«حميدة» تاجر التعليم في السلم والحرب

بثينة تروس

بينما تستعر حرب السودان، وتتصاعد وتيرة الموت في الخرطوم، ينشط الإسلاميون في جبهتين، الأولى جبهة الجهاد الإسلامي المتوهم، والذي دعي له ثم فرَ منه قيادات الاخوان واسرهم، ورجال الدين، خارج البلاد، وعادت عجلة الموت لتطحن المساكين الذين يتم تحريكهم بالعاطفة الدينية، ودعاوى الجهاد في سبيل الوطن، بواسطة مشايخ الأرياف والاقاليم، حينما يشهد العالم اغرب حرب تدور رحاها في البلاد، يكبر ويهلل فيها الطرفان، والكفار هم الشعب الأعزل، والضحايا هم صغار الجنود، والصبية المغرر بهم في طرفي النزاع.

اما الجبهة الأخرى فهي جبهة التعليم، ففي الوقت الذي قررت وزارة التعليم الغاء الامتحانات النهائية للمراحل الابتدائية، والمتوسط، والثانوي في مناطق النزاع، نشط تجار التعليم، في استغلال حوجة المواطنين، ونهش جيوب الناجين من الحرب، والاستثمار في مأساة الطلبة من اثار الحرب العبثية.

وصرح في هذا الصدد بروف مامون حميدة صاحب (جامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا) الذي قام بنقل جامعته إلى دولة رواندا (نحن هربنا خارج البلاد فراراً من الحرب، هؤلاء الطلبة خرجوا إلى أماكن أخرى متفرقين في جميع انحاء العالم، وفكرتنا أتت أن هؤلاء الطلبة، لو استمرت الحرب سوف يفقدون زمناً قيماً من حياتهم، ومهم في زمن الحرب أن ينال الناس التعليم، لأنه به الحرب، حقاً نحتاج أناس يواكبون ويتحملون مسؤولية البلاد، لذلك هذه رغبتنا الأساسية لإكمال تعليمهم بأن يصيروا دكاترة..) قمنا بالترجمة للعربية.

الشاهد أن حميدة، ربيب النظام الذي أشعل الحرب، يستثمر في التعليم إبان السلم والحرب، تخرج هو وقيادات الاخوان المسلمون من جامعة الخرطوم، التي كانت مجانية التعليم والإعاشة، قدموا إليها من أقاليم البلاد وهامشه، وتخصصوا في جامعات خارج البلاد على حساب المواطنين والدولة. وحينما ملكوا السلطة، وتم تعيين حميدة مديراً لجامعة الخرطوم، قام بالتنكيل بالأساتذة المعارضين السياسيين، وأقال منهم كثر، وكانت جريرتهم أنهم سعوا لإيجاد القيمة في حياة الطلبة. كما أنه حارب مطالب القيمة مستخدماً تربية العنف الاخواني، إذ تمت على يديه أول حادثة لفض الاعتصامات الجامعية بالأمن والجيش، وتحرش بالطالبات، واقتحام الداخليات، وإطلاق الشتائم المهينة والغير معهودة وقتها عام 1990 حين كان اعتصام طلاب الخرطوم ضد دخول الامتحانات ذلك العام. وكان نصيب تلك المؤسسة التعليمية العقوق، والتدمير الشامل على أيدي حميدة بحجة التعريب لتواكب أسلمة الدولة (ثورة التعليم العالي) بصدد (إعادة صياغة الإنسان السوداني) وللأسف لم يجد الطلبة المراجع المطلوبة، أو المعينات اللوجستية.

بعد ذلك، تعددت الجامعات التي تدر الأموال لجيوب الفاسدين، وتدنى مستوى طلبة الطب، وتفتقت ذهنية الاستثمار لديه، فكانت جامعته التي اعتمدت اللغة الإنجليزية، واستجلبت أبناء المغتربين. واستشرى التعليم الخاص وعجز الكثيرون من الطلبة من التعليم الجيد. وبعد الثورة قدمت الحكومة الانتقالية مشروع التعليم المجاني، ثارت ثائرة مافيا التعليم والجامعات والمدارس الخاصة، والمطابع والفاسدين، وضنوا على أبناء الشعب بحلم مجانية التعليم.

واليوم يحدثنا عن حرصه على ألا يفقد هؤلاء الطلبة زمناً (قيماً) في حياتهم! وأن رغبته أن يصيروا دكاترة! السؤال ما هو مفهوم القيمة لدى الإسلامي حميدة؟ الم تشهد جامعته ثقافة الموت، بتفويج أعداد مقدرة من طلابه إلى تركيا للانضمام إلى داعش؟! كناتج طبيعي لضحالة التعليم الحداثوي والتواطؤ مع الهوس الديني.

وذكر حميدة حرصه على أن يتخرج هؤلاء الطلبة ويصيروا دكاترة! ولكن هلا حدثنا وزير الصحة السابق 2011 عن ماذا قدم للقطاع الصحي العام، والدكاترة الذين تخرجوا إبان وزارته؟ ألم تلاحق الأطباء المعارضين للنظام السياسي الفصل التعسفي والاقصاء والتهميش؟ وما هو حال طلبة الطب من الخريجين الذين فاضت بأعدادهم المستشفيات، وصاروا يبحثون عن توظيفة، بل نالت منهم البطالة الحد الذي اشتغلوا فيه كسائقي توك توك/ رقشات، وترحال، وفضلوا الموت في غمار البحار والمحيطات بحثاً عن حياة أفضل؟!

والبروف في حرصه على مواصلة استثماره، ذكر حيثيات (حرصه على تعليم الطلبة ليتحملوا مسؤولية البلاد)، ألا يعلم أن عاصمة البلاد تم تدميرها في خلال هذه الأربعة الأشهر تدميراً جعلها غير صالحة للعيش، بعد تدمير البنية الصحية، والتحتية تدميراً كاملًا، بحسب المتخصصين في مجلات الحروب والكوارث، ونزح منها وهجرها سكانها إلى الولايات الأخرى، من الذين لم يجدوا فيها جامعات وتعليم مؤهل، بسبب سياسات حكومته التي لم تعن بفقراء طلبة الولايات والهامش، وحين أشرف على قيام جامعات فيها كان اهتمامهم بالعدد والكم وليس القيمة فكانت غير مؤهلة تخرج فيها دكاترة هم ضحايا ثورتهم في التعليم.

ثم عجباً لتاجر التعليم الذي يعرض بضاعته هذه المرة، لأسر المغتربين، والمقتدرين من السودانيين، باسم حماية وحفظ أعراض البنات! (ما يخص رواندا عند قبولنا لهؤلاء الطلبة وخمسين منهن بنات، مع ثقافتنا التي تحمي البنات، كان لا يمكن أن نقدم إلى وطن سوف يتعرضن فيه للتحرش/ التعرض أو الهجوم، لذلك رواندا هي المكان، وجنة الموقع) انتهى.

رحم الله الشهيد التاج محجوب عثمان طالب طب جامعة البروف والذي قتل حين حاول حماية زميلاته البنات! من تحرش وعنف عناصر جهاز الأمن والمخابرات، 23 يناير 2019 وبدلاً من أن تخلده الجامعة، أو صاحبها! تم فصل زملائه الطلبة المشاركين في ثورة ديسمبر، وتمت عقوبة الممتنعين عن دخول الامتحانات، بإيقافهم عن الدراسة رغم مذكرات الأهل واسترحامهم، بالطبع فالبروف له سوابق في تأديب طلاب التغيير.

نؤكد لأبنائنا الطلبة المتحمسين لمواصلة دراستهم نحن لسنا ضد تعليمكم لكننا ضد استغلالكم باسم التعليم، وضد استغلال الاخوان المسلمين لشق وحدة الصف بالتمييز. فلنسع جميعاً لوقف الحرب وحفظ البلاد لكي تتم العدالة في التعليم.

tina.terwis@gmail.com

الوسومالإنقاذ الاخوان المسلمون الترجمة والتعريب التعليم العالي بثينة تروس جامعة الخرطوم جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا مامون حميدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإنقاذ التعليم العالي جامعة الخرطوم حرصه على

إقرأ أيضاً:

الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن

اليوم أعلن ترمب الحرب الأقتصادية علي جميع دول العالم وفرض جمارك باهظة علي صادراتها للولايات المتحدة، وهي أكبر سوق في العالم. هذه الجمارك تهز الأقتصاد العالمي، وتربك سلاسل الإمداد وتضرب أسواق أمال العالمية. واهم من ذلك إنها تهدد بتدمير معمار النظام الإقتصادي العالمي الذى ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكل هذا ستترتب عليه تحولات جيوسياسية جديدة وتسريع لديناميات أخري ولدت قبل إعلان ترمب الحرب الأقتصادية علي الجميع.

ولكن سياسات ترمب أيضا سيكون لها أثار سلبية باهظة علي الإقتصاد الأمريكي مثل إرتفاع معدلات التضخم، وازدياد العزلة الدولية لأمريكا وتراجع أهمية الدولار حول العالم.

فيما يختص بالسودان، قرارات ترمب لا تاثير لها لانه فرض جمارك علي صادرات السودان جمارك بنسبة ١٠% ولن تؤثر هذه النسبة لا في حجم الصادرات ولا علي أسعارها لان تلك الصادرات أصلا قليلة القيمة في حدود ١٣،٤ مليون دولار في العام السابق، أكثر من ٩٠% منها صمغ لا بديل له والباقي حرابيش حبوب زيتية . كما أن السلع المصدرة لا توجد بدائل لها بسعر أرخص إذ أنها أصلا رخيصة ولا تتمتع بمرونة في السعر ولا الطلب.

كما أن إهتزاز أسواق المال والبورصات وقنوات التمويل الدولي لا تاثير لهم علي السودان لانه أصلا خارج هذه الأسواق وخارج سوق المعونات.

ولكن هذه ليست نهاية القصة لان توجهات ترمب الأقتصادية والسياسية تدفن النظام العالمي القديم وتسرع من وتائر تحولات جديدة في غاية الأهمية. وبلا شك فان موت النظام القديم وميلاد نظام جديد وفوضى الإنتقال سيكون لها تاثير سياسي وإقتصادي علي السودان بسبب تبدل البيئة الدولية التي يعمل فيها السودان السياسي والاقتصادي. ولكن هذه التحولات المضرة لن يتأذى منها السودان مباشرة بل ربما يستفيد منها لو أحسن قادته.

علي سبيل المثال النظام الجديد سيكون متعدد الأقطاب وستنتهي فيه الهيمنة الغربية الأحادية وستزداد مجموعة البريكس أهمية وستزداد أهمية تكتلات أقتصادية أخري أخري في الجنوب العالمي مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وفي أمريكا اللاتينية السوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور)، وفي المستقبل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية . وجود كل هذه البدائل كشركاء أقتصاديين/تجاريين/سياسيين محتملين يتيح للسودان هامش للمناورة وإمكانية الحصول علي شروط أفضل في تعاطيه الأقتصادي والسياسي مع العالم الخارجي.

ولكن الإستفادة من هذه التحولات يحتاج لرجال ونساء يجيدون صنعة الدولة ولا يقعون في فخاخ ألحس كوعك علي سنة البشير ولا الانبطاح غير المشروط كما حدث في الفترة الإنتقالية التي أعقبت سقوط نظام البشير.

معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كيف تضرر قطاع النقل في السودان خلال الحرب الحالية؟
  • الحرب تخلّف أوضاعا صعبة لدى سكان الخرطوم
  • الذهب والفضة ينخفضان مع تصاعد الحرب التجارية التي أعلنها ترامب
  • السادس من أبريل..من سرق الوعد النبيل؟
  • ٦ أبريل مازالت جذوة الثورة متقدة
  • رئيس جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا لـ «الاتحاد»: مناهج جديدة متطورة العام المقبل
  • جامعة طرابلس بعد سقوط قذيفة على الطلبة: الدراسة مستمرة
  • برنامج «آفاق» الجامعي.. ماذا يقدم للطلبة العمانيين والدوليين؟
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن
  • ما هي مؤسسة كناري ميشن التي تقمع مناهضي الاحتلال ومن يمولها؟