المفاضلة بين الجهل والفساد!!
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
المفاضلة بين الجهل والفساد!!
د. مرتضى الغالي
حقاً لقد هان السودان على الكيزان..! فقد كتب أحد الإنقاذيين من قادة “الحركة الإظلامية” والناشطين فيها قائلاً إن (ندى القلعة أنفع للحركة الإسلامية وللسودان من عبد الحي يوسف)..!
جاء ذلك رداً على المعركة الكلامية البائرة بين عبد الحي يوسف والبرهان في وقت يموت فيه السودانيون قتلاً وسحقاً وإغتيالاً وغيلة وتشريداً وجوعاً وقهراً ومهانة.
ما قاله هذا الكادر الإخونجي يعد بحق (تتويجاً) للمقولة النظرية عن عصر وسلطة التفاهة (المديوكراسي) التي قال بها الفيلسوف الكندي “آلان دونو”..! وهي مقولة في العلم السياسي كان الناس يحسبونها مجرد مصفوفة من الأحوال والأوضاع السيئة التي يمكن أن يحل بعضها بدولة ما.. فإذا بالكيزان وقادتهم وبرهانهم وكباشيهم وانقلابهم يجسّدونها بالفعل، ويجعلون من بلادنا دولة خاسرة تطفح فيها التفاهات ويتقلد أمرها لفيف من شخوص فقراء في المعرفة.. عُراة من الفضائل.. معوزين من المسؤولية ومفلسين في الوعي و(مقشِّطين في الأمانة) ومدقعين في قيم النزاهة والشرف والضمير..!
إنها ديكتاتورية التفاهة التي توصف بأنها سلطة الجهل التي يصل إلى قمتها أشخاص يوسمون بتدني الفهم وسوء التقدير وانعدام المواهب وضعف المهارة وسوء النوايا.. وكل ما يمكن وصفه بالرديء الدنيء..!
إنها كما يقول آلان دونو: (الكتلة البلهاء) والقوقعة الحاضنة التي تحوي داخلها يرقات وطحالب في جوف السياسات المنحرفة التي توفرّ احتمالات تناسلها على شروط من التدني تخدم هيمنة التفاهة..!
جوقة من الكائنات اللزجة التي تتعلق بذيول السلطة مع إفراط في العنف.. حيث تفتقر لأي وازع من إنسانية أو ضمير.. ولا تستطيع الانفصال من حالة الشبق السلطوي والنهم الحاد للاستعلاء والتماهي مع الغرائز غير السويّة تعويضاً عن الانكسارات النفسية.. إنهم جهلة موتورون غاضبون من مهانتهم يكذبون على أنفسهم وعلى الناس ولا يلقون بالاً لمعرفة الناس بوضاعتهم.. يتكالبون على السلطة في حين لا يملكون مقوماتها ويتهافتون على الفساد تهافت الذباب على الجيف..!
العجيب في الأمر أن هذا الكادر الإخونجي الإسلامجي “كثير السجود” انتهى إلى القول بأن ندى القلعة أنفع للسودان مما يقوم به عبد الحي..!
هذا اختيار غريب يذكرك بحكاية لص الزراعة الذي “يحترم البغال” لأنها تساعده في حمل العلف المسروق..!
إنهم يريدون إغراقنا في هذه التفاهات في المفاضلة بين عبد الحي وندى القلعة..! وكلاهما (غارق في الإسفاف) يسيئ إلى مهنته وإلى ما نذر نفسه له..! والمفسّرون من أئمة الفقه يقولون في معنى (بعوضة ما فوقها) أن ما فوقها يعني ما يفوق البعوضة في الصغر وقلة الشأن والضآلة..!
ثورة ديسمبر العظمى التي تضاهي بل تتجاوز أنبل الثورات الإنسانية في التاريخ يحاول الكيزان إلهاء الناس عنها بانقلابهم المشؤوم وحربهم الفاجرة حتى ننتهي إلى هذا الحضيض ويصبح أمرنا مفاضلة بين مفتي يجيز قتل ثلث الشعب من أجل بقاء سلطة انقلابية مُغتصِبة ويفتي بشرعية قتل المدنيين الأبرياء بالطائرات (لأنو مافي طريقة غير كده).. وبين مطربة غوغائية لا تحدث الناس عن المعاني السامية التي تحملها الفنون.. بل تغني لمن لا يهمه الأمر بأن حاكم الإقليم الفلاني في نيجيريا (مبسوط منها).. في حين لم تفسر لمستمعيها سبب انبساطه..!
سوف تنتصر الثورة بقيمها السامية وشبابها الأوفياء وبوصية شهدائها الأبرار.. ولن يفلح زواج الفساد والجهل والقتلة والفاسدين في وأدها…. الله لا كسّبكم..!
murtadamore@yahoo.com
الوسومآلان دونو الإخونجية الانقلاب السودان الكيزان ثورة ديسمبر د. مرتضى الغالي عبد الحي يوسف عصر التفاهة ندى القلعةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإخونجية الانقلاب السودان الكيزان ثورة ديسمبر د مرتضى الغالي عبد الحي يوسف عصر التفاهة ندى القلعة عبد الحی
إقرأ أيضاً:
قلعة الحصن بالساحل السوري.. عندما تروي الأبراج حكايات الفاتحين
وسلط برنامج "في رحاب الشام"، في حلقته بتاريخ (2025/3/18)، الضوء على واحدة من تلك القلاع، وهي قلعة الحصن إحدى كبرى القلاع في الشرق الأوسط وأكثرها إثارة للإعجاب، والتي تعد شاهدا حيا على الصراع بين المسلمين والصليبيين على أرض الشام.
تمتد مساحة القلعة لأكثر من 30 ألف متر مربع، وترتفع شامخة وسط تضاريس جبلية ومناظر طبيعية خلابة، مما جعلها موقعا إستراتيجيا هاما عبر العصور، حيث تسمح للمراقبين برصد الطريق كاملا من ساحل البحر إلى مدينة حمص.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4قلعة كرويا الألبانية.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابةlist 2 of 4جبل الشيخ.. إطلالة سورية حصينة تطمع فيها إسرائيلlist 3 of 4حرب على تاريخ لبنان.. كيف تدمر إسرائيل تراث بيروت وبعلبك وصور والبقاع؟list 4 of 4الساحل السوري.. الواجهة البحرية الوحيدة لسورياend of listويذكر زهير حسون، مشرف قلعة صلاح الدين، أن أقدم أصل للبناء الحالي يعود إلى عهد المرداسيين قبل ألف سنة تقريبا، حيث بناه أمير حمص شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ووضع فيه حامية كردية، ومن هنا جاءت تسميتها بـ"حصن الأكراد".
وتتألف قلعة الحصن من قلعتين متحدتي المركز، خارجية وداخلية، وتضم 13 برج مراقبة في السور الخارجي، و7 أبراج في الحصن الداخلي، مصممة بحرفية عالية تجعل اقتحام القلعة شبه مستحيل.
نظام دفاعي محكموتكشف التفاصيل المعمارية للقلعة عن نظام دفاعي محكم، يشمل خندقا مائيا، وجسورا خشبية متحركة، وبوابات تفتح من الداخل، وفتحات مصممة لصب الزيت المغلي على المهاجمين، مما يفسر صمودها لفترات طويلة أمام محاولات الاستيلاء عليها.
إعلانوعندما استولى فرسان الاسبتارية على المكان خلال الحملات الصليبية، أطلقوا عليه اسم "حصن الأكراد"، وبعد نهب القرى المجاورة وطرد أهلها، أقاموا هذا الحصن ليكون واحدا من أهم وأكبر حصونهم المنيعة قرب سواحل بلاد الشام.
وحاول المسلمون استعادة القلعة عدة مرات، فحاصرها السلطان السلجوقي ألب أرسلان، ثم نور الدين زنكي أكثر من مرة، لكن تصميمها الدفاعي المحكم حال دون نجاح تلك المحاولات، وصمدت أمام حصار صلاح الدين الأيوبي لمدة شهرين.
وتعرضت القلعة لزلزال مدمر ذكرته المصادر التاريخية، لكن الصليبيين أعادوا بناءها وتوسيعها، وقد شُيدت على 5 مراحل، 3 منها خلال الفترة الصليبية، ومرحلتان خلال الفترة المملوكية، مما زاد من تحصيناتها وقوتها الدفاعية.
وتكشف قاعة الفرسان داخل القلعة، المبنية على الطراز الأوروبي، عن الفن المعماري القوطي الذي يتميز بفرض السلطة والرهبة من خلال تصميمه، حيث يكون الضوء خافتا والتفاصيل توحي بالغموض، وهو جزء من فكرة الجو الكنسي المتسم بالسرية.
كنيسة تحولت لمسجدكما تضم القلعة كنيسة تحولت إلى مسجد بعد تحريرها من الصليبيين، حيث تم نصب منبر حجري وحفر محراب في الجدار القبلي، مع الحفاظ على البناء القديم بسقفه المقبب وجدرانه الحجرية ونوافذه الصغيرة.
ونُقشت على جدران القلعة عبارات باللغة اللاتينية، منها حكمة تقول "إذا منحت الوفرة وأعطيت الحكمة وفوقهما الجمال، فلا تدع التعجرف يتسلل إليك لأنه سيطيح بها جميعا"، وهي شاهد على الفترة الصليبية في تاريخ القلعة.
ولم تكن القلعة مجرد حصن عسكري، بل كانت مدينة متكاملة، حيث بنيت فيها معصرة زيتون وفرن ومستودعات حبوب وطاحونة ومطعم وكنيسة وغرف للقادة والفرسان النبلاء وإسطبل خيول وآبار للمياه، وحتى حمامات خاصة مزودة بخلاطات للمياه الباردة والساخنة.
وتميزت القلعة أيضا بوجود أنفاق سرية كانت تستخدم لإدخال الإمدادات والمؤن خلال فترات الحصار، وقد اكتشف الظاهر بيبرس هذه السراديب ودمرها بشكل كامل، مما أصاب الصليبيين باليأس، وبعد 33 يوما من الحصار، تمكّن من انتزاع القلعة من أيديهم.
إعلانوبعد تحرير القلعة، سمح الظاهر بيبرس للصليبيين بالخروج بأمان إلى طرابلس، ثم قام المسلمون بترميمها وإعادة تشييد أسوارها المهدمة، وحفروا النقوش العربية والآيات القرآنية على جدرانها، منها "قل كل يعمل على شاكلته" المكتوبة فوق باب قاعة الفرسان.
قرية الحصنومن المثير للاهتمام أن المنطقة المحيطة بالقلعة، قرية الحصن، هي قرية قديمة تسبق بناء القلعة، وتتميز بينابيع المياه العذبة التي كانت تروي الأهالي والزوار القادمين من أماكن بعيدة.
وتتكون القرية من 4 حارات، هي: تركنا والحصن والسرايا والقلم، وتنقسم إلى قسم قديم بشوارع وحارات ضيقة وبيوت من الحجر الأبيض، وقسم حديث بالأبنية المعاصرة والشوارع الأوسع.
ويُظهر تاريخ المنطقة تناقضا صارخا في التعامل مع السكان المحليين، فبينما قام الصليبيون بتشريد أهالي المنطقة وارتكاب المجازر بحقهم، حافظ المسلمون بعد تحرير القلعة على الكنائس وأهلها الذين لا يزالون يعيشون هناك حتى اليوم، في تعايش تام مع جيرانهم المسلمين.
وفي العصر الحديث، أجبرت فرنسا الحكومة السورية على منحها القلعة عام 1930 لتبقى ملكا للحكومة الفرنسية، وقامت بتعويض الأهالي الذين كانوا يسكنونها وإخراجهم منها، فانتقلوا للعيش في قرية الحصن المجاورة.
وهكذا تبقى قلعة الحصن شاهدا على فترة تاريخية مهمة من تاريخ بلاد الشام، وعلى الفرق بين المحتل والمدافع عن أرضه، كما يقول أحد أهالي المنطقة "ملكنا فكان العفو منا سجية، فلما ملكتم سال بالدم الأبطح".
18/3/2025