المخدرات في العراق الجديد… وجه آخر للخراب
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
آخر تحديث: 5 دجنبر 2024 - 12:26 مبقلم: سمير داود حنوش في البلدان المنتهكة سيادتها، تتحول المساحة الجغرافية للوطن إلى مختبر تجارب مُستباح. لا يتوقف حجم الخراب على مدى الضرر الذي تُحدثه جيوش القوة العسكرية الغازية، بل تتعدى وظائف ذلك الخراب إلى تدمير البنية التحتية للشخصية المُحتلّة، لتولد من بعدها فجائع اجتماعية تبقى آثارها محفورة في المجتمع لزمن بعيد.
في بلد كالعراق، وضمن إحدى آليات الهيمنة التي أثبتت نجاحاً في تحطيم البيئة الاجتماعية والنفسية للشعب العراقي، ظاهرة تفشي المخدرات التي بدأت تنتشر بين الأسر، بحيث أصبح الحصول على حفنة من المخدرات أسهل بكثير من الحصول على زجاجة كحول. ولنا أن نتخيّل حجم المصيبة. في كارثة معلوماتية، ورد في تقرير أشارت إليه الإحصائيات الدولية أن الكبتاغون والكريستال هما أكثر المخدرات تعاطياً في العراق. وحسب التقرير الذي نشرته الأمم المتحدة، فإن السلطات العراقية صادرت عام 2023 رقماً قياسياً بلغ 24 مليون قرص كبتاغون، تقدر قيمتها بين 84 و144 مليون دولار حسب سعر الجملة. وأشار التقرير أيضاً إلى أن مضبوطات هذه المادة زادت بنحو ستة أضعاف الكمية بين عامي 2023 و2024، لافتاً إلى أن المضبوطات في العام الماضي كانت أعلى بمقدار 55 مرة من المسجلة في 2019. خطورة هذه المواد المخدرة، كما تصفها التقارير الطبية العالمية، تتلخص بمادة الميثا أمفيتامين، وهي المادة الخام التي ينتج منها مخدر الكريستال الذي يؤثر في مستويات الدوبامين في المخ. وقد يؤدي التعاطي لفترات طويلة إلى الإصابة بالذهان والتلف الدماغي ومرض الشلل الرعاشي. كما يتعرض مدمنو هذا المخدر إلى خطر الإصابة بالغيبوبة والجلطات، ويؤدي تعاطي المرأة الحامل إلى إصابة الجنين بضرر يتمثل بالولادة المبكرة وتشوهات الأجنة. ويتعرض المتعاطون بالحقن لخطر الإصابة بفايروس الإيدز أيضاً. في فضيحة هزّت الأوساط التربوية، أعلن رئيس لجنة مكافحة المخدرات النيابية عن وجود هيئات تعليمية تبيع المخدرات للطلاب في المدارس وسط صمت الآخرين خشية الانتقام العشائري.كارثة هذه الفجيعة هي وصولها إلى حقائب الطلاب والطالبات وانتشارها بين المراهقين، واكتمال المصيبة حين تحاول الأسر العراقية التغطية على هذه الظاهرة خوفاً من الفضيحة. الحديث عن حجم المخدرات والترويج بهذا المستوى يعتبر أمراً مستحدثاً على العراقيين، خاصة وأنه لسنوات قريبة كان هذا البلد طريقاً لعبور تلك الممنوعات. بل كان قبل عام 2003 مجرد الحديث عن المخدرات جريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام.يميل البعض إلى تعليل انتشار ظاهرة المخدرات إلى عوامل داخلية منها ارتفاع نسب البطالة والفقر، لكن الحديث عن ذلك يمثل نصف الحقيقة. ذلك أن الأمر المخفي هو وجود مافيات تتغطّى بحصانة سياسية تروّج للمخدرات باعتبارها تجارة مربحة تدر الملايين من الدولارات. يكتنف الغموض تجارة المخدرات في العراق، فلا يزال الإعلام بعيداً عن الولوج في أسرارها والبحث عن أسبابها ومعالجتها. فمن الطبيعي أن نشاهد في برامج القنوات العراقية أحاديث عن حوارات سطحية أو هراء نقاشات جدلية أو برامج لتوزيع الهبات على الفقراء، وأخرى لإثارة النعرات الطائفية والخلافية التي تؤجج الشارع العراقي. لكنها تفتقر إلى وقفة جادة بوجه هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم لتصبح حديث ربّ الأسرة والمواطن العادي والجميع في المجتمع العراقي إلا سلطة المنطقة الخضراء وإعلامها في سُبات عميق. لا يُنكر أن لوزارة الداخلية العراقية بضباطها ومنتسبيها دوراً مشهوداً في مكافحة انتشار المخدرات. بل إن مواجهات ومصادمات عنيفة تنشب بين الحين والآخر بين تجار هذه البضاعة القاتلة والأجهزة الأمنية قد تنتهي نهايات مأساوية أو بخسائر في صفوف القوات الأمنية، مما يؤكد أن نفوذ الدولة العميقة ما زال يسيطر على تلك التجارة ويهيمن على عالمها.في قرار مفاجئ، أعلنت السلطات الحكومية عن قانون حظر استيراد المشروبات الكحولية ومنع تناولها في النوادي الاجتماعية، في خطوة يعتبرها البعض أنها ستكون مشجعاً لتناول المخدرات. عالم المخدرات في العراق تتشابك فيه السياسة مع الجريمة المنظمة، ويحتاج فك طلاسمها إلى نظام مؤسساتي قوي يستطيع السيطرة على منافذ الحدود وتوفير فرص عمل واستقرار اجتماعي واقتصادي، ووسائل الحياة المريحة التي تغري المتعاطين بالابتعاد عن هذه السموم. حينها يمكن الحديث عن مجتمع خالٍ من ظاهرة المخدرات.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: فی العراق الحدیث عن
إقرأ أيضاً: