مفتاح السعادة.. كيف تتقرب من الله وتعالج قلبك؟
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الديار المصرية السابق، إن الله عز وجل جعل القلب هو أساس العلاقة بين العبد وربه، فالقلب هو الذي يتأثر بالمعاصي والطاعات على حد سواء. من هنا، نجد أن العناية بالقلب وتطهيره من أمراضه هي السبيل إلى القرب من الله تعالى. ففي كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: 46)، وفي هذا دلالة على أن العمى الحقيقي ليس عجز العين عن الرؤية، بل هو تعطل القلب عن إدراك الحق.
وأيضًا، جاء في قوله سبحانه: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} (الحج: 32)، مؤكداً أن تقوى القلب هي معيار عظمتنا عند الله تعالى، وأن كل عمل صالح وعبادة تتجسد من خلال تقوى القلب والإخلاص لله. لذلك، لابد للإنسان أن يسعى دومًا لتصفية قلبه من الشوائب والآفات.
القلب: محل نظر الله تعالىوتابع جمعة إن الحديث الشريف يوضح لنا أن الله لا ينظر إلى صورنا وأموالنا، وإنما ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا. ففي الحديث النبوي الشريف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (رواه مسلم)، ما يعزز الفكرة أن جوهر العلاقة مع الله هو نقاء القلب وإخلاصه في الطاعات، وليس في المظاهر أو المال.
وفي حديث آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (رواه البخاري). وهذا الحديث يوضح لنا كيف أن صحة القلب هي أساس صحة سائر الجسد، فإذا صلح القلب صلح سلوك الإنسان، وإذا فسد القلب انحرفت أعماله وتفكيره.
أهمية سلامة القلب في تجنب المعاصيوأضاف جمعة أنه تعد معاصي القلب أكثر خطورة من معاصي الجوارح، لأن معصية القلب تؤدي إلى فساد الجوارح. المعاصي الظاهرة من السلوكيات والتصرفات قد تظهر نتيجة لمرض في القلب، مثل الكبر أو الحسد أو الرياء، وهذه الأمراض القلبية يجب علاجها من جذورها. وقد يقول البعض أن معصية الجوارح هي الأخطر، ولكن في الحقيقة، معاصي القلب هي الأساس الذي يجب أن يُعالج أولاً.
وفي هذا السياق، يؤكد الإمام ابن عطاء الله السكندري في حكمته: "رُبَّ معصية أورثت ذلاً وإنكساراً، خيرٌ من طاعة أورثت عزاً وإستكباراً". هذه الحكمة تعكس حقيقة عظيمة وهي أن المعاصي، رغم ضررها، قد تجعل العبد يشعر بالتواضع والتوبة، في حين أن الطاعة قد تؤدي إلى الاستكبار والتفاخر، وهو ما يبطل أجرها. لذلك، من المهم أن يتنبه العبد لصدق نية قلبه أثناء الطاعات وتجنب أي شعور بالعظمة أو الكبر.
الذل والتوبة في المعاصي خير من الاستكبار في الطاعاتيقول الشيخ ابن عباد النفزي الرندي في شرح هذه الحكمة: "الطاعة قد يقارنها آفات قادحة في الإخلاص، كالإعجاب بها أو الاحتقار لمن لا يفعلها، مما يمنع قبولها. بينما الذنب قد يقارنه الالتجاء إلى الله والاعتذار إليه، وهذه التوبة الصادقة قد تكون سببًا في مغفرة الله". ما يعنيه هذا هو أن القلب هو الذي يحدد مصير العمل، فلا تساوي بين طاعة تؤدي إلى الفخر والاعتداد بالنفس، وبين معصية تجعل العبد يعود إلى ربه متذللاً.
وفي هذا السياق، يقول الإمام أبو مدين قدس سره: "انكسار العاصي خير من صولة المطيع"، وهذا يشير إلى أن الذل الناتج عن معصية قد يقود إلى التوبة والانكسار أمام الله، بينما صولة المطيع قد تؤدي إلى الكبرياء، وهو ما يعرض الإنسان للخذلان.
مراقبة القلب والتوبةواختتم جمعة إن حكمة الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تدعونا إلى مراقبة القلب، وأن نتجنب الإعجاب بأعمالنا الطيبة وأن نتواضع بعد المعاصي. علينا أن نعلم أن من صفات العبودية الحقيقية التذلل لله، وأن الله تعالى لا ينظر إلى المظاهر، بل إلى ما في قلوبنا. لذلك، يجب علينا أن نسعى دومًا لتطهير قلوبنا، والرجوع إلى الله بالتوبة والندم، ونتجنب الوقوع في فخ الاستكبار بعد الطاعات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة القلب سلامة القلب الله الله تعالى ینظر إلى تؤدی إلى
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: السلف الصالح تميزوا بتحويل العادات إلى عبادات
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن النبي الكريم كان يعلم أصحابه خطبة الحاجة، لقول عبد الله ابن مسعود أن النبي كان (كان يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا القرآن) أي أنه كان يعيدها عليهم صلى الله عليه وآله وسلم حتى يحفظوها، يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتلو علينا من سورة آل عمران ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾.
وأضاف علي جمعة، تصريح له، أن هذه الآية تعد أعظم آية في القرآن من حيث العمل، كيف لا نموت إلا ونحن على الإسلام؟ ونحن لا ندري متى نموت، وهذا معناه أن الإنسان يظل في ذكر الله سبحانه وتعالى على الدوام حتى إذا ما جاءه الموت وجده على الإسلام.
وتابع: إذن وكأن الآية تطالبنا ألا نغفل عنه سبحانه وتعالى طرفة عين ولا أقل من ذلك فتكون بذلك أعظم آية من حيث العمل وندعو الله أن يخفف عنا لقصورنا وتقصيرنا وما جبلنا عليه من نسيان وغفلة وندعو الله أن يغفر لنا هذه الغفلة التي تحجبنا عنه سبحانه وتعالى.
وإذا ما تأملنا في هذه الآية وجدناها وكأنها تأمرنا بأن نحول العادات إلى عبادات، والحاصل في حياتنا ولإلف الإنسان على العمل ولكثرته إذا ما أكثر منه أن يألف العمل فتصير العبادة عادة .. يصلي وينسى في صلاته ويذكر بلسانه وذهنه شارد في أمور أخرى لأن العبادة تحولت عنده إلى عادة.
وأشار إلى أن تحول العبادة إلى عادة أول الفساد في الأمم لأن العبادة حينئذ لا تؤدي وظيفتها التي أراده الله سبحانه وتعالى لها ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ فنرى المصلي لا تنهاه صلاته لا عن فحشاء ولا عن منكر لأنه قد حول العبادة إلى عادة.
وهنا في هذه الآية العظيمة يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بمقاومة أنفسنا لا في أن نؤدي العبادة على وجهها وحسب بل أيضا أن نحول العادات إلى عبادات.
وذكر علي جمعة، أن السلف الصالح والصحابة الكرام تميزوا بأنهم استطاعوا أن يحولوا العادات إلى عبادات وذلك لما صدروا في أنفسهم قول الرسول المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) فجعلوا نياتهم جميعا لله سبحانه وتعالى جعلوا نياتهم جميعها لله سبحانه وتعالى في حلهم وترحالهم .. في قولهم وسكوتهم .. في تركهم وفعلهم حتى صاروا عبادا ربانيين إذا ما مدوا أيديهم إلى السماء (يارب) استجاب الله لهم، فهل يمكن أن نهيئ نفسنا لرمضان وأن نتقي الله حق تقاته وأن ننقل أنفسنا بإذنه من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه وأن نحول عباداتنا إلى إخلاص لرب العالمين وأن ننقل عاداتنا إلى دائرة العبادة له سبحانه وتعالى وحده.