هو لبنان أمام امتحان تاريخي، بعد أخطر حرب أُخذ إليها عنوة، سفكت دماء اللبنانيين ودمرت عمرانهم وفرضت تهجيراً جماعياً سيكون طويل الأمد لعشرات ألوف الأسر، بعدما أزال العدو بلدات حدودية من الوجود حارماً أهلها من سقفٍ يأويهم.
وبدورهم، كل اللبنانيين، الذين يستحقون حياة آمنة ومستقرة، أمام امتحان تاريخي لاستعادة دولتهم المخطوفة واستعادة قرارها وبسط السيادة، استناداً إلى قرار وقف إطلاق النار المعلن بدءاً من 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي رغم الخروق الإسرائيلية.وهو قرار أكد «وقف الأعمال العدائية... وتعزيز الترتيبات الأمنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701»، لـ«وضع حدٍ مستدام للتصعيد» وخلق «ظروف حلٍ دائم وشامل».
القرار الذي فاوض بشأنه الرئيس الدائم للبرلمان نبيه بري وأقرّه نيابة عن «حزب الله»، نصّت مقدمته على «نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان»، وحدّد بدقة الجهات الشرعية المسموح لها حمل السلاح، وأعلن عن تفكيك البِنى العسكرية بدءاً من جنوب الليطاني فكل لبنان. إنه قرار يدخِل البلد زمن وداع السلاح اللاشرعي، من خلال وضع لبنان عملياً تحت «الفصل السابع» مع تدويل آلية تنفيذ القرار الدولي 1701، بوضعها بين يدي «السنتكوم»: القيادة الوسطى الأميركية. يتم ذلك بعد عقود كان المواطن هو الضحية منذ «ثورة» الـ1958، ثم زمن «فتح لاند» والحرب الأهلية، ووقوع لبنان تحت احتلالين إسرائيلي وسوري، فهيمنة إيرانية من خلال «حزب الله»، أبرز المكونات الخارجية في استراتيجية الدفاع عن النظام الإيراني!
الوضع الجديد لا يقبل التذاكي. تثبيت وقف النار ينبغي أن يتقدم ما عداه من أولويات، والخروق الخطيرة التي تؤكد أن شهية العدو مفتوحة على القتل والتدمير، تفترض تنفيذاً لبنانياً صارماً للقرار 1701، بوصفه بوليصة تأمين استعادة الدولة التي تحمي الجميع باستعادتها الاستقرار لتبدأ رحلة قيامة لبنان، بِطَي أزمنة الشغور والفراغ وتفتيت البلد. وكذلك وقف عجلة زمن فتاوى لا دستورية لممارسة الحكم بالبدع؛ ما جعل القرار رهن «ثلث معطل» غطى تحوُّل «الحزب» قوة جوالة عابرة للحدود وصولاً إلى الحرب الراهنة.
ولا يقبل الوضع الجديد أي تشاطر من جانب «حزب الله» وستُنبذ أي محاولة للحفاظ على الحالة الميليشياوية أياً تكن الذرائع. لقد سقطت سردية «نحمي ونبني» التي حمّلت لبنان ما يفوق قدرته. السلاح خارج الشرعية لم يحم أصحابه وتسبب بتدمير البنيان وخسائر هائلة. وبعد الأرواح التي زُهقت، هناك خسائر لا تقدر قيمتها تعود لذكريات الناس وأمكنة وحَوارٍ وبيوت وسبل عيش تم القضاء عليها. وهدنة الـ60 يوماً هي فرصة مراجعة جدية مطلوبة من جانب «الحزب» لأداءيه السياسي والعسكري، ولكي يتخذ بنفسه القرار الذي يطالبه به الناس وهو التخلي عن السلاح. والمراجعة مطلوبة من جانب بقايا السلطة، كما الطبقة السياسية، فالكل بنسب مختلفة تشارك في تغطية اختطاف الدولة وتقديم البلد لقمة سائغة للعدو!
مع الانفجار الخطير للوضع في شمال سوريا وما يمكن أن يتسبب به لبنانياً، ورغم الويلات التي أُنزلت بالبلد، وعدم إنصات الممسكين بالمقدرات إلى أنين الموجوعين والمتضررين وهم أكثرية ساحقة، فإن قرار تأخير دعوة البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية إلى 9 يناير (كانون الثاني)، الذي مرّ دون اعتراض، مقلق لجهة خطورة المضي بنهجٍ سداه ولحمته في حدّه الأدنى، رئيس تتحاصصه القوى الطائفية، لتعيد تكوين السلطة على مقاس مصالح المسؤولين عن زمن النهب المنظم الذي أفقر البلد وأهله، وصادر العدالة وأذلّ الناس. وبحده الأعلى يحمل رغبة «الثنائي المذهبي» تمرير رئيس بشروط «حزب الله» ليستعيد (الحزب) المبادرة فيستمر تحكمه بالداخل اللبناني. بهذا السياق، مريب جداً عدم مصارحة للبنانيين بشأن مضمون الاتفاق، وغير مقبول أن يشي الحديث الرسمي عن الاتفاق بحصر الأمر بجنوب الليطاني... نفتح مزدوجين لنشير إلى أن العائدين وجدوا أنفسهم أمام رماد القرى وتحت ضغط العدو لتكريس الاقتلاع والتهجير نتيجة تغييب أولوية العودة!
في وقت تَحصر الآلية التنفيذية للقرار الدولي المسؤولية بالحكومة اللبنانية، فإن لبنان من دون حكومة اليوم، ولا يمكن لها أن تقوم إلاّ غداة انتخاب رئيس للبلاد؛ ما قد يؤثر سلباً على قرارات ضرورية ينبغي اتخاذها وبينها التغطية السياسية الكاملة للجيش المنوط به العبء الأكبر لاستعادة الاستقرار والسلم والأمان.
إنه وضع جديد لم يعرفه لبنان في تاريخه، يحمل فرصة استعادة الجمهورية وبسط السيادة دون شريك. وضع يستحق فيه لبنان رئيساً من «قماشة» مختلفة، يعرف حجم الوجع المقيم ومسبباته، ويمتلك رؤية إصلاحية تمكّنه من المساهمة في قيام حكومة كفاءات من خارج نظام المحاصصة وملوثاته، تستعيد ثقة الداخل واحترام الخارج، ليكون ممكناً حلول زمن الحل الدائم، وإعادة بناء المؤسسات وفق قواعد عقلانية تسرع من إمكانية وضع البلد على سكة التعافي انطلاقاً من محاسبة شفافة ومساءلة لا يجوز إهمالهما. وحتى يكون ذلك متاحاً، إنه زمن استعادة المواطن اللبناني لدوره لاعباً سياسياً، يبلور يقظة شعبية ضاغطة ليكون بالإمكان الذهاب إلى إعادة تكوين سلطة حقيقية على قاعدة انتخابات نيابية مبكرة، تضمن صحة التمثيل، بعد كارثة البرلمان الحالي الذي امتنع طيلة 14 شهراً عن مجرد مناقشة للحرب التي دمرت لبنان.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله عيد الاتحاد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل حزب الله
إقرأ أيضاً:
تقرير غربي: هل تصبح جماعة الحوثي الوكيل التالي لإيراني الذي سيسقط بعد نظام الأسد؟ (ترجمة خاصة)
رجح تقرير غربي سقوط جماعة الحوثي الوكيل الإيراني التالي بعد سقوط نظام بشار الأسد أحد أذرع إيران في المنطقة.
وقال "المجلس الأطلسي" في تقرير ترجم ابرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" إن سقوط نظام الأسد بعد أقل من أسبوعين من الهجوم المنسق من قبل مجموعة واسعة من جماعات المعارضة، وبسرعة مذهلة، أدى إلى تغيير الخريطة وتوازن القوى في الشرق الأوسط وخارجه.
وأضاف "لقد انتهت المعاناة الطويلة للشعب السوري في ظل نظام وحشي قتل وعذب وحرم ونفى الملايين من شعبه. كما انتهى المشروع الإيراني المهيمن في سوريا، ومعه المكانة المتميزة لحزب الله".
ونقل المجلس عن إميلي ميليكين هي المديرة المساعدة للإعلام والاتصالات والباحث في شؤون الشرق الأوسط قولها إن "سقوط نظام الأسد يزيل عقدة رئيسية أخرى في شبكة حلفاء إيران ووكلائها، مما يجعل المتمردين الحوثيين في اليمن حليفًا لا غنى عنه".
وأضافت "لقد تولى الحوثيون في اليمن وزعيمهم عبد الملك الحوثي دورًا أكثر بروزًا داخل محور المقاومة الإيراني بعد خسارة قادة رئيسيين داخل حماس وحزب الله مثل يحيى السنوار وحسن نصر الله.
وترى أن خسارة نظام الأسد من شأنها أن تضغط على وجود إيران ونفوذها في سوريا، مما يعني أن طهران قد تضاعف دعمها للحوثيين - الذين استمروا في ادعاء الهجمات على إسرائيل وحركة المرور البحري الدولية في الأسابيع الأخيرة - كوسيلة للحفاظ على النفوذ في المنطقة".
وذكرت أن قدرة النظام على تزويد الحوثيين بالموارد - بما في ذلك شحنات الأسلحة - قد تتأثر بسبب الاضطرابات المحتملة في طرق الإمداد الإيرانية التي تمر عبر سوريا وكذلك العراق ولبنان.
وقالت ميليكين "في الوقت نفسه، قد تستلهم القوات الحكومية اليمنية وحلفاؤها في المنطقة نجاح المعارضة السورية في الإطاحة بنظام الأسد، فتقوم بجهود جديدة لطرد الحوثيين عسكريا من اليمن، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة إشعال الحرب بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الهدوء النسبي في البلاد.