172 عاما على المحرقة.. بلدية باريس تقر بجريمة فرنسا بالأغواط الجزائرية
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
باريس-الجزائر- دشنت مدينة باريس في شارع الأغواط بالدائرة 18، أمس الأربعاء، لوحة تذكارية وتوضيحية تخلد ذكرى المذبحة التي ارتكبت في مدينة الأغواط الجزائرية على يد الجيش الفرنسي عام 1852.
وقالت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو، في بيان الشهر الماضي، إن "هذا الشارع يحمل ذكرى سكان مدينة الأغواط الجزائرية حيث ذبح الجيش الاستعماري الفرنسي أكثر من ثلثي السكان".
وقبل 172 عاما، اقتحم جيش قوامه 6 آلاف جندي فرنسي مدججين بالسلاح هذه المدينة الواقعة جنوب الجزائر بعد أسابيع من الحصار، بقيادة الجنرالات بيليسييه ويوسف وبوسكارين.
ورغم المقاومة البطولية التي أبداها بضع مئات من الرجال المسلحين بأسلحة بدائية الصنع، تحت قيادة بن ناصر بن شهرة، كان مصير سكانها الذبح بالنار والحديد.
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، أوضحت بلدية باريس أن اختيار يوم الرابع من ديسمبر/كانون الأول يأتي لتزامنه مع تاريخ الهجوم الذي قام به الجيش الفرنسي على مدينة الأغواط في الجزائر عام 1852 وأودى بحياة ما يقرب من 2500 شخص.
وأكدت أن هذه اللوحة "مبادرة من بلدية باريس التي تتحدث باسمها وليس باسم الدولة الفرنسية، ومجلس العاصمة يعترف بمجزرة الأغواط كجريمة حرب ارتكبها الجيش الفرنسي. وبالتالي، تهدف هذه اللوحة التوضيحية إلى تمكين الباريسيين من فهم تاريخ الاستعمار الفرنسي في الجزائر بشكل أفضل".
وقد كتِب على اللوحة باللغة الفرنسية "في عام 1852، هاجم الجيش الفرنسي مدينة الأغواط الجزائرية، التي وقف سكانها ضد الغزو الإمبراطوري. تم ارتكاب هذه المذبحة الدموية لصالح المصالح الاستعمارية الفرنسية، التي أودت بحياة ثلثي سكان المدينة، وهي أقرب إلى جريمة حرب. هذا الشارع يحمل ذاكرة سكان الأغواط".
وبحضور مسؤولين فرنسيين وأفراد من الجالية الجزائرية، أشاد الناطق الرسمي باسم "لجنة الأغواط-فرنسا" بيير منسات بلفتة بلدية باريس، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "جريمة الحرب المرتكبة ضد سكان الأغواط لا يمكن محوها بلوحة تذكارية، لذلك يجب أن يستمر العمل من أجل اعتراف فرنسا بالعنف الاستعماري".
إعلانكما لفت منسات في خطابه إلى الرسالة المفتوحة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل استعادة مفتاح بوابة المدينة الذي سرقه جندي فرنسي وراية المقاتلين الجزائريين الحربية، مضيفا إلى أن هذه الرسالة تُركت دون رد حتى الآن.
مسكنات للذاكرةوفي هذا الإطار، اعتبر المختص في شؤون الذاكرة بين الجزائر وفرنسا بومدين بوزيد أن نص اللوحة التذكارية تفادى كلمة "الإبادة" في التوصيف، لأن "فرنسا الرسمية -كعادتهاـ تُقطر في اعترافها ومعالجة ذاكرتها المجروحة بمقاربة نفسية سياسية، في ظل انحسار نفوذها العسكري وخسارتها اللغوية والثقافية في مستعمراتها السابقة".
وأضاف بوزيد، في حديث للجزيرة نت، أن تسمية شوارع في باريس ومدن فرنسية أخرى بأسماء جزائرية والاعتراف الجزئي باغتيال بومنجل وأودان ونصب تذكار للأمير عبد القادر، وغيرها من المبادرات الرمزية، تعد "مسكنات علاجية للذاكرة أوصى بها المؤرخ بنجامين ستورا في تقريره الشهير إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون".
وأشار المتحدث إلى أن النصب التذكاري لـ"هولوكوست الأغواط" يأتي ضمن سلسلة علاجية مجزأة شرع فيها ماكرون منذ بداية عهدته الأولى عام 2017، في ظل توقف "اللجنة التاريخية الخماسية المشتركة" عن اجتماعاتها ومشاريعها وتزامنا مع تصاعد الانفصال الدبلوماسي بين البلدين.
ومع استمرار التعقيدات السياسية وهيمنة اليمين المتطرف في فرنسا، وصف المؤرخ بوزيد مبادرة عمدة باريس هيدالغو بـ"الخطوة الإيجابية نحو الاعتراف الكلي الذي قد يطول تحقيقه"، مشيرا إلى تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي أكد فيها على الطابع السيادي والشمولي والجذري لمسألة الذاكرة "وهو ما يخالف موقف فرنسا الانتقائي الذي يخدم مسعاها في مسمى الذاكرة المشتركة".
وفي تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أكدت المحامية والحقوقية الجزائرية فاطمة الزهراء بن براهم أن محرقة الأغواط "جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، اقترفها الاستعمار الفرنسي باستعمال الغاز الكيميائي الكلوروفورم"، مطالبة بإعادة كتابة تاريخ استعمال هذا السلاح الكيميائي في العالم كونه استخدم لأول مرة من طرف فرنسا الاستعمارية ضد سكان الأغواط.
وفي السياق، كشفت شهادات عسكريين فرنسيين ومؤرخين وحقوقيين أن ما وقع بمدينة الأغواط يمثل جريمة مروعة ضد الإنسانية ارتكبها الاستعمار الفرنسي لإبادة سكان المنطقة بالغازات الخانقة، بين 21 نوفمبر/تشرين الثاني والرابع من ديسمبر/كانون الأول 1852، بسبب الانتفاضة الشعبية.
إعلانونقلا عن شهادات محاربين فرنسيين، فإن الغزاة يرون أن المحرقة كانت جديرة لإثبات بأس فرنسا لكل قبائل الجنوب الجزائري المحاربة، وفق المؤرخ الجزائري الأزهر بوغمبوز.
وضمن مسار التوسع الاحتلالي للجزائر، لجأ الجنود الفرنسيون -بعد معارك ضارية في مناطق أخرى- إلى كل الوسائل المتاحة لديهم عند وصولهم إلى مدينة الأغواط، بما فيها المدفعية الجبلية والقصف العشوائي للمخابئ التي كان الأطفال والنساء يحتمون داخلها.
واستنادا إلى تحليل مراسلات وكتابات ضباط شاركوا في المجزرة، أكدت عدة مصادر على استخدام الأسلحة الكيميائية خلال هذا الهجوم أدت إلى تدمير الأعضاء الداخلية للإنسان وشله حتى الموت، وفق تنسيق كامل بين السلطات المركزية والقيادة العسكرية التي كانت موجودة في عين المكان.
وفي معركة غير متكافئة بين أصحاب الأرض والمستعمر، لقي ثلثي أهالي الأغواط حتفهم ـ2500 شهيد على الأقل- تكدست جثثهم فوق بعضها ورُميت في الآبار، بينما بقيت رائحة الموت متفشية لمدة طويلة في أرجاء المدينة وشاهدة على ما حدث.
وقد وصف بوغمبوز -صاحب كتاب "جرائم فرنسية في الجزائر بأعين فرنسية"- فظاعة هذه المجزرة بالقول إن "أسرابا من الغربان والعقبان حلقت فوق المدينة لمدة شهر كامل وبأعداد كبيرة كأنها فوق مدفن، لا يُعرف من أين أتت، رغم أنه لم يشاهَد طير منها قبل بداية المعركة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجیش الفرنسی بلدیة باریس
إقرأ أيضاً:
قمة للذكاء الاصطناعي تنطلق في باريس.. تناقش فرص هذه التكنولوجيا ومخاطرها
افتُتحت قمة باريس الدولية حول الذكاء الاصطناعي التي تجمع قادة سياسيين وفي مجال التكنولوجيا، الاثنين، على أن تستمر يومين وتتناول تنظيم هذه التكنولوجيا التي أحدثت ثورة سريعة في كثير من المجالات بينما تحاول كل دولة الإفادة منها.
وأكدت آن بوفيرو، المبعوثة الخاصة للرئاسة الفرنسية إلى القمة التي ترأسها الهند ممثلة برئيس وزرائها ناريندرا مودي، أنه "حان الوقت للانتقال من الخيال العلمي إلى العالم الحقيقي في ما يتعلق بتطبيق الذكاء الاصطناعي".
وأضافت في-في لي المتخصصة في مجال الكومبيوتر والباحثة في جامعة ستانفورد الأمريكية: "علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان بإمكاننا إنشاء ذكاء اصطناعي يكون قوة من أجل الصالح العام".
وسيشارك في هذه القمة الدولية الثالثة حول الذكاء الاصطناعي، حوالي 1500 شخص، بينهم نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس، ونائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ غوتشينغ، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين.
كما سيحضر قادة قطاع التكنولوجيا أمثال سام ألتمان من شركة "أوبن إيه آي"، مبتكر "تشات جي بي تي"، وسوندار بيتشاي، المدير التنفيذي لشركة "غوغل"، وداريو أمودي، رئيس شركة "أنثروبيك" الأمريكية الناشئة.
وسيناقش المجتمعون فرص هذه التكنولوجيا ومخاطرها من خلال طاولات مستديرة ستتطرق إلى "الهجمات الإلكترونية وسلامة المعلومات"، و"الذكاء الاصطناعي والعلوم" و"مستقبل العمل".
كما ستبحث الجهات الفاعلة الرئيسية في القطاع مسألة الإدارة العالمية للذكاء الاصطناعي، بهدف السيطرة على التجاوزات المحتملة له، بعد ظهوره على الساحة العامة منذ عامين من دون إعاقة تطوره.
"تقدّم أسرع وأقوى"
وأعلنت تسع دول، بما فيها فرنسا، وجمعيات وشركات، الأحد إطلاق مبادرة تسمى "الذكاء الاصطناعي الحالي" (Current AI) من أجل "ذكاء اصطناعي للمصلحة العامة" باستثمار أولي مقداره 400 مليون دولار وبرعاية 11 من رواد قطاع التكنولوجيا.
ويهدف هذا المشروع إلى تطوير إمكان الوصول إلى قواعد بيانات خاصة وعامة في مجالات مثل الصحة والتعليم، وتعزيز المزيد من الشفافية والأمان في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطوير أنظمة لتقييم الأثر الاجتماعي والبيئي لهذه التكنولوجيا.
وفي مواجهة ظهور روبوت التخاطب الصيني "ديبسيك" الذي أذهل وادي السيليكون في كانون الثاني/ يناير بقدرته على مجاراة المنافسة الأمريكية بكلفة أقل بكثير، والقوة الضاربة للولايات المتحدة بمشروع "ستارغيت" الذي تبلغ كلفته 500 مليار دولار، فإن التحدي الذي يواجه القمة هو أيضا إظهار أن "فرنسا وأوروبا تتمتعان بالمصداقية"، وفق ما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأحد.
وقال ماكرون: "نريد أن نتقدم بشكل أسرع وأقوى بكثير"، كاشفا عن استثمار 109 مليارات يورو في مجال الذكاء الاصطناعي في فرنسا من جانب شركات خاصة خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي حين أن تفاصيل هذا المبلغ سيتم تحديدها خلال القمة، إلا أنه يتضمن الكثير من التفاصيل التي أعلِنَ عنها في الأيام الأخيرة، بما في ذلك مركز بيانات عملاق تموّله الإمارات العربية المتحدة بقيمة "30 إلى 50 مليار يورو"، بالإضافة إلى 20 مليار يورو من صندوق "بروكفيلد" الكندي لمراكز بيانات جديدة في فرنسا.
وتُظهر هذه المبالغ الكبيرة أهمية المباني العملاقة التي تخزّن البيانات وتوفّر القدرة الحاسوبية الهائلة التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي. وقال سيلفان دورانتون، مدير وحدة التكنولوجيا في مجموعة "بي سي جي": "نحن في حاجة حقا إلى استثمار الكثير".
وشدّد أن "الأمر لا يتعلق بتدريب نماذج فحسب، بل بتدريب أشخاص وإنشاء مراكز أبحاث وبناء بنية تحتية".
ومن بين الإعلانات الأخرى المتوقعة، إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين عن حوالى عشرة حواسيب عملاقة واسعة النطاق مخصصة للأبحاث العامة أو مفتوحة للشركات الأوروبية الناشئة.
وهذه الحواسيب الفائقة القوة ضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتشغيلها.
وتُعقد، الثلاثاء، جلسة عامة يشارك فيها رؤساء دول من حوالي مئة دولة.
في نهاية هذا الاجتماع، تهدف فرنسا إلى أن يقدّم عدد كبير من اللاعبين التزامات في مجال الذكاء الاصطناعي المستدام والصديق للبيئة، لكن من دون أي إطار عمل ملزم.