صراع على القارة السمراء| جو بايدن بأنجولا.. زيارة في الوقت الضائع!.. حوار البيت الأبيض مع أفريقيا تأخر كثيرًا دون أي تقدم بالقضايا الحاسمة
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
انتهت أمس الأربعاء، زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنجولا التى بدأها الإثنين، وهى رحلة تم تأجيلها عدة مرات، ويمثل هذا الحدث، المشحون استراتيجيًا ورمزيًا، أول زيارة يقوم بها رئيس أمريكي إلى أفريقيا منذ زيارة باراك أوباما فى عام ٢٠١٥، مع فارق كبير يتمثل فى أن أوباما زار القارة فى أوج رئاسته فيما يزورها بايدن وهو يودع البيت الأبيض، مما يثير العديد من الأسئلة قبل بداية ولاية دونالد ترامب الذي لم يزر القارة نهائيًا.
جاءت هذه الزيارة فى الوقت الذى اتسمت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا بوعود كبيرة لم يتم الوفاء بها منذ عهد أوباما، مما يكشف عن أوجه القصور الهيكلية فى السياسة الأمريكية فى القارة.
ممر لوبيتوتمثل زيارة جو بايدن لأنجولا فى الواقع جزءًا من إطار مزدوج: من ناحية احترام الوعد الذى قطعه لرؤساء الدول الأفريقية خلال قمة واشنطن فى ديسمبر ٢٠٢٢، حيث التزم بزيارة القارة قبل نهاية ولايته؛ ومن ناحية أخرى، الاعتراف بالأهمية الاستراتيجية لأنجولا، على الصعيدين القارى والدولي. فليس بالأمر الهين بأى حال من الأحوال اختيار هذا البلد الناطق بالبرتغالية، الواقع فى جنوب أفريقيا، والذى يبلغ عدد سكانه ٣٧ مليون نسمة، والذى حصل على استقلاله عن البرتغال عام ١٩٧٥، بعد كفاح طويل خاضته حركات التحرير.
لقد أصبحت أنجولا الغنية بالنفط والغاز (أكثر من ٩٠٪ من الصادرات و٤٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي) نقطة ساخنة للمبادرات الجيوسياسية الأمريكية فى القارة. وجاءت زيارة الرئيس الأمريكى فى إطار تطوير "ممر لوبيتو"، وهو مشروع للسكك الحديدية تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويهدف هذا المشروع الضخم إلى ربط ميناء لوبيتو بجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع امتداده إلى زامبيا، لتسهيل تسليم المواد الخام الاستراتيجية مثل النحاس والكوبالت، الضرورية لانتقال الطاقة العالمية. وأثناء استقبال الرئيس الأنجولى جواو لورينسو فى واشنطن نهاية عام ٢٠٢٣، وصف بايدن هذا المشروع بأنه "أكبر استثمار أمريكى فى السكك الحديدية الأفريقية". وترمز هذه البنية التحتية، وهى بديل لمبادرة طرق الحرير الجديدة الصينية، إلى رغبة واشنطن فى توفير طريق آخر للدول الأفريقية.
دوافع جيوسياسيةكما ذهب بايدن إلى أنجولا أيضًا لدوافع جيوسياسية، فقد كثفت الحكومة الأنجولية، بقيادة الرئيس جواو لورينسو، جهودها للحفاظ على السلام فى هذه المنطقة الهشة، سعيًا للحد من تأثير العنف عبر الحدود وحركات التمرد الداخلية التى تؤثر على البلدان المجاورة، وخاصة جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا. تتمتع أنجولا ببعض الشرعية والسلطة للعب دور الوساطة بسبب تاريخها فى المصالحة الوطنية بعد عقود من الحرب الأهلية (من عام ١٩٧٥ إلى عام ٢٠٠٢).
التواجد الصينيومن الواضح أن واشنطن تسعى إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع هذا البلد مع تزايد نفوذ الصين وروسيا هناك فى السنوات الأخيرة. وتعد بكين، التى استثمرت بكثافة فى قطاعات البناء والبنية التحتية والطاقة، الشريك التجارى الرئيسى لأنجولا. وفى المقابل، استفادت البلاد من القروض الصينية لبناء الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، فضلًا عن تحديث قطاع الطاقة. وغالبًا ما يتم تمويل المشاريع من خلال قروض منخفضة الفائدة أو صفقات تمويل مضمونة بموارد أنجولا الطبيعية (مثل النفط)، الأمر الذى أدى إلى تعميق مديونية البلاد للصين (التى تصل قيمتها إلى ١٧ مليار دولار، أو ٤٠٪ من إجمالى ديونها).
وعلى الرغم من أن روسيا لم تحقق نفس المستوى من النفوذ، إلا أنها حافظت أيضًا على علاقات قوية منذ حقبة الحرب الباردة، عندما دعم الاتحاد السوفييتي الحركة الشعبية لتحرير أنجولا خلال الحرب الأهلية ضد القوات المدعومة من الغرب وعلى وجه الخصوص منظمة يونيتا. بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، تراجعت العلاقات الثنائية، لكنها تعززت مؤخرًا. ولعدة سنوات، عرضت روسيا صفقات بيع الأسلحة لأنجولا، فضلًا عن خدمات التدريب لقوات الأمن الأنجولية. وتتطلع روسيا أيضًا إلى توسيع استثماراتها فى القطاعات الاستخراجية، خاصة فى مجال النفط والألماس. واستثمرت العديد من الشركات الروسية فى التنقيب عن النفط والتعدين، مما سمح لها بلعب دور فى اقتصاد البلاد.
وبحسب المراقبين، إذا كان جو بايدن قد ناقش العلاقات الثنائية التى تركز على المصالح الأمريكية، مثل النفط أو السيطرة على الموارد، فإنه يخاطر بعدم تلبية توقعات الدول الأفريقية، حيث تطمح تلك الدول إلى شراكات أكثر توازنًا، وتحسين الوصول إلى الأسواق العالمية والدعم الملموس فى مواجهة التحديات العالمية مثل تحول الطاقة والأمن الغذائي. ورغم أن بايدن جاء إلى السلطة برؤية للمصالحة الدولية، فإن إدارته كانت بطيئة فى الدخول فى حوار هادف مع أفريقيا. ولم يتم إحراز أى تقدم فى العديد من القضايا الحاسمة، مثل مسألة التمثيل الأفريقى فى الأمم المتحدة. وافتقرت المبادرات التى تهدف إلى تعزيز الكهرباء والتجارة، إلى التمويل والالتزام الحقيقي.
وفى الوقت نفسه، تعزز النهج الأمنى لواشنطن مع توسيع "أفريكوم" لمحاربة الإرهاب، على حساب التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان. من جانبها، أظهرت إدارة ترامب عدم اهتمام صارخ بأفريقيا، حيث خفضت مساعدات التنمية وزادت التصريحات السلبية، الأمر الذى أدى إلى دق إسفين بين الولايات المتحدة والقارة، مما مهد الطريق أمام قوى أخرى مثل الصين وروسيا، فيما يترقب معظم الأفارقة عودة ترامب الذى أهمل القارة الأفريقية ولم تكن ضمن حساباته.. فماذا تخبىء الأقدار السياسية للقارة السوداء فى ظل إدارة رئيس يرفع شعار "أمريكا أولًا؟".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: بايدن انجولا أفريقيا البيت الأبيض القارة السمراء جو بایدن
إقرأ أيضاً:
قطاع الشحن الدولي ينسفُ التضليل الأمريكي: البيت الأبيض يهدّدُ أمنَ الملاحة في البحر الأحمر
يمانيون../
على خلافِ الدعايات التضليلية التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة لترويجها بشأن الوضع في البحر الأحمر، أكّـد مسؤولون في قطاع الشحن العالمي هذا الأسبوع أن البيت الأبيض هو من يستمر بصناعة التهديدات ضد حركة الملاحة في الممر المائية، بعد أن كانت العديد من الشركات المحدّدة الخاضعة للعقوبات اليمنية قد بدأت بالعودة عقب وقف إطلاق النار في غزة ورفع تلك العقوبات، الأمر الذي يكشف زيف كُـلّ مزاعم واشنطن حول الحرص على حرية الملاحة وحماية السفن.
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، الأحد، عن مسؤولين في قطاع الشحن قولهم: إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة والسيطرة عليها “ضربت آمال العودة إلى طريق البحر الأحمر بعد أكثر من عام من الاضطراب” حسب وصفها، مشيرة إلى أن تصريحات ترامب أثارت مخاوف من انهيار وقف إطلاق النار وتجدد الصراع وبالتالي امتداده إلى باب المندب.
ونقلت الصحيفة عن جان ريندبو -الرئيس التنفيذي لمجموعة (نوردن) للشحن السلعي قوله: إن تصريحات ترامب “أضافت المزيد من المعطيات إلى صورة الاضطرابات والتوتر في الشرق الأوسط وقد يؤدي ذلك إلى إطالة أمد قضية البحر الأحمر”.
وأشَارَت الصحيفة إلى أن تأثير تصريحات ترامب يأتي بعد أن بدأت العديد من السفن غير المسجلة في كيان العدوّ أَو المملوكة بالكامل لجهات “إسرائيلية” إلى البحر الأحمر، استجابة لقرار صنعاء برفع العقوبات عن هذه السفن تزامنًا مع وقف إطلاق النار في غزة.
وذكرت أن “عدد السفن العابرة لمضيق باب المندب ارتفعت بنسبة 4 %” في الأسبوع الذي أعقب رسالة مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية لشركات الشحن والتي أفادت برفع العقوبات عن السفن غير “الإسرائيلية”، مشيرة إلى أن عبور عدة سفن لم تكن قد دخلت المنطقة من قبلُ أبدًا، وهو ما يدل بشكل واضح على إدراك شركات الشحن لمصداقية القوات المسلحة، ولحقيقة أن العمليات البحرية كانت مرتبطة تمامًا بالعدوان على غزة وما رافقه من عدوان على اليمن، وكانت محصورة على فئاتٍ محدودة من السفن المرتبطة بأطراف هذا العدوان، وأنها جاءت “رَدًّا” على سلوك الكيان الصهيوني وشركائه.
ونقلت الصحيفة عن لارس جينسن الرئيس التنفيذي لشركة (فسبوتشي ماريتايم) التي تقدم خدمات استشارية لأصحاب السفن والتجار قوله: إن تصريحات ترامب “حطمت الآمال في العودة إلى المرور عبر البحر الأحمر” مُشيرًا إلى أنه “قبل أسبوع كان هناك ضوء في نهاية النفق، لكن الآن احتمال العودة إلى البحر الأحمر أصبح أقل”.
وقال جان ريندبو الرئيس التنفيذي لمجموعة (نوردن) للشحن السلعي: إن “حركة العبور قد تنتعش بعد نحو شهرين من السلام في البحر الأحمر، لكن إعلان ترامب لم يساعد حقًّا في غرس الثقة في أن هذه المنطقة مستقرة”.
ويعني ذلك أن مصدر التهديد الحقيقي لحركة الملاحة في البحر الأحمر يتمثل في قرارات ومواقف الولايات المتحدة التي تهدّد بعودة الحرب وتوسعها، وهو ما يؤكّـد على الحقيقة الثابتة منذ البداية والمتمثلة في أن السبب الرئيسي للمشكلة لم يكن في الأصل انخراط اليمن في مسار العمليات البحرية المساندة لغزة، بل كان إصرار العدوّ وشركائه وعلى رأسهم الولايات المتحدة على استمرار الإبادة الجماعية في غزة، والتي كان لا بد من أن تؤثر تداعياتها على المنطقة بأكملها.
ويمثل تأثير تصريحات ترامب نموذجًا واضحًا لارتباط أمن واستقرار المنطقة بسلوك الولايات المتحدة الأمريكية ومواقفها، وهو ما ينسفُ كُـلَّ دعاياتها بشأن الحرص على سلامة الملاحة البحرية في الوقت الذي تواصل فيه افتعال الأسباب لعودة الحرب في غزة، وتواصل تحَرّكاتها العدوانية ضد اليمن.
مشروعية العمليات اليمنية وانسداد أفق التحشيد الأمريكي:
في مقابل انكشاف حقيقة مصدر التهديد على أمن واستقرار المنطقة وحركة الملاحة في البحر الأحمر، تزداد الدلائل على مشروعية الموقف الذي استندت إليه العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة، ومحدودية الخطر الذي مثّلته تلك العمليات على حركة الشحن الدولية، حَيثُ نقل موقع “تريد ويندز” النرويجي البريطاني المختص بشؤون الملاحة البحرية عن مالك شركة “إيسترن ميديتيرنيان” اليونانية للشحن، قوله إن شركته تلقّت خلال الحرب رسالة وصفها بـ “لطيفة” من صنعاء مفادُها: “باعتباركم أشخاصًا يتاجرون من وإلى “إسرائيل”، فمن الأفضل لكم ألا تعبُرُوا البحرَ الأحمر مرة أُخرى”.
وَأَضَـافَ الموقع أن “الشركة أوقفت بالفعل إرسال سفنها عبر البحر الأحمر، باستثناء سبع سفن سائبة كانت قد تعهَّدت بالفعل بالقيام بهذه الرحلة، وتم استهدافُ ست منها بطائرات مسيَّرة بحرية وصواريخ”.
وقال رئيس الشركة اليونانية: “بعد ذلك، توصلنا إلى اتّفاق مع الطواقم الفلبينية بعدم المرور مرة أُخرى” مُشيرًا إلى أن اليمنيين “أظهروا كفاءة وتطورًا في هجماتهم”.
وتشير هذه التصريحات بوضوح إلى أن عملياتِ القوات المسلحة اليمنية لم تكن عشوائية، كما تحاول الولايات المتحدة والعدوّ الصهيوني وشركاؤهما تصويرَها، بل كانت مركَّزة ودقيقةً على فئات السفن المرتبطة بجبهة العدوان على غزة واليمن، وأن صنعاء حرصت بشكل كبير على التواصل الواضح والمباشر مع شركات الشحن ذات الصلة، لتوضيح موقفها ولتجنيبِ هذه الشركات مخاطرَ تعريض سفنها للهجمات، الأمر الذي ينسفُ الروايةَ الأمريكية الصهيونية التي حاولت تصوير العمليات اليمنية؛ باعتبَارها عدوانًا على الملاحة الدولية بأكملها، ووسيلةً لابتزاز العالم.
وفي ظل تأكُّـد شركاتِ الشحن من طبيعة ومعايير العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة، وارتباطها الوثيقِ بسلوك جبهة العدوّ الصهيوني الأمريكي، فَــإنَّ المساعيَ الصهيونية والأمريكية للتحشيد الدولي والإقليمي ضد اليمن تبدو مسدودةَ الأفق أكثر من أي وقت مضى، حَيثُ أصبح الجميعُ يعرفون جيِّدًا أن تلك المساعيَ لا تخدُمُ أمنَ الملاحة، بل إنها مسبِّبٌ رئيسيٌّ للاضطرابات، وأن التورط مع الولايات المتحدة؛ مِن أجلِ استهداف اليمن لن يؤدي إلا إلى الدخول في قائمة العقوبات اليمنية التي لا حاجة للتعرُّض لها.
المسيرة