البشرة السوداء في العمل الروائي
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
آخر تحديث: 5 دجنبر 2024 - 2:30 معادل الصويري ضمن أعمال الدورة الثانية من ملتقى تونس للرواية العربية، كانت هناك محاور عن الروايات التي تناولت أصحاب البشرة السوداء، وقد صدر كتاب مهم عن بيت الرواية في مدينة الثقافة بالعاصمة التونسية؛ تناول الأوراق النقدية والبحثية التي اهتمت بطرح الاستفهامات المتعلقة بالرواية التي تناولت معاناة الإنسان الأسود، وخصوصاً تلك التي كتبها روائيون سود، أخذوا على عاتقهم تعرية الصمت التاريخي الطويل، والممارسات العنصرية التي حرمت هذه الشريحة الإنسانية من الكلام، وإيصال صوتها الاحتجاجي الرافض لكل مظاهر العبودية، قبل أن تبرز الرواية بوصفها بريداً إنسانيّاً أوصلَ ذلك الصوت المقموع؛ لتكون ملحمةً تقاومُ الإهمال، ومحكمةً يُحاكم بها الروائيون السود تلك الممارسات العنصرية اللاإنسانية، ومنها روايات حازت جائزة نوبل للآداب، فضلاً عن روايات عربية اقتحمت هذه القضية بأساليب سردية متنوعة، وهو ما رآه الروائي والمترجم التونسي شكري المبخوت جديراً بالبحث والدراسة؛ لأنَّ ما كتبه العربُ في هذه القضية يختلف عن كتابات الأميركيين في كتاباتهم المناهضة للعبودية، أو تلك التي صدرت أيّام مرحلة التحرر الوطني في إفريقيا، وهي كتابات اتسمت بالثورية.
ولا يعتقد شكري المبخوت أنَّ دخول الكُتّاب من ذوي البشرة السوداء إلى هذا المجال سبب في التطور الفني للرواية، إذ يقول: “لا معنى للون البشرة في تناول القضايا الكبرى”، بل يرجع هذا التطور إلى ارتباطه بالوعي المستجد في مقاومة أشكال العنصرية والعبودية، والوعي الأكثر خصوصيةً بدور الرواية في تغذية الفكر الاحتجاجي ضد الممارسات التي تعرض لها أصحاب البشرة السوداء. كما تحدث عن اتجاهين في الروايات العربية بهذا الشأن: التوجه الأول تمثل بالرواية التاريخية التي استعادت معاناة السود في سياق مجتمعي قديم ومنها روايات (وراء السراب قليلاً) لإبراهيم الدرغوثي، و(زرائب العبيد) لنجوى بن شتوان، و(فستق عبيد) و(بابنوس) لسميحة خريس، و(كوكو سودان كباشي) لسلوى بكر، و(ثمن الملح) لخالد البسّام، و(كتيبة سوداء) لمحمد المنسي قنديل. وأشار إلى الفضاءات العربية التي دارت عليها الحكايات والمشاهد سواء في السودان، أو خارجها في ليبيا وتونس. أمّا التوجه الثاني الذي ناقشه شكري المبخوت، فهو الآليات الفنية السردية، وأسلوب تناول صراع ذوي البشرة السوداء مع تاريخهم المثقل بالألم والخوف، وقد وصف روايات هذا الاتجاه بـ”روايات مواجهة العنصرية والاستعمار في آن واحد”. روايات ونصوص كتبت تراجيديا السود في أماكنهم القلقة بين مفترق الثقافات، والتداخل الديني والاجتماعي والثقافي، وأكثرها تمثلاً لهذا الاتجاه رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح الصادرة سنة 1966. وروايات أخرى اقتربت من هذه التراجيديا، يراها المبخوت “تختلف عمقاً وعنايةً بالوجه العنصري” كما في (جمر وماء) لآمنة الرميلي، و(الغوريلا) لكمال الرياحي، و(باي العربان) لجمال الجلاصي، و(إفريقستان) لعبد الجبار العش، و(كاماراد) للصدّيق حاج أحمد، فضلاً عن (باغندا) لشكري المبخوت نفسه. محور العنصرية بعد محور العبودية في الرواية؛ ضم الكتاب في القسم الثاني محور العنصرية بعدة دراسات ومباحث، ومنها قراءات عن الشخصيات السوداء، وطريقة (آمنة الرملي) في تدوينها، والتي تساءلت في بداية مبحثها عن نصيب الذاكرة الأدبية العربية من اللون الأسود: “هل يترك اللون الأسود- سواء خص الأديب أو أدبه- أثراً مخصوصاً في النص الأدبي العربي؟”ثم عادت إلى صورة الفتى الجاهلي في الشعر العربي متمثلةً بعنترة بن شداد، إذ رأت أنه حقق بشعره ما يفوق المشهور من الشعر الجاهلي؛ لأنَّ المتلقّي تلقّى فضلاً عن شاعريته لونَه الأسودَ. هذا اللون شارك في إنتاج المعنى والدلالة والأثر بقوله: وما عابَ الزمانُ عليَّ لَوْني ولا حطَّ السوادُ رفيعَ قَدْري أمّا الرواية، فقد أخذت خطابها من اللون الأسود للشخصيات وأبطال الحكايات، واستمدّت سرديتها وتأثيرها من هذا اللون مستشهدةً بشخصية (مصطفى سعيد) في رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) والتي أحدثت الأثر الكبير داخل الرواية وخارجها، إذ ترى آمنة الرملي أنَّ هذه الشخصية جعلت اللون وجهاً للحضارة، وشرطاً للإنسانية، ومُحرِّكاً للتاريخ، ووقوداً للصراع، في مشاهد مع حبيبته البيضاء (جين مورس).ونوَّهت كذلك بشخصية (برق الليل) في رواية البشير خريّف التي حملت الشخصية كعنوان لها، و”سيد فواعلها السردية” صاحب الخفة في الرقص والحركات، والمقالب، وقصة الحب التي عاشها بألم، وقد اشتغل الروائي على لونه الأسود لإبراز وجه المأساة الحقيقي. وبعد هاتين الشخصيتين؛ تتحدث آمنة الرملي عن شخصية (جاك) في روايتها (جمر وماء) الصادرة سنة 2003. وجاك هذا فرنسي من أصل إفريقي يقع في عشق فتاة تونسية (آمال). هذا الحب تقول الروائية إنه ولّدَ أهم أحداث الرواية، رغم أنها قامت على ثيمة العنصرية والكراهية المجتمعية للمهاجرين.ومن جهة فنية، تشرح الروائية طريقة اشتغالها على شخصية (جاك) في تقديمها للقارئ من زاويتين: الأولى زاوية النظرة الاجتماعية التونسية لذوي البشرة السوداء سواء كانوا تونسيين أو غير تونسيين. أما الزاوية الثانية فهي زاوية وجهة نظر شخصية للروائية الرافضة لكل الممارسات العنصرية على الصعيد اللوني، وهو الرفض الذي حمّلته لشخصية (آمال) التي كانت تكتب المقالات ضد عنصرية الغرب تجاه السود.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: البشرة السوداء
إقرأ أيضاً:
أسرار «اللون الأحمر» في خريطة غزة
خريطة قطاع غزة التي عممها الجيش الإسرائيلي، قبل ساعتين، عبر متحدثه «أفيخاي أدرعي»، ليست مجرد «وثيقة إخلاء»، بل هي أكبر من هذا بكثير. تظليل المناطق المتاخمة لـ«غلاف غزة» باللون الأحمر يكشف عن معالم استراتيجية عسكرية-سياسية تستهدف إعادة رسم الخريطة الميدانية والديموغرافية في القطاع، ما ستترتب عليه تداعيات قد تستمر عقودًا قادمة.
إسرائيل، لا تسعى فقط لإدارة العمليات الميدانية، بل إلى تثبيت وقائع جديدة على الأرض، فهي تحاول تشكيل القطاع أمنيًا وسكانيًا، وهو ما يظهر من خلال القراءة الاستراتيجية لخريطة المناطق المطلوب إخلاؤها في شمال القطاع، خصوصًا بيت حانون ومحيطها، وجنوب شرق القطاع، تحديدًا: خربة خزاعة وعبسان.
الأهداف الإسرائيلية الميدانية، وفق الخريطة الجديدة، ليست مصادفة، فهذه المناطق شهدت مواجهات مستمرة مع الفصائل الفلسطينية، خلال الشهور الماضية، وبالتالي، فإن تسعى إسرائيل إلى إعادة تشكيل واقع السيطرة على الأرض، والإخلاء هنا ليس مجرد إجراء ميداني لحماية المدنيين، بل خطة لإعادة هندسة الخريطة الديموغرافية.
إسرائيل تحاول إعادة توزيع السكان في مناطق يسهل التحكم بها عسكريًا، بينما تسعى لتفريغ المناطق الحدودية التي تعتبرها مصدر قلق أمني. الحدود كانت دائمًا خط تماس ملتهب بالنسبة لإسرائيل، ومخطط تفريغها لا يهدف فقط إلى تهدئة الأوضاع، أو إخلاء السكان من مناطق التوتر، بل إلى خلق واقع أمني جديد، يمنحها قدرة أكبر على السيطرة الميدانية.
الضغط على المدنيين للنزوح إلى مناطق محددة داخليًا، يفتح المجال أمام الجيش الإسرائيلي للتحرك بحرية أكبر في المناطق الحدودية، وهذا التفريغ قد يمهد لتحويل هذه المناطق إلى «مناطق عمليات» أو «مناطق عازلة»، ما يعني تغييرًا كبيرًا في الواقع الديموغرافي للقطاع، خاصة مع توجيه الجيش الإسرائيلي للسكان إلى غرب مدينة غزة ومدينة خانيونس.
إذا نجحت إسرائيل في تفريغ هذه المناطق، قد تلجأ إلى فرض مناطق عازلة بعمق يتراوح بين كيلومتر واحد إلى ثلاثة على الحدود مع القطاع. هذا السيناريو ليس جديدًا، فقد حاولت إسرائيل سابقًا إقامة منطقة أمنية عازلة لتحييد خطر الأنفاق والصواريخ قصيرة المدى، لكن أخطر الأهداف المسكوت عنها، من وجهة نظري، هو محاولة عزل الفصائل الفلسطينية المسلحة عن الحاضنة الشعبية.
إذا نجحت إسرائيل في تفريغ هذه المناطق، فإن قدرة المقاومة على الحركة ستتراجع، وستفقد العمق السكاني الذي يوفر لها الغطاء. وهنا، نحن أمام معادلة إسرائيلية واضحة تحاول تنفيذها على الأرض: «تفريغ الأرض لإضعاف المقاومة». على المدى القريب، التصعيد في المناطق المفرغة يبدو محتملًا، كون إسرائيل قد تستغل هذه المناطق لضرب الأنفاق وتدمير البنية العسكرية للفصائل، وإذا وسّعت نطاق الإخلاء، فقد يكون ذلك تمهيدًا لتوغل بري أوسع.
على المدى المتوسط، فإن إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود سيضعف قدرة المقاومة على التحرك. إسرائيل جربت هذا السيناريو من قبل، وتسعى الآن لإعادة فرضه، بهدف تحييد خطر الأنفاق والصواريخ قصيرة المدى، غير أن الجديد هنا هو أن الإخلاء هذه المرة يأتي في إطار عمليات عسكرية شاملة، ما يعني أن المناطق الفارغة قد تتحول إلى قواعد عمليات دائمة، وليس مجرد خطوط دفاعية.
على المدى البعيد، فإن استمرار سياسة التهجير بهذا الشكل قد يعيد إلى الأذهان مشهد «نكبة 1948»، لكن على نطاق أصغر. تهجير السكان من المناطق الحدودية وتدمير البنية التحتية قد يخلق واقعًا جديدًا يعزز من السيطرة الإسرائيلية. ما يحدث ليس فقط إعادة تموضع عسكري، بل محاولة لتفريغ غزة من محيطها الأمني، وتحويلها إلى مناطق نفوذ إسرائيلي مباشر، تفقد المقاومة عمقها الاستراتيجي.
العدوان الإسرائيلي الجديد لم يكن وليد لحظة. الحكومة اليمينية، بقيادة بنيامين نتنياهو، اتخذت قرار العودة للحرب خلال مشاورات أمنية مطلع الاسبوع الجاري. رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، يحاول الإعلان عن نفسه ميدانيًا، بعدما عرض خطط العمليات، وتمت المصادقة عليها في الجلسة نفسها.
الأهم أن الإدارة الأمريكية كانت على علم مُسبق بموعد التنفيذ. إذن، المسألة ليست مجرد تصعيد تكتيكي، بل خطوة محسوبة ضمن استراتيجية طويلة الأمد، وإدخال المقاتلات «F-35i» الأمريكية إلى العمليات يُشير إلى أن إسرائيل لا تُخطط لمعركة خاطفة، بل لتوسيع نطاق المواجهة وتوجيه ضربات دقيقة للبنية التحتية العسكرية للفصائل الفلسطينية. إسرائيل تراهن على تفوقها الجوي لتحييد قدرة المقاومة على المناورة.
أكثر من 400 ضحية حتى الآن. المعلومات الأولية تشير إلى أن من بينهم قيادات في الصف الأول - أعضاء في المكتب السياسي لحماس، ومسؤولين أمنيين، وقضاة - ما يوحي أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى تدمير الأنفاق أو مخازن الأسلحة، بل إلى ضرب شبكة «القيادة والسيطرة» داخل حماس. التصعيد الإسرائيلي يأتي في ظل أزمة تفاوضية عميقة، فالمقاومة الفلسطينية رفضت عروض الوسطاء - بما فيهم المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف - لإطلاق سراح أسرى إسرائيليين. إسرائيل تُدرك أن استمرار الحرب سيُضعف موقف حماس التفاوضي، ويُجبرها على تقديم تنازلات في مرحلة لاحقة، كما أن العدوان الجديد سيرفع تكلفة أي تسوية مستقبلية.
ومعروف أنه حين تُعاد رسم الخريطة الميدانية تحت القصف، يصعب لاحقًا إعادة التوازن على طاولة المفاوضات، علما بأن الضغط على المدنيين لإعادة التمركز في مناطق معينة سيخلق أزمات إنسانية جديدة، فيما المناطق المفرغة قد تصبح ساحة لعمليات عسكرية مستمرة، ما يرفع من تكلفة المقاومة الفلسطينية في تلك المناطق.
بالتالي، مجرد النظر إلى خريطة الإخلاء لقطاع غزة التي عممها الجيش الإسرائيلي يظهر أنها ليست وثيقة عسكرية، بل استراتيجية دموية، واللون الأحمر، الذي يحدد المناطق المطلوب إخلاؤها، ليس «تحذيرًا ميدانيًا» بل إعلان واضح عن مرحلة جديدة من العدوان.
المشهد في غزة يتغير، والخريطة الجديدة لا تقتصر على الخطوط والنقاط الملونة، بل تعيد رسم الحياة اليومية للفلسطينيين، وسياسة الإخلاء بهذا الشكل تعني ترسيخ مناطق عازلة في قطاع غزة، وتغيير الخريطة السكانية، وفرض وقائع جديدة على الأرض.
اقرأ أيضاًعالم الزلازل الهولندي: الهجوم البري على غزة جريمة حرب وإسرائيل لم تكن على الخريطة عام 1947
تناقضات ومناورات إسرائيلية-أمريكية.. مَن يتحايل على «صفقة غزة»؟.. كيف يدير نتنياهو وأجهزتُه الأمنية اتفاقَ التهدئة وتبادل الأسرى؟
الاتحاد الأوروبي يرحب بتبني مجلس الأمن لقرار بشأن وقف إطلاق النار في غزة