قانون التقاعد في العراق يعود إلى الواجهة
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
بغداد – في تطور جديد للأحداث، طفت مسألة سن التقاعد بوصفها واحدة من أبرز القضايا التي أثارت جدلاً واسعا، حيث يسعى مجلس النواب العراقي في دورته الانتخابية الحالية إلى إعادة النظر في قرار تخفيض سن التقاعد إلى 60 عاما، وطرح مقترح بإعادة سن التقاعد إلى 63 عاما كما كان عليه سابقا.
يأتي هذا المقترح في ظل تصاعد الأصوات المعارضة لقرار التخفيض، الذي ترى فيه تهديدا لاستقرار المؤسسات الحكومية وفقدانا للخبرات التي اكتسبها الموظفون على مدى سنوات طويلة من الخدمة خاصة في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم.
فبعد أن شهد العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2019 حراكا شعبيا واسعا حمل آمال الشباب في تغيير الواقع وتوفير فرص عمل لهم، جاء حينها قرار تخفيض سن التقاعد إلى 60 عاما في إطار سلسلة الإصلاحات التي طالب بها الشارع، إلا أن هذا القرار لم يلبث أن أثار جدلاً واسعا.
سد الفجوة بين الخبرات والشبابعضو اللجنة المالية بالبرلمان مصطفى الكرعاوي أكد أن التعديلات المقترحة على قانون التقاعد لن تستهدف عددا محددا من الموظفين، بل ستشمل جميع من بلغ سن الستين، موضحا أن هناك اقتراحا برفع سن التقاعد إلى 63 عاما، وهو أمر سيؤثر على شريحة واسعة من الموظفين.
وأشار الكرعاوي، في حديث للجزيرة نت، إلى أن القوى العاملة العراقية تعاني من شح في الخبرات، خاصة بعد توقف التعيينات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن العديد من الموظفين الذين وصلوا لسن التقاعد هم من الكفاءات التي اكتسبت خبرة واسعة خلال فترة عملها الطويلة، وبالتالي فإن التقاعد المبكر لهذه الفئة سيزيد من الفجوة بين الخبرات المتراكمة والشباب الذين يفتقرون إلى الخبرة العملية.
إعلانوبيّن أن هذا التعديل سيكون ذا فائدة لصندوق التقاعد، إذ إن تأجيل تقاعد العاملين سيعود بالنفع على الصندوق بالنظر إلى مساهماتهم.
من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، يرى الكرعاوي أن العراق بحاجة ماسة إلى الخبرات التي يمتلكها الموظفون الأكبر سنا، إذ يمكنهم نقل خبراتهم إلى الجيل الجديد من الموظفين. كما أن بقاءهم في الخدمة سيسهم في استقرار المؤسسات الحكومية.
أما بالنسبة للشباب، فيرى الكرعاوي أن الحل الأمثل لتوفير فرص عمل لهم يكمن في تنشيط القطاع الخاص، وليس الاعتماد على التعيينات الحكومية المستمرة، حتى يتم تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة.
حق الموظف وطموحات الشبابالخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش استبعد إمكانية تطبيق قرار زيادة سن التقاعد من 60 إلى 63 عاما، كما هو معمول به في العديد من الدول.
وأرجع حنتوش، في حديثه للجزيرة نت، هذا الاستبعاد إلى عدة عوامل متداخلة، مشيرا إلى أن استمرار الموظف القادر على العمل في وظيفته حق مشروع، إلا أن هذا الحق يصطدم بشكل مباشر بطموحات الشباب العراقيين الذين يسعون للحصول على فرص عمل، فالعراق يشهد سنويا ما يقرب من 500 ألف شاب يبحث عن عمل ما بين الخريجين وباقي الشرائح، مما يزيد من حدة البطالة بين الشباب.
وأشار إلى أن قرار خفض سن التقاعد إلى 60 عاما في السابق كان يهدف لتوفير فرص عمل جديدة للشباب بحيث تم توفير ما يقارب 200 ألف وظيفة، ولكن التجربة أثبتت عدم كفاءة هذا الإجراء في حل مشكلة البطالة بشكل جذري، مشيرا إلى أن العراق ما زال يعاني من عجز كبير في توفير فرص عمل، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والزراعة والسياحة.
وأكد جنتوش أن حل مشكلة البطالة لا يقتصر على رفع سن التقاعد، بل يتطلب جهودا متكاملة لتنشيط الاقتصاد وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، مشددا على أن العراق يمتلك إمكانات كبيرة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ولكن هذه الإمكانات تحتاج إلى استثمار حقيقي من خلال مكافحة الفساد وتطوير البنية التحتية ودعم القطاع الخاص.
إعلانورأى أن زيادة سن التقاعد قد تؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، خاصة وأن هناك التزاما أخلاقيا وقانونيا من الدولة بتوفير فرص عمل للشباب، مضيفا أن الموظف المتقاعد يحصل على راتب تقاعدي يضمن له عيشا كريما، في حين أن العاطل عن العمل لا يجد أي مصدر دخل.
واقترح حنتوش حلولاً مرنة لبعض الحالات الخاصة مثل الموظفين الذين لم يكملوا 15 عامًا من الخدمة من خلال تمديد مدة خدمتهم، أو منح الوزير الصلاحية لتمديد خدمة الموظفين الذين لا غنى عنهم لمدة عامين إضافيين، مشيرا إلى أنه "يحال سنويا ما بين 50 و60 ألف موظف على التقاعد، وإذا تم تعديل سن التقاعد فإنه ما بين 100 و150 ألف موظف سيستمرون في وظائفهم".
أكد الناشط المجتمعي علي الحبيب أن مسألة رفع سن التقاعد تتطلب دراسة متأنية للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وذلك لضمان تحقيق التوازن بين احتياجات الأجيال المختلفة.
وقال، في حديث للجزيرة نت، إن رفع سن التقاعد قد يؤدي إلى زيادة الضغط على فرص العمل المتاحة للشباب، مما يحد من اندماجهم في سوق العمل، ومن جهة أخرى، قد يسهم في زيادة الضغط على الموارد المالية للدولة، خاصة في ظل ارتفاع متوسط العمر المتوقع وتحسن الأوضاع الصحية التي قد تدفع الموظفين للبقاء في الخدمة لفترات أطول.
وأضاف الحبيب أن هناك بعض الاستثناءات التي قد تستدعي إبقاء بعض الموظفين في وظائفهم، مثل الأطباء والمهندسين ذوي الخبرة العالية والأكاديميين، نظرا لأهمية دورهم في دفع عجلة التنمية، مستدركا بالقول "ومع ذلك، يجب أن يكون ذلك ضمن إطار محدد ووفق آليات واضحة بحيث لا يتم على حساب حقوق الشباب في الحصول على فرص عمل".
ولفت إلى ضرورة وجود توازن بين السياسات التوظيفية وسن التقاعد من خلال اعتماد برامج تدريبية للشباب لتمكينهم من شغل الوظائف الشاغرة، وتحفيز الموظفين على الخروج إلى التقاعد المبكر عبر تقديم حوافز مالية ومعنوية.
إعلانواقترح الحبيب اعتماد آلية لتبادل الخبرات بين الموظفين المتقاعدين والشباب من أجل ضمان استمرارية المعرفة ونقلها إلى الأجيال القادمة.
وشدد الحبيب على أهمية التركيز على رفع سن التقاعد في التخصصات التي تعاني من نقص في الكفاءات، مثل التخصصات النادرة أو التي تتطلب خبرة عالية، بدلاً من تطبيق هذه السياسة بشكل عام على جميع الموظفين.
وحذر من أن "حرمان الشباب من فرص العمل نتيجة رفع سن التقاعد بشكل عشوائي أمرٌ غير مقبول، ويجب تجنبه قدر الإمكان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الموظفین الذین سن التقاعد إلى رفع سن التقاعد مشکلة البطالة مشیرا إلى أن من الموظفین على فرص فرص عمل
إقرأ أيضاً:
ترامب والأسواق وحسابات 401K.. قصة قلق أميركي متجدد
تُعد حسابات التقاعد المعروفة بـ401K واحدة من الركائز الأساسية لضمان الاستقرار المالي للمتقاعدين في الولايات المتحدة الأميركية. إذ يعتمد عليها حوالي 60 مليون أميركي في تأمين حياتهم بعد التقاعد.
وتصل القيمة الإجمالية لهذه الحسابات إلى نحو 7.3 تريليون دولار، وفقا لتقرير معهد الاستثمار الأميركي لعام 2024.
ويقوم هذا النظام على مساهمات الموظفين التي تُخصَّص من رواتبهم قبل فرض الضرائب، مع مساهمة أرباب العمل بنسب تختلف قيمتها باختلاف سياسات مؤسساتهم، الأمر الذي يزيد من قيمتها بمرور الوقت.
ويعتبر هذا النظام استثماريا بالدرجة الأولى، حيث تُستثمَر أمواله عادة في الأسهم والسندات والصناديق المشتركة، مما يربط مصير المدخرات المالية مباشرة بأداء الأسواق.
تاريخيا، كانت هذه الحسابات مكملة لأنظمة التقاعد التقليدية التي تقدم معاشات شهرية مضمونة.
لكن مع مرور الوقت، قل الاعتماد على التقاعد التقليدي لتواضع مبلغه الذي لم يعد يغطي متطلبات الحياة المتزايدة، وأصبحت حسابات 401K تشكل الجزء الأكبر من خطط التقاعد الفردية.
لكن هذا فرض تحديات كبيرة أمام ملايين الأميركيين، إذ أن مدخرات التقاعد باتت أكثر تعرضا لتقلبات الأسواق والظروف الاقتصادية والسياسية المتغيرة.
في تقرير لمجلة 401K Specialist عام 2024، تبين أن حوالي 46% من المتقاعدين الأميركيين قلقون من نفاد مدخراتهم التقاعدية، فيما قال 32% منهم إنهم بدؤوا ينفقون من مدخراتهم بشكل أسرع مما خططوا له، نتيجة ارتفاع التضخم وزيادة تكاليف الرعاية الصحية التي ارتفعت بنسبة 6.5% خلال العام نفسه وفقا لمكتب إحصاءات العمل الأميركي.
هذا التحدي المالي أضيفت إليه صعوبات أخرى ناتجة عن التقلبات الحادة في الأسواق.
فخلال السنوات الأخيرة، شهدت الأسواق الأميركية تقلبات كبيرة، خصوصا في ظل النزاعات التجارية والتعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما أدى إلى توترات تجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي وعدد من الشركاء التجاريين الآخرين.
وقد أدت هذه السياسات إلى تراجع حاد في الأسواق المالية وارتفاع مستوى عدم اليقين بين المستثمرين.
حسابات التقاعد 401K شهدت بالتالي تأثيرات كبيرة نتيجة للتقلبات الحادة في الأسواق المالية، والتي نجمت عن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في في 2 أبريل 2025.
ففي الأيام الثلاثة التالية لهذا الإعلان، انخفض مؤشر S&P 500 بأكثر من 10%، وهو ما انعكس سلبا على قيمة حسابات التقاعد المرتبطة بأداء السوق .
بالإضافة إلى ذلك، في 9 أبريل 2025، أعلن الرئيس ترامب عن تعليق مؤقت لمدة 90 يوما للتعريفات على معظم الدول، مما أدى إلى انتعاش كبير في الأسواق المالية حيث شهد مؤشر S&P 500 ارتفاعا بنسبة 5.6% في ذلك اليوم، وهو أحد أكبر المكاسب اليومية منذ الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، استمرت حالة عدم الاستقرار التي بدت واضحة في تراجع مؤشرات الأسواق الأميركية عند افتتاحها اليوم الموالي، خاصة مع استمرار النزاعات التجارية مع الصين، التي ردت بزيادة تعريفاتها على الواردات الأميركية، مما زاد من تقلبات الأسواق وأثر على مدخرات التقاعد.
وفقًا لتقرير نشرته Investopedia، فإن هذه التقلبات أثرت بشكل خاص على حوالي 4.1 مليون أميركي ممن بلغوا سن 65 هذا العام أو يقتربون من التقاعد.
فالانخفاضات في الأسواق قد تؤدي إلى تقليل قيمة مدخراتهم التقاعدية، مما يضطر البعض إلى إعادة تقييم خططهم المالية وربما تأجيل التقاعد أو تعديل نفقاتهم .
وقد برزت ضغوط شديدة من جانب الأميركيين، خاصة كبار السن، على المشرعين الجمهوريين الذين يدعمون عادة سياسات الرئيس ترامب التجارية.
فقد عبر كبار السن، الذين يشكلون قاعدة انتخابية مهمة للحزب الجمهوري، عن قلقهم المتزايد من استمرار التدهور في مدخراتهم، مطالبين المشرعين بالتدخل للحد من المخاطر التي تفرضها هذه السياسات الاقتصادية المتقلبة.
فتراجع قيمة حسابات التقاعد قد يؤثر على الدعم السياسي، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس أن غالبية الأميركيين، بمن فيهم عدد كبير من الجمهوريين، يرون أن سياسات ترامب الاقتصادية متقلبة للغاية، مما يزيد من الضغوط على المشرعين الجمهوريين للاستجابة لمخاوف ناخبيهم.
وفي محاولة لمعالجة هذه المخاوف، اقترح بعض أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم الجمهوري تشاك غراسلي والديمقراطية ماريا كانتويل، تشريعا يتطلب موافقة الكونغرس على أي تعريفات جديدة خلال 60 يوما من فرضها، بهدف إعادة سلطة فرض التعريفات إلى الكونغرس.
ومع ذلك، صرح زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون، بأن هذا التشريع يواجه صعوبات في التقدم بسبب احتمال استخدام الرئيس ترامب لحق النقض (الفيتو).
في ظل هذه الظروف، غزت مواقع البحث بنصائح الخبراء الماليين المستفيدين من هذا النوع من التقاعد، والتي تتمحور بشكل أساسي حول تجنب اتخاذ قرارات متسرعة بناء على تقلبات السوق قصيرة الأجل كتلك التي تحدث الآن، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يخططون للتقاعد قريبا.
الكاتب المالي المعروف توني روبنز، أكد أن أحد الأسباب الرئيسية لخسائر مدخرات التقاعد يكمن في نقص المعرفة المالية لدى الأميركيين، مشددا على ضرورة تعزيز الوعي المالي وتوفير التوجيه الاستثماري المهني لمساعدة المواطنين على إدارة حساباتهم التقاعدية بشكل أكثر استقرارا وأمانا.
وتشير بيانات حديثة إلى أن حوالي 62% من الأميركيين يملكون استثمارات مباشرة أو غير مباشرة في سوق الأسهم، ونحو 48% من الأصول المالية للأسر الأميركية مرتبطة بشكل مباشر بأداء البورصة، مما يعني أن أي تراجع حاد في الأسواق ينعكس مباشرة على مدخراتهم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها مصير حسابات التقاعد هذه وأهمية حمايتها وأصحابها من تقلبات الأسواق التي تخضع أحيانا لمزاجات سياسية متقلبة.
فقد بدأت منذ سنوات عديدة نقاشات تشريعية داخل الكونغرس لحماية هذه الحسابات.
وتم إقرار قوانين مثل SECURE Act عام 2019 وقانون SECURE 2.0 عام 2022، رفعت تدريجيا سن السحب الإلزامي من حسابات 401K إلى 73 عاما حاليا، وستصل إلى 75 عاما بحلول عام 2033، مما يمنح المتقاعدين فرصة أطول لتعويض أي خسائر ناتجة عن تقلبات السوق.
كما سهلت هذه القوانين دخول موظفي الشركات الصغيرة والعاملين بدوام جزئي إلى هذه الخطط، مما يعزز من الاستفادة من نظامي التقاعد التقليدي والخاص معا لضمان استقرار مالي أفضل للأميركيين عند بلوغهم سن التقاعد ما بين 62 و67 عاما.