أمريكا اللاتينية بين سندان سراب الوعود ومطرقة حقائق الأطماع الأمريكية! البرازيل مثالا(1-2)
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
يمانيون../
تُعَدُّ سياسة الولايات المتحدة في دول أمريكا اللاتينية مثالاً صارخاً على الطبيعة العدوانية لنهج واشنطن تجاه هذه الدول التي طالما تعرضت لدسائس وانقلابات تُدبَّر في غياهب المخابرات الأمريكية. نستذكر -بوضوح- الأحداث الرهيبة التي وقعت في تشيلي عام 1973، والأرجنتين في 1976، عندما استولى الجيش -بقيادة الجنرال جورج رافائيل فيديلا، وبدعم واشنطن- على السلطة، بعد الإطاحة بالرئيس إيزابيل بيرون.
هذا الأمر تكرر مع نوايا واشنطن الخبيثة لإسقاط النظام الشعبي الجديد في نيكاراجوا، تلك الدولة التي نجحت الجبهة الساندينية للتحرير الوطني في الإطاحة بحكم الدكتاتور أناستازيو سوموزا عام 1979. لقد أقامت حكومة ثورية عمدت إلى تنفيذ برنامج شامل من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية في مصلحة غالبية الشعب، في سبيل بناء دولة شعبية حقيقية. لكن واشنطن دقت ناقوس الخطر، مُعلنة -كما كتب المفكر التقدمي جيرونيمو كاريرا- أن سياسة الحكومة الساندينية تتعارض مع “المصالح الحيوية للولايات المتحدة”.
وكشفت وثائق العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية “فيليب أجي” عن أن الوكالة تخطط لاستخدام برنامج لإشاعة عدم الاستقرار، قد تم اختباره في دول أخرى مثل شيلي والبرتغال وجامايكا. لهذا، خصصت الإدارة الأمريكية 19 مليون دولار لوكالة المخابرات المركزية لدعم “العمليات المعادية للساندينيين”.
وعملت الولايات المتحدة -بتوجيهات الرئيس رونالد ريجان- على صرف هذه الأموال لتدريب مجموعات تخريبية تابعة لنظام سوموزا، ونسقت أنشطة سرية عدة للإطاحة بحكومة الساندينيين، ما أدى -في النهاية- إلى هزيمتهم في الانتخابات عام 1990 بدعم مباشر من واشنطن للقوى المعارضة.
ولا يمكن تجاهل التدخل الأمريكي السافر في فنزويلا، ففي عام 1998 حقق هوغو تشافيز فوزاً ساحقاً في الانتخابات، متبنياً برنامجاً لإحداث تغييرات جذرية أبرزها استعادة السيطرة على شركات النفط الوطنية. وعندما تعرض لتحديات حادة من قبل الولايات المتحدة -التي وصف سياساتها بـ”الإمبريالية الفاضحة”- تم تحريض الطبقة المتوسطة في فنزويلا ضده، ودعمت أمريكا الضباط المعارضين له بشكل سرّي.
تستغل واشنطن اليوم -بأساليبها الماكرة- المشاكل الاقتصادية والتوترات السياسية في دول أمريكا اللاتينية لتحقيق أهدافها الخاصة. ما يحدث في كراكاس -حيث تم تنفيذ محاولة انقلاب لانتزاع الحكم من رئيس فنزويلا المنتخب: نيكولاس مادورو، عبر دعم خوان غوايدو الذي عيّن نفسه رئيساً للبلاد- وهو تدخل سافر وانتهاك صارخ لكافة القواعد الدولية!.
قبل مدة، حذر مادورو من أن الولايات المتحدة تقف وراء محاولة انقلابية من تدبير مجموعة من ضباط سلاح الجو، حيث صرح قائلاً: “مجلس في السفارة الأمريكية هو من كُلف بوضع سيناريو الانقلاب”. تلك الكلمات ليست مجرد اعتقاد، بل تحمل دلالات عميقة مع مساعي أمريكا للتدخل في دستورية البلاد. وفي ذلك الوقت أشارت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية -استناداً إلى معلومات استخباراتية- إلى احتمال أن يُقال مادورو من منصبه، سواء من خلال انقلاب داخل قصره أو عبر انقلاب عسكري.
في هذه التناولة يجري موقع أنصار الله متابعة استقصائية حول طبيعة تلك التدخلات وأبعادها.
البرازيل مثالاً:
تسمى البرازيل رسمياً بـ”جمهورية البرازيل الاتحادية”، وهي أكبر دولة في أمريكا الجنوبية، وثالث أكبر بلد في الأمريكيتين، وخامس أكبر دولة في العالم، سواء من حيث المساحة الجغرافية أو عدد السكان، حيث تبلغ مساحة البرازيل (8.511.965) كم2، ويبلغ عدد سكانها (188.078.227) نسمة.
كانت البرازيل مستعمرة للبرتغال بدايةً منذ هبوط المستكشف “بيدرو الفاريس كابرال” فيها عام 1500 حتى عام 1815. في عام 1815، رُقّيت البرازيل إلى رتبة مملكة عند تشكيل مملكة البرتغال والبرازيل والغرب المتحدة. بقيت البرازيل مستعمرة برتغالية حتى 1808 عندما نُقلت عاصمة الإمبراطورية من لشبونة إلى ريو دي جانيرو بعد غزو نابليون البرتغال. وقد تحقق الاستقلال في 1822 عندما شُكِّلت الإمبراطورية البرازيلية، وهي دولة موحّدة يحكمها نظام ملكي دستوري ونظام برلماني.
أصبحت البلاد جمهورية رئاسية في عام 1889، عندما أعلن الانقلابُ العسكري في البرازيل مع وجود مجلسين تشريعيين. يعود تاريخ التصديق على أول دستور إلى عام 1824. دستور البرازيل الحالي وُضع في عام 1988، ويُعرّف البرازيل بأنها جمهورية فيدرالية. ويتكون الإتحاد من: اتحاد منطقة العاصمة الاتحادية، واتحاد 26 ولاية.
وعود الرئيس الأمريكي إيزنهاور للبرازيليين
(نظام شركاتنا الخاصة -الواعية اجتماعيا- يعود بالفائدة على جميع الناس: المالكين والعمال على حدّ سواء. في ظل الحرّية يبرهن العامل البرازيلي بسعادة على مباهج الحياة في ظل النظام الديمقراطي). تلك الكلمات كانت الشرارة الأولى في الحرب الأمريكية على النظام البرازيلي القائم آنذاك وبدأت برسالة تطمين حصل عليها الشعب البرازيلي من الرئيس الأمريكي إيزنهاور خلال زيارته للبرازيل عام 1960م. فماذا كانت الخطوة الأولى في التنفيذ، وما النتائج والثمار التي ستكشف القناع عن الوجه الأمريكي القبيح والكامن وراء تلك الوعود؟.
الانقلاب العسكري أولى الثمار
دبّرت إدارة الرئيس الأمريكي “جون كنيدي” الانقلاب العسكري في البرازيل عام 1964، وساعدت على تحطيم الديمقراطية البرازيلية التي خُطّت في سبيل الاستقلال. دعمت الولايات المتحدة الانقلاب الذي وضع حجر الأساس لعمليات التعذيب والإرهاب على الطريقة النازية. دمّر الانقلاب الحياة البرلمانية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت فترة دمويّة مُرعبة خرّبت الحياة في البرازيل لمدة ثلاثة عقود.
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتخطيط للانقلاب العسكري بعد أن أصبح (خواو غولارت) رئيساً للبرازيل عام 1961. قلق العسكريون من جاذبيّة هذا الشخص اليساري وخطابه الشعبي، وأغضبتهم جهوده الهادفة لرفع الحد الأدنى لأجور العمال المدنيين، وزادت مخاوف جماعة رجال الأعمال الأمريكيين عندما أصدر قراراً يفرض قيوداً على الاستثمار الأجنبي ويحدّ من تحويل الأرباح؛ لأنّ هذا التحويل يستنزف الاقتصاد البرازيلي.
وبالرغم من أن هذا الرجل كان معادياً للشيوعية إلّا أن رجال الأعمال الأمريكيين ومسؤولي السفارة الأمريكية شعروا بالخوف من علاقاته مع العمال والمنظمات الفلاحية وتعيينه عددا من الشيوعيين في مناصب عالية. صَنّفت وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) هذا نهجاً شيوعياً صريحاً. أخبر الجنرالات البرازيليون (وأغلبهم تمّ تدريبهم في الولايات المتحدة) السفير الأمريكي في البرازيل بأنّهم يحضّرون لانقلاب، وبمبادرة شخصية من الرئيس “جون كندي”، بدأ الدعم السرّي والعلني للمرشحين اليمينيين.
أرسل جون كندي شقيقه “روبرت كندي” ليبلغ الرئيس البرازيلي “غولارت” بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية “قلقة من مضايقات رجال الأعمال الأمريكيين والمستثمرين الأجانب، وتسرُّب الشيوعيين والقوميين اليساريين المعادين للولايات المتحدة إلى الحكومة، وأن على الرئيس “غولارت” أن يهتم بأن يشغل المواقع الإدارية والاقتصادية “المفتاحية” في البرازيل أشخاصاً موالين للولايات المتحدة، وأن يفرض السياسات الاقتصادية التي تريدها”.
لم ينصع الرئيس “غولارت” لهذه “الأوامر”، فتوتّرت العلاقات. حثّ مدراء الشركات الأمريكيون -آنذاك- الولايات المتحدة على وقف تام للمعونات الاقتصادية لتسريع الانقلاب. حذّرت السفارة الأمريكية من أن “غولارت” يرقّي الضبّاط ذوي الميول القومية على حساب الضبّاط الموالين للولايات المتحدة وللديمقراطية (لاحظ أن الديمقراطية ترادف الولاء للولايات المتحدة بالنسبة للأمريكان).
زادت المساعدات العسكرية لمعارضي “غولارت”، قدّمت الـ CIA تمويلاً لتظاهرات في بعض المدن، وفي 31 آذار (مارس) قام الجيش بانقلاب وصفه الأمريكيون بـ (العصيان الديمقراطي)، ورحب السفير الأمريكي بالانقلاب معتبرا إياه “ثورة ديمقراطية” ووصفه بأنّه (الانتصار الوحيد الأكثر حسما للحرية في منتصف القرن العشرين) وقال: “إن انتصار الحرية هذا –أي الإطاحة العنيفة بالديمقراطية البرلمانية وبالرئيس المُنتخَب– لا بد أن “يخلق جوّاً أفضل بكثير بالنسبة للاستثمارات الخاصة”. أهّل هذا الانقلاب الولاياتِ المتحدةَ للقب “مُلهمة انتصار الديمقراطية” أطلقته عليها الجريدة الليبرالية (نيو ريببلكان – الجمهورية الجديدة). ويخبرنا “توم ولف” أن الثمانينيات “جاءت بأعظم الفترات الذهبية في تاريخ الإنسانية”.
بعد الانقلاب أُطيح بالنظام البرلماني بعنف، وسُحقت الحركة العمالية. خُفّضت الأجور 25% خلال السنوات الثلاث الأولى. أُعيد توزيع الدخل لصالح جماعات الدخول العالية. جعلت “نيويورك تايمز” القمع الوحشي والهجوم على مستويات المعيشة شرطاً أوّلياً لدورة جديدة من النمو الرأسمالي في الاقتصاد الداخلي البرازيلي.
صارت الولايات المتحدة تُشرف على كلّ جوانب السياسة الاقتصادية البرازيلية. قدّم البنك الدولي أوّل قروضه بعد أن رفض ذلك لمدة 15 عاما، وازدادت المعونة الأمريكية مع زيادة التعذيب والقتل والجوع والأمراض ووفيات الأطفال.
الوجه الآخر للرفاهية الأمريكية
بقراءة متعمقة في مشاهد الانقلاب، تظهر ديناميكية كيف يتم استخدام الديمقراطية كأداة لتحقيق أهداف جيوسياسية، حيث تسعى الدول القوية إلى التأثير على أنظمة الحكم في الدول الغنية بالموارد. ففي 11 ديسمبر 1962 اجتمعت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن الوطني الأمريكي لتقييم الخيارات المتاحة، وخلصت إلى دعم الخيار الثالث الذي ينص على محاولة تغيير مواقف غولارت، وطرحت عليه -بالفعل- أفكاراً سياسية واقتصادية تتماشى مع المصالح الأمريكية، وهو الخيار الذي رفضه غولارت. في هذا السياق، قررت الولايات المتحدة دعم القوات شبه العسكرية المناهضة لحكمه، ما يعكس صورةً مأساوية للديمقراطية الأمريكية التي يتم تصديرها.
وتظهر مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية بشأن حالة الرئيس البرازيلي غولارت منذ أوائل يوليو عام 1962، حيث عُقد اجتماع سري بين كبار المسؤولين الأمريكيين لمناقشة مخاوفهم من توجه غولارت نحو نظام حكم شيوعي. إن مثل هذه القرارات ليست نابعة من الحب لشعوب هذه البلدان، وإنما من طمع في ثرواتها واستغلال لنقاط الضعف السياسية. واشنطن سيّرت الأحداث في البرازيل صوب الإطاحة بغولارت، وهي تعلم أن هذا المسار لم يكن في صالح الشعب البرازيلي.
وهنا، تتجلى الصورة الحقيقية في أن التدخلات الأمريكية لم تكن لتأتي إلا في سياق دعم أنظمة معينة هي من يصنعها لتمرير أجنداتها فيما تطمع في الحصول عليه، وليس فيما تدعيه أو تَعِدُ به الشعوب من تعزيز للقيم الديمقراطية التي تتغنى بها، وتخدع بها من يصغي إلى وعودها.
هذه الحقائق تحتاج إلى إمعان النظر في طبيعة الديمقراطية التي تُصَدّرها أمريكا، والتي تبدو -في ظاهرها- دعواتٍ مبنيةً على الاحترام والثقة، إلا أن بواطنها محملة ببذور الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية المهيئة لظروف تنفيذ أجندات تسعى لتحقيق مكاسب على حساب استقلال الشعوب وحرياتها.
البنك الدولي يسيطر على ساحة اللعبة
بالطبع، يبدأ العسكريون –وبتخطيط من الولايات المتحدة، بهمّة- في صنع مأساة اقتصادية؛ وغالبا ما يكون ذلك باتباع وصفات المستشارين الأمريكيين، وبعيد الفراغ من ذلك يسلّمون المشكلات للمدنيين الذين سيجدون اقتصاداً مُصادراً، وقطاعاً عامّاً مُباعاً، وثرواتٍ مُستباحة يتلاعب بها 3 – 5 % من السكان ومن يرتبط بهم، مقابل حالة من البؤس العارمة تطيح بأكثر من 80% من السكان. هنا يأتي خبراء البنك الدولي ليعرضوا خدماتهم لإنقاذ الاقتصاد المُحطّم.
وبالنسبة للولايات المتحدة –وفي كثير من الأحوال- لم يعد الاحتلال العسكري السافر ضرورياً، فقد برزت وسائل حديثة مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.
يُقرض البنك الدولي البلدان مقابل شروط تتمثل في سياسة ما يسمى “تحرير الاقتصاد”، هذه التسمية -التي تبدو مُشجّعة- تعني تهيئة الاقتصاد الوطني لاختراق المال الأجنبي، وتحكّمه فيه، مع تخفيضات حادّة في خدمة المجتمع. يكرّس هذا تقسيمَ المجتمع إلى أقلية ثرية وأكثرية تعاني الحرمان والفقر المدقع.
الديون، والفوضى الاقتصادية -التي ينجزها العسكريون كما قلنا- تهيئ الساحة لتكون مضطرة للقبول بشروط صندوق النقد الدولي وقواعده، إلّا إذا حاولت قوى سياسية وطنية ذات شعبيةٍ التدخلَ، وفي هذه الحالة يعود العسكريون لاستعادة الاستقرار، وفي حالة بلدان أمريكا اللاتينية –ومنها البرازيل- يكون عذر المخابرات الأمريكية حين تدبّر الانقلابات هو إبقاء الشيوعية بعيدة عنها (المقصود بالشيوعيين أولئك الميّالون إلى الفقراء، والذين طالما رغبوا في نهب الأغنياء على حد تعبير “جون فوستر دالاس” وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك).
وتقدّم البرازيل حالة كاشفة على هذه السياسة التدميرية حيث تتمتع بثروات طبيعية تمكنها من أن تكون أغنى دول العالم. كذلك تمتعت بتنمية صناعية عالية المستوى. ولكن -بسبب انقلاب عام 1964، ومن ثم “المعجزة الاقتصادية” التي يشيد الكلّ بها- أصبح أكثر البرازيليين يعيشون مثل الإثيوبيين، وأقلّ من سكان أوروبا الشرقية. أضف إلى ذلك التعذيب والقتل والأساليب الأخرى لضبط عدد السكان كما سنرى!
أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: للولایات المتحدة أمریکا اللاتینیة الولایات المتحدة البنک الدولی فی البرازیل التی ت فی عام
إقرأ أيضاً:
WP: كيف تكافح الولايات المتحدة لاحتواء الفوضى في سوريا؟
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا، للصحفيين، كارين دي يونغ، ومايكل بيرنباوم، وميسي رايان، قالوا فيه إنه: "من بين كل الاضطرابات الخارجية التي اضطرت إدارة بايدن لمواجهتها وإدارتها في السنوات الأخيرة، لم تكن سوريا على قائمة أي أزمات محتملة".
وأضاف المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "كانت عملية السلام السورية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي بدأت بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، في حالة احتضار".
وأوضح: "لم تتغير الخطوط التي تقسّم البلاد إلى مناطق نفوذ بين القوى العالمية والإقليمية بشكل كبير لسنوات؛ إذ بدأت الحكومات العربية التي عملت ذات يوم على إزاحة الرئيس المدعوم من إيران، بشار الأسد في احتضانه".
وتابع: "لقد ترك الهجوم المفاجئ الذي شنّته هيئة تحرير الشام الإسلامية، والذي أدى لسقوط نظام الأسد وقواته العسكرية في أقل من أسبوعين، الحكومات في جميع أنحاء العالم تكافح لمعرفة ما يجب القيام به حيال ذلك، ولا سيما إدارة بايدن".
"لقد سارع كبار الدبلوماسيين الأمريكيين بالسفر إلى المنطقة، حيث انتشروا لإجراء مناقشات في تركيا والأردن ولبنان والعراق وإسرائيل. كما تشارك مصر والسعودية في محادثات حول الجهود الرامية للحفاظ على الاستقرار في سوريا ومحاولة تعزيز نوع من الانتقال السياسي" استرسل المقال نفسه.
وأفاد: "عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تتولى الولايات المتحدة رئاسته الدورية حاليا، اجتماعا مغلقا، بعد ظهر يوم الاثنين، مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا ورئيس قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، المسؤولة عن مراقبة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا منذ حرب عام 1973".
وأبرز: "منذ سقوط الأسد، قامت القوات الإسرائيلية بتوغلات محدودة في المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة من مرتفعات الجولان -الأراضي السورية التي احتلتها أثناء الحرب وضمتها لاحقا- ونفّذت غارات جوية استهدفت ما تقول إسرائيل إنها مواقع أسلحة كيميائية وصواريخ مشتبه بها في سوريا، لمنعها من: الوقوع في الأيدي الخطأ، وفقا لوزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر".
وأردف: "وصل كبير المفاوضين الأميركيين بخصوص الأسرى، روجر كارستينز، لبيروت بغية تنسيق الجهود للعثور على أوستن تايس، وهو الصحفي الأميركي المحتجز في سوريا قبل اثني عشر عاما. إنه شخص واحد بين عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، من السوريين الذين اختفوا في ظل نظام الأسد، والذين تبحث عنهم عائلاتهم الآن، بشكل يائس، مع فتح أبواب السجون".
وأشار المقال نفسه، إلى أنّ: "وزارة العدل الأميركية، كشفت، الاثنين، عن اتهامات ضد اثنين من كبار المسؤولين في نظام الأسد، ووجّهت إليهما اتهامات فيما يتصل بالتآمر لارتكاب جرائم حرب ضد مواطنين أميركيين وآخرين بين عامي 2012 و2019".
وأكد: "نسّقت الإدارة ممرّا آمنا إلى شرق سوريا لعشرات الآلاف من السوريين النازحين داخليا بسبب الصراع في الغرب المأهول بالسكان. وفي الوقت نفسه، نسق الجيش الأمريكي، الذي يحتفظ بقوة قوامها نحو 800 جندي في مواقع مختلفة في شرق سوريا، ومكّن جماعة من الاستيلاء على أراض استراتيجية احتلها الأسد وإيران لسنوات".
"شجّع العراق على منع القوات الإيرانية والجماعات المدعومة من إيران المتمركزة هناك من عبور الحدود إلى سوريا، وفقا لمسؤولين أميركيين" بحسب المقال الذي ترجمته "عربي21".
وأضاف: "ركّزت الجهود العسكرية الأمريكية حتى الآن على منع قوات الدولة الإسلامية التي تجوب شرق سوريا من الاستفادة من الفوضى. وفي يوم الأحد، شنّت الولايات المتحدة عشرات الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية".
واستطرد: "لكن هناك عدد قليل من الخيارات الأخرى الواضحة على الفور -أو الرغبات- لإدارة الموقف. إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، يوم الاثنين: في نهاية المطاف، هذه عملية يجب أن يقودها السوريون، وليس الولايات المتحدة، وليس أي دولة أخرى في المنطقة؛ مردّدا تصريحات متطابقة تقريبا صدرت قبل أكثر من عقد من الزمان عندما حاولت إدارة أوباما توجيه سوريا نحو حل سلمي وديمقراطي".
وقال ميلر: "لذا فإن ما يمكننا فعله هو توضيح أننا سندعم الشعب السوري على هذا المسار نحو مستقبل أفضل.. سنحمي مصالحنا الخاصة بينما نفعل ذلك، وسنتأكد من عدم عودة تنظيم الدولة الإسلامية. لكن ليس من حق الولايات المتحدة أن تحاول استخدام قوتها أو نفوذها لإملاء أي مسار للمضي قدما لهم".
وأردف أنّ: "إدارة بايدن تريد أن ترى "خفض التصعيد في المستقبل"، وتثني أي مجموعة عن محاولة الاستفادة من الاضطرابات من خلال محاولة المطالبة بأراض جديدة"، مبرزا أن: "هيئة تحرير الشام كانت تقول الأشياء الصحيحة، مؤخرا، لكن أفعالها المستقبلية تظل سؤالا مفتوحا".
وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنّ: "العقوبات الأمريكية ضد سوريا واستئناف العلاقات الدبلوماسية المحتملة مع دمشق، كانت أدوات يمكن لواشنطن استخدامها لمحاولة تشجيع قادة سوريا الجدد على تعزيز عملية سياسية شاملة".
وبحسب المقال ذاته، أشار مسؤول آخر في الإدارة، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن إدارة بايدن مستعدة لإعادة تقييم سياسات عدم التدخل في الأمد القريب.
وأضاف المسؤول: "من السابق لأوانه القول ما إذا كانت وعود هيئة تحرير الشام بالتعددية والديمقراطية سوف تتحقق، وما هي الأهداف الأوسع للمجموعة. لن نستخلص أي استنتاجات بعد".
وأردف المسؤول نفسه، أنّ: "مسؤولي بايدن أجروا محادثات بنّاءة مع الفريق القادم للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بخصوص سوريا"، في الأسبوع الماضي، كتب ترامب، الذي سمح بصفته رئيسا في عام 2017 بإطلاق 59 صاروخ كروز على قاعدة جوية سورية، اعتقدت الاستخبارات الأمريكية أن الأسد شنّ منها ضربات بالأسلحة الكيميائية ضد شعبه.
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح ترامب، آنذاك، أنّ: "الولايات المتحدة يجب أن تبقى بعيدة عن الصراع الحالي"؛ مضيفا: "هذه ليست معركتنا، دعها تتكشف، لا تتورط".
من جهته، قال مسؤول دفاعي أمريكي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إنّ "البنتاغون جزء من جهد جماعي بين وكالات الاستخبارات لتقييم الجماعات المسلحة المختلفة في سوريا، لتحديد الشركاء المحتملين المتوافقين مع المصالح الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها".
وأبرز مسؤول أمريكي آخر، أنهم يقومون بفرز مقدار المعدات والأسلحة الروسية، التي دعمت الأسد لفترة طويلة ولديها عدة قواعد عسكرية في سوريا، من أخذها معها عندما انسحبت قواتها من تقدم هيئة تحرير الشام. وحذّر المسؤول من أنّ أي شيء متبقي يمكن أن يتحول يوما ما ضد القوات الأمريكية أو المتحالفة، اعتمادا على من يقع في أيديهم.
قالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، للصحافيين، يوم الاثنين، إنّ الولايات المتحدة لا تتحدث إلى هيئة تحرير الشام بشكل مباشر ولكن لديها "نظراء" في مجموعات أخرى لديهم طرق لتوصيل الرسائل لهيئة تحرير الشام والمجموعات الأخرى.
كذلك، يتشابك الشركاء الإقليميون في دوامة قوات المعارضة في سوريا، التي تشكّلت معظمها خلال الحرب الأهلية. ترتبط الأردن بالجماعات في جنوب سوريا، وقد دعمت تركيا والولايات المتحدة منذ فترة طويلة مجموعات في الشمال على طول الحدود التركية التي تعارض بعضها البعض وكذلك الأسد.
وكان الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة -الأكراد السوريون الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين- في مواجهة بعضهم البعض لسنوات. وبالتزامن مع تحرك هيئة تحرير الشام، شنّ الجيش الوطني السوري ما أسماه "عملية فجر الحرية" هجمات ضد مناطق قوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود.
وبحسب تقارير صحفية عربية، دعمت تركيا، التي كانت أيضا داعمة لهيئة تحرير الشام، هجوم الجيش الوطني السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية في مدينة منبج الحدودية الشمالية والجزء الشرقي من محافظة حلب في الأيام الأخيرة.
وذكرت وكالة "رويترز" يوم الاثنين، أنّ: "الولايات المتحدة وتركيا توصلتا إلى اتفاق لضمان الانسحاب الآمن لقوات سوريا الديمقراطية من منبج إلى الجانب الشرقي من نهر الفرات".
وتابعت في محادثاتها مع تركيا، تحاول إدارة بايدن تجنّب المواجهة المباشرة التي قد تشتّت الانتباه وتقوض الجماعات المسلحة السورية التي يقودها الأكراد، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية، التي تحرس مخيم "الهول" وسجون أخرى في شمال شرق سوريا، حيث يتم احتجاز الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وختم المقال بالقول: "قوات سوريا الديمقراطية، في حين أنها الآن على الأرجح القوة الأكثر تسليحا وتماسكا في سوريا، قد تواجه اختبارا إذا استهدفتها تركيا أو هيئة تحرير الشام أو كلاهما، كما قال كينيث ماكنزي، وهو جنرال متقاعد قاد القوات الأمريكية في المنطقة من عام 2019 إلى عام 2022، في مقابلة هاتفية يوم الاثنين".
وأردف ماكنزي: "إن الاختبار الأول لأي دولة هو استعادة سيادتها الكاملة"، فيما حذّر من أنّ: "هيئة تحرير الشام قد لا تترك الأكراد بمفردهم في المنطقة شبه المستقلة في شمال شرق البلاد، والتي تسيطر عليها منذ عدة سنوات".