الدراما الكورية تغزو شباب طنطا
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
في البدء كان المشهد قاصرا على مقهى واحد أو اثنين بالأكثر في منطقة المرشحة بمدينة طنطا والتي تعتبر المتنفس لشباب الجامعة والخريجين حديثا ، يعرض المقهى عرضا دراميا ينتمي لكوريا الجنوبية، وطبيعي أن يفحص الجمهور المستجد" بلد" انتاج هذا المسلسل وطبيعة الاحداث التي تمر فيه ،فالمصريون يرون أن شعوب شرق آسيا كلهم متشابهين ولا يستطيع أحد التفريق بين مواطن ياباني عن نظيره الكوري أو الصيني فكل العيون ضيقة وشعر الرأس مسترسل على الجبهة.
الأمر أصبح يشكل ظاهرة فعلية بين شباب المدينة ،حيث اجتمعت أغلب المقاهي على تشغيل دراما كوريا الجنوبية، والبعض يخزنها داخل قرص تخزين ويعرضها كعرض سينمائي لحلقات لمسلسل قديم يتابعه شباب المقهى .ورغم الفارق الزمني لشخص ينتمي لأواسط الاربعين وشباب في بواكير العشرينات كان اللقاء به بعض الود مع أكثرهم .
بدأ الحوار لمحاولة فهم طبيعة تفكير هذا الجيل الحداثي باحثا عن سبب اقبال الشباب لما يعرض وسبب تركيزهم وانصاتهم للمسلسل رغم امكان مشاهدته عبر تطبيقات الهاتف في المنزل مثلا ؟ فأجاب محدثي:" أنهم يلتقون هنا لمتابعة مسلسل يتم تقييمه أولا بين جروب أصدقاء المرحلة الواحدة ثم يتولى أحدهم بعد مرحلة التصويت تحميل خمس حلقات على "الفلاش ميموري " ومن ثم الحضور بشكل جماعي على المقهى وعرضها من خلال شاشة العرض هنا .
لكن لماذا الدراما الكورية تحديدا ؟ البعض ربما يتجه إلى منصات عرض عالمية تحتفي بالدراما الامريكيىة مثلا ؟ فكانت إجابة محدثي كالآتي: "جيلنا ليس معقدا لدرجة تحليل وابداء اسباب ودخول نقاشات ،الحقيقة جيلنا له ذوق في شيء معين يجربه ،نحن نشانا على زمن المعلومة السريعة والتذوق السريع والوجبة السريعة وكذلك المشاعر السريعة ،لذا إذا سألتني عن رأي في متابعة دراما كوريا الجنوبية تحديدا ،فربما يكون رأي مختلفا عن بقية أصدقائي ،لكني سأخبرك به :"الدراما الكورية بها طبيعة أخلاقية راقية وقريبة من القيم الانسانية التي اندثرت وتناساها الناس ولا يوجد فيها مبالغة ،وصراحة هي تراعي وتعرض لأهم شيء يحدث هذه الأيام وهو عقوق الوالدين".
حملت بعض الأسئلة محاولا عرضها على مختص لمحاولة ايجاد تفسير أوضح لهذه الظاهرة ،الدكتور محمود ريان الباحث في مجال الدراسات الأدبية والمهتم بأدبيات الشرق الأقصى والمقيم بكوريا الجنوبية ،يرى أن هذه الظاهرة بالفعل انتشرت بين شباب الأقاليم وليس بين شباب مدينة طنطا فقط ،وربما تكون أسباب هذه الظاهرة هي تخمينات اقرب للحقيقة طالما لا نملك مقياس احصائي للخروج بنتيجة علمية دقيقة كنتائج البحث العلمي ،لكن نستطيع أن نقول ان الدراما الكوريا تنقسم إلى قسمين متأصلين في هوية التراث الكوري ،قسم يعرض للحقبة التاريخية "جوسون " وهي حقبة كوريا التي كانت تستمتع بالاستقلال الذاتي لكنها كانت تتبع اشراف امبراطورية الصين ،وكانت هذه الحقبة يكون فيها الملك "شوونا بالمصطلح الكوري " هو مصدر التشريع ويصاحبه البلاط الملكي هذه هي الفترة الخصبة لعرض قيم الأخلاق الكورية ونبل العلاقة بين الوالدين ،وتلجأ الدراما الكورية لعرض نماذج تاريخية من هذه الحقبة والأغرب أنها تلقى حفاوة بين شباب الأقاليم وربما يرجع السبب إلى محاولة التمسك بالعادات القروية مثل بر الوالدين واحترام العلم وكبار السن .بينما النوع الثاني من الدراما هو دراما عصر الاندرويد والطفرة التكنولوجيا والتي أدت إلى الاغتراب الروحي والنفسي عند بعض الشباب ومحاولة ايجاد حلول لارتفاع نسبة الانتحار داخل المجتمع الكوري .
في حين ترى الباحثة النفسية نسرين شاهين أخصائي علم النفس الإكلينكي أن تجربتها في العلاج السلوكي مع بعض المراهقين تكشف عنها أن بعض المراهقين يضعون صور تطبيق الواتس اب الخاص بهم أبطال لنماذج في الدراما الكورية وهو أمر جذب انتباهها جعلها تحاول اكتشاف ما يراه ويشاهده ابناء هذا الجيل ولجأت إلى أساليب تعديل للسلوك من خلال تتبع تلك الدراما ومناقشة اصحاب المشكلات لإيجاد أساليب علاجية ملائمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كوريا الجنوبية شرق آسيا الدراما الکوریة بین شباب
إقرأ أيضاً:
برهومة: الدراما وتثبيت الحق الفلسطيني
تواصل منصة “نتفليكس” (مع أن هذا ليس عهدها!) التعاطف مع المأساة الفلسطينية، من خلال عرضها الموسم الثاني من المسلسل الدرامي الكوميدي (Mo) وسط أنباء تشيع بأنه سيكون الموسم الأخير.
وعلى خطى موسمه الأول، يتتبع المسلسل، مصير شخصيته الأساسية (Mo)، محمد عامر، أو محمد النجار، الفلسطيني الأميركي، الذي يظهر في المكسيك بعدما اختطفته، خطأً، عصابة، واختطفت معه نضاله الدؤوب للحصول على الجنسية الأميركية.
وعبر مرافعة عميقة وذكية، ينجح المسلسل، في موسميه، في تجديد صورة فلسطين؛ الحلم والضمير، من خلال أداء خلاب للممثل الذي يصرّ على تعريف نفسه بأنه أميركي فلسطيني، وأنه اقتلع من أرض أبيه وأجداده في فلسطين 1948، وأنه عاين آلامهم في الهجرة الاضطرارية إلى الكويت 1990، ثم الهجرة الأكثر اضطرارية في أعقاب حرب الخليج، بعد غزو صدام حسين للكويت، ثم اللجوء مرة أخرى إلى أميركا، ومكابدة آلام التمييز، والتجاهل الحقوقي، والانتظار عشرين عاماً حتى الحصول على الجنسية.
المسلسل نُفذ بمهارة، من خلال نص بديع متقن وابن للحياة (كتبه محمد عامر والممثل الأميركي المصري رامي يوسف) وأداء مبهر للفنانة فرح بسيسو (بدور يسرى/ والدة محمد)، فضلاً عن مهارة عمر إلبا (بدور سمير/ شقيق محمد) المصاب باضطراب طيف التوحد، وإخراج ماهر أشرف عليه الأميركي من أصول جزائريّة سوليفان “سليك” نعيم.
المسلسل، في موسميه، يتأثث بما يمكن تسميته “فسيفساء الحقائق البسيطة”، لكنها حقائق دامغة تؤكد صلابة الحق، وانتصار التاريخ، ولو من خلال المفردات الصغيرة؛ صحن الحمص، خلطة الفلافل السحرية، مفتاح البيت في فلسطين، الكوفية على كتفيْ “مو” وهو يقدم جواز سفره الأميركي، في مطار تل أبيب، عابراً إلى بلاده وبيارات أجداده في فلسطين، في نهاية الحلقة الأخيرة المليئة بالشجن من الموسم الثاني. كلها إشارات لا تفقهها موظفة الجوازات الإسرائيلية ذات الأصول الإسبانية التي تتورط، عبر أسئلتها الاستفزازية، في ملهاة “الضحية/ الجلاد”.
تلك الرحلة/ الزيارة/ العودة المؤقتة (التي صورت في جزيرة مالطا بسبب تزامنها مع الحرب على غزة)، تمتاز فضلاً عن احتشادها بالحنين، بل أيضاً بإلقائها أضواءً ساطعة على المرارة التي يكابدها الفلسطينيون عند الحواجز الإسرائيلية، حيث يكشف المسلسل (وهذا ما لم نعتد عليه) عن وحشية “الاحتلال” الإسرائيلي (هكذا يجري تسميته في المسلسل)، وهو يبني المستوطنات، ويحرم سكان الأرض الأصليين من الوصول إلى كرومهم ومزارع الزيتون التي غرسها الأجداد منذ آلاف السنين.
يتزامن عرض الموسم الثاني من “مو” وسط التهديدات التي ما انفك يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير الفلسطينيين، وتحويل قطاع غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط” كأنّ معايير الحق والعدالة والعراقة التاريخية لا وجود لها في معجم تاجر العقارات.
أيضاً يتزامن المسلسل مع دعوات تهجير الأجانب غير الشرعيين، وبخاصة من المكسيكيين إلى بلادهم، بعد عبورهم في مراكز الاحتجاز الفظيعة التي قُدر لبطل المسلسل “مو” أن يمضي فيها أياماً، في ظروف مهينة تفتقر لأدنى حقوق الكرامة البشرية.
وكان “مو” قبل احتجازه، يواصل مقاومته الحياتية بائعاً جوالاً لشطائر التاكو بالفلافل التي استلهمها من ثقافة بلده الأصلي، بينما يمضي أوقاته الليلية في المصارعة الحرة والموسيقى ليتدبر شؤون عودته إلى أميركا، ومتابعة الإجراءات العنيدة والمزمنة في سبيل الحصول على الجنسية التي تتكلل، أخيراً، بزواجه من حبيبته الأميركية التي عادت إليه بعد انفصالها عن أميركي إسرائيلي “غاي” وهو طاهٍ أسس مطعماً شهيراً من خلال السطو على خلطات شرق أوسطية من بينها خلطة الفلافل بالتاكو، وخلطة الحمص بالطحينية، وهو ما يفضحه “مو” كمعادل رمزي للسطو على التاريخ الفلسطيني.
الاختراق الأكبر الذي حققه المسلسل بموسميه أنه توجه للعقل الغربي، وخاطبه بأدواته، ونأى عن اللغة الخشبية المكتظة بالشعارات التي تكتفي بمقولة “أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل”، فالعمل الفني يحتاج إلى مهارات تتعدى تسجيل الموقف السياسي العابر، وترنو إلى إيقاظ الضمير الإنساني، عبر مفردات مشتركة في العيش والتشبث بالهوية ومكافحة الظلم والعدوان والاحتلال، من دون التورط في الكراهية. هذه مهمة صعبة، وقد أنجزها معدو المسلسل ذوو الانتماءات المتعددة بطريقة خلاقة، وهذا سبب أساسي في وصول الرسالة، والتنبيه إلى حتمية سيادة العدالة كي يسود السلام.
المسلسل يؤشر إلى أهمية الدراما الذكية في بناء التشابكات التضامنية مع القضية الفلسطينية. وهنا لا نشير إلى تشكيل “لوبي” فني مضاد للرواية الصهيونية ويتسلل ببطء وعمق إلى الوعي العالمي، وهذا طموح جريء لكنه ليس مستحيلاً، بل نحث، على الأقل، على الاستثمار في تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، وإعادة تعريف الاحتلال، وفضح صورته القبيحة التي تنعكس على مجريات الوقائع اليومية للفلسطيينين، لا الاكتفاء بما تبثه وسائل الإعلام الموجهة التي ثبت زيف مزاعمها بعد السابع من أكتوبر 2023.
وعلى ذكر تلك الأحداث التي عصفت بقطاع غزة وحولته إلى جحيم في أعقاب “طوفان الأقصى”، فإن عملاً فنياً واحداً لا يكفي للكشف عن فظائع الإبادة الإسرائيلية التي ما زالت فصولها وتداعياتها المأساوية قائمة حتى الآن.
وإن لم تتقبل “نتفليكس” أن تعرض ذلك في عمل فني، يكون امتداداً لموسمي (Mo)، فليبحث محمد عامر وشركاؤه عن خيار آخر، خصوصاً وأنه أصبح يمتلك ما يشبه “العلامة التجارية” أو البصمة الروحية للتأثير وصناعة الفارق، فلربما تنجح الدراما فيما أخفقت فيه السياسة، ولربما يبني الفن ما هدمته الدبابات وما دمرته الأسلحة الذكية والغبية، وما تستعد أن تبيده “أم القنابل” التي قيل إنها في طريقها إلى إسرائيل!
د. موسى برهومة – وكالة عمون الإخبارية