اعتراف ترامب بصوماليلاند وأثره على القرن الأفريقي وحرب السودان

 فؤاد عثمان عبدالرحمن

تعتبر منطقة القرن الأفريقي إحدى أكثر المناطق تعقيدًا في العالم من حيث التفاعلات الجيوسياسية، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية مع الديناميكيات السياسية الداخلية.

وعلى الرغم من التحديات المستمرة في هذه المنطقة، فإن عام 2024 شهد تطورات كبيرة قد يكون لها تأثير عميق على التوازنات الإقليمية، خاصة في سياق الحرب الدائرة في السودان.

إحدى هذه التطورات التي قد تعيد أو تعزز تشكيل الواقع الاقليمي، هي احتمال اعتراف الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بصوماليلاند كدولة مستقلة. وفقًا لما ذكره وزير الدفاع البريطاني السابق، السير  جافين ويليامسون في افادة لصحيفة اندبدنت النسخة الإنجليزية – وهو من الشخصيات المقربة لترامب وطاقم حملته الانتخابية – فإن الرئيس ترامب قد يقرر قريبًا الاعتراف رسميًا بدولة صوماليلاند. المنطقة التي تتمتع بموقع استراتيجي على البحر الأحمر، تعتبر فعليًا مستقلة عن الصومال منذ عام 1991، لكن لم تعترف بها سوى إثيوبيا. كانت إدارة ترامب السابقة قد اقتربت من الاعتراف بها، ومن المتوقع أن يواصل ترامب دعم هذا التوجه بعد توليه منصبه، وفقا ل جافين ويليامسون.

التفاعلات الجيوسياسية: إثيوبيا وصوماليلاند مقابل مصر، إريتريا والصومال:

 

بدأت الحكاية عندما وصف آبي احمد في 2023 الموقع الجغرافي غير الساحلي لاثيوبيا بأنه خطأ تاريخي يجب تصحيحه ويفضل أن يكون ذلك من خلال المفاوضات، ولكن أيضا بالقوة إذا لزم الأمر.

ذلك الوصف والتصريح زاد من حدة التوترات مع الدول المجاورة، في بداية عام 2024، وقعت إثيوبيا وصوماليلاند اتفاقية تتيح لإثيوبيا استخدام 20 كيلومترًا من الأراضي على ساحل البحر الأحمر، مقابل دعمها لاعتراف المجتمع الدولي بصوماليلاند كدولة مستقلة. يُعتبر هذا الاتفاق خطوة استراتيجية لإثيوبيا في تعزيز أمنها البحري، حيث كان حلمها دائمًا تأمين منافذ بحرية بعد أن كانت دولة غير ساحلية. هذه التحركات، رغم كونها مفهومة من منظور إثيوبي، زادت من حدة التوترات مع دول الجوار، خصوصًا الصومال، التي تعتبر أي محاولة للاعتراف بصوماليلاند تهديدًا لوحدتها الوطنية. اذ صرح الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في 30 سبتمبر 2024 لصحيفة ايكونومست بأن الجميع قلقون من سلوك القيادة الاثيوبية الذي لا يمكن التنبؤ به، ووصف آبي احمد بالرجل الشرير في المنطقة.

سبق قول حسن شيخ محمود رد  فعل حاد، حيث وقعت الحكومة الصومالية في أغسطس 2024 اتفاقية ثلاثية مع كل من مصر وإريتريا. هذا التحالف يُعتبر بمثابة رد فعل مباشر على اتفاقية الموانئ بين إثيوبيا وصوماليلاند، وقبله طالبت الصومال اثيوبيا بسحب قواتها من البعثة الاممية لحفظ السلام من اراضيها لتوقع معاهدة دفاع مشترك مع مصر غريمة اثيوبيا، لنشر قوات ومعدات مصرية بديلة للاثيوبية، لترد الجارة اثيوبيا بلهجة حادةأيضا بان تلك التحركات الثنائية والثلاثية تقوض استقرار المنطقة .

التوسع الإثيوبي وعلاقاته مع إريتريا والسودان:

إريتريا، التي كانت في صراع طويل مع إثيوبيا، ترى في التحالف الثلاثي بين مصر والصومال تعزيزا لمصالحها. أي توسع لإثيوبيا في البحر الأحمر أو في مناطق استراتيجية أخرى يعتبر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. ومن خلال تحالفها مع مصر والصومال، تحاول إريتريا استغلال هذه التوترات لتدعيم موقفها في المنطقة. كما أن تعليق رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى إريتريا مؤخراً يعكس تصاعد التوترات بين البلدين.

مع توقيع الحلف الثلاثي بين مصر والصومال وإريتريا، وجدت إثيوبيا نفسها في عزلة متزايدة، حيث يبدو أن موقفها في القرن الأفريقي قد أصبح أكثر تعقيدًا بعد اتفاقيات تحالفية تضم خصومًا تقليديين مثل إريتريا ومصر. في هذا السياق، يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا محوريًا في التأثير على مواقف هذه الدول في حال قررت إدارة ترامب الاعتراف بصوماليلاند كدولة مستقلة.

السودان والحرب الحالية: أثر التحولات الجيوسياسية:

إن الحرب الحالية في السودان أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، حيث تتباين التحالفات بين القوى المختلفة في القرن الأفريقي.

في تحليلها للأحداث الجيوسياسية في القرن الأفريقي، أشارت صحيفة الإيكونومست البريطانية إلى أن هذه التحولات تُرسخ تقسيم القرن الأفريقي إلى كتلتين جيوسياسيتين. من جانب، هناك تحالف بين مصر وإريتريا والصومال الذي يتمتع بعلاقات قوية مع السعودية وتركيا، والتي تدعم الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع. من جانب آخر، توجد إثيوبيا وصوماليلاند، اللتان تحظيان بدعم إماراتي، إضافة إلى بعض القوى المحلية في الصومال وقوات الدعم السريع.

الاعتراف الأمريكي بصوماليلاند: إعادة تشكيل التحالفات:

إذا قرر الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الاعتراف بصوماليلاند كدولة مستقلة، سيكون لذلك آثار كبيرة على التوازنات الإقليمية في القرن الأفريقي. يُمكن أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تعزيز موقف صوماليلاند في الساحة الدولية، ويضع مزيدًا من الضغط على إثيوبيا التي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة. من ناحية أخرى، قد يجد التحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال نفسه في وضع أقوى في مواجهة القوى التي تدعم التوسع الإثيوبي، خصوصًا إذا ساعد الاعتراف الأمريكي في تقويض عزلتها الإقليمية.

تفسر الصحيفة أن هذا التوزيع الجديد للقوى يعكس تغيرًا كبيرًا في تحالفات المنطقة، حيث يتم تعزيز الدور الإقليمي للدول التي تتبنى مواقف معارضة للتوسع الإثيوبي، مثل مصر وإريتريا. في الوقت نفسه، تؤكد الإيكونومست أن هذه التحولات قد تكون بمثابة فرصة لإثيوبيا لتعزيز نفوذها إذا تمكنت من تجاوز العزلة التي قد تنشأ عن الاعتراف بصوماليلاند.

الخلاصة:

إن الاعتراف الأمريكي المحتمل بصوماليلاند يشكل نقطة تحول في التوازنات الجيوسياسية للقرن الأفريقي. في حين يعزز هذا الاعتراف موقف صوماليلاند ويزيد من تعقيد الوضع في الصومال، فإنه قد يساهم أيضًا في تقوية التحالف بين مصر وإريتريا والصومال في مواجهة توسع النفوذ الإثيوبي. بالنظر إلى الحرب في السودان، ستؤدي هذه التحولات إلى زيادة تعقيد الصراع، حيث تتوزع القوى الإقليمية بين داعمة للجيش السوداني وضد قوات الدعم السريع.

يبدو أن القرارات القادمة، سواء على المستوى الأمريكي أو الإقليمي، ستسهم في تشكيل خريطة جديدة من التحالفات في القرن الأفريقي، مما سيكون له انعكاسات مباشرة على استقرار المنطقة، كما أشارت صحيفة “الإيكونومست” في تحليلها الأخير.

 

الوسومالصومال ترامب حرب السودان صوماليلاند

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الصومال ترامب حرب السودان صوماليلاند

إقرأ أيضاً:

بنك السودان: تأجيل استلام الفئات النقدية المسحوبة بالولايات التي لم يشملها التداول يمكنها استخدام فئتي الـ500 – 1000 جنيه لحين استبدالها لاحقاً

طمأن بنك السودان المركزي، المواطنين في الولايات غير المشمولة حالياً بعمليات الاستبدال بأنه يضع احتياجاتهم وظروفهم بعين الاعتبار، وملتزمٌ بضمان أن يتمكن جميع المواطنين، دون استثناءٍ من استبدال عملاتهم بالشكل الذي يحفظ حقوقهم ومدخراتهم.
وأكد البنك المركزي في بيانٍ، اليوم الاثنين، أن تأجيل استلام الفئات المسحوبة من التداول بواسطة فروع المصارف بالولايات غير المشمولة بالاستبدال حالياً، يُعد إجراءً تنظيمياً استثنائياً لضمان تنفيذ خطة استبدال العملة بشكل مُحكم وبما يضمن حفظ حقوق جميع المواطنين.
ولفت لسريان الفئتين 500 – 1000 جنيه واعتبارها مبرئة للذمة لحين إجراء الاستبدال بهذه الولايات في وقتٍ لاحقٍ.
وأشار البنك إلى أن التحديات التي تواجهها بعض المناطق لا تعني بأي حال إهمال حقوق المواطنين فيها، وأكد التزامه بتطبيق الخطة الموضوعة للاستبدال بما يضمن شمولية العملية وعدالتها.
وأوضح تنفيذ خُطط استبدال العُملة وفقاً لجدول زمني دقيق ومدروس، يأخذ في الاعتبار الأوضاع الميدانية واللوجستية لضمان نجاح العملية وفعاليتها.
وجدّد، تأكيده على الإعلان عن أيِّ خطوات إضافية بشكلٍ رسمي من خلال القنوات الرسمية، وإصدار التّـوجيهات اللازمة لتسهيل الإجراءات على المواطنين.
وحثّ بنك السودان المركزي، المُواطنين على الالتزام بالموجهات والتوجيهات الصادرة منه فقط، وتجنب الاعتماد على المصادر غير الرسمية.

صحيفة السوداني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مركز أبحاث أمريكي: ما التحديات التي ستواجه ترامب في اليمن وما الذي ينبغي فعله إزاء الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • جبل الشيخ وحرمون.. بوابة جبلية تطل على حدود 4 دول
  • ترامب المسكون بوهم العظمة
  • هيئة علماء السودان بالشمالية تحرك قوافل دعوية للمناطق التي تم تطهيرها من المليشيا
  • إسرائيل تعتدي على سوريا.. ما هي «المنطقة المعقمة »التي تسعى إلى إنشائها؟
  • 6 أسئلة حول الجولان السوري والمنطقة العازلة التي احتلتها إسرائيل
  • الاقتصاد.. السياسة.. وحرب العقول
  • الصومال: إثيوبيا ترسل طائرتين محملتين بالأسلحة إلى منطقة كيسمايو
  • بنك السودان: تأجيل استلام الفئات النقدية المسحوبة بالولايات التي لم يشملها التداول يمكنها استخدام فئتي الـ500 – 1000 جنيه لحين استبدالها لاحقاً
  • التغيير في سوريا وأثره على السودان