وثائق تؤكد مناقشة إسرائيل مخططات تهجير سكان غزة منذ 1967
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
القدس المحتلة– لم تكن تصريحات بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، الداعية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة خلال الحرب محض دعاية حربية، بل هي دعوات تعود جذورها إلى حقبة ما بعد "نكسة حزيران" عام 1967 عندما خططت الحكومات المتعاقبة في تل أبيب لتنفيذ مشروع التهجير لسكان القطاع.
ورغم فشل مخطط التهجير القسري في بداية الحرب الحالية، لم تخف حكومة نتنياهو الهدف الحقيقي من وراء العمليات العسكرية خاصة في شمال القطاع، والمتلخص بتهجير سكانه الفلسطينيين، ووضع حجر الأساس لبناء المشروع الاستيطاني بالقطاع، في إحياء لخطط التهجير التي ناقشتها تل أبيب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وكشف النقاب عن هذا التشابه بين مخططات الماضي والحاضر بشأن تهجير الفلسطينيين، من خلال تحقيق لصحيفة "هآرتس"، الذي استعرض جوهر ومضمون بروتوكولات الحكومات الإسرائيلية المحفوظة في أرشيف الدولة، والتي ناقشت بعد حرب الأيام الستة العديد من الخطط لتنفيذ التهجير والترانسفير، للغزيين.
وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تقتصر الدعوات المتكررة لتشجيع تهجير الفلسطينيين على وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بل صدرت عن وزراء في حزب الليكود وزعيمه نتنياهو الذي بدا متحمسا ومنفتحا لمخطط التهجير، حيث صرح باجتماع لحزبه في ديسمبر/كانون الأول 2023، أنه يسعى لـ"تحقيق الهجرة الطوعية لسكان غزة لدول أخرى".
نتنياهو في محور نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها (إعلام الجيش الإسرائيلي) خطط ترانسفير مبكرةوفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، اجتمع رؤساء الوزراء والوزراء وقادة الحكومات، مرارا وتكرارا لمناقشة "مشكلة ملحة"، وهم السكان الفلسطينيون في غزة، وتكشف بروتوكولات المداولات أن أفكارهم لا تختلف كثيرا عن أفكار اليمين المتطرف اليوم.
إعلانوتكشف مراجعة البروتوكولات أن طموح اليمين المتطرف الحالي يعكس أفكارا ومقترحات ومخططات سبق أن تم طرحها للمناقشة في الماضي من قبل قادة في حكومات اليسار الصهيوني، الذين ينتمون إلى الجيل المؤسس للدولة الذي شارك في تنفيذ نكبة 1948.
لم يدخر الوزراء، بحسب ما كشفت عنه البروتكولات، أفكارا لحل المشكلة التي ظهرت أمامهم مع احتلال قطاع غزة والضفة الغربية في حرب الأيام الستة، حيث كان يعيش في تلك المناطق في ذلك الوقت نحو مليون فلسطيني، ونحو 400 ألف منهم في القطاع.
وقال وزير الدفاع موشيه ديان في 25 يونيو/حزيران 1967 "إذا تمكنا من إجلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى، فيمكننا ضم غزة بدون مشكلة". وفي كلماته، ذكر فكرة قبلتها الحكومة في ذلك الوقت، ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل في النهاية، وهي ضم قطاع غزة إلى إسرائيل، وإفراغه من اللاجئين الفلسطينيين ثم توطينه باليهود.
بدوره، قال رئيس الوزراء في حينه، ليفي أشكول "أقترح صيغة خطة لضم القدس وقطاع غزة، نحن مستعدون أن نقتل من أجل القدس ومن أجل الأرض. في قطاع غزة، عندما نتذكر وجود 400 ألف عربي، فإننا نشعر بالمرارة في القلب".
واحتشد وزراؤه للمناقشة وللمساعدة وقدموا الحلول. وطرح وزير الداخلية حاييم موشيه شابيرا سؤالا عن كيفية تسوية قضية اللاجئين في قطاع غزة، وتساءل "إذا كان من الممكن نقل 200 ألف من اللاجئين إلى العريش أو توطين جزء منهم في الضفة الغربية".
واقترح وزير الشرطة إلياهو ساسون "نقلهم إلى الضفة الشرقية" أي إلى الأردن. وقال زميله الوزير يوسف سابير "يجب علينا أخذهم من أعناقهم وطردهم بعيدا خارج القطاع، ولا أعرف من سيستقبلهم، وخاصة لاجئي غزة".
وقال الوزير يغال ألون إنه "يؤيد تشجيع الهجرة للخارج إلى ما وراء البحار، ويجب التعامل مع الأمر بجدية بالغة. إن الهدف المفضل لتهجيرهم إليه هو شبه جزيرة سيناء وليس العريش فقط، هناك بالإمكان توطين جميع لاجئي غزة، وفي رأيي لا ينبغي أن ننتظر. يجب أن نبدأ في التوطين، حتى لو أبدوا معارضة".
إعلانوبعد ذلك، اقترح ألون أيضا أن يتم تهجير بعض الفلسطينيين إلى كندا وأستراليا. وختم أشكول المناقشات بالقول "لقد قلت هذا أيضا حتى عندما لم تكن المشكلة شديدة ومتفاقمة بهذه الحدة بعد، حيث يتعين على اللاجئين أن يتدبروا أمرهم خارج إسرائيل".
خطة توطين اللاجئين
واستؤنفت المناقشات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1967، وتساءل وزير القضاء يعقوب شمشون شابيرا "متى سنتلقى أي معلومات عن خطة إعادة توطين اللاجئين من قطاع غزة في الضفة الغربية؟ لقد وصلت شائعات بهذا الخصوص".
في ذلك الوقت كانت هناك لجنة حكومية تسمى "لجنة تطوير الأراضي المحتلة"، وكان من بين أعضائها رجال أمن وأكاديميون، وكان دورها، كما حدده أشكول، هو التحقق من "الجانب الاقتصادي والاجتماعي لهذه الإمبراطورية بأكملها أو أجزاء من الإمبراطورية"، بما في ذلك "طرح الأفكار حول الهجرة أيضا للغزيين".
ولقد أيقن أعضاء اللجنة الحساسية السياسية لعملهم، ولذلك قدموا توصيات للحكومة بـ"تجنيد اللاجئين ضمن مشاريع للعمل في خارج البلاد، وهي مشاريع ذات طابع سياسي مقبول، والترويج لذلك على أنها حملات إنسانية، وليس كجزء من حل عالمي لقضية اللاجئين".
واستمرت المناقشات الوزارية حتى نهاية العام. وقال ديان في نوفمبر/تشرين الثاني 1967 إن "مسألة الهجرة برمتها تحتاج إلى معالجة أكثر جدية وقوة، لذلك سيكون من الممكن تشجيعها والسماح للكثيرين بالمغادرة".
وأضاف أشكول أنه "في الوقت الحالي، يسافر ألفا شخص أسبوعيا إلى الأردن ومعظمهم من قطاع غزة، وهناك أفكار مختلفة حول هجرتهم إلى بلدان أبعد".
وتحدث ديان عن اتفاق سلام يشمل "توطين اللاجئين وإخراجهم من غزة وتوطينهم في شرق الأردن". ووعد بأنه في مثل هذه الحالة "لن يكون هناك 400 ألف عربي في غزة، بل 70 أو 100 ألف".
في اليوم التالي، قال أشكول "نحن مهتمون بإخلاء وتفريغ غزة أولا. ولهذا السبب سنسمح لعرب غزة أولا بالسفر والمغادرة"، في حين اقترح الوزير ألون توسيع مخطط التهجير والترانسفير ليشمل مناطق أخرى، وقال "لم يكن الأمر سيئا على الإطلاق أن يتم تقليص عدد العرب بالجليل أيضا".
إعلانوأوضح الوزير ساسون كيف أن تشجيع الفلسطينيين على المغادرة للعمل خارج البلاد من شأنه أن يساعد في تحقيق الهدف قائلا "دعوهم يذهبون للبحث عن عمل، ومن ثم ينقلون العائلة بأكملها إلى هناك. قد نستفيد من كل هذا من خلال تقليل عدد العرب في هذه المناطق".
ووافق ديان على ذلك، وأضاف "من خلال منح هؤلاء العرب فرصة البحث والعثور على عمل في بلدان أجنبية، تزداد احتمالية رغبتهم في الهجرة إلى تلك البلدان في وقت لاحق".
وحاول الوزير ألون مرة أخرى ضم فلسطينيي 48 (عرب إسرائيل) إلى المخطط. وتساءل: "لماذا لا يتم توسيع المخطط ليشمل عرب إسرائيل؟".
موازنة للتهجير الصامت
في اليوم الأخير من عام 1967، كشف أشكول للوزراء "أنا بصدد إنشاء وحدة أو فرقة تعنى بتشجيع هجرة العرب من هنا". وأضاف أنه "يجب التعامل مع هذا الأمر بهدوء وسرية، ويجب أن ننخرط في البحث عن طريقة لهم للهجرة إلى دول أخرى وليس إلى الأردن فقط".
وبالفعل، في ذلك الوقت، بحسب ما أظهرت البروتكولات، كانت هناك عدة مبادرات نشطة "لتشجيع" هجرة الفلسطينيين من غزة، إحداها كانت بقيادة المسؤولة في جهاز الموساد، عيدا سارني. وأظهرت وثيقة يعود تاريخها إلى مايو/أيار 1968 طلب تحويل موازنة شهرية "لتشجيع الهجرة من قطاع غزة وفق تعليمات سارني".
وكانت الفكرة خلق حالة من "الهجرة الصامتة"، بطريقة لا يُنظر إلى إسرائيل على أنها متورطة فيها. وفي هذا الإطار، تم إرسال الإسرائيليين ذوي الخلفية الأمنية، والذين كانوا على دراية ومعرفة بالمجتمع العربي، مباشرة إلى التجمعات السكانية في غزة، من أجل إقناع قادتهم بتشجيع المغادرة الطوعية.
فشل خطة التهجير
توفي أشكول عام 1969، واستمرت رئيسة الوزراء غولدا مئير في المناقشة. وفي عام 1970، حذر وزير الدفاع ديان من عدم المبالغة في الأرقام. وقال "إذا دفعنا لتنفيذ الخطة لتهجير 20 ألفا في كل دفعة، فإننا نعلن بهذا عن ترانسفير، وبالتالي سنفسد الأمر كله، لذا لا بد أن تكون العملية بطيئة وكأنها شيء طبيعي، وأي شيء معلن ينفذ مصيره الفشل".
إعلانفي النهاية، لم يغادر قطاع غزة سوى بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في تلك السنوات، حيث أقيمت أول مستوطنة في القطاع عام 1970، لكن معظم السكان الفلسطينيين في القطاع ظلوا في أماكنهم، وفي عام 2005، تم إجلاء المستوطنين من قطاع غزة، بموجب خطة "فك الارتباط" التي نفذها رئيس الوزراء في حينه أرئيل شارون.
وبعد مرور ما يقارب من 20 عاما على "فك الارتباط"، يطالب الوزراء الشعبويون من معسكر بن غفير وسموتريتش بتهجير الفلسطينيين من غزة وبعودة المستوطنين للقطاع، وفي أوائل السبعينيات، بدا الوزير ألون وكأنه واحد منهم، وقال "أنا أوافق على تهجيرهم، لقد فعلنا ذلك في الماضي ويجب أن نستمر به في المستقبل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تهجیر الفلسطینیین فی ذلک الوقت من قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
من قلب الإبادة.. ابتكارات مستدامة تدعم صمود سكان غزة
غزة - مراسل «عُمان» - بهاء طباسي: في قطاع غزة، حيث تتشابك الحروب مع الحصار المستمر، تتجلى معاني الصمود بأبهى صورها. يعيش السكان في ظروف تفرض عليهم تحديات يومية تمس كافة جوانب حياتهم، من نقص الموارد الأساسية إلى تدمير البنية التحتية.
في ظل هذا الواقع، ظهرت آليات مبتكرة لتحسين ظروف المعيشة وتعزيز الصمود وسط الحرب الإسرائيلية على القطاع والمستمرة منذ أكثر من 14 شهرًا.
هذه الابتكارات لم تكن مجرد حلول تقنية، بل جاءت كنتاج لروح التحدي والتكاتف المجتمعي، مما يجعلها قصص نجاح تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة.
بستانٌ في الأفق
أعلى منزل بسيط وسط مدينة غزة، وقفت أم عيسى لبد وسط حديقة صغيرة من الخضروات المزروعة في صناديق بلاستيكية مرتفعة. بالرغم من ضيق المساحة ونقص المياه، تمكنت من تحويل سطح منزلها إلى مصدر غذاء أساسي لعائلتها.
باستخدام تقنية الزراعة المائية التي تعلمتها من مشروع مجتمعي، استطاعت تجاوز التحديات المستمرة التي يفرضها الحصار. قصتها تلخص كيف يمكن للابتكار أن يصبح طوق نجاة في ظل ظروفٍ قاسية.
تقول أم عيسى لـ«عُمان»: «لم أكن أتخيل أنني سأصبح مزارعة على سطح منزلي، لكن هذه الحديقة أصبحت شريان حياة لعائلتي».
حلول لضيق الموارد
في ظل النقص الحاد في المياه والأراضي الزراعية، تبنت غزة تقنيات الزراعة المائية والزراعة الرأسية كحلول عملية.
الزراعة المائية تعتمد على تدوير المياه الغنية بالعناصر الغذائية، مما يقلل من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالزراعة التقليدية. الزراعة الرأسية، من جهتها، تستغل المساحات العمودية وتتيح إنتاج كميات كبيرة من المحاصيل في مساحات صغيرة.
ساهمت هذه التقنيات في تحسين الأمن الغذائي لعشرات العائلات، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن استخدام هذه التقنيات ساعد أكثر من 300 عائلة في غزة على تحقيق اكتفاء ذاتي جزئي من الخضراوات.
المهندسة الزراعية نيفين العطار، التي تعمل مع مشاريع تدعم المزارعين، تؤكد لـ«عُمان»: «نحن نعمل على تدريب السكان على هذه الأساليب، مما يجعلها ليست فقط حلولًا تقنية، بل جزءًا من الثقافة المحلية».
الاكتفاء الذاتي
إلى جانب التقنيات الحديثة، ظهرت مبادرات مجتمعية لتأسيس مزارع صغيرة في الأحياء السكنية. إحدى هذه المبادرات، التي أطلقتها جمعية التنمية الزراعية في غزة، ركزت على تمكين النساء لإنتاج الخضروات والفواكه بأنفسهن.
تسهم هذه المشاريع في تعزيز الاكتفاء الذاتي وتخفيف الضغط على السوق المحلية. تقول أم عيسى: «المشروع أعطاني فرصة جديدة للحياة. الآن أستطيع توفير طعام لعائلتي وحتى بيع بعض المحاصيل للجيران».
وتوضح الناشطة الحقوقية نسرين عوكل، مديرة المشروع: «لقد ركزنا على توفير الدعم الفني والمالي للنساء، لتمكينهن من تحقيق الاستقلال الاقتصادي والغذائي».
ضوء في العتمة
مع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يوميًا، أصبحت الألواح الشمسية وسيلة لا غنى عنها لتوفير الطاقة. تقدم بعض المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مشاريع لتركيب الألواح الشمسية على أسطح المنازل والمؤسسات.
المهندس علاء الدويك، من شركة الطاقة المتجددة في غزة، يشير إلى أن «الطاقة الشمسية أصبحت أداة حيوية لتوفير الكهرباء للمستشفيات والمنازل، خاصة في حالات الطوارئ». ويضيف "أن المشروع الأخير الذي نفذته شركته وفر الكهرباء لما يزيد عن 200 منزل".
وتوضح المهندسة رشا الداية، المتخصصة في مشاريع الطاقة المتجددة: «الطاقة الشمسية ليست فقط بديلًا، بل هي خيار استراتيجي لتحسين حياة السكان في غزة».
فوفقًا لما ذكره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن أكثر 500 أسرة داخل قطاع غزة استفادت من المشروع، الذي ساهم في توفير الكهرباء للمدارس والمستشفيات بشكل مستدام.
دعم المجتمعات
لم يتوقف الابتكار عند المنازل فقط؛ بل توسع ليشمل إنشاء محطات طاقة شمسية صغيرة تخدم المجتمعات المحلية. هذه المحطات تقدم حلولًا دائمة لمشاكل الطاقة المزمنة.
تقرير من البنك الدولي أشار إلى أن استثمارات الطاقة المتجددة يمكن أن تقلل الاعتماد على الوقود المستورد وتساهم في تحسين استدامة الموارد.
أكد إسماعيل الثوابتة، مدير عام مكتب الإعلام الحكومي في غزة، أن الابتكار في مشاريع الطاقة المتجددة أصبح أحد الأعمدة الأساسية لمواجهة تحديات الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع.
وقال الثوابتة: «في وقت يواجه فيه قطاع غزة حربًا مستمرة تدمّر البنية التحتية وتدفع الاقتصاد المحلي إلى حافة الانهيار، تظل مشاريع الطاقة المتجددة، وعلى رأسها محطات الطاقة الشمسية الصغيرة، واحدة من الحلول الأكثر أهمية. هذه المشاريع لا توفر فقط الطاقة اللازمة للمنازل والمؤسسات، بل تسهم في استدامة الموارد وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد، الذي أصبح نادرًا ومكلفًا بسبب الحصار المستمر».
وأضاف: «على الرغم من أن الحرب قد تسببت في تدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية في غزة، إلا أن محطات الطاقة الشمسية الصغيرة تمنح الأمل للكثير من الأسر والعائلات في توفير احتياجاتها الأساسية من الكهرباء. هذه المبادرات تمثل مثالًا حيًا على قدرة شعبنا على الصمود والابتكار في مواجهة الأزمات».
واختتم مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن الحكومة الفلسطينية تعمل بالتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية لتعزيز هذه المبادرات، وهو ما يعكس الإرادة الوطنية في تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب الحالية: «نحن نرى أن الطاقة المتجددة ليست مجرد حل للطاقة، بل هي جزء من استراتيجيتنا للتكيف مع الظروف الحالية وضمان استمرار الحياة بشكل طبيعي رغم حرب الإبادة الجماعية ضد شعبنا».
التعليم عن بُعد: بديل حيوي
في ظل تدمير نحو 75% من المدارس والجامعات في قطاع غزة، برز التعليم عن بُعد كبديل حيوي. وفرت منصات مثل «غزة أونلاين» برامج تعليمية تلائم احتياجات الطلبة، باستخدام محتوى مصمم خصيصًا للبيئة المحلية.
توضح ربى العطار، معلمة في إحدى هذه المنصات: «التعليم عن بُعد ليس مجرد وسيلة لسد الفجوة في المدارس، بل هو أداة لفتح آفاق جديدة أمام الطلاب».
كما أكدت أن التعليم عن بُعد في غزة لم يكن مجرد استجابة ظرفية للوضع الحالي، بل تحول إلى فرصة لتطوير التعليم بشكل مستدام، إذ ساعد على إشراك المجتمع المحلي في العملية التعليمية.
وأضافت: «نحن نركز على دعم الطلاب نفسيًا وتعليميًا، فالتعليم عن بُعد لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يشمل أيضًا الدعم النفسي والاجتماعي، وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الفترة التي يمر بها قطاع غزة».
تحقيق النجاح في التعليم عن بُعد يعتمد على ملاءمة المحتوى للواقع المحلي. أطلقت جامعات فلسطينية في غزة مثل؛ الأقصى والأزهر وفلسطين، مبادرات لدعم الطلاب عبر تقديم مواد تعليمية مجانية وإتاحة جلسات تفاعلية مباشرة. هذه الجهود أسهمت في تعزيز قدرة الطلبة على استكمال تعليمهم في ظل الأزمات المتكررة.
إعادة التدوير: من تحت الأنقاض إلى البناء
مع تزايد الدمار الناتج عن الحروب، لجأ سكان غزة إلى إعادة تدوير الأنقاض لاستخدامها في البناء. تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للإغاثة والبناء (UNRWA) أشار إلى أن إعادة تدوير الحطام وفرت مواد بناء لحوالي 30% من المشاريع السكنية الجديدة.
المهندس سامر أبو رحمة، الذي يعمل في مشروع لإعادة إعمار المنازل، يوضح لـ«عُمان» أن «استخدام المواد المحلية يعزز الاستقلالية ويقلل من تكلفة البناء».
ومع ذلك، تواجه عملية إعادة الإعمار تحديات كبيرة، إذ قدرت دراسة حديثة لمؤسسة راند البحثية الأمريكية تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بأكثر من 80 مليار دولار، بالإضافة إلى 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض الناتجة عن الحروب.
كما أشار خبير الإسكان في الأمم المتحدة، بالاكريشنان راغاغوبال، إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة قد يستغرق 80 عامًا إذا استمر الاحتلال، نظرًا للدمار الشامل الذي لحق بالقطاع.
إضافة إلى إعادة التدوير، يتم استخدام تقنيات بناء بسيطة تعتمد على المواد المتاحة محليًا مثل الطوب الطيني. هذه التقنيات تسهم في توفير مساكن آمنة وبأقل تكلفة ممكنة، مما يساعد الأسر المتضررة على التعافي بسرعة، وفقًا للمهندس أبو رحمة.
برامج الدعم النفسي أونلاين: شفاء الروح
الأزمات المستمرة في غزة تترك آثارًا نفسية عميقة، خاصة على الأطفال، لذلك تقدم مراكز استشارات مثل مركز غزة للدعم النفسي برامج مخصصة لتوفير جلسات علاج فردية وجماعية لضحايا الحرب.
تقول الدكتورة ريم أبو شريف، خبيرة الصحة النفسية للأطفال في قطاع غزة: «نحن نستخدم تقنيات مثل العلاج بالفن والموسيقى لمساعدة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم».
ومع تزايد الحاجة إلى الدعم النفسي، تم تطوير خدمات استشارية عن بُعد، عبر تطبيقات الهاتف المحمول، يمكن للأفراد حجز جلسات مع متخصصين دون الحاجة إلى التنقل. هذه الخدمة أثبتت فعاليتها، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها، وفقًا للطبية ريم.