الطب التقليدي.. من التشكيك إلى بؤرة اهتمام منظمة الصحة العالمية
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
لأول مرة، تنظم منظمة الصحة العالمية قمة عالمية للطب التقليدي
لطالما كان الطب التقليدي لآلاف السنين، جزءا لا يتجزأ من الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. وبدافع الاقتناع العميق أو بسبب نقص الأدوية الأخرى، يستخدم 80 بالمئة من سكان العالم اليوم شكلا من أشكال الطب التقليدي. وتتنوع طرق العلاج في الطب التقليدي من استخدام الخلطات العشبية والوخز بالإبر والتدليك وغيرها من الطرق.
والآن ولأول مرة، تنظم منظمة الصحة العالمية قمة عالمية للطب التقليدي، بالاشتراك مع الحكومة الهندية التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين في عام 2023. ستعقد القمة على هامش اجتماع وزراء الصحة لمجموعة العشرين يومي 17 و 18 أغسطس/آب 2023 في غاندي ناجار في غوجارات.
عوالم تتصادم
في الوقت نفسه ، يقف المؤيدون والمعارضون لموضوع الطب التقليدي على طرفي نقيض بشكل لا يدع مجالا للتوافق بينهما. لذلك، وفي سياق الإعلان عن القمة، تلفت منظمة الصحة العالمية إلى أن الطب التقليدي موجود أيضا في العلوم الحديثة. فحوالي 40 بالمئة من جميع الأدوية المعتمدة اليوم تعتمد على المنتجات الطبيعية، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. اكتشاف الأسبرين مثلا استند إلى الوصفات القديمة المصنوعة من لحاء شجرة الصفصاف. مثال آخر: البحث عن مادة الأرتيميسينين لاستخدامها ضد الملاريا، والذي مُنحت جائزة نوبل له في عام 2015، بدأ بدراسة النصوص القديمة في الطب الصيني.
ولكن الأمر ليس كذلك دائما، فكثير من العلاجات لا يوجد دليل على الإطلاق على أن لها أي مفعول علاجي. ومع ذلك، فإن الطلب الصيني على المكونات الحيوانية، التي تدخل في الطب الصيني التقليدي، بات هائلا، لدرجة أن بعض أنواع الحيوانات -مثل النمور ووحيد القرن وفرس البحر وآكل النمل الحرشفي- مهددة بالانقراض.
ومنذ سنوات، تعمل الصين على شراء الحمير من جميع أنحاء العالم بمئات الملايين من الدولارات، لأنه يمكن الحصول من عظام وجل الحمير على "جيلاتين إيجياو"، الذي يقال إنه يوقف النزيف ويحارب السعال والسرطان. ولكن لا يوجد دليل على أن هذه الأدوية فعّالة حقا. الأطباء والباحثون، في الغرب خصوصا، يشككون في ممارسات الطب الصيني التقليدي.
ما هدف القمة العالمية؟
تُعرِّف منظمة الصحة العالمية الطب التقليدي بأنه "حصيلة مجمل المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات المتأصلة في مختلف الثقافات، سواء كانت قابلة للشرح والتفسير أم لا، وتستعمل في صيانة الصحة، وفي الوقاية من الاعتلال البدني والنفسي، وتشخيصه، وتخفيفه ومعالجته". تعريف فضفاض كما هو واضح.
ويُستخدم الطب التقليدي (الشعبي) حاليا في 170 دولة، من بين أعضاء منظمة الصحة العالمية، وقد طلبت هذه الدول أدلة وبيانات، لتكون أساسا للسياسات والمعايير واللوائح، بهدف استخدام الطب التقليدي بشكل آمن ورخيص وعادل.
لذلك ستقوم القمة العالمية الأولى ليس بجمع مختلف الجهات الفاعلة في مجال الطب التقليدي فقط، وإنما ستضع أيضا معايير لممارسات ومنتجات الطب التقليدي، وإنشاء قاعدة أدلة موثوقة للسياسة. ولهذا يجب فحص ما إذا كانت هناك اختلافات كبيرة بين الفائدة المتصورة والفائدة الفعلية التي تقدمها طرق العلاج البديل. هل يقتصر الأمر على الاعتقاد بأن طريقة معينة تساعد على الشفاء، أم أنه يمكن إثبات هذا التأثير أيضا؟
بالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة كالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في الطب التقليدي.
الهند كمركز للطب التقليدي
ليس من قبيل المصادفة أن تعقد أول قمة عالمية لمنظمة الصحة العالمية حول الطب التقليدي في الهند. فمن الهند أتت "الأيورفيدا" وترجمتها باللغة السنسكريتية تعني "علم الحياة"، والتي تعتبر منذ أكثر من ألفي عام طبا شعبيا في جنوب آسيا، وبالتالي فهي واحدة من أقدم أنظمة العلاج الطبيعي المعروفة. ويعتبر الطب البديل في الهند أمرا شديد الأهمية لدرجة أن لديهم وزارة ة خاصة للأيورفيدا واليوغا والمعالجة الطبيعية والمعالجة التجانسية.
واستجابة للاهتمام العالمي المتزايد، أنشأت منظمة الصحة العالمية في مارس/آذار 2022 المركز العالمي للطب التقليدي التابع لمنظمة الصحة العالمية في جامناغار، للجمع بين الحكمة القديمة والعلوم الحديثة من أجل صحة ورفاهية البشر والكوكب. وقدمت الحكومة الهندية المحافظة مبلغ 250 مليون دولار (230 مليون يورو) لدعم المركز. وقال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "يهدف المركز ليكون محركا للابتكار من أجل جمع الأدلة والبيانات والاستدامة في الطب التقليدي".
شكوك بالجدوى ومحدودية التمويل
إلقاء نظرة فاحصة على طرق العلاج التي تم تطويرها على مدى قرون، يبدو أمرا منطقيا، من أجل التحقق من مدى معقولية هذه الطرق، وفي حالة الشك إجراء دراسات سريرية جيدة، كما يقول جورج رويشيماير من منظمة كوكرين، وهي منظمة مستقلة غير حكومية وغير ربحية تتألف من أكثر من 31 ألف متطوع في أكثر من 120 بلدا، هدفها تنظيم معلومات الأبحاث العلمية الطبية بشكل منهجي، مما يسهل اتخاذ القرارات من قبل الأخصائيين في مجال الطب، بالإضافة إلى المرضى وصانعي السياسات الصحية، وذلك حسب مبادئ الطب المسند بالدليل.
ومع ذلك، يؤكد رويشيماير في حديث لوكالة الأنباء الألمانية أنه بالإضافة إلى الأمثلة التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية، مثل الأسبرين أو مادة الأرتيميسينين، ربما توجد أمثلة عديدة أثبتت فيها الطرق التقليدية أنها غير فعالة أو حتى خطيرة عند الفحص الدقيق – مثل الفصد. ويضيف رويشيماير: "من خلال تجربتي الشخصية في كوكرين، أود أن أقول إنني لم أجد الكثير من مراجعات كوكرين التي تظهر دليلا مقنعا حقا على نجاعة طريقة من طرق العلاج التقليدي".
بيد أن من أسباب ذلك أيضا حقيقة أنه في كثير من الأحيان لا يوجد سوى عدد قليل من الدراسات التي يتم إجراؤها، وغالبا بشكل سيء، ولا يمكنها بالتالي إثبات أو دحض فائدة أي طريقة علاج تقليدية. ومن ناحية أخرى، تكلف مثل هذه الدراسات الكثير من المال، وبالتالي يجب أولا التثبت من جدوى القيام بها ومدى أهميتها.
ولهذا فإنه من المنطقي أن تضع منظمة الصحة العالمية معايير لممارسات ومنتجات الطب التقليدي في المستقبل، وكذلك إنشاء قاعدة أدلة موثوقة قائمة على البيانات لتساعد على صياغة السياسات الطبية.
أليكساندر فرويند/ف.ي
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: الطب البديل الطب التقليدي منظمة الصحة العالمية دويتشه فيله الطب البديل الطب التقليدي منظمة الصحة العالمية دويتشه فيله منظمة الصحة العالمیة الطب التقلیدی طرق العلاج فی الطب
إقرأ أيضاً:
تفشي غير مسبوق.. ولاية أمريكية تشهد انتشار مرض السل
تواجه ولاية كانساس الأمريكية تفشٍ غير مسبوق لمرض السل، في تاريخ الولايات المتحدة منذ الخمسينيات، وهو أحد الأمراض المعدية القاتلة في العالم، حيث وصفته إدارة الصحة والبيئة بأنه “أكبر تفش موثق في تاريخ الولايات المتحدة”.
وتم تسجيل 67 حالة نشطة و79 حالة كامنة، إلى غاية يوم الجمعة، حيث يحمل المصابون البكتيريا دون ظهور أعراض. كما أشارت التقارير إلى أن عدد الحالات انتشر بسرعة في منطقة كانساس سيتي الحضرية.
وحذرت جيل بروناوغ، مديرة الاتصالات في إدارة الصحة، من أن التفشي “لا يزال مستمرا”، مشيرة إلى احتمالية تسجيل مزيد من الحالات.
وأكدت آشلي غوس، نائبة وزير الصحة العامة في كانساس، خلال اجتماع للجنة مجلس الشيوخ حول الصحة العامة. أن السلطات حشدت الموارد والموظفين لمعالجة الموقف “غير المسبوق”، بالتعاون مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
وأوضحت غوس أن الدعم من CDC أمر طبيعي في حالات التفشي الكبرى لتقديم الموارد اللازمة لاحتواء المرض.
يشار أن مرض السل ينتقل عبر الهواء من خلال السعال أو التحدث أو الغناء، ما يجعله شديد العدوى، وتشمل أعراضه السعال المطول. والسعال المصحوب بالدم والتعرق الليلي وفقدان الوزن.
لكن 90% من المصابين يحملون المرض بشكل كامن دون ظهور أعراض، وفقا للدكتورة دانا هوكينسون، المديرة الطبية لمكافحة العدوى في جامعة كانساس. وقالت هوكينسون إن “السل النشط الذي يعرفه الناس قد يشكل حالة طوارئ صحية عامة إذا لم يتم احتوائه بشكل سريع”.
كما أكدت السلطات أن المصابين سيخضعون لفحوصات لتحديد ما إذا كانت العدوى نشطة أو كامنة، وسيتم توفير العلاج مجانا. في حال عدم وجود تغطية تأمينية. ويشمل العلاج “تناول مضادات حيوية لمدة تصل إلى ستة أشهر”، وبالنسبة للمرضى النشطين. يصبحون غير معديين عادة بعد 10 أيام من العلاج ونتائج ثلاثة اختبارات للبلغم.
وحث كريس ستيوارد، نائب مدير الصحة في مقاطعة سيدغويك، السكان على اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل تغطية الفم عند السعال. وزيارة الطبيب عند ظهور أي أعراض مقلقة. وأكد أن خطر الإصابة بالسل بين عامة الناس لا يزال منخفضا.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور