قراءة في حديث د. عبد الحي يوسف
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
*خالد البلولة
التقيت بشاب آسيوي، فاستفسرته عن معلومة قراتها بلاده ،دون أن يسهب في الحديث، فأجاب قائلاً:(مافي معلوم) بمعني ماعندي فكرة ثم ذهب في حال سبيله، اعتقد أن هذا التصرف يعكس حرصًا ووعيًا بالحماية والوقاية، لأن "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، وفي رأيي، نحن السودانيين بحاجة ماسة إلى الوعي عند الحديث مع الآخرين عن القضايا السياسية أو الثقافية التي تخص بلادنا وتمس أمننا القومي، وإذا اضطررنا للحديث، يجب أن نلتزم بالمعلومات الصادرة عن الجهات المختصة في بلادنا، للأسف،نحن نميل إلى الثقة الزائدة بالآخرين والانفتاح في تعاملاتنا اليومية دون تروي،مما يجعلنا نغفل عن الحس الأمني في بعض الأحيان،هذا يؤدي إلى قلة يقظتنا في بعض المواقف، خاصة في أوقات الأزمات أو التحديات الكبرى، حيث نفتقر أحيانًا إلى الحساسية الأمنية العالية.
استمعت إلى حوار نظمه "مركز مقاربات للتنمية السياسية"،وهو مركز يُعنى بالتأهيل والتدريب والتثقيف، وفتح مساحات للحوار بين الناشطين في العمل السياسي وتطوير المشاريع السياسية الوطنية، وتمكين الطاقات الشابة وتطوير أدواتها المعرفية. يقع مقر المركز في إسطنبول بتركيا، مع الدكتور عبد الحي يوسف، الداعية المعروف والأستاذ الجامعي في جامعة الخرطوم. وقد أثار حديثه جدلًا واسعًا في الأوساط السودانية في وقت تمر فيه البلاد بحرب ضارية، في البداية،كنت أظن أن حديثه مجرد "ونسة" عابرة تم تسريبها للوسائط الحديثة دون علمه، ولكن بعد أن شاهدت الفيديو، تبين لي أنه كان حديثًا معدًا له، حيث بدا الدكتور عبد الحي مرتبًا واثقًا من معلوماته،وملمًا بالشأن السياسي السوداني منذ فترة الإنقاذ الوطني حتى ثورة ديسمبر،كما كانت هناك مداخلات من الحضور الذين بدوا جمهورًا نوعيًا منتقى بعناية. حيث جمع الدكتور عبد الحي في حواره مع مركز مقاربات بين معلومات متاحة للجميع ووجهات نظر اعتفد تبين مواقفه الشخصية من مما يحدث في الشان السياسي السوداني منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2019 رغم أنه تحدث بلسان الحركة الإسلامية عند بعض الاستفسارات ،ولا أدري ما الذي يقصده بـالحركة الإسلامية في حديثه:هل يقصد التيار الإسلامي العريض؟ أم يقصد أنصار السنة المحمدية ؟ أم الجماعات السلفية؟ أم المؤتمر الوطني المحلول بأمر السلطات السودانية منذ 2019؟ أم يقصد الإخوان المسلمين؟ فقد تشظت الحركة الاسلامية إلى عدة تيارات وحركات.فحديثه عن الحركة الاسلامية اربك المشهد السياسي السوداني مما جعل الحركة الاسلامية تنفي صلتهابه وأنه ليس عضوا فيها وحديثه يعبر عن قناعاته الشخصية.
وفي سياق حديثه، وصف الدكتور عبد الحي رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني بأنه "شخصية غير محترمة،ودعا للتعامل معه بناءً على ذلك،مبررًا رأيه بتردده في اتخاذ قرارات هامة رغم موافقته عليهامن قبل ثم التراجع عنها،ثم أضاف بانه :(رجل ما عنده دين) وهي عبارة تُستخدم في السودان مجازًا للتعبير عن شخص غير ملتزم بتعاليم الدين في سلوكياته اليومية، مثل الأمانة والصدق ،وعلى الرغم من أن هذا التعبير قد يختلف في تفسيره، أعتقد (وهذه قناعتي الشخصية) أن الدكتور عبد الحي لم يقصد بذلك أنه لا يؤمن بأي دين، بل ربما أراد الإشارة إلى أنه لايلتزم بالعهود والمواثيق التي يوقعها، فالرئيس البرهان هو شخص مسلم، ينطق بالشهادة ويصلي ويصوم، واعتقد يعني بذلك أنه لا يلتزم بتعهداته.
ورغم ذلك،نجد أن هذا التوصيف الذي أطلقه الدكتورعبد الحي على الرئيس البرهان، من زوايا متعددة،يُعد تطاولًا غير مقبول من داعية إسلامي و أستاذ جامعي،فوصفه بانه غير محترم وما عنده دين يعد تشهيرًا غير مبرر،خاصة إنه يتعلق بشخص يمثل رمز سيادة البلاد وقائد جيشها،من الناحية القانونية،يعتبر هذا نوعًا من القذف الذي يعرض قائله للمسؤولية القانونية ومن الناحية الشرعية، يجب أن يكون النقد بنّاءًومحترمًا و أن يتجنب التجريح أو الإهانة.واذا كان نقده النقد حول الاداء التنفيذي او السياسي لرئيس البلاد فلا حرج في ذلك ويعد من اساليب التقييم والتقويم لاداء المسؤولين في الدولة.
وفي المقابل وجه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان حديثا غاضبا ردا على تصريحات الدكتور عبد الحي يوسف قائلاً:"نطمئن الشعب السوداني بأن جميع القوات المساندة للجيش متوحدة على قلب رجل واحد،ومن يشكك في ذلك، ندعوه إلى أن يأتي إلى السودان ،وأضاف البرهان: هناك من قال إنه لا يوجد جيش، ونحن نقول له: اقعد في تلك البلاد الباردة ،نحن منتصرون رغم أنف أي شخص وربنا معنا وسينصرنا" وأكد البرهان أن الجيش هو جيش السودان، وأنه ملتزم بحماية الوطن والدفاع عنه مهما كانت التحديات).
أراد الرئيس البرهان بهذا الحديث أن يؤكد للجميع أن القوات المساندة للجيش متوحدة ومتفقه على هدف واحد هو القضاء على قوات الدعم السريع المتمردة لذلك يعملون في القوات المسلحة ككتلة واحدة، وهو رد على أي إشاعات أو شكوك حول تباين أو انقسام داخل القوات المسلحة.لم يشر البرهان من قريب او بعيد لحديث عبد الحي ووصفه له بانه( بلادين او غير محترم) ،كانه يؤكد أن الهم الذي يشغله هو تحرير البلاد من المرتزقة وليس انتصارا لنفسه.
ويُطرح سؤال ملح هنا: لماذا لم يترك الفريق عبد الفتاح البرهان الرد على تصريحات الدكتور عبد الحي يوسف لمستشاريه أو الناطق الرسمي باسم الحكومة أو حتى لوزير الشؤون الدينية؟ بدلاً من ذلك،اختار البرهان الرد بنفسه؟ لكن في تقديري،فإن رد البرهان يعكس قدرًا كبيرًا من الحزم والثقة بالنفس، فالرد من القائد قد يكون ناتجًا عن شعوره بضرورة الدفاع عن موقفه وسمعة الجيش الذي يقوده في وقت حساس، حيث أن الهجوم على الجيش السوداني قد يُعتبر هجومًا على البلاد وسيادتها.
(اعتقد) أن الحديث الذي ادلى به د.عصام احمد البشير العلامة والداعية هو الذي يمثل صوت الأغلبية الصامتة من أهلل السودان والذين اذاقتهم المليشيا المتمردة ابشع صنوف التعذيب والقتل والسحل والاغتصاب وخلاصته: (ان بلادنا تخوض حرب وجود تستهدف هويته وجغرافيته وموارده وقيمه اذا كان هناك واجب مؤجل و واجب معجل فان الواجب المعجل ان ينتظم الجميع مع الجيش والمستنفرين والمجاهدين حتى يردعوا هؤلاءالمتمردين ويردوهم على اعقابهم وبعد ذلك البلاد في الانتخابات العامة تقدم من تقدم وتؤخر من تؤخر ويحترم الناس الاختيار الشعبي العام لكن الان لابد من درء الفتنة التي تستاصل شافة السودان وتدمر موارده واضعاف جيشه)،مهم أن يتم تعزيز الوعي الأمني والنقد الموضوعي والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع السوداني لتقدم الوطن وحمايته من المخاطر التي تحدق به من كل جانب.
*صحفي وأكاديمي
khalidoof2016@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدکتور عبد الحی عبد الحی یوسف
إقرأ أيضاً:
أي الطرق نسلك؟
بقلم: د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا
يجتاحني إحساس بالإحباط يحيلني في تخبط كخبط العشواء مضرب المثل حتى يخيّل لي أنني لست فرداً في ذلك وإنما يشابهني الكثيرون من المتابعين لأخبار السودان. لقد صرت كحال فرقة (هارامبي) الشرق أفريقية في الستينات، التي كانت تجوب الدول الأفريقية التي كانت معظمها حديثة الإستقلال وتقدم عروضها الفنية من خلال شعارها (أي الطرق نسلك؟). حينذاك كان التجاذب الدولي محتدماً بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي ومعسكر عدم الإنحياز الذي ظهر بعد مؤتمر باندونق.
اليوم 11 أبريل 2025 ويمثل الذكرى السادسة لإنحياز قيادة الجيش السوداني لثورة ديسمبر المجيدة وأنهائها لحكم البشير والمؤتمر الوطني رغما عن أنها كانت اللجنة الأمنية للمؤتمر الوطني، وكنت كتبت في ذلك حينذاك في صفحتي في الفيسبوك أنه إذا صدقت اللجنة العسكرية – الأمنية في إنحيازها للثوار فإنها سوف تدخل التاريخ من إوسع أبوابه. لو كان حدث ذلك لكان وضع السودان الآن مختلفاُ جداً، بل وصار مضرباً للنجاخ يُحتذى به! الوضع الحالي في السودان يا سادتي كالآتي:
• في الشهر الماضي كانت زيارة وزير الخارجية السوداني إلى روسيا لمنحهم قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر في السودان من أجل حمايته كما كان قد فعل البشير في زمانه.
• في الشهر الماضي كان إنسحاب الدعم السريع من الخرطوم عن طريق سد جبل الأولياء وعبور النيل الأبيض لجهة الغرب. هل كان ذلك عودة لتنفيذ بنود محادثات جدة، رغماً عن تصريحات البرهان أن لا عودة للتفاوض ولا للتسوية؟
• قبل أسبوعين صرح وزير الخارجية الأمريكي أنه لا يمكن إيصال المساعدات للشعب السوداني إلا بعد وقف الحرب.
• قبل أسبوعين كانت زيارة البرهان للسعودية وإجتماعه في الرياض بمحمد بن سلمان ومحمد كاكا رئيس دولة تشاد.
• قبل أسبوعين وفي خطابه بمناسبة عيد الفطر المبارك ذكر البرهان أن لا تفاوض ولا مساومة مع الدعم السريع.
• قبل أسبوع كانت زيارة مبعوث البرهان إلى إسرائيل، ورشح ربما كان السبب توسط إسرائيل للسودان تجاه أمريكا.
• قبل أسبوع كانت زيارة الوفد السعودي للسودان ومقابلة البرهان في بورتسودان من أجل إغاثة الشعب السوداني وإعادة إعمار ما دمرته الحرب خاصة في مجال مطار الخرطوم والكهرباء والبنية التحتية.
• قبل أسبوع كانت زيارة وزير الخارجية المصري لنظيره السوداني من أجل مشروع إعمار السودان مقابل الذهب والثروة الحيوانية والمنتوجات الزراعية. أيضاً كان إتفاق وزير المالية السوداني مع مصر لتجميع وصهر العربات المحطمة في الخرطوم.
• قبل أسبوع دعت وزارة الخارجية البريطانية لمؤتمر في يوم 15 أبريل الجاري من أجل وقف الحرب وإغاثة وإعمار السودان ودعت له حتى الآن عشرين دولة فيهم 6 دول عربية، وقد إحتج السودان لعدم دعوته لهذا المؤتمر.
• أمس كان إجتماع وزير الخارجية السعودي مع وزير الخارجية الأمريكي وإتفاقهما على عودة محادثات جدة.
• أمس كانت شكوى السودان في محكمة الجنايات الدولية ضد دولة الأمارات العربية المتحدة بسبب التطهير العرقي الذي قام به الدعم السريع ضد المواطنين المساليت في دارفور.
• أمس كانت زيارة البرهان لأريتريا وإجتماعه مع أسياسي أفورقي.
• اليوم كانت زيارة البرهان لتركيا لحضور مؤتمر أنطاليا ومقابلة أردوغان، ربما لمعرفة كيفية الحفاظ على عودة المؤتمر الوطني للحكم.
• هذه الأيام توالت هجمات مسيرات الدعم السريع على سد مروي وعلى محولات الكهرباء وعلى دنقلا وعطبرة ومحطات كهرباء قرّي وكوستي،وسبق ذلك تحطيم محطة توليد كهرباء بحري الحرارية وتحطيم محطات المياه,
• هذه الأيام توالت هجمات الدعم السريع على مدينة الفاشر وتفاقمت المجاعة بين المواطنين، خاصة في معسكر كلمة.
• هذه الأيام تناقصت التكايا التي تقدم خدمات الطعام للمواطنين مجاناً بنسبة 70% وذلك لتناقص تبرعات المانحين.
أخيراً، أنا أدري أي الطرق نسلك، لكن العيب في المغيبين.
badayomar@yahoo.com