تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

انتهت أمس الأربعاء، زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنجولا التى بدأها الإثنين، وهى رحلة تم تأجيلها عدة مرات، ويمثل هذا الحدث، المشحون استراتيجيًا ورمزيًا، أول زيارة يقوم بها رئيس أمريكي إلى أفريقيا منذ زيارة باراك أوباما فى عام ٢٠١٥، مع فارق كبير يتمثل فى أن أوباما زار القارة فى أوج رئاسته فيما يزورها بايدن وهو يودع البيت الأبيض، مما يثير العديد من الأسئلة قبل بداية ولاية دونالد ترامب الذي لم يزر القارة نهائيًا.

جاءت هذه الزيارة فى الوقت الذى اتسمت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا بوعود كبيرة لم يتم الوفاء بها منذ عهد أوباما، مما يكشف عن أوجه القصور الهيكلية فى السياسة الأمريكية فى القارة.

ممر لوبيتو 

تمثل زيارة جو بايدن لأنجولا فى الواقع جزءًا من إطار مزدوج: من ناحية احترام الوعد الذى قطعه لرؤساء الدول الأفريقية خلال قمة واشنطن فى ديسمبر ٢٠٢٢، حيث التزم بزيارة القارة قبل نهاية ولايته؛ ومن ناحية أخرى، الاعتراف بالأهمية الاستراتيجية لأنجولا، على الصعيدين القارى والدولي. فليس بالأمر الهين بأى حال من الأحوال اختيار هذا البلد الناطق بالبرتغالية، الواقع فى جنوب أفريقيا، والذى يبلغ عدد سكانه ٣٧ مليون نسمة، والذى حصل على استقلاله عن البرتغال عام ١٩٧٥، بعد كفاح طويل خاضته حركات التحرير.

لقد أصبحت أنجولا الغنية بالنفط والغاز (أكثر من ٩٠٪ من الصادرات و٤٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي) نقطة ساخنة للمبادرات الجيوسياسية الأمريكية فى القارة. وجاءت زيارة الرئيس الأمريكى فى إطار تطوير "ممر لوبيتو"، وهو مشروع للسكك الحديدية تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويهدف هذا المشروع الضخم إلى ربط ميناء لوبيتو بجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع امتداده إلى زامبيا، لتسهيل تسليم المواد الخام الاستراتيجية مثل النحاس والكوبالت، الضرورية لانتقال الطاقة العالمية. وأثناء استقبال الرئيس الأنجولى جواو لورينسو فى واشنطن نهاية عام ٢٠٢٣، وصف بايدن هذا المشروع بأنه "أكبر استثمار أمريكى فى السكك الحديدية الأفريقية". وترمز هذه البنية التحتية، وهى بديل لمبادرة طرق الحرير الجديدة الصينية، إلى رغبة واشنطن فى توفير طريق آخر للدول الأفريقية.

دوافع جيوسياسية

كما ذهب بايدن إلى أنجولا أيضًا لدوافع جيوسياسية، فقد كثفت الحكومة الأنجولية، بقيادة الرئيس جواو لورينسو، جهودها للحفاظ على السلام فى هذه المنطقة الهشة، سعيًا للحد من تأثير العنف عبر الحدود وحركات التمرد الداخلية التى تؤثر على البلدان المجاورة، وخاصة جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا. تتمتع أنجولا ببعض الشرعية والسلطة للعب دور الوساطة بسبب تاريخها فى المصالحة الوطنية بعد عقود من الحرب الأهلية (من عام ١٩٧٥ إلى عام ٢٠٠٢).

التواجد الصيني

ومن الواضح أن واشنطن تسعى إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع هذا البلد مع تزايد نفوذ الصين وروسيا هناك فى السنوات الأخيرة. وتعد بكين، التى استثمرت بكثافة فى قطاعات البناء والبنية التحتية والطاقة، الشريك التجارى الرئيسى لأنجولا. وفى المقابل، استفادت البلاد من القروض الصينية لبناء الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، فضلًا عن تحديث قطاع الطاقة. وغالبًا ما يتم تمويل المشاريع من خلال قروض منخفضة الفائدة أو صفقات تمويل مضمونة بموارد أنجولا الطبيعية (مثل النفط)، الأمر الذى أدى إلى تعميق مديونية البلاد للصين (التى تصل قيمتها إلى ١٧ مليار دولار، أو ٤٠٪ من إجمالى ديونها). 

وعلى الرغم من أن روسيا لم تحقق نفس المستوى من النفوذ، إلا أنها حافظت أيضًا على علاقات قوية منذ حقبة الحرب الباردة، عندما دعم الاتحاد السوفييتي الحركة الشعبية لتحرير أنجولا خلال الحرب الأهلية ضد القوات المدعومة من الغرب وعلى وجه الخصوص منظمة يونيتا. بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، تراجعت العلاقات الثنائية، لكنها تعززت مؤخرًا. ولعدة سنوات، عرضت روسيا صفقات بيع الأسلحة لأنجولا، فضلًا عن خدمات التدريب لقوات الأمن الأنجولية. وتتطلع روسيا أيضًا إلى توسيع استثماراتها فى القطاعات الاستخراجية، خاصة فى مجال النفط والألماس. واستثمرت العديد من الشركات الروسية فى التنقيب عن النفط والتعدين، مما سمح لها بلعب دور فى اقتصاد البلاد.

وبحسب المراقبين، إذا كان جو بايدن قد ناقش العلاقات الثنائية التى تركز على المصالح الأمريكية، مثل النفط أو السيطرة على الموارد، فإنه يخاطر بعدم تلبية توقعات الدول الأفريقية، حيث تطمح تلك الدول إلى شراكات أكثر توازنًا، وتحسين الوصول إلى الأسواق العالمية والدعم الملموس فى مواجهة التحديات العالمية مثل تحول الطاقة والأمن الغذائي. ورغم أن بايدن جاء إلى السلطة برؤية للمصالحة الدولية، فإن إدارته كانت بطيئة فى الدخول فى حوار هادف مع أفريقيا. ولم يتم إحراز أى تقدم فى العديد من القضايا الحاسمة، مثل مسألة التمثيل الأفريقى فى الأمم المتحدة. وافتقرت المبادرات التى تهدف إلى تعزيز الكهرباء والتجارة، إلى التمويل والالتزام الحقيقي. 

وفى الوقت نفسه، تعزز النهج الأمنى لواشنطن مع توسيع "أفريكوم" لمحاربة الإرهاب، على حساب التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان. من جانبها، أظهرت إدارة ترامب عدم اهتمام صارخ بأفريقيا، حيث خفضت مساعدات التنمية وزادت التصريحات السلبية، الأمر الذى أدى إلى دق إسفين بين الولايات المتحدة والقارة، مما مهد الطريق أمام قوى أخرى مثل الصين وروسيا، فيما يترقب معظم الأفارقة عودة ترامب الذى أهمل القارة الأفريقية ولم تكن ضمن حساباته.. فماذا تخبىء الأقدار السياسية للقارة السوداء فى ظل إدارة رئيس يرفع شعار "أمريكا أولًا؟".
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: بايدن انجولا أفريقيا البيت الأبيض القارة السمراء جو بایدن

إقرأ أيضاً:

ماكرون يغضب أفريقيا ويجدد السجال بشأن حقبة الاستعمار الفرنسي للقارة السمراء

أثارت تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أيام أمام سفراء بلاده بمؤتمر سنوي حول السياسة الخارجية الفرنسية لعام 2025، غضب إفريقيا وتسببت في تجدد الجدل بشأن حقبة الاستعمار الفرنسي للقارة السمراء.

فقد قال ماكرون، إن بعض بلدان الساحل الإفريقي "ما كان لأي منها أن تصبح دولة ذات سيادة لولا نشر الجيش الفرنسي في هذه المنطقة".

وأشار إلى أن بلاده "كانت على حق عند التدخل عام 2013 لمحاربة المتطرفين، حتى لو نأت هذه الدول بنفسها الآن عن الدعم العسكري الفرنسي".

وأضاف ساخرا: "أعتقد أنهم نسوا أن يشكرونا، ولكن لا بأس، سيأتي ذلك في الوقت المناسب"، فيما نفى أن تكون فرنسا تتراجع في إفريقيا "بل تعمل على إعادة تنظيم نفسها فحسب".


ورفض ماكرون ما يجري الحديث عنه من أن فرنسا طردت من إفريقيا، مضيفا أن باريس اقترحت على رؤساء الدول الإفريقية إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي و"بما أننا مهذبون للغاية، فقد سمحنا لهم بالأولوية في الإعلان"، بحسب قوله.

وأوضح أن فرنسا غادرت المنطقة "لأنه كانت هناك انقلابات، ولأننا كنا هناك بناء على طلب دول ذات سيادة. ومنذ اللحظة التي حدثت فيها الانقلابات، عندما قال الناس إن أولويتنا لم تعد هي الحرب ضد الإرهاب، لم يعد لفرنسا مكانها".

غضب في القارة
تصريحات الرئيس الفرنسي هذه أثارت غضبا واسعا في القارة الإفريقية، وأعادت السجال مجددا بشأن حقبة الاستعمار الفرنسي في القارة.

وهاجم قادة و مسؤولين أفارقة تصريحات الرئيس الفرنسي ووصفوها بالمستفزة، فيما تفاعل الجدل بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي.

واستذكر عدد من النشطاء الأعمال التي قامت بها فرنسا إبان حقبة استعمارها لإفريقيا، ساخرين من تصريحات ماكرون.

"السيادة غير قابلة للتفاوض"
وكان رئيس الحكومة السنغالية عثمان سونكو، أول مسؤول إفريقي هاجم بقوة تصريحات الرئيس الفرنسي، قبل أن تتوالى الردود الغاضبة من أكثر من بلد إفريقي.


وقال رئيس الحكومة السنغالية، منتقدا ماكرون: "إنه لو لم يتم نشر الجنود الأفارقة خلال الحرب العالمية الثانية للدفاع عن فرنسا، لربما كانت اليوم ألمانية".

وأضاف في بيان: "بأن سيادة السنغال غير قابلة للتفاوض وإن القرار المتعلق بالقواعد العسكرية هو إرادتنا السيادية المستقلة".

ونفى سونكو أن تكون بلاده قد دخلت "في أي مناقشات أو مفاوضات سابقة مع فرنسا بشأن انسحاب القواعد العسكرية الفرنسية". واعتبر أن القول إنه "لا دولة إفريقية كانت ستتمتع بالسيادة من دون فرنسا ليس أمرا خاطئا فحسب، بل إنه ينطوي على عدم احترام عميق للتاريخ".

"فرنسا لم تكن عامل استقرار"
شدد رئيس الحكومة السنغالية، على أن فرنسا "لم تكن دائما عامل استقرار في إفريقيا، بل كانت لزعزعة الاستقرار في ليبيا، من بين أمور أخرى، تداعيات كارثية على منطقة الساحل وغرب إفريقيا".

وأوضح أنه "إذا كانت فرنسا قد نالت حريتها، فإن ذلك يرجع أيضا إلى آلاف الجنود الأفارقة، الذين غالبا ما تم تجنيدهم بالقوة، وسفكت دماؤهم للدفاع عن أمة تقلل اليوم من مساهمتهم"، مؤكدا تجديد السنغال "التزامها برسم طريقها الخاص، دون أي تدخل، لضمان أمنها وتنميتها".

"ازدراء إفريقيا"
من جهته وصف وزير الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، تصريحات الرئيس الفرنسي بأنها: "موقف ازدراء تجاه إفريقيا والأفارقة".

وقال في بيان نشرته الخارجية التشادية عبر حسابها على فيسبوك، "التاريخ يشهد على أن إفريقيا بما في ذلك اتشاد، لعبت دورا حاسما في تحرير فرنسا أثناء الحربين العالميتين، وهي الحقيقة التي لم تعترف بها فرنسا قط".

وأضاف "تم التقليل من أهمية التضحيات الهائلة التي قدمها الجنود الأفارقة دفاعا عن الحرية، ولم يتم التعبير عن أي شكر ذي معنى".

وقال إنه "يتعين على القادة الفرنسيين أن يتعلموا احترام الشعوب الإفريقية والاعتراف بقيمة تضحياتهم".

وتابع: "فرنسا لم تقم قط بتجهيز الجيش اتشادي بشكل كبير، ولم تساهم في تطويره البنيوي، فخلال 60 عاما من الوجود الفرنسي، الذي شهد الحروب الأهلية والتمردات وعدم الاستقرار السياسي لفترة طويلة، كانت المساهمة الفرنسية في كثير من الأحيان مقتصرة على مصالحها الاستراتيجية الخاصة، دون أي أثر حقيقي دائم للتنمية لصالح الشعب اتشادي".

من جهتها وصفت وزارة الخارجية في بوركينافاسو، تصريحات الرئيس الفرنسي بأنها "تسيئ إلى إفريقيا وتتعارض مع الحقائق التاريخية".



رفض شعبي
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ارتفعت الأصوات الغاضبة من تصريحات ماكرون. وفي هذا السياق كتب الناشط محمد آدم حسين: "يقول إيمانويل ماكرون أنّ الأفارقة أنكروا الجميل وأن طرد القواعد العسكرية الفرنسية من أفريقيا لم يكن كذلك إنما من تدبير فرنسا، كل هذا لأن بعض الأُسود من القادة الأفارقة، قالوا علينا أن نضمن السيادة الكاملة في أفريقيا".

وتابع في منشور عبر صفحته على فيسبوك: "نحن الشعب الأفريقي نقول: عذراً يا ماكرون نحن لا نريد قواعد عسكرية أجنبية في أفريقيا، وستكون أفريقيا قارة مفتوحة لجميع الدول الراغبة في الاستثمار أو تحقيق شراكة حقيقية ذات منفعة مشتركة".

من جهته كتب النائب في البرلمان الموريتاني محمد الأمين سيدي مولود، معلقا على السجال بشأن تصريحات ماكرون: "السيادة تستوجب الندية والمعاملة بالمثل وليس التبعية أو الرضوخ أو الهامشية".


وكتب الدكتور إياد قنيبي معلقا على تصريحات الرئيس الفرنسي: "مليون ونصف مليون مسلم قتلتهم فرنسا خلال ثورة التحرير الجزائرية ولا تزال تحتفظ بجماجم كثير منهم بمتحف الجماجم في باريس، مجزرة الدار البيضاء في 1907: التي قتلت فيها فرنسا حوالي 6 آلاف مغربي، مجزرة تازركة بتونس في 1952 : اغتصبوا فيها النساء ودهسوا الرضّع".

وتابع: "منذ سنة 1961 تحتفظ فرنسا بالاحتياطات المحلية لـ14 دولة أفريقية من بينها مالي والنيجر والسنغال وتشاد، وبذلك تحقق الخزانة الفرنسية ما يعادل 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد السنوية من أفريقيا، بينما تعيش هذه الدول في فقر ومرض وجوع".

نفوذ باريس
وتزايدت خلال العام المنصرم، مطالبات القادة الأفارقة للقوات الفرنسية بمغادرة بلادهم، فيما يشبه انتكاسة لنفوذ باريس في أفريقيا التي شكّلت لأكثر من قرنين محور السياسة الخارجية والحضور العسكري الفرنسي خارج الحدود.

ويرى متابعون أن الخروج العسكري الفرنسي من أفريقيا ستكون له تداعيات على حجم نفوذها في القارة، خصوصا في ظل ظهور منافسين أقوياء لباريس في شمال وغرب القارة، مثل الصين وروسيا.

وظلّت أفريقيا، لعقود، المزوِّد الرئيسي لفرنسا بالطاقة واليورانيوم والمعادن، إذ تضخّ دول أفريقيّة مثل النيجر ومالي وتشاد 25 في المئة من احتياجات المفاعلات النووية التي تعتمدها فرنسا للتزود بالكهرباء.

كما تضع فرنسا يدها على العديد من ثروات القارة عن طريق الشركات الفرنسية العملاقة. ووفق تقديرات بعض الخبراء، فإن 80 في المئة من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا يصدّر بإشراف فرنسي نحو القارات الأخرى.

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: بايدن تحدث هاتفيا مع زيلينسكي وأكد مواصلة دعم أوكرانيا
  • البيت الأبيض: بايدن أكد لزيلينسكي استمرار دعم أوكرانيا
  • البيت الأبيض: بايدن يلقي خطاب الوداع من المكتب البيضاوي الأربعاء
  • بايدن يودّع البيت الأبيض بسخط الأمريكيين على ولايته
  • ماكرون يغضب أفريقيا ويجدد السجال بشأن حقبة الاستعمار الفرنسي للقارة السمراء
  • البيت الأبيض: بايدن وعون يتفقان على تنفيذ وقف الأعمال العدائية بالكامل بين لبنان وإسرائيل
  • على هامش القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي.. وزير الزراعة يبحث سبل التعاون المشترك مع دول القارة السمراء
  • البيت الأبيض: بايدن يلغي زيارته إلى إيطاليا بسبب حرائق كاليفورنيا
  • البيت الأبيض: بايدن يعتزم زيارة إيطاليا في آخر رحلة خارجية له خلال فترة رئاسته
  • سوريا والتحدي الجديد: العرب والأكراد والأتراك والإيرانيون حوار أو صراع