الجزيرة:
2025-01-11@09:10:52 GMT

المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي

تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT

المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي

منذ أواخر القرن الثامن عشر، وفي سياق سعي القوى الأوروبية الإمبريالية نحو الهيمنة الاستعمارية على العالم، والعالم الإسلامي بخاصة، طُرحت في الدوائر الأوروبية "المسألة الشرقية" وتعني: وقف المد العثماني في أوروبا وصده، واحتواء العالم الإسلامي، وحصاره وهزيمته، وتفتيت وحدته وإسقاط خلافته، ثم استعماره وتجزئته والسيطرة النهائية على مصيره ومقدراته.

تعددت مسارات القوى الإمبريالية نحو حل "المسألة الشرقية"، من قضم واحتلال أطراف العالم الإسلامي من الهند إلى شمال أفريقيا، وصولًا إلى قلبه في المشرق العربي، واختراق مشروعات التحديث بالتغريب والاستتباع وتفكيك مؤسسات الاجتماع الإسلامي التاريخية.

فتم تنحية التعليم الإسلامي التقليدي لصالح المدارس الأوروبية التبشيرية، واستأثر خريجوها بالمناصب والوجاهات، وتنحية القضاء الشرعي لصالح المحاكم المختلطة واستبدال القوانين الأوروبية بالشريعة الإسلامية، وتهميش مؤسسة العلماء واستبعادها من إدارة البلديات والولايات والقضاء العام، ومصادرة الأوقاف المخصصة للإنفاق عليها، وإلغاء الأوقاف العامة بخصخصة أراضي الوقف الزراعية وتمليكها لطبقة جديدة من كبار الملاك وأعيان الحضر الموالين للغرب غالبًا لتأمين تحصيل الدولة ضرائب الأراضي لسداد الديون الأوروبية.

إعلان

أما الامتيازات التجارية، التي منحها السلطان سليمان القانوني (1520-1566) في القرن السادس عشر لكل من فرنسا زمن الملك فرانسوا الأول وإنجلترا زمن الملكة إليزابيث الأولى، وتتضمن إعفاء منتجاتهما من الجمارك لدعمهما اقتصاديًا كحليفين "تابعين" ضد تغول وعدوانية إسبانيا، عدو الدولة العثمانية الأكبر في أوروبا، خاصة في عهد فيليب الثاني وكارلوس الرابع، فقد تم استغلالهما ببشاعة لإعاقة عملية التحديث العثماني، وتدمير الصناعات المحلية القائمة وإغراق أسواق المشرق بمنتجات الثورة الصناعية الأوروبية الإنجليزية والفرنسية الرخيصة كمنتجات النسيج، مثلًا، لتدمير الإنتاج المحلي وإغلاق عشرات الآلاف من الورش والمصانع الصغيرة وقطع أرزاق العباد، وحرمان الدولة العثمانية من عوائد الجمارك المستحقة والضرورية لمشروع التحديث الذي قادته إسطنبول والقاهرة، ما أدى بالمحصلة إلى تمرد والي مصر، محمد علي باشا، على الباب العالي ومحاولته الخروج من التبعية العثمانية، لتحصيل الجمارك وتمويل مشروعه التحديثي.

كما لم تتوانَ الاحتكارات الأوروبية عن السيطرة على تجارة القطن والحرير والملح والشاي والبن والتبغ. بل أدى احتكار التبغ في إيران، مثلًا، إلى ثورة التنباك أو ثورة التبغ (بالفارسية: نهضت تنباکو) عقب منح الملك، ناصر الدين شاه القاجاري، حق بيع وشراء التبغ في إيران لصالح شركة بريطانية عام 1890.

وصلت الثورة إلى قصر الشاه وناصرتها زوجته التي حظرت دخول تبغ الشركة البريطانية إلى القصر إنفاذًا لفتوى المرجعية الدينية بمقاطعته، وكان نحو خُمس الإيرانيين آنذاك يعملون في قطاع التبغ، وأدت الاتفاقية لاحتكار البريطانيين هذا القطاع.

وتابعت أجهزة الاستخبارات الأوروبية تدبير الدسائس والاختراقات ونسج المؤامرات على الدولة العثمانية وديار الإسلام وتحريض الأقليات، واختراع قوميات اليونان والسلاف والأرمن وغيرها، وتجنيد الجواسيس وإرهاق الدولة بالحروب الانفصالية وغرامات معاهدات الصلح والاستدانة لأجل سدادها.

إعلان

وأخيرًا تم احتلال معظم الدولة العثمانية ذاتها، في سياق وتداعيات الحرب العالمية الأولى، وإسقاط السلطنة ثم إلغاء الخلافة، وتقسيم واستعمار ولاياتها وإنهاء الوحدة والعالمية الإسلامية.

انطلاق المسألة الشرقية

ارتبط انطلاق المسألة الشرقية بالتحالفات والإستراتيجيات القائمة أواخر عهد الدولة العثمانية وما يتعلق بتقاسم أملاكها في حال انهيارها. استخدم مصطلح رجل أوروبا المريض، الذي أطلقه قيصر روسيا ألكسندر الثاني، كوصف لحالة الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كمؤشر على ضعف الدولة وبداية تفسخها، وتبرير الحروب الأوروبية للإجهاز عليها وقضم واحتلال أملاكها. فكان السؤال يطرح عما سيحدث في حال انهارت الدولة العثمانية!

بدأ هذا السؤال يُطرح بعد هزيمة العثمانيين في الحرب الروسية- العثمانية (1768-1774) التي هزم فيها العثمانيون وخسروا جزءًا كبيرًا من أراضيهم شمال البحر الأسود، وتفاقمت الأمور بنهاية القرن التاسع عشر عندما خسرت الدولة العثمانية معظم أراضي البلقان وتصاعدت نزعات انفصالية عنها بمناطق عديدة.

في سياق المسألة الشرقية، انقسم الأوروبيون إلى طرفين: أحدهما يريد التعجيل بانهيار الدولة العثمانية وهو روسيا وحلفاؤها، ويريد الطرف الآخر، النمسا وبريطانيا، إطالة أمد بقائها خشية التمدد الروسي لدى انهيار العثمانيين بشكل تام أمام الزحف الروسي العسكري. ظهرت هذه التحالفات جلية في دعم بريطانيا للعثمانيين في حروبهم مع محمد علي والي مصر وفي حرب القرم ضد روسيا.

كان السلطان عبد الحميد الثاني مدركًا تمامًا للأطماع الأوروبية في الدولة العثمانية، وقد تصدى لها وتعامل مع القوى الأوروبية بحذر شديد متجنبًا التورط في صراعاتها وتناقضاتها.

وحدد إستراتيجيته الأساسية في الحفاظ على وحدة الشعوب والبلاد العثمانية في وجه الاختراقات والأطماع الأوروبية والتزام الحياد في الصراعات بين الذئاب الاستعمارية الأوروبية.

إعلان

استمر ذلك حتى الانقلاب على السلطان عام 1908، واستئثار ضباط جمعية الاتحاد والترقي التام بالسلطة عام 1913 وتحالفهم مع الألمان، ومن ثَمّ دخولهم الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء الفرنسيين والبريطانيين، وكذلك ضد الروس الذين انضموا للتحالف مع بداية القرن العشرين؛ بسبب ظهور الإمبراطورية الألمانية أو "الرايخ الثاني" كتهديد جيوسياسي مشترك منذ حرب 1870 الألمانية الفرنسية وهزيمة فرنسا وفقدانها إقليمي "ألزاس" و"لورين"، وإعلان الوحدة الألمانية من قاعة المرايا بقصر فرساي في باريس.

يعتبر المؤرخون أن المسألة الشرقية انتهت وبلغت خاتمتها بنهاية الحرب العالمية الأولى حيث خسرت الدولة العثمانية الحرب، وتخلت بموجب معاهدة سيفر ولاحقًا معاهدة لوزان عن أراضيها وولاياتها في المشرق والبلقان.

وبموجب اتفاقيات "الصلح" هذه، تقاسم الحلفاء ودول أخرى كصربيا وبلغاريا واليونان أراضي الدولة العثمانية، وقامت الجمهورية التركية على ما تبقى من أراضي الإمبراطورية في الأناضول وإقليم العاصمة إسطنبول والمضائق.

لكن واقع الأمر أن سياسات المسألة الشرقية، اختراقًا واحتلالًا واستعمارًا، استمرت وبلغ الحل الإمبريالي الغربي لـ"المسألة الشرقية" وعدوانه على العالم الإسلامي، ذروته بإقامة المشروع الصهيوني الاستيطاني الإمبريالي الإحلالي في قلب العالم الإسلامي، ليتعهّد ويكرّس الهيمنة الإمبريالية الغربية ويفاقم كوارثها وأوضاعها وسياساتها.

مراحل وكوارث

شهد الحراك الأوروبي في سياق المسألة الشرقية ثلاث مراحل، وكان لكل مرحلة منها تجلياتها وكوارثها من حملات كراهية ضد الإسلام والدولة العثمانية، وتحريض الأقليات الدينية والإثنية من رعاياها، وابتزازها بمعاهدات وتنازلات عن أقاليمها وحصونها وموانئها وسيادتها على مواطنيها ومنح دول أوروبية حق حماية الطوائف المسيحية فيها رغم تمتع هذه الطوائف والإثنيات قرونًا بحقوق فردية وجماعية وسلام عثماني مديد واستقلال ذاتي في شؤونها الدينية وكنائسها وأملاكها وأوقافها وأديرتها، ولها محاكمها التي تقوم الشرطة العثمانية بإنفاذ أحكامها وقراراتها في إطار النظام الملي العثماني.

إعلان المرحلة الأولى (1453-1535):

شهدت هذه المرحلة، منذ فتح القسطنطينية، تعميق حقد وكراهية الرأي العام الأوروبي ضد الدولة العثمانية وحملات تحريض من قبل الدول والجماعات الدينية والكنائس المسيحية، وصاغوا سردية لمظلومية أوروبية مسيحية إزاء الدولة العثمانية حول احتلالها بلادًا في شرق ووسط أوروبا ونشر الإسلام بين شعوبها، لكن القوة العثمانية آنذاك ومناعتها أثبتت عبثية الرغبة الأوروبية في طردها واستحالتها.

في تلك المرحلة كانت عشرات الممالك والإمارات الأوروبية خاضعة للسيادة العثمانية وتتمتع باستقلال كامل في شؤونها الداخلية وفق ترتيبات عسكرية وتنظيمات إدارية بينها وبين الباب العالي، وكان ظاهر هذه العلاقة الود والوفاق والوفاء من قبل الأمراء والملوك الأوروبيين المسيحيين، وظلت رغبة الانقضاض الكامنة على العثمانيين بمنأى عن الوعي السياسي العثماني.

المرحلة الثانية (1535-1830):

تعتبر المرحلة الثانية تمهيدًا للمرحلة الثالثة (مرحلة التنفيذ)، فكانت حافلة بالامتيازات العثمانية للأوروبيين والبعثات التبشيرية المسيحية والثقافية والتجارية وتغول النفوذ الأوروبي في إيالات الدولة العثمانية، وكان التناسق والتكامل بين مختلف مجالات الاختراق دقيقا ومدروسًا.

بدأت هذه المرحلة عمليًا بحصول فرنسا من السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1535 على امتياز حماية المسيحيين الكاثوليك ومقدساتهم في الديار العثمانية، مثل كنيسة القيامة وكنيسة المهد وغيرهما، وقد منحه السلطان تعزيزًا لموقع شريكه الأصغر، فرانسوا الأول، ملك فرنسا بمواجهة إسبانيا والتحالف الكاثوليكي المضاد للعثمانيين.

لكن بريطانيا وروسيا حصلتا بدورهما على امتيازات أيضًا، وتطورت هذه الامتيازات الدينية لاحق1ًا إلى أخرى تجارية واقتصادية واختراقات جيوسياسية من خلال اتفاقيات ومعاهدات كارثية، وقّعها الباب العالي في سياق "إنقاذ ما يمكن إنقاذه":

إعلان امتياز صيد المرجان (1650) لصالح فرنسا، منح امتياز صيد المرجان في الساحل الشرقي للجزائر لشركة لانچ الفرنسية. معاهدة كارلوفچة أو كارلوفيتس (1699) مع النمسا تنازلت بموجبها الدولة العثمانية عن المجر وكرواتيا وسلوفينيا لصالح النمسا. معاهدة پاساروفچا أو بساروفيتش (1718) مع النمسا والبندقية، أعادت المورة (اليونان) إلى الدولة العثمانية لقاء تنازلها عن مقاطعة تمسوارا وبلغراد وصربيا الشمالية وبلاد الولاخ، واستمرار احتلال البندقية لثغور شاطئ دالماسيا، واستعادة مزايا القسس الكاثوليك في الدولة العثمانية. معاهدة قاينارچه (1774) مع روسيا، منحت روسيا حق حماية المسيحيين الأرثوذكس من رعايا الدولة العثمانية والموانئ الهامة شمال البحر الأسود واعترافًا عثمانيًا باحتلال روسيا شبه جزيرة القرم وتخليًا عن قلاع وتحصينات عثمانية لصالح روسيا. اتفاقية 1838 مع بريطانيا، سمحت لها بفتح قنصلية بفلسطين ورعاية اليهود وبناء كنيسة بروتستانتية. امتياز قناة السويس (1854-1869) منح الشركة الفرنسية العالمية امتياز حفر قناة السويس لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. معاهدة باريس (1856) مع روسيا والنمسا منحت مساواة عثمانية تامة بين رعاياها من مختلف الأديان والمذاهب، وحرية الملاحة في نهر الدانوب، ومُنِح حوض الدانوب استقلالًا ذاتيًا. معاهدة سان ستيفانو (1878) مع روسيا، منحت بيسارابيا لروسيا، وحكمًا ذاتيًا لبلغاريا، وتنازلًا عثمانيًا عن أجزاء من أرمينيا لروسيا، واعترافًا عثمانيًا باستقلال رومانيا وصربيا والجبل الأسود. معاهدة برلين (1878) مع روسيا والنمسا وبريطانيا والمجر وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، منحت النمسا إدارة البوسنة والهرسك، ومنحت روسيا أرداهان وكارس وباطوم، ومنحت بريطانيا قبرص، مع اتفاق سري بين بريطانيا وفرنسا حول مصر وتونس. إعلان المرحلة الثالثة (1830-1870):

وهي مرحلة التنفيذ أو التصفية واقتسام الأملاك العثمانية في البلقان بفرض الحكم الذاتي أو الاستقلال بالضغط السياسي أو التدخل العسكري (حروب القرم واليونان والبلقان) لإجبار الدولة العثمانية على الاعتراف باستقلال قوميات البلقان التي تم اختلاقها لانتزاع أقاليمها لاحقًا من العثمانيين، كما وقع احتلال الأراضي العثمانية، على نحو مطرد، في المشرق العربي وشمال أفريقيا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدولة العثمانیة العالم الإسلامی مع روسیا فی سیاق

إقرأ أيضاً:

خبير إسرائيلي يقترح خطة للتعامل مع طموحات تركيا العثمانية

حذر خبير إسرائيلي من محاولة تركيا إعادة إحياء تأثيرها في المناطق التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، ما قد يغير من موازين القوى الإقليمية بشكل يعرض مصالح إسرائيل للخطر.

وفي الدراسة التي أعدها مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، قدم الباحث المتخصص في الشأن التركي حاي إيتان كوهين ياناروجاك،  تحليلا معمقا للوضع الحالي بعد نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، وما يحمله من تهديدات محتملة لإسرائيل ودول المنطقة.

والملفت للانتباه أن هذه الدراسة جاءت بعد يوم واحد فقط من التوصيات التي قدمتها لجنة ناحال لوزارة الدفاع الإسرائيلية، والتي دعت إسرائيل إلى الاستعداد لمواجهة مباشرة مع تركيا في ضوء التوترات المحتملة بسبب ما أسمتها "طموحات تركيا لاستعادة نفوذها العثماني".

ونشرت صحيفة معاريف ملخصا عن الدراسة التي أشار فيها الدكتور ياناروجاك إلى أن تركيا باتت تشكل قوة إقليمية محورية في المنطقة، مما ينعكس على مصالح إسرائيل، مشيرا إلى أن تركيا أظهرت قدرة على التدخل العسكري الفعّال في عدة مناطق، ومحذرا من أنه على الرغم من أن "الجيش السوري دُمّر جزئيًا من قبل إسرائيل"، فإن التهديدات قد تتفاقم عندما تتمكن دمشق من تقوية نفسها بمساعدة تركيا.

إعلان

ووفقًا للباحث، فإن السياسة التركية الحالية مدفوعة بما يُسمى "الرؤية العثمانية الجديدة" والتي تترجم في العودة إلى مناطق كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية في الماضي، وذلك بالوجود التركي العسكري والاقتصادي في مناطق مثل شمال العراق، شمال سوريا، غرب ليبيا وغيرها. ويتوقع الخبير أن تستمر تركيا في توسيع نفوذها في هذه المناطق.

ويشير ياناروجاك إلى أن هذا التوجه يغير من صورة تركيا بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه في الماضي، مع تحولها إلى دولة تسعى بشكل متزايد لاستعادة قوتها الإقليمية، ويقول "على المدى القصير، ليس لدينا الكثير مما يدعو للقلق، ولكن الديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط تضع تركيا كلاعب رئيسي جديد في المنطقة، مع تداعيات كبيرة على إسرائيل".

ويضيف "بمجرد أن يتمكنوا من رفع رؤوسهم من الشمال السوري، فيمكنهم تقوية الحكومة السورية في دمشق ببطء، وليس لدي شك في أنهم سيبدأون في التحول إلى قضايا أخرى لم يتطرقوا إليها حتى الآن".

تحدي الطائرات المسيرة

من جانب آخر، يلفت الدكتور كوهين ياناروجاك إلى التوجهات المثيرة للقلق في مجال الصناعة العسكرية التركية، خاصة فيما يتعلق بالقوات الجوية، واعتبر أن تركيا وأمام تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة تسعى إلى تقليل اعتمادها على التكنولوجيا العسكرية الأميركية. وبالتالي، يُتوقع أن تصبح تركيا أكثر استقلالية في هذا المجال، وهو ما يعنى أنها ستتمكن من تطوير أسلحة وأنظمة عسكرية محلية أكثر تطورا.

ومن أبرز النقاط التي يركز عليها الخبير الإسرائيلي هي التكنولوجيا الجوية العسكرية المتقدمة التي تعتمد عليها تركيا، والتي باتت تشكل تهديدا متزايدا. حيث يشير ياناروجاك إلى أن "الطائرات المسيرة أصبحت صداعا خطيرا للغاية خلال الحملة الأخيرة في لبنان ضد حزب الله". ويضيف أن تركيا تمتلك طائرات مسيرة متطورة للغاية، والتي أثبتت فعاليتها في عدة صراعات إقليمية، سواء في شمال سوريا أو في ليبيا أو حتى في نزاع ناغورني كاراباخ.

إعلان

ويتوقع الخبير الإسرائيلي أن تواصل تركيا تعزيز قدراتها في هذا المجال، كما قد تواصل تقديم الدعم العسكري لحلفائها في مناطق مثل سوريا وليبيا إذا طلبت الحكومات ذلك.

الاستراتيجية الإسرائيلية

فيما يتعلق بالإستراتيجية الإسرائيلية حيال تركيا، يشدد الخبير على ضرورة أن تتبنى إسرائيل سياسة حوار وتعاون مع تركيا، وذلك لمنع التصعيد وتحقيق استقرار في العلاقات بين البلدين. كما يوصي بفتح قناة اتصال سليمة مع الأتراك لتجنب "العداء المتبادل الرسمي" ومنع تدهور العلاقات إلى حالة حرب. في الوقت نفسه، يشير إلى ضرورة أن تتبع إسرائيل سياسة تقوية ثقتها بنفسها، مع التأكيد على أن لا تُظهر ضعفا أمام تركيا.

ويرى كوهين ياناروجاك أن تركيا أصبحت قوة إقليمية صاعدة وذات تأثير كبير في المنطقة، لكن هذا لا يعني أن وضعها مستقر تماما، فعلى الرغم من التطورات الميدانية التي تعزز قدراتها العسكرية، تواجه تركيا تحديات عديدة تتعلق بالجغرافيا السياسية، والأمن الداخلي، والعلاقات مع القوى الكبرى.

ويقول "لا يمكننا أن نرى تسليح تركيا شيئا ضدنا، خصوصا أن لديها تحديات مع وجود سواحل لها في البحر الأسود وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط، كما لها حدود مع إيران والعراق وسوريا، وتشعر بالتحدي، في جنوبها مع سوريا حيث كانت هناك حرب لأكثر من عقد من الزمان، بالإضافة إلى التحدي في الشمال مع الحرب بين أوكرانيا وروسيا..ولذلك يشعرون بالحاجة إلى تسليح أنفسهم من أجل الشعور بالأمان".

ويختم بالتأكيد على أن إسرائيل يتعين عليها أن تواصل تقييم هذه المتغيرات بعناية، وأن تتبنى سياسة حوار مرنة، مع الحفاظ على مصالحها الأمنية والإستراتيجية في مواجهة هذا التهديد المتزايد.

مقالات مشابهة

  • "مخاطر كبيرة في سماء روسيا".. هيئة الطيران الأوروبية توضح
  • "الشائعات وأثرها علي الأمن القومي" ندوة توعية بديرب نجم في الشرقية
  • إصابة مزارع بانفجار مخلف حربي في العثمانية وسط ديالى
  • مسؤول أمريكي يربط تحسين العلاقات مع بريطانيا بعودة سجناء داعش لدولهم الأوروبية
  • إعلان جدول منافسات كأس العالم للقوة البدنية
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين مزاعم قوات حكومة الاحتلال الإسرائيلي وادعاءاته الباطلة حيال الخريطة المنشورة من قبل حسابات رسمية تابعة له
  • الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية تتضامن مع الأطباء الأردنيين و العرب
  • "أبوظبي الإسلامي كابيتال" تطلق صندوقاً للخدمات اللوجستية الأوروبية
  • خبير إسرائيلي يقترح خطة للتعامل مع طموحات تركيا العثمانية
  • أول تصريح لديشامب بعد إعلان موعد رحيله عن منتخب فرنسا