت أول معاهدة دولية تهدف إلى حماية التراث الثقافى فى سياق الحرب، وسلطت الضوء على مفهوم التراث المشترك وأدت إلى إنشاء «اللجنة الدولية للدرع الأزرق» لحماية التراث.

ومرت الأيام والسنوات حتى رأينا اليوم «الأزرق»، ونحن نتابع تدمير الآثار فى أكثر من دولة دون أى وازعٍ من ضمير أو أى إحساس بقيمة البشر والحجر. ولم يقتصر الأمر على هذا التدمير، فقد تواترات الأنباء عن سرقة الآثار بفعل فاعل هو جيش الغزاة، وكان أوضح مثال على ذلك ما أقدم عليه جنود وضباط من الجيش الأمريكى عقب احتلال العراق، والتفاصيل يعرفها القاصى والدانى فى كل بقاع الأرض.. [هامش: من غرائب الطبيعة ما ذكره كاتب أمريكى يدعى بيتر ستون فى تقرير بموقع «ذى كونفرزيشن» الأمريكي، إذ قال إن «الولايات المتحدة أول دولة تجعل حماية الممتلكات الثقافية جزءًا من سياستها العسكرية من خلال قانون ليبر لعام ١٨٦٣ الذى كتب دليلًا مخصصًا للقوات الفيدرالية خلال الحرب الأهلية آنذاك»، ويبدو أن هذا «القانون» صُنع خصيصًا للحرب الأهلية داخل حدود دولته، لكن نهب وسرقة آثار الشعوب الأخرى فهو جائز شرعًاّ!].

وإذا سألنا أنفسنا: ماذا فعلت اتفاقية لاهاى وهل ساهمت فى حماية آثار العالم؟، فسوف نجد الإجابة واضحة للعيان فى العراق حيث اتفقت إرادة التنظيم الإرهابى «داعش» مع إرادة المحتل الأمريكى، فالأول استخدم معاوله للهدم والتدمير والثانى استخدم سطوته فى النهب والسرقة.. وإذا توجهنا قليلًا نحو سوريا المجاورة، نتحسر على ما دمرته التنظيمات الإرهابية.. ومن يدرى؟ فقد يكون أبو محمد الجولانى أحد الذين شاركوا فى التدمير إذ كان يتنقل بين التنظيمات الإرهابية على حسب مزاج مموليه وداعميه، أما لبنان فقد أصابت الغارات الإسرائيلية العديد من آثاره (بالأخص فى بعلبك) خلال الأشهر الماضية.. وإذا كانت عيوننا ترحل كل لحظة صوب غزة الجريحة، فيكفى أن نشير إلى أن المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان أكد فى تقرير حديث له، أن «إسرائيل تنتهك على نطاق واسع قواعد القانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى لا سيما اتفاقيات جنيف، ومعاهدة لاهاى الدولية المتعلقة بحماية الإرث الثقافي، من خلال شنها لهجمات عسكرية منهجية ضد الأماكن والآثار التاريخية أثناء عدوانها المتواصل منذ السابع من أكتوبر على قطاع غزة». ولا نريد أن نسترسل فى هذا المجال وقد استعرض الزملاء والزميلات الكثير من أبعاد جريمة «الإبادة الثقافية» على صفحات هذا العدد الذى حاولنا فيه تقديم بانوراما عامة عن هذه الكارثة. 

ورغم ما نراه حولنا من أهوال، دعونا نحلم ونقول مثل ديباجة الميثاق التأسيسى لليونسكو «لما كانت الحروب تتولد فى عقول البشر، ففى عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام».. وقد يكون مفيدًا أن نشير إلى الديباجة التى تصدرت اتفاقية لاهاى.. فتعالوا نقرأها معًا:

«إن الأطراف السامية المتعاقدة؛ لاعترافها أن الممتلكات الثقافية قد منيت بأضرار جسيمة خلال النزاعات المسلحة الأخيرة، وأن الأخطار التى تتعرض لها تلك الممتلكات فى ازدياد مطرد نتيجة لتقدم تقنية الحرب؛ ولاعتقادها أن الأضرار التى تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أى شعب كان تمس التراث الثقافى الذى تملكه الإنسانية جمعاء، فكل شعب يساهم بنصيبه فى الثقافة العالمية؛ ولاعتبارها أن فى المحافظة على التراث الثقافى فائدة عظمى لجميع شعوب العالم وأنه ينبغى أن يكفل لهذا التراث حماية دولية؛ ولاعتبارها أنه ينبغي، حتى تكون هذه الحماية مجدية، تنظيمها منذ وقت السلم باتخاذ التدابير اللازمة، سواء أكانت وطنية أم دولية؛ ولاعتزامها اتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية الممتلكات الثقافية؛ قد اتفقت على ما يأتي»..

والمقصود بـ«ما يأتى» هو نصوص اتفاقية لاهاى التى جاءت فى أربعين مادة تعبر فى جمل متناسقة وجميلة ومحكمة وتناطح بعضها بعضًا فى إثبات حسن النية.. ولكن هل تكفى حسن النوايا فى إدارة مثل هذه الأمور؟.. العالم فى حاجة إلى تطوير أدواته، فلم يعد يكفى إبرام المعاهدات وإصدار البيانات والبكاء على الأطلال.

وعلى أية حال، يمكنك أن تكتب على جوجل عبارة «اتفاقية لاهاى لحماية الملكية الثقافية فى حالة النزاع المسلح» كى تكون أمام ناظريك وأنت تتصفح معنا هذا العدد.

مقالات مشابهة

  • شريان حياة الاقتصاد التركي يواجه أزمة حادة
  • بعد سقطة هدير عبدالرازق.. هل يعاقب القانون انحرافات البلوجرز؟
  • أين المجتمع الدولى…؟
  • الشرع: ليست لدينا عداوات مع المجتمع الإيراني
  • بوراس: المرأة ليست نصف المجتمع فقط بل قوة دافعة للتغيير والتطوير
  • تحت شعار التغذية أسلوب حياة.. صيدلة عين شمس تحتفل بـNutrition Day
  • محمود حامد يكتب: حروب الإبادة الثقافية.. كارثة تواجه المجتمع الدولى
  • الخطوط الحمراء
  • واعظ بـ«الأزهر للفتوى الإلكترونية»: دور الأسرة مهم في صناعة القدوة للأبناء
  • جامعة القناة تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول "القيم الأخلاقية ودورها في تنمية المجتمع" بمدرسة النصر