من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
عندما يتصف المولى عز وجل بصفة من صفات الأفعال وتكون بصيغة المبالغة، فإنه يدل على حبه لهذه الصفة، وما أحرى العباد أن يتصفوا بصفات الأفعال لله عز وجل بما يتناسب مع أوامره تقربا إليه لينالوا رضاه، فلو أتينا إلى اسم من الأسماء الحسنى وهو "الستير" وهو يدل على صفة فعله للمولى سبحانه وتعالى، فإننا نجدها وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل حييٌّ ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر".
وبما أن الستر يعني الغطاء والإخفاء، فإن هنالك سترا ماديا محسوسا، وهو أن يستر الإنسان ما أمره الله بستره من جسده، وأما الستر المعنوي فإنه يتعلق بستر أسرار الناس وعدم تتبع عوراتهم وعدم فضحهم، فقد ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، ولو تأملنا هذا المفهوم بعمق لوجدنا أنه مفهوم عظيم يدل على مكارم الأخلاق ويدعو إلى النبل في التعامل مع العباد.
فالله عز وجل خلق الإنسان وجعله مسيرا في بعض الأعمال، في حين جعله مخيرا في أعمال أخرى، ولكن أرسل له رسلا ليخبروه عما يحبه ربنا ويرضاه من أعمال العباد، وأمره بأوامر تعبدية، ونهاه عن فعل الأخطاء، ولكن كرم الله البالغ، فجعل باب التوبة مفتوحا لمن أخطأ، فهو خلقهم وهو أعلم بهم، وأعلم بصفاتهم، وجعل في تركيبة خلقهم، من الشهوات والملذات، التي قد تجعل الإنسان يخطئ ويعود إلى ربه ويصلح أعماله، ويستغفر ويتوب.
فلذلك أمرنا الله بالستر على أنفسنا، وألا نخبر الناس ونشيع بينهم ما أجرمنا في حق أنفسنا وفي حق الله فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". وما أكثرهم في هذا الزمن التي كثرت فيه الفتن، وأصبح الوصول إلى المعصية متاحا وممكنا، والعجب كل العجب ممن يقع في هذه القاذورات من العاصي وكبائر الذنوب، ويأتي أمام الناس ليتحدث عما اقترفه من كبائر بكل وقاحة وصفاقة وكأن ما فعله يفتخر به، وما هذا إلا من فساد الفطرة، وسواد القلب الذي غلب عليه "الران" جراء ما طغى في احتقاب كبائر الذنوب.
فالله لا يحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع، ولا يرضى أن يصبح أمر الفواحش عاديا في المجتمع المسلم، ولذلك أمر الناس بالستر، فالله عز وجل يتوعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم فهو يقول عز من قائل: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". فالله عز وجل لم يكتف بادخار العذاب الأليم لهم في الآخرة، بل وعجل لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة.
كما أمرنا الله عز وجل أن نصلح من ذواتنا ونقوم بتزكيتها وتربيتها، وأن نشتغل بإصلاح أنفسنا، وحذرنا من تتبع عورات الآخرين، ومحاولة معرفة أسرارهم، والتعدي على خصوصياتهم، وتتبع أخطائهم، وفضحهم بها وإشهارها بين أفراد المجتمع، ووصمهم بالأوصاف المنكرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: "من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته". فمن منا لا يوجد عنده أخطاء يحاول إصلاحها، ولولا ستر الله على الناس لاستحى الناس أن يخرجوا من بيوتهم، وكما يقول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ
فكلك عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
وقد ستر الله أخطاء العباد علما منه أن بعضهم سيعود إليه، ويفتح معه صفحة ناصعة البياض، إلا أنه لو علم الناس منه أخطاءه لعايروه بها ولألصقوا عليه الصفات والألقاب المرتبطة بالأفعال القبيحة، وأصبح مسبة في ألسنهم، وسيذكرونه بتلك الصفات حتى لو تاب واهتدى وأصلح، فالستر يشجع المخطئين على التوبة والرجوع إلى الله، وأن تكون علاقاتهم المجتمعية معينة على الطاعة وفعل الأعمال الصالحة.
كما أن للستر دور مهم في حفظ القيم الأخلاقية والإنسانية، وألا تتلوث قلوب أفراد المجتمع على بعضهم البعض، ولكي تسود الصفات والأعمال الخيرة بين الناس، وأن تموت أعمال المنكر والباطل بالسكوت عنها، وعدم تداولها كأدات للتندر، ووسيلة للغيبة والنميمة في المجتمع المسلم.
وعلى الوالدين مهمة كبيرة في تعليم أبنائهم منذ نعومة أظفارهم قيمة الستر، كسلوك الأبناء مع بعضهم، فينصح الإخوة ألا يشو ببعضهم البعض، وألا يتتبعوا أخطاء بعضهم ليأتوا فيخبروا بها أبويهم، ويرشدوهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الكرام ألا يخبروه بأخطاء بعضهم البعض، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يبلغَنَّ أحدٌ مِنكم عن أحدٍ من أصحابي شيئًا ، فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليهم وأنا سليمُ الصدرِ". كما أمرنا الله في كتابه العزيز ألا نتجسس ولا نتحسس ولا نغتاب بعضنا البعض، فقال تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ".
ومما يلاحظ اليوم أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أحد أكبر المستنقعات لكشف خصوصيات الناس، وتتبع فضائحهم، فأصبح الكثير من أصحاب المعاصي يجاهرون بمعاصيهم، ويذيعونها علنا، وأصبح الناس يتلقفونها وينشرونها في مجموعاتهم الإلكترونية، ولو راجع الإنسان نفسه، هل يرضى الله لعباده، أن يتتبع الناس حرمات البيوت حتى وإن أظهرها أصحابها، لوجد أنه في مزلق خفي ربما يرتب عليه إثما عظيما بتداول فضائح الناس، وهو داخل في الوعيد الشديد لهذا الأمر، وسوف يلقى الله وعليه آثام فعله وآثام من قام بتحويل كل صورة أو مقطع أرسله في تلك المجموعات الإلكترونية، فعلى المسلم أن يكون حذرا في تعامله الافتراضي مع هذه الوسائل، كما يجب عليه أن يكون حذرا في الواقع الاجتماعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم الله عز وجل فی المجتمع من تتبع
إقرأ أيضاً:
كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة
قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المصلون صفوفًا متراصة تامة غير منقوصةٍ، وأَنْ لا يُشرع في صفٍّ حتى يَتم الذي قبله، فيبدأ بالصف الأول ثم الذي يليه وهكذا إلى آخر الصفوف.
وروى الإمام أبو داود في "سننه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتِمُّوا الصفَّ الـمُقدَّم، ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِن نَقْصٍ فَليكُن فِي الصفِّ المؤخَّرِ».
وأوضحت الإفتاء المفهوم من الحديث، مؤكدة أنَّه لا يُشرع في إنشاء صَفٍّ حتى يُتِمَّ ما قبله، فَيَبْدَأُ بإتمام الصَّفِّ الأول ثم الذي يَلِيهِ، وهكذا إلى آخر الصُّفُوفِ؛ قال البدر العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (3/ 220-221، ط. مكتبة الرشد): [قوله: «فما كان من نقص»، يعني: فالذي كان من الصف من نقصٍ فليكن ذلك النقص في الصف الأخير، والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرا إلى أن ينتهي وتتكمل الصفوف] اهـ.
حكم صلاة الجماعة في مكان غير المسجد لبعد المسافةقالت دار الإفتاء المصرية إن المسجد ليس شرطًا في صحة الصلاة مطلقًا سواء كانت تؤدى فرادى أو جماعة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحَت وَصَلَّيْتُ» رواه أحمد.
وأوضحت دار الإفتاء أن العلماء اختلفوا في إقامة الجماعة في الصلاة المفروضة في البيت، مؤكدة الأصح أنها جائزة كإقامتها في المسجد، ومن ثم تصح الجماعة في الفروض في أي مكان طاهر غير المسجد ولو كان أهل هذه الجماعة يسمعون الأذان من المسجد سواء عن طريق مكبرات للصوت أو بدونه.
وأضات الإفتاء، قائلة: ولكن الأولى هو تلبية هذا النداء وإقامة الجماعة في المسجد؛ لما في ذلك من تكثير جمع المصلين وتعمير المساجد بكثرة روادها والمصلين فيها.
حكم صلاة ركعتين جماعة بعد العشاء
وأوضحت دار الإفتاء المصرية حكم صلاة ركعتين جماعة بعد صلاة العشاء، مشيرة إلى أنه أمرٌ جائزٌ لا كراهة فيه، بشرط ألَّا يكون ذلك على جهة الإلزام، فإن كان على سبيل إلزام الغير وتأثيم من لم يشاركهم فيها فإن ذلك العمل يصبح بدعة مذمومة؛ لأن فيه إيجابًا لما لم يوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأضافت الإفتاء قائلة: من المقرر شرعًا أن كل ما لا تُسَنُّ فيه الجماعة -لمواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعله فرادى- يجوز فعله جماعة بلا كراهة؛ لاقتداء ابن عباس رضي الله عنهما بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في التهجد في بيت خالته أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها. متفق عليه.
وتابعت:وكذلك صلى خلفه صلى الله عليه وآله وسلم ابن مسعود رضي الله عنه وغيره قيام الليل، والمعلوم أنه لا تُسَنُّ فيه الجماعة إلا في رمضان، ولكنها جائزة كما سبق.
وأكملت: فإذا اجتمع قوم في يوم معين لصلاة التهجد جماعة فإن ذلك جائز ولا بأس به ما لم يكن على سبيل الإيجاب، فإن كان ذلك على سبيل الإيجاب فإنه يدخل في نطاق البدعة المذمومة بإيجاب ما لم يوجبه الشرع، ولذلك لما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة في المسجد وصلى رجال بصلاته وتكرر ذلك لم يخرج إليهم صلى الله عليه وآله وسلم في المرة الرابعة، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجزُوا عَنْهَا» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاء كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا" وكان عبد الله رضي الله عنه يفعله.