بروفيسور: حسن بشير محمد نور

اضافت الحرب تحديات جسيمة علي الاقتصاد السوداني مما شكل اعباءا اضافية جديدة علي المواطن وقطاع الاعمال. بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011 فقد السودان مصدرا اساسيا للايرادات ممثلا في الايرادات البترولية، التي دفعت المصادر الاخري للايرادات لتسمي (الايرادات غير الضريبية). ومن المعروف ان الايرادات البترولية كانت تشكل 50% من الموازنة العامة وحوالي 97% من مصادرالنقد الاجنبي.

تم تعويض ذلك الفاقد، لحد ما من تعدين الذهب الذي نشط بعد العام 2011/2012، اضافة لتكثيف النشاط في القطاع الزراعي عبر عائدات الحبوب الزيتية، الثروة الحيوانية، الاقطان، الصمغ العربي والاهتمام بالتوسع في انتاج القمح لاحلال وارداته خاصة بعد ثورة ديسمبر 2018 وخلال فترة الحكومة الانتقالية القصيرة.
تعقدت الامور بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 الذي اوقف مسار التحول الاقتصادي بعد دخول السودان في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ( HIBICs) ، بما تضمنه ذلك من اعفاء للديون ومنح واعانات وتدفق استثمارات اجنبية، خاصة في البنية التحتية وانتاج القيم المضافة، اضافة لتحويلات السودانيين في المهاجر. بعد حرب ابريل 2023 دخل الاقتصاد السوداني في مرحلة حرجة، حيث تعاني مصادر الإيرادات الحكومية من تقلص كبير، خاصة الإيرادات الضريبية، مما أدى إلى تفاقم الأعباء المالية على المواطنين وقطاع الأعمال. في هذا المقال، نستعرض أبرز أسباب تقلص الإيرادات، خاصة الضريبية، وتأثير ذلك على المواطن، مع محاولة اقتراح بدائل للتخفيف من هذه الأعباء، في حالة وجود حكومة يمكن ان تطلع بتلك المهام، مع ملاحظة ان نهج حكومة الامر الواقع ظل وفيا لمناهج البنك والصندوق الدوليين في الجوانب الخاصة بالسياسة الضريبية ورفع العبء الضريبي الاضافي في الاقتصاد، ان كان ذلك بقصد او بحكم العقلية المسيطرة.
اول ما يلفت الانتباه هو تقلص ايرادات الضرائب على أرباح الشركات وأرباح الأعمال، اذ شهدت الضرائب على أرباح الشركات وأرباح الأعمال انخفاضًا كبيرًا نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي في ظل الحرب. العديد من الشركات أغلقت أبوابها أو قلّصت عملياتها، مما أدى إلى تقلص القاعدة الضريبية للضرائب المباشرة. كما أن انعدام الاستقرار الأمني والاقتصادي دفع العديد من المستثمرين إلى الخروج من السوق السوداني. من الطبيعي ان تتراجع ضرائب الدخل الشخصي بسبب انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة بشكل ملحوظ، فقد بات كثير من الأفراد غير قادرين على العمل في بيئة تفتقر إلى الاستقرار، كما تقلصت فرص التوظيف في القطاعاين العام والخاص.
اما الجانب الاهم فيكمن في تراجع انشطة مصادر الضريبة علي القيمة المضافة التي كانت تشكل أكثر من 70% من الإيرادات الضريبية، مستمدة أساسًا من قطاعات حيوية كالاتصالات، البترول، البنوك، التعدين، والمقاولات. ومع تضرر هذه القطاعات بشكل كبير نتيجة للحرب، حدثت فجوة كبيرة في الموازنة العامة.
من جانب اخر فان القطاع الصناعي تعرض لأضرار جسيمة نتيجة لتدمير البنية التحتية وانقطاع الإمدادات الأساسية كالوقود والكهرباء. أما القطاع التجاري، فقد تأثر بشدة بسبب انقطاع سلاسل التوريد، وتقلص القوة الشرائية للمستهلكين، وارتفاع تكاليف النقل والتشغيل.
نتيجة لما ذكرنا اعلاه لجأت السلطات إلى زيادة الرسوم الجمركية والتعريفات على التجارة الخارجية لتعويض نقص الإيرادات، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار السلع في الأسواق المحلية. كما تمت المغالاة في رفع رسوم الخدمات مثل ترخيص الأعمال والمركبات، أضاف ذلك عبئًا على أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، اضافة لرسوم الأوراق الثبوتية مثل استخراج الوثائق الأساسية كجوازات السفر والبطاقات الشخصية. لحق ذلك برسوم الجامعات التي شهدت زيادات كبيرة في الرسوم الدراسية ورسوم الامتحانات واستخراج الشهادات، مما أرهق الأسر ذات الدخل المحدود، حتي ان كثير من الخريجين لم يستطيعوا استخراج شهاداتهم.
وصلت تلك الاثار لقطاع الصحة بزيادات كبيرة في تكلفة العلاج والدواء نتيجة لانخفاض الدعم الحكومي وتقلص تغطية التأمين الصحي بشكل يقارب الاختفاء التام، كما ارتفعت أسعار تذاكر السفر، وقد جعل كل ذلك الحصول على الخدمات الأساسية تحديًا كبيرًا.
كل تلك العوامل ساهمت في زيادة العبء الضريبي غير المباشر على المواطنين، حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل كبير، مع انخفاض الدخل وارتفاع التضخم، أصبحت تكلفة المعيشة غير محتملة بالنسبة للكثيرين، مما دفع العديد من الأسر إلى الاعتماد على آليات التأقلم مثل تقليل النفقات أو البحث عن سبل الهجرة.
في الوقت الراهن من الصعب ايجاد حلول تخفف من تلك الاعباء نسبة لضيق الخيارات اما السلطات الحالية خاصة مع الضغط الرهيب الذي تشكله ضرورات تمويل الحرب، الا انه من الناحية النظرية يمكن ايراد بعض الجوانب التي تتخذ في هذه الحالات لمعالجة التشوهات ىفي تظام الايرادات العامة خاصة الايرادات الضريبية. من تلك الاجراءات، تحسين إدارة الإيرادات ومكافحة الفساد لتعزيز الشفافية والرقابة لضمان كفاءة تقدير وتحصيل وإنفاق الإيرادات العامة.
الجانب الثاني هو توسيع المظلة الضريبية بادخال العديد من الانشطة في القاعدة الضريبية ومن خلال التركيز علي دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة القطاع الزراعي وجذب اي استثمارات ممكنة لتوسيع مصادر الإيرادات الضريبية عبر تحسين عائدات الانتاج والقوة الشرائية.
من الصعب بالطبع الحديث عن دعم الخدمات الأساسية في الوضع الذي يمر به السودان، الا ان هذا من اهم الاجراءات الهادفة لتخفيف الاعباء علي المواطن والحد من تبعات الفقر، اذ من المعروف ان تقديم دعم مباشر للقطاعات الحيوية كالصحة والتعليم لتخفيف العبء على المواطنين، يعتبر من اهم الاجراءات الاجتماعية المصاحبة للجوانب الاقتصادية. من ضمن الاجراءات المهمة في هذا المجال إعادة هيكلة الرسوم ووضع رسوم عادلة ومناسبة حسب الدخل الحقيقي للمواطنين، مع التركيز على تحسين جودة الخدمات.
الاهم من كل ذلك هو تعزيز الإنتاج المحلي وتقديم حوافز للصناعات الصغيرة والمتوسطة لتحفيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، واقامة مجمعات زراعية - صناعية لانتاج القيم المضافة مصحوبة بدعم القطاع الزراعي لضمان الأمن الغذائي واستقرار الأسعار.
من الضروري الاشارة الي اهمية السعي للحصول على الدعم الخارجي من خلال المنظمات الدولية والمساعدات الإنسانية لتغطية جزء من الفجوة التمويلية ومستقبلا اقامة الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص الوطني والشراكات الخارجية بشكل وظيفي عبر حزم من سياسات الاستثمار.
اذا كان هناك اصدقاء حقيقيون لحكومة الامر الواقع، فيمكن الطلب منهم المساعدة في تحقيق مثل تلك الاجراءات لتخفيف اعباء المعيشة علي المواطن المكلوم، بدلا عن الاكتفاء بتوفير وقود ماكينة الخرب.
عموما ما ذكرناه يشبه تشخيص المرض ووصف الدواء الذي لا يتوفر بالمستشفيات او الصيدليات او ان المريض لا يستطيع شرائه، اذ ان حكومة الامر الواقع السودانية تعاني من أزمة مالية خانقة، إلا أن الحلول الاقتصادية القمعية عبر زيادة الضرائب والرسوم، غالبا ما تفاقم الأوضاع بدلاً من تحسينها. يتطلب الوضع الراهن تبني سياسات طواريء اقتصادية مبتكرة، تُخفف من الأعباء على المواطن وتحفزنوعا من (الاسترخاء الاقتصادي) وان كان هذا امرا صعب التحقيق، ويبقي الحل في ايقاف الحرب بشكل يلبي استدامة الاستقرار.

mnhassanb8@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: على المواطن العدید من

إقرأ أيضاً:

بسبب الحرب والنزوح.3 ملايين طفل في السودان مهددون بالمجاعة

قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس الجمعة، إن هناك توقعات بأن يعاني نحو 3.2 ملايين طفل دون الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام في السودان الذي تعصف به الحرب والمجاعة.

وقال دوجاريك في مؤتمر صحافي: "من بين هؤلاء، أكثر من 700 ألف سيعانون على الأرجح من سوء تغذية حاد شديد".
وتابع أن السودان يشهد أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، حيث أصبح 5 ملايين طفل بلا مأوى بسبب الأعمال العدائية. ويغادر معظم الأطفال منازلهم ومعهم فقط ملابسهم ويسيرون مع أمهاتهم لأيام، أحياناً لما يصل إلى 20 يوماً ليصلوا إلى مخيم، بحثاً عن الأمان والغذاء والمأوى.
وأضاف المتحدث "مع استمرار الصراع، لا تزال عائلات ومجتمعات عالقة في الوسط وفي مناطق يصعب الوصول إليها، تتحمل وطأة العنف والمعاناة. ومن المرجح أن يتفاقم العجز عن الوصول إلى الغذاء الكافي والخدمات الأساسية في تلك المناطق التي يصعب الوصول إليها داخل السودان، كما تتزايد خطورة الفقر والموت".

مقالات مشابهة

  • السودان.. هل تنجح الجهود الدولية في وقف الحرب بالبلاد؟
  • هل من حظوظ للمبادرة التركية؟
  • بسبب الحرب والنزوح.3 ملايين طفل في السودان مهددون بالمجاعة
  • التجاذبات السياسية توجه مستقبل اللاجئين السوريين في ألمانيا
  • الأمم المتحدة: بسبب الحرب في السودان هناك أطفال خارج المدرسة
  • روان أبو العينين تكشف التحديات التي تواجه إدارة «ترامب»
  • اليقظة لاستردادا عافية السودان
  • أمسية الاستقلال
  • اليات مكافحة المعلومات المضللة في الحرب الاهلية في السودان
  • راشد عبد الرحيم: لصوص الحروب